الخميس، 8 أغسطس 2024

التعايش بين الطوائف والفرق والجماعات

 التعايش بين الطوائف والفرق والجماعات 


الأصل في أهل البدع الهجر والعقوبة؛ صيانة للشريعة وزجرا للناس

ولكل قاعدة استثناءات بحسب ما تقتضيه الضرورة وفقه المصالح... 


فمع كون الهجر أصلا لمن تسمى باسم أخص من اسم الإسلام وهو المبتدع

 إلا أن التطبيق الواقعي يدور على المصالح والمفاسد، وقوة أهل السنة وضعفهم، فليس كل مبتدع بجب هجره والتحذير منه على كل حال. 


فلا يلزم بالضرورة من تسميته مبتدعا هجره وعدم التعاون معه لا سيما ضد من يحارب الإسلام

ولا ينافي التعايش معه وفق ما تأمر به الشريعة سواء في حال الاختيار أو في حال الاضطرار 


فأهل السنة إذا تمكنوا لم يظلموا ولم يعتدوا بالتكفير والقتل وسفك الدماء...

وإنما يعطونهم ما يستحقونه من الأسماء ويحرصون على تعليمهم وإقامة الحجة عليهم

وإذا عاقبوهم عاقبوهم بقدر ما يخمد بدعتهم... فيتعاملون معهم بالعدل

وأما إذا كان أهل السنة في ضعف صبروا ولم ينافقوهم...

بخلاف ما نراه اليوم من بعض التيارات والمؤسسات الذين يحاولون جاهدين منافقة الطوائف التي يرون بدعيتها، وأما التي لا يبدعونها من طوائف اهل الكلام فيحاولون تسويغ  اعتقادها وجعل الخلاف معها خلاف اجتهاد وفروع...!!! 

قال ابن تيمية { ... ولهذا كان أهل السنة مع أهل البدعة بالعكس إذا قدروا عليهم لا يعتدون عليهم بالتكفير والقتل وغير ذلك، بل يستعملون معهم العدل الذي أمر الله به ورسوله، كما فعل عمر بن عبد العزيز بالحرورية والقدرية، وإذا جاهدوهم فكما جاهد علي - رضي الله عنه - الحرورية بعد الإعذار إقامة للحجة وعامة ما كانوا يستعملون معهم الهجران والمنع من الأمور التي تظهر بسببها بدعتهم، مثل ترك مخاطبتهم ومجالستهم لأن هذا هو الطريق إلى خمود بدعتهم، وإذا عجزوا عنهم لم ينافقوهم بل يصبرون على الحق الذي بعث الله به نبيه كما كان سلف المؤمنين يفعلون وكما أمرهم الله في كتابه حيث أمرهم بالصبر على الحق وأمرهم أن لا يحملهم شنآن قوم على أن لا يعدلوا.} ( الفتاوى الكبرى ج6/ ص528) . 


فأهل السنة إذا جلسوا مع من يرونهم مبتدعة فهم في جلوسهم ما بين أن يكونوا متمكنين فيتعاملون معهم بالعدل وما تقتضيه المصلحة الشرعية، أو يكونوا ضعافا فيتعاملون معهم بالصبر ولا ينافقون...


فالتسامح والتعايش ودفع خطاب الكراهية يجب أن يقوم على وسطية الشريعة واعتدالها، وبما يحافظ على الضرورات الخمس وما يقتضيه فقه الموازات بين المصالح والمفاسد

لا أن يقوم على الإنسانية ومبادئ العلمانية... 


ومصطلح التعايش أول من استعمله الرئيس السوفيتي (خروتشوف)...وفق ما اقتضاه واقعه... 


وعرفته (اليونسكو) باحترام الآخرين وحرياتهم والاعتراف بالاختلافات والقبول بالآخر...

ويجعلونه بديلا عن العلاقة العدائية... 


وكالعادة تنصرف همم بعض المسلمين إلى أسلمة هذا المصطلح؛ بقطعه عن سياقه التاريخي وجذوره العقدية....

وهذا يستقيم في مصطلحات دون مصطلحات بحسب قوة تعلق تلك الجذور بالمصطلح وضعفها، وهل يمكن انفكاكها عنه أو لا؟ 


وفي محاولة الكلام عن أسلمة مصطلح التعايش السلمي لابد أن نلحظ أمرا في غاية الأهمية وهو: أن العقيدة الصحيحة واحدة لا تقبل التعدد والتناقض، فلا يمكن لعقيدتين متضادتين او متناقضتين أن تكونا صحيحتين عند الله سبحانه، وعليه لابد أن تقوم الأسلمة على أن العقيدة الصحيحة واحدة، وعلى دوران مصطلح اهل السنة عليها.. 


ولهذا لما تعايش النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة مع العقائد والدييانات المختلفة تعايش معها وفق أن الإسلام هو الحق دون غيره... 


وهذا لا يستقيم مع التعايش الذي يدعو إليه الغرب وجعلوه أنموذجا حضاريا، فالتعايش عندهم يقوم على تعدد الحق... 


طيب

إذا حاولنا أسلمة هذا المصطلح ( التعايش السلمي) وحصرنا الكلام بين الطوائف والفرق الإسلامية

فنقول: 


هذا المصطلح قد يعبر به عن قبول فكرة تعدد الفرق والطوائف وتسويغ اعتبار معتقداتها من الناحية الشرعية......

وقد يعبر به عن إعطاء الحقوق والتعاون في المشتركات والحفاظ على الأمن ورفض النزاعات الطائفية التي تجر إلى الفوضى والفتنة العامة.. 


فليس الإشكال في التعايش بمفهومه العام؛ لأنه ضرورة لا تقوم الحياة إلا به 


وإنما الإشكال في التعايش بمفهومه الخاص؛ مما يستدعي تفصيلا

فالتعايش بمفهوم عدم الظلم وإقامة العدل: تدعو إليه الشريعة قال تعالى:[ ولا يجرمنكم سنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا]

والتعايش بمفهوم دعوتهم إلى عقيدة أهل السنة بالتي هي أحسن، وتأليفهم والرحمة بهم: تدعو إليه الشريعة (فو الله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم) 


والتعايش بمفهوم نصرتهم أمام العدو الكافر والوقوف معهم: تدعو إليه الشريعة... 


وأما التعايش القائم على إلغاء الفروق والاختلافات أو تسويغ اعتبارها شرعا بجمعهم تحت مصطلح عام، فهذا يتناقض مع الشريعة وأصل الولاء والبراء.. 


فالتعايش حتى يكون صحيحا يتوافق مع قواعد الشريعة لابد أن يبنى على العدل والنصح، لا أن يبنى على المساواة وإلغاء الفروق.

وأن يبنى على قاعدة الشريعة في اعتنائها بدرء المفاسد وتقدمه على جلب المصالح

وهذا يتطلب تحديد مجاله وفق ما يتوافق مع قواعد الشريعة... 


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق