الأحد، 3 أغسطس 2025

من هو المُخوَّل شرعًا بتقييم المفسدة الراجحة في قرار القتال؟

 ✍️ جواب السؤال الثالث 

✍️ بقلم: د. أحمد محمد الصادق النجار 


الحمد لله، وبعد:

فقد كتبتُ عددًا من المقالات في شأن نازلة السابع من أكتوبر، سعيت فيها إلى تأصيل المسألة تأصيلًا شرعيًا، وبيّنتُ التكييف الفقهي لما وقع. 


❖ السؤال:

من هو المُخوَّل شرعًا بتقييم المفسدة الراجحة في قرار القتال؟


❖ الجواب: 


إنّ قرارات القتال والجهاد تتعلق بجانبين متكاملين:

• الجانب الميداني الفوري (واقع العدوان المباشر الفوري وما يستلزمه من رد)، أي ما تعلق بقتال الدفع الاضطراري،

• الجانب الشرعي التقديري (المصالح والمفاسد وتقدير العواقب حين تتعدد الاختيارات وتتنوع التقديىات)، أي ما تعلق بقتال الدفع الاختياري،

لأن الموضوع يجمع بين الفقه الشرعي والواقع السياسي والعسكري 


🔹 ففي الجانب الميداني: المرجع فيه إلى المقاتلين في الميدان؛ فهم الأقدر على معاينة العدوان وما يحتاجون إليه في الردّ الفوري، ولهم دور في تقديم الخبرة الواقعية اللازمة لاتخاذ القرار.

وكذلك الجهات السياسية التي تتصرف بناء على المعطى الشرعي الذي يقدره العلماء والمعطى الواقعي الذي يقدره القادة الميدانيون..فتشارك هنا بما تملكه من ربط بين الرؤية الميدانية والاعتبارات الإقليمية والدولية، وفقًا للمعطيات الشرعية التي يقدّرها العلماء.


🔹 وفي الجانب الشرعي التقديري: مردّه إلى أهل العلم والدين الصحيح، شريطة اطلاعهم على الواقع، وسعة نظرهم في التجارب السابقة. 


فقرار القتال يجب أن يُبنى على رؤية متكاملة تجمع الشرع بالواقع، مع اعتبار المآلات وقدرة الأمة على التحمل..

وهذه النظرة المتكاملة مستمدة من قوله تعالى:﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾📚 [النساء: 83]

فـ"الذين يستنبطونه منهم" هم أهل الاجتهاد، و"أولو الأمر" تشمل العلماء والأمراء ... 


⚠️ وهنا نقطة مهمة:

القول قول أهل الثغور في معرفة الواقع ومعايشته،

وليس قولهم في فقه الحكم الشرعي أو تقييم المصالح والمفاسد؛ لأن الاجتهاد الشرعي مناطه الفقيه المؤهّل، لا المقاتل الميداني.

فدور أهل الثغور في هذا السياق هو تقديم المعطيات الواقعية، لا الاجتهاد في الحكم الشرعي، فالاجتهاد مناطه أهل الفقه والبصيرة

📌 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"والواجب أن يُعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح، الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا"📚 [مجموع الفتاوى 28/ 256]

⚠️وانتبه لقوله: "أهل الدين الصحيح" فإنه يخرج كلّ من كان منحرف العقيدة أو التوجّه، أو متبعا لهواه أو لقوى خارجية... 


📌وهنا سؤال يطرح إشكالًا مركّبًا وحساسًا، وهو:

ماذا لو كان المقاتلون الذين يتحكمون في قرار القتال: أصحاب توجه حزبي ضيق، أو أداة لقوى إقليمية؟ 


لاشك أنه في هذه الحال لا يُعتد برأي تلك الجماعة منفردة، بل يجب أن يتدخل العلماء المعتبرون أهل الدين الصحيح في الداخل والخارج لإصدار موقف شرعي واضح يعبر عن ميزان الشريعة لا ميزان المصلحة الحزبية أو الطائفية..

لاسيما إذا تعلقت القضية بالأمة كلها، فيجب أن يكون القرار جماعيا وعلمائيا، ولا يقتصر فيه إلا فئة مخصوصة بعلمائها إن وجد... 


❖ ماذا لو انفردوا بالقرار دون الرجوع إلى أهل العلم؟ 


إذا ترتب على ذلك القرار:

• إبادة جماعية،

• دمار شامل،

• تهجير الملايين،

فهم يتحمّلون التبعة الشرعية كاملة، ولا يعذرون بمجرد "سلامة النية"، لأنهم خالفوا أمر الله بالردّ إلى أهل الذكر. قال تعالى:﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ، لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾📚 [النساء: 83] 


📌ومن المعلوم أن الاجتهاد الذي يُعذر به صاحبه هو ما صدر عن أهلية، واستفراغ وسع، ومراعاة للشرع والمآل من غير إفراط ولا تفريط.

فمن لم يفرط عذر وإلا فلا 


📌والواجب على علماء الأمة بعد وقوع الواقعة أن يبينوا مواطن الخطأ وأن يجتهدوا في إصلاحه

فالوقوف مع المظلوم والجائع والمقهور فريضة شرعية لا خلاف فيها، ولكن هذا لا يعني السكوت عن أسباب الظلم والجوع والهلاك إذا كانت بسبب قرارات خاطئة أوردت الأمة موارد التهلكة.

فالشرع لا يجيز لك أن تُطعم الجائع، ثم تسكت عمن جعله جائعًا، لاسيما مع وجود من يزين ويسوغ له فعله من علماء السوء، فالسكوت عنه فيه تمكين للخطأ أن يتكرر...وأن ينسب للشريعة..


والكلام يطووول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق