الأحد، 11 أغسطس 2024

تحرير مسالة التعزير بقتل الداعية إلى بدعة مغلظة

 

هل من لازم التبديع العيني استباحة دمه وقتله؟ 


جَعْلُ لازم التبديع العيني: القتل واستباحة الدم هو من افتراءات #حسن_السقاف على #ابن_تيمية، فقد زعم أن ابن تيمية (يحرض بشدة على قتل المبتدع)

ورفع السقاف شعار (تحذير المؤمنين من نظرية قتل المخالف بتهمة الابتداع) 


وقلده في أصل الفرية أو وافقه بعض التيارات عندنا في ليبيا...!!!!!!! 


وحتى نجيب على هذا السؤال ونرد على افتراء السقاف

لابد: 


١- أن ندرك قاعدة الشريعة في رفع الضرر والتعزير بالقتل......

والتعزير بالقتل الخلاف فيه معتبر...

ودليل من جوز التعزير بالقتل: المصلحة ودفع ضرر المفسد.

والمخول بالتعزير الذي يصل إلى القتل هو السلطان وليس عامة الناس...

ويكون مقصود السلطان نصرة الدين وحمايته. 


٢-أن ندرك أن الابتداع في الأصول مفارقة لجماعة المسلمين، والجماعة هم السواد الأعظم في القرون الثلاثة 

وليس هو مجرد رأي يبديه ويقيم عليه حجته... 


٣- أن نبحث في المناط الذي لأجله قتل بعض السلف بعض المبتدعة.

فقد كان أكثر السلف يأمرون بقتل الداعي إلى البدعة الذي يضل الناس. انظر مجموع الفتاوى (١٢/٥٠٠)

وليس هو محل اتفاق...

وقد قَتَلَ عمرُ بن عبد العزيز غيلان القدري، وجوز مالك وغيره قتل القدرية.

وسئل الإمام أحمد عن قتل الجهمية؟ فقال:(ارى قتل الداعبة منهم، 

وقال الإمام مالك: عمرو بن عبيد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل.. مختصر الإنصاف(٢/٧٢٥) 


والسؤال المطروح: هل مناط القتل مجرد كونه مبتدعا عينا؟ كما ظنه بعض من لا يفقه

أو لابد مع الابتداع من معاني أخرى؟...

وهل يعنون بالبدعة البدعة المغلظة كبدعة الرافضة والجهمية والقدرية الأول والخوارج أو مطلق البدعة؟ 


إن الناظر في فعل السلف المستند على قواعد الشريعة وكلياتها يجد أنهم أمروا بقتل بعض المبتدعة ولم يأمروا بقتل غيرهم ممن وقع في نفس البدعة أو مثلها أو دونها واستحق التبديع العيني؛ مما يدل على أن مناط القتل ليس هو مجرد الابتداع أو التبديع العيني أو وقوعه في بدعة مغلظة كفرية... 


وإنما المناط الذي انطلق منه الأئمة في قتل المبتدع مركب من أمرين:

١-الداعي إلى بدعته إذا كان لا يقبل الحق إما لهواه وإما لفساد إدراكه.

٢-لا يندفع فساده وضرره على الناس إلا بالقتل

فهذان الأمران لابد من اجتماعهما، فكل واحد منهما جزء علة.

بمعنى: المبتدع الذي 

١-وقع في بدعة مغلظة 

٢-يدعو إليها 

٣-لا ينكف شره عن الناس إلا بقتله

٤-لم ينفع معه نصح وبيان 

٥-قد جربت معه عقوبات أخرى كالهجر والحبس فلم تنفع...

٦-أن يقوم به السلطان ومن في حكمه، ويكون مقصودهم نصرة الدين وحفظه. 


ولما كانت البدع المغلظة تهدم أصل الدين ناسب أن تكون عقوبة الداعي لها الذي لا يندفع ضرره على الناس إلا بقتله: القتل؛ تقديما لحفظ ضرورة الدين على ضرورة حفظ النفس؛ ولكون مصلحة قتله عامة؛ إذ يتحقق بها سلامة المجتمع من الوقوع في البدع المغلظة التي تهدم أصل الدين. 


قال ابن تيمية ": ومن لم يندفع فساده في الأرض إلا بالقتل قتل، مثل المفرق لجماعة المسلمين والداعي إلى البدع في الدين" (الفتاوى ٢٨/ ١٠٨).

وقال أيضا:" وأما قتل الداعية إلى البدع فقد يقتل لكف ضرره عن الناس، كما يقتل المحارب، وإن لم يكن في نفس الأمر كافرا، فليس كل من أمر بقتله يكون قتله لردته، وعلى هذا قتل غيلان القدري وغيره قد يكون على هذا الوجه" (الفتاوى ٢٣/ ٣٥١). 


وقد دلت الأدلة على قتل المفسد الذي لا يندفع ضرره إلا بالقتل، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه" 

ولشبهه بالتارك لدينه المفارق للجماعة؛ لكونه ذريعة ووسيلة إليه.

ولقياس المفسد على الصائل، فالصائل إذا لم يندفع إلا بالقتل قتل. 


ولحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة فهو محمول على التعزير بالقتل...

وهذه كلها أدلة خاصة إذا فُرض تعارضها مع حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق من الدين التارك للجماعة)! رواه البخاري ومسلم، فهي مقدمة عليه؛ لأن دلالة الخاص على معناه بالنص ودلالة العام على معناه بالظاهر فلا يبطل الظاهر حكم النص، والخاص يقضي على العام.

قال ابن رجب ردا على من قال بأن حديث ابن مسعود ناسخ:(لا يعلم ان حديث ابن مسعود كان متأخرا عن تلك النصوص كلها لاسيما وابن مسعود من قدماء المهاجرين وكثير من تلك النصوص يرويها من تأخر إسلامه كأبي هريرة وجرير بن عبد الله ومعاوية فإن هؤلاء كلهم رووا حديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة)


وهذا ما قرره بعض أصحاب المذاهب الأربعة 

قال ابن عابدين من الحنفية:" والمبتدع لو له دلالة ودعوة للناس إلى بدعته ويتوهم منه أن ينشر البدعة وإن لم يحكم بكفره جاز للسلطان قتله سياسة وزجرا لأن فساده أعلى وأعم حيث يؤثر في الدين" (ابن عابدين ٤/ ٢٤٣).

وقال ابن فرحون من المالكية:" وأما الداعية إلى البدعة المفرق لجماعة المسلمين فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وقال بذلك بعض الشافعية في فتل لداعية كابجهمية والروافض والقدرية، وصرح الحنفية بقتل من لا بزول فساده إلا بالقتل، وذكروا ذلك في الوطب إذا كثر نه ذلك يقتل تعزيرا" 

(تبصرة الحكام ٢/ ٢٩٧)

وفي حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج عند حديثه عن بعض المتبدعة: »نعم إن تضررنا بهم، تعرضنا لهم، إلى زوال الضرر أي ولو بقتلهم«.

وفي الإنصاف للمرداوي: (عند الحنابلة وجه بقتل الداعية إلى البدعة وفاقاً لمالك رحمه الله) 


فالمبتدع الداعية إلى بدعته الذي لا يقبل الحق: يقتله السلطان إذا كان ضرره على الناس لا يمكن إزالته إلا بالقتل

وهذا متعلق بالبدع المغلظة، وأما ما دونها فيكتفى بالتعزير بما هو أدنى من القتل كالهجر والحبس ... 

وقتله لا يدل على ردته؛ لأن مناط قتله ليس كونه كافرا.

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق