الأربعاء، 17 أبريل 2024

الأحوط في الرخص


محل الأخذ بالاحتياط والاحتجاج به

■ذكرت في منشور سابق أن باب #الرخص كالمسح على الجورب ليس محلا للأخذ فيه بالأحوط؛ لأن الباب مبني على التسهيل والتيسير, فلا يناسبه الأحوط؛ لأن الأخذ بالأحوط فيه تشديد, فتنافت الحقيقتان...
■وبينت أن محل #الأخذ_بالأحوط والاحتحاج به بالنسبة للناظر هو #التردد والشك، فإذا تردد في كون الفعل #رخصة أو لا؛ لأنه لم يتبين له ساغ له حينئذ الأخذ بالأحوط, وإنما ساغ للمتردد أو الشاك الأخذ بالأحوط لأن ذمته مشغولة بالعبادة, فلا تبرأ ذمته إلا بيقين, والرخصة هنا مشكوك فيها عنده.
■وفسرت ذلك ببيان الغلط, وهو أن ينطلق الناظر ابتداء في عدم المسح على الجوربين مثلا من #الأحوط؛ اعتمادا على وجود #خلاف أو اعتمادا على أن المسح مختلف فيه والغسل متفق عليه...
وانتبه لهذا؛ لأنه مهم (الانطلاق من كونه أحوط)

■فاعترض أحد الإخوة بما لا يصح أن يعترض به, وأخذ يجمع أقوال الأئمة من غير أن ينقح مناطها ويهذبه كما هي عادته في غير مسألة
■فزعم وفقه الله أن السلف حرصوا على #الاحتياط_في_الرخص, ومن ذلك  -على زعمه- احتياط بعضهم في مسألة المسح على الخفين, فأورد أثرا لعمر وابن عمر ولأبي أيوب...
●ففي الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف لابن المنذر (1/ 439)
قال روينا عن عمر بن الخطاب أنه أمرهم أن يمسحوا على خفافهم، وخلع هو خفيه وتوضأ، وقال: إنما خلعت؛ لأنه حبب إلي الطهور،
وكان أبو أيوب يأمر بالمسح على الخفين ويغسل قدميه، ويقول: أحب إلي الوضوء، وروينا عن ابن عمر أنه قال: إني لمولع بغسل قدمي، فلا تقتدوا بي.

■تحليل الروايات ومناطاتها:
●1-هم مقرون بثبوت رخصة #المسح_على_الخفين, ولهذا أمروا الناس بالمسح.
●2-علة غسلهم القدمين وتقديمه على المسح أن الغسل أحب إليهم, وليس الشك في المسح أو في عدم إجزائه, أو لاحتمال بطلان العبادة كما ادعى, فلا مدخل للأحوط هنا؛ لأنه مبنى على هذه الاحتمالات...
وأما ابن عمر فعلل بميله الطبيعي إلى غسل القدمين.
■□فكونه أحب أو أميل للطبيعة ليس فيه أخذا بالأحوط على النحو المتقدم, ولا عللوا بالعمل بما هو أضمن وأوكد في القبول.

□غريب الاستدلال بأقوالهم على الأحوط!!!!

■وأما قول الأخ:(وهذا دليل ظاهر على أن ترك الرخصة الاجتهادية المؤدية لاحتمال بطلان للعبادة الواجبة ليس تشديدا مذموما)
●لما تقرر في نفسه أن الأحوط في مسألة الرخص لابد أن يصاحبه احتمال عدم الإجزاء أو شك احتاج أن يذكره فنقض نفسه من حيث لا يدري, وهو دليل على عدم تنقيحه المناط, وأخذه الآثار من غير فقه لها, وقد تقدم نحو ذلك في عدة مسائل كمسألة الإنكار العلني, وضابط الولاية الشرعية, ومعنى القدرة الشرعية المشترطة في جها د الدفع ...


وأما ما أورده عن #الإمام_مالك (المسح [على الخفَّين] في السفر والحضر يقين لا شك فيه، ولكني كنت آخذ في نفسي بالطهور [بغسل الرجلين]، فمن مسح فلا أراه مقصرا).

●فهذه إحدى الروايات عن مالك
فقد ذكر يحيى بن إسحاق بن يحيى الأندلسي في كتابه عن أصبغ ابن الفرج قال: اختلف قول مالك في المسح على الخفين بأقاويل ثلاثة ، أخبرنا بها ابن القاسم وأشهب وابن وهب، مرة قال: لا يمسح في حضر ولا سفر، ومرة قال: يمسح في السفر ولا يمسح في الحضر، ومرة قال: يمسح على كل حال في السفر والحضر ولا يوقت وقتا ولا غيره، وهو أعم قوله في موطأه  وغيره. انظر اختلاف أقوال مالك وأصحابه لابن عبد البر(ص: 67)

■ومبنى هذا القول على مسألة الأفضل لا على الأحوط, فاتقاه في نفسه لا على وجه الشك فيه واحتمال عدم الإجزاء, وإنما نظر إلى معنى آخر...
●قال صاحب الاستذكار والمازري: ينبغي أن يحمل قوله بالمنع على الإطلاق على الكراهة في خاصة نفسه, كالفطر في السفر جائز والأفضل تركه, انظر الذخيرة للقرافي (1/ 322)
●وقد أشار إلى هذا ابن قدامة في المغني  (620) (3/ 126) لما تكلم عن القصر في السفر: (ولا أعلم فيه مخالفا من الأئمة إلا الشافعي في أحد قوليه, قال : الإتمام أفضل ؛ لأنه أكثر عملا وعددا ، وهو الأصل ، فكان أفضل ، كغسل الرجلين) . فعلل بكونه أفضل؛ لكونه أكثر عملا, وقاسه على غسل الرجلين في الوضوء.

■والغريب أن الأخ الكريم أورد عدة مسائل لا علاقة لها بالاحتياط فجعل الداعي لها الاحتياط!!, كالحرص على صلاة الجماعة مع وجود المرض الشديد, فكون الإنسان يتحامل على نفسه ويأخذ بالشدة لا يدل على أنه فعل ذلك احتياطا؛ لأن الذمة بريئة بصلاته في بيته...
■وأورد مسألة تقديم الصوم على الفطر في السفر, وفيها أدلة محتملة...
■ومسألة القصر في السفر تركها بعض السلف حتى لا يفهم أنها فرضت كذلك, قال الشاطبي في الموافقات (4/ 102):( ( الصحابة عملوا على هذا الاحتياط في الدين لما فهموا هذا الأصل من الشريعة، وكانوا أئمة يقتدى بهم؛ فتركوا أشياء وأظهروا ذلك ليبينوا أن تركها غير قادح وإن كانت مطلوبة؛ فمن ذلك ترك عثمان القصر في السفر في خلافته، وقال: "إني إمام الناس، فينظر إلي الأعراب وأهل البادية أصلي ركعتين؛ فيقولون: هكذا فرضت")

■وليته وقف عند هذا الحد في النقل مع عدم تحريره تلك النقول, وإنما جاوز ذلك فنقل كلاما عن بعض العلماء لا علاقة له بالمسألة المبحوثة أصلا كنقله عن #الشاطبي قوله: (فالأحرى بمن يريد براءة ذمته وخلاص نفسه الرجوع إلى أصل العزيمة، إلا أن هذه الأحروية تارة تكون من باب الندب، وتارة تكون من باب الوجوب) الموافقات (1/ 516)
●وهنا فيه بتر في كلامه, فالشاطبي قبل هذه الجملة كان يتكلم عن الرخصة التي لم يوجد شرطها.

■كما أوهم أن الشاطبي يتبنى أن الأخذ بالعزيمة وترك الرخصة سائغ بل قد يكون مستحبا, لما نقل قوله: "... فثبت أن الوقوف مع العزائم أولى، والأخذ بها في محال الترخص أحر).
●مع أن الشاطبي إنما يذكر حجج من أخذ بالعزيمة والتي ذكر منها هذا القول:" فثبت أن الوقوف مع العزائم أولى", ثم ذكر حجج من لم يقدم الأخذ بالعزيمة إلى أن قال: (فإن قيل: الحاصل مما تقدم إيراد أدلة متعارضة، وذلك وضع إشكال في المسألة؛ فهل له مخلص أم لا؟ قيل: نعم، من وجهين: أحدهما:
أن يوكل ذلك إلى نظر المجتهد؛ فإنما أورد هنا استدلال كل فريق، من غير أن يقع بين الطرفين ترجيح، فيبقى موقوفا على المجتهد، حتى يترجح له أحدهما مطلقا، أو يترجح له أحدهما في بعض المواضع، والآخر في بعض المواضع، أو بحسب الأحوال). الموافقات (1/ 531)

■ثم نقل الأخ وفقه الله عن #الونشريسي وعليش كلاهما عن العز بن عبد السلام قوله: "الأخذ بالرخص محبوب ودين الله يسر ... وإن كان الأفضل الأخذ بالعزيمة تورعاً واحتياطاً واجتناباً لمظان الريب والتهم" انتهي
●والغريب أنه أهمل السياق, فالكلام في سياق تتبع الرخص, ولا شك أن الأخذ بالعزيمة مقدم على تتبع الرخص, وقد رد الونشريسي على العز قوله الأخذ بالرخص محبوب.

■وأما استعمال الأئمة للأحوط في غير الرخص لغير علة التردد والشك فهذا لا إشكال فيه وله ضابطه, وهو خارج محل البحث, وهذه مغالطة..

■ثم خلص لاستخراج نتائج لا محل لها, والوقت لا يسع لمناقشتها, فيكفي ما تقدم, والاشتغال بالتخطئة ممن لا يحسن النظر في المعاني ليس من العلم والعقل والدين.

وأختم بقول #شيخ_الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (26/ 54):(فإن الاحتياط إنما يشرع إذا لم تتبين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإذا تبينت السنة فاتباعها أولى).

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق