الخميس، 6 أبريل 2023

التزاحم بين فعل راتبة العشاء وصلاة التراويح

[لا تشويش يقع من انتظار الإمام الناس حتى يصلوا ركعتين

بعد العشاء وقبل التروايح]


انتظار الإمام من حسن فقه الخلاف, ولا يترتب عليه حرج, ولا يوقع في مشقة, ولا تحدث به فتنة ولا تشويش إلا في خيال بعضهم!!

فليس كل خلاف لمشهور المذهب ولا ما اعتاده أهل بلد في زمن ما: يحصل به تشويش على الناس, وإنما يقع التشويش من المتعصبة ونحوهم...

وبلدنا ليبيا اختلطت فيها المذاهب بالنظر إلى آحاد المسائل الشرعية, فلا يتدين الناس فيها بمذهب واحد لا يخرجون عنه, واحتمل بعضهم بعضا من غير إنكار إلا بإبداء الحجة...

ولا يعني ذلك نفي أن يكون المذهب الرسمي للبلد هو المذهب المالكي, لكن كونه رسميا لا يدل على أن أهل البلد ملتزمون به في كل مسألة ولا يخرجون عنه, فهذا يكذبه الواقع...


فما يصوره بعضهم من التشويش والفتنة هو محض خيال, ولو سلم وجوده فنادر أو قليل, والحكم للغالب...


وراتبة العشاء من النفل المؤكد الموقت بعدد, وتأكيدها كان لمعنى مناسب؛ فقد جعلها الله جابرة للنقص الواقع في الفرائض.

وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصليها في بيته بعد العشاء, ففي صحيح البخاري (2/ 57)عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد الجمعة، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء»

إلا أن مالكا رحمه الله لم يوقت قبل الصلاة المفروضة ولا بعدها نفلا معلوما له حد يتوقف عليه الندب

ولا يرى المالكية أن للنفل التابع للفرائض نية تعيين إلا سنة الفجر.

واستغنى المالكية بالشفع والوتر عن النفل بعد العشاء, كما ذكر ذلك الخرشي في شرح مختصر خليل (2/ 3)

وهو خلاف ما عليه الجمهور, وخلاف ما ثبت به فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما غاير بين النفل بعد العشاء وقيام الليل, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص العشاء بركعتين ثم يصلي قيام الليل ويوتر.

فالركعتان بعد العشاء لا تدخلان في قيام الليل ولا في قيام رمضان الذي ورد فيه فضل خاص وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة) 

فشرط هذا الفضل: أن يقوم مع الإمام فلا تفوته معه تسليمة, 

ومن صور تخلفه: إذا صلى أول ركعتين مع الإمام بنية راتبة العشاء فإنه لا يكون قد صلى مع الإمام التراويح حتى ينصرف؛ لأن الركعتين لم ينو بهما قيام الليل, والفضل إنما علق على قيام الليل مع الإمام.

فكيف إذا فاتته ركعتان مع الإمام لانشغاله بالركعتين بعد العشاء؟!!

وهذا يقتضي فقها عند تزاحمهما وتعذر البدء براتبة العشاء إذا كان الإمام لا يترك وقتا لصلاة الركعتين بعد العشاء

ففي هذه الحال, هل يكون الأفضل أن يصلي الرجل الركعتين بعد العشاء ولو فاتته تسليمة مع الإمام أو يكون الأفضل أن يصلي التراويح مع الإمام ثم يصلي بعد ذلك راتبة العشاء؟

محل نظر واجتهاد, ولعل الأقرب أن يصلي مع الإمام حتى ينصرف؛ إدراكا للفضل الخاص, ثم يصلي راتبة العشاء

ومن أوجه هذا الترجيح أن المصالح إذا تزاحمت فإنه: 

1-يقدم ما شرع فيه الجماعة على ما لم تشرع فيه الجماعة.

2-يقدم ما تفوت فضيلته بفوات وقته أو شرطه, فصلاة الليل مع الإمام تفوت فضيلتها بفوات القيام مع الإمام, بخلاف تأخير الركعتين بعد العشاء؛ فإن مصلحتها لا تفوت بتأخيرها.

والذي ينبغي على الإمام أن يراعي المصلين في مسائل الاجتهاد, والأكمل أن يمكن المصلين من صلاة ركعتين بعد العشاء وإن كان هو على مذهب مالك 

فيتحقق بذلك للمصلي تحصيل مصلحة راتبة العشاء ومصلحة قيام رمضان مع الإمام, فالمصالح إذا اجتمعت وأمكن تحصيلها جميعا كان هو الأفضل.


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق