يقول البعض: (انتصرت حما س لكون اليهو د لم يحققوا الهدف الرئيسي وهو تدمير حما س , انتصرت حما س لأنهم فرضوا إرادتهم السياسية!!!!)
هذه هي معاييرهم، وهذا يعني كون حماس لم تدمر يعد نصراً، حتى لو دُمرت غزة بأكملها وقُتل عشرات الآلاف من المدنيين.
وهنا سؤال هل النصر في الإسلام يُقاس ببقاء طرف على حساب الآخر من غير اعتبار لكليات شرعية ونصوص جزئية؟
1- نعم, انتصرت لو حُصر القتال في المعركة بين المقاتلين من حما س واليهو د, فكان جيش مقابل جيش, كما كانت معارك النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين الكفا ر....
(انتبهت للفرق المؤثر)
لو اقتصرت المعركة على قتال مباشر بين المقاتلين من الطرفين دون استهداف النساء والأطفال والمدنيين، لكان هناك مجال لتشبيهها بمعارك النبي ﷺ.
ولصح لنا أن نستشهد بمعركة بدر وحنين, وأن نستشهد بتوك ..
فمعارك النبي ﷺ لم يكن الهدف تدمير المدنيين أو البنية التحتية.
ولصح لنا أن نستشهد بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في أنه ليس في قتل الشهداء مصيبة, ويعني بالشهداء: من يعتادون القتال لا المدنيين....
مع أن الفقهاء نصوا أنه في حال الغزو لا يغزى مع من يضيع المسلمين, أو يقودهم إلى التهلكة, فالواجب على القائد عدم تضحيته بالمسلمين وعدم الاستخفاف بدمائهم, ففي المغني لابن قدامة (620) (13/ 14) قال أحمد : لا يعجبني أن يخرج مع الإمام أو القائد إذا عرف بالهزيمة وتضييع المسلمين ، وإنما يغزو مع من له شفقة وحيطة على المسلمين .
وكان البراء يُلقّب بـ " الْمَهلَكة " , وقد ذَكَر ابن عبد البر في الاستيعاب عن ابن سيرين أنه قال : كَتَبَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ألا تستعملوا البراء بن مالك على جيش من جيوش المسلمين فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم .
وهذا يدخل فيه جهاد الدفع من وجه؛ لأن جهاد الدفع لم يشرع لذاته ولا لتضييع المسلمين وإنما شرع لما فيه من دفع المفاسد, وهو قربة من هذه الجهة, فإزهاق النفس شُرع لدرأ مفسدة استيلاء الكفار وقتل المسلمين وأخذ أموالهم وانتهاك حرمة الدين.
2-الحفاظ على دماء المسلمين مقصود للشارع في جها د الدفع, كما قال تعالى:[وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا]
لا سيما إذا كان للمسلمين فسحة في اختيار موعد مقاومة المحتل, وهو من هذه الجهة من جها د الطلب, ولا يتمحض فيه, كما بينته في رسالة "نازلة غ زة", وعليه فاشتراط القدرة الشرعية متوجه, بل واجب.
3-ما حصل لليهو د من عدم تحقيق أهدافهم كاملة وانهيار اقتصادهم وو... هزيمة بالنظر إلى معاييرهم
لكن لا يلزم من ذلك انتصار حما س الانتصار بمعناه الشرعي العام, فالدمار الشامل والأنفس التي أزهقت بالآلاف في المعيار الشرعي يمنع من تقييم المعركة بأنهم خرجوا منتصرين بالهدنة وإيقاف نزيف الدماء إلا على معنى رفع الضرر والأذى...
4-لومنا حما س هو في باب الشروع وعدم تقدير المفسدة التي تلحق من هم فوق الأرض من المدنيين, وكما نلوم حما س نلوم القادرين من الأمة حكاما وشعوبا في عدم دفع الضرر عن المسلمين بعد الوقوع, كما نلوم أيضا كل من أعان اليهو د على إخوانهم المسلمين....
5-ليس المقصود من هذا الكلام التنغيص على أهل غ ز ة والمسلمين فرحتهم بوقف هذا الدمار الشامل, فنحن نفرح بفرحهم ونحزن لحزنهم, ونصرهم برفع الضرر عنهم ونسأل الله حسن العاقبة لهم
وإنما المقصود الرد على من يستهين بدمائهم فيعتبر الهدنة نصرا بالمعنى الشرعي العام, كما أن المقصود أيضا عدم استنساخ هذه التجربة إذا غلب على الظن أنها تنتج النتيجة نفسها, فضلا عن تكرارها بنفس المعطيات.... ولا يعني ذلك الخنوع للعدو وعدم إعداد العدة لقتا له لكن بما لا تكون مضرته راجحة.
هذا موقفي وأحسب أنه موقف كل مسلم يدرك الحقائق الشرعية ويعتبر بالمآلات, ولا ينزل النصوص الشرعية في غير مواردها.
كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق