السبت، 16 أبريل 2016

وقفة مع مقطع نشر بتاريخ 2016/04/07 عنون له بـ: العلامة محمد بن هادي "شبهة الإحتجاج بقصة البخاري مع شيخه الذهلي و قياسها على المبتدع والرد عليها"


وقفة مع مقطع نشر بتاريخ 2016/04/07 عنون له بـ: العلامة محمد بن هادي "شبهة الإحتجاج بقصة البخاري مع شيخه الذهلي و قياسها على المبتدع والرد عليها"


الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فقد سألني بعض الإخوة عن رأيي في هذا المقطع الذي نُشِر في موقع سحاب, ففرغت شيئا من وقتي لسماعه, فرأيت فيه عجائب, وإطلاقات لا يسع السكوت عنها؛ لوجود من سيغتر بها من أهل الجهل.
وقبل التعليق على المقطع: أنبه إلى أن إطلاق العالم والعلامة مضبوط بضوابط عند العلماء, ولا يصح إطلاقهما على كل شيخ من مشايخ أهل السنة, وإنما العبرة بانطباق الوصف الذي علقت عليه هذه الألقاب.
والواجب إنزال الناس منازلهم, ولا يقودنا التعصب إلى المبالغة في الثناء والمدح.

والشيخ سليمان الرحيلي لما وصف الشيخ محمد المدخلي قال فيه: ((من طلاب العلم الجبال... ))  في مقطع في اليوتيوب معنون له بـ:" سؤال الشيخ سليمان الرحيلي عن الشيخ إبراهم الرحيلي"


وأما المقطع فقد تضمن سؤالا وُجِّه إلى الشيخ, وإجابة من الشيخ عليه.
السؤال : بعض الناس يحتج بقصة الذهبي مع البخاري ونفور الطلاب عن البخاري بما يحصل اليوم من تحذير بعض العلماء من بعض الدعاة ونفور الطلاب من هؤلاء الدعاة... فما نصيحتكم
هذا ملخص السؤال.
ثم أجاب الشيخ بما ينافي التحقيق في العلم, والتروي.
وسأبين شيئا من أخطاء الشيخ في الجواب؛ لعل الشيخ أن يتنبه, ويتراجع عما أخطأ فيه وأطلق.
أولا: قوله:( هذا السؤال تضمن ثلاث نقاط: الاولى قصة الذهلي مع البخاري ، والذي عليه العلماء ان الذهلي محق والبخاري محق ، هذه واحدة ).
والجواب عن هذا:
قوله "الذي عليه العلماء" هذه الاطلاقات والتهويلات تعددت في كلام الشيخ وأشرطته, وهي ليست من التحقيق في شيء, وتجر إلى الظلم, والتعدي, والافتراء.
وهذا الإطلاق يفيد أن جميع علماء أهل السنة ذكروا أنه الذهلي محق وأن البخاري محق.
وإذا جئنا إلى التحقيق وجدنا أن جماعة من العلماء غلطوا الذهلي في قوله, وفي إنكاره.
أولا: تخطئته في إنكاره على البخاري.
قد ذكر بعض العلماء أن الذي حمله على ذلك الحسد.
جاء في سير أعلام النبلاء (12/ 453): قال الحاكم أبو عبد الله: سمعت محمد بن حامد البزاز قال: سمعت الحسن بن محمد بن جابر يقول: سمعت محمد بن يحيى قال لنا لما ورد محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور: اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح فاسمعوا منه.
فذهب الناس إليه، وأقبلوا على السماع منه، حتى ظهر الخلل في مجلس محمد بن يحيى، فحسده بعد ذلك، وتكلم فيه ))
وقال أبو أحمد بن عدي
ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل لما ورد نيسابور اجتمع الناس عليه، حسده بعض من كان في ذلك الوقت من مشايخ نيسابور لما رأوا إقبال الناس إليه، واجتماعهم عليه، فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول: اللفظ بالقرآن مخلوق،
فامتحنوه في المجلس.
فلما حضر الناس مجلس البخاري، قام إليه رجل، فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول في اللفظ بالقرآن، مخلوق هو أم غير مخلوق ؟ فأعرض عنه البخاري ولم يجبه.
فقال الرجل: يا أبا عبد الله، فأعاد عليه القول، فأعرض عنه.
ثم قال في الثالثة، فالتفت إليه البخاري، وقال: القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة.
فشغب الرجل، وشغب الناس، وتفرقوا عنه.
وقعد البخاري في منزله ))
ثانيا: تخطئته فيما نسبه الذهلي إلى البخاري, وتخطئة الذهلي في قوله المنسوب إليه.
الإمام البخاري برئ مما نسبه إليه الذهلي, وهو قول:"لفظي بالقرآن مخلوق".
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (12/ 364): (( وكذلك أيضا افترى بعض الناس على البخاري الإمام صاحب " الصحيح " أنه كان يقول : لفظي بالقرآن مخلوق وجعلوه من " اللفظية " حتى وقع بينه وبين أصحابه : مثل محمد بن يحيى الذهلي وأبي زرعة وأبي حاتم وغيرهم بسبب ذلك وكان في القضية أهواء وظنون حتى صنف " كتاب خلق الأفعال " ))
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (12/ 457): (( قلت: المسألة هي أن اللفظ مخلوق، سئل عنها البخاري، فوقف فيها، فلما وقف واحتج بأن أفعالنا مخلوقة، واستدل لذلك، فهم منه الذهلي أنه يوجه مسألة اللفظ، فتكلم فيه، وأخذه بلازم قوله هو وغيره )).

وهنا سؤال: أوجهه للشيخ محمد المدخلي: ما هو قول الذهلي في هذه المسألة؟
الذي نسب إلى الذهلي هو:"لفظي بالقرآن غير مخلوق"
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (12/ 207): (( والقول بأن " اللفظ غير مخلوق " نسب إلى محمد بن يحيى الذهلي وأبي حاتم الرازي ..))
وهذا القول قال عنه الطبري في صريح السنة للطبري (26): (( سمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم يذكرون عنه –أي: الإمام أحمد - أنه كان يقول: " من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: هو غير مخلوق، فهو مبتدع ")).
فكيف تطلق القول بأن العلماء قالوا: إنه محق؟!!
لابد من التحقيق والتريث.
ومسألة اللفظ فيها تفصيل, ليس هذا محل ذكره.
وهناك كلام نفيس لابن تيمية في بيان مقصود الإمام أحمد, ومقصود الإمام البخاري.
وقد نصر ابن القيم في مختصر الصواعق قول الإمام البخاري.

ثانيا: قول الشيخ محمد المدخلي: (( وآخر يأتيك ويقول النووي ما هو اشعري وهو من اهل السنة وينكر على من يقول عنه انه اشعري ، ويرميه (بالعظايم) والنووي اهل مذهبه شهدوا عليه بهذا ، السبكي يقول عنه اشعري ، والسخاوي في ترجمته للنووي يقول عنه اشعري ، والذهبي ايضا يقول عنه انه متعصب ؛ يبدّع اهل السنة الذي يخالفونه ، وعلماء السنة كلهم يذكرون هذا ويحذرون من اشعريته ، فأصبح اليوم عندنا إرضاء لبعض الناس ايش ؟ النووي من اهل السنة ، سبحان الله ، أقوال العلماء المعاصرين فيه تدل على اشعريته ))
والجواب: هذا أيضا من إطلاقات الشيخ وتهويلاته, ولست الآن في مقام تحقيق أشعرية النووي وعدم رجوعه إلى السنة, أو تحقيق عدم أشعريته ورجوعه إلى السنة, وإنما سأنقل بعض كلام العلماء الذين يرون أنه من أهل السنة؛ لنقض إطلاقات الشيخ المدخلي.
قال الشيخ العثيمين: (( فالنووي: لا نشك أن الرجل ناصح، وأن له قدم صدق في الإسلام، ويدل لذلك قبول مؤلفاته حتى إنك لا تجد مسجداً من مساجد المسلمين إلا ويقرأ فيه كتاب (رياض الصالحين)
وهذا يدل على القبول، ولا شك أنه ناصح، ولكنه - رحمه الله - أخطأ في تأويل آيات الصفات حيث سلك فيها مسلك المؤولة، فهل نقول: إن الرجل مبتدع؟
نقول: قوله بدعة لكن هو غير مبتدع، لأنه في الحقيقة متأول، والمتأول إذا أخطأ مع اجتهاده فله أجر، فكيف نصفه بأنه مبتدع وننفر الناس منه، والقول غير القائل، فقد يقول الإنسان كلمة الكفر ولا يكفر )). شرح الأربعين النووية (ص: 288)

     وسئل الشيخ عبد المحسن العباد : هل ابن حجر والنووي وأمثالهما من الأئمة يعدون من أئمة أهل السنة والجماعة؟ 

فأجاب: لاشك أنهم من أئمة أهل السنة والجماعة, وأخطاؤهم التي حصلت مغمورة في جنب صوابهم الكثير ...)) موجود المقطع على اليوتيوب بصوته. 
وسئل الشيخ صالح الفوزان ما نصيحتكم:  لمن يبدع الإمامين ابن حجر والنووي؟ فأجاب: (هذا هو المبتدع, أما الإمام ابن حجر والامام النووي إمامان جليلان ...))

ثالثا: قول الشيخ محمد المدخلي: ((واللي يوصيك ان تأخذ العلم عمن لم يبدع الجهم هذا يكون من قبيله ؟ الجهم بن صفوان أجمعت الامة على كفره اذا لم يبدعه انسان اي خير فيه ؟ نفسه لم تطب بالتبديع للجهم الذي كفره العلماء فاذا كانت نفسه لم تطب بالتبديع هذا يؤخذ عنه العلم ؟ (ما الذي ينطوي عليه هذا) السلف يقولون من لم يكفر الجهم فهو كافر ، وهذا نفسه ما طابت بتبديعه وانت تجي تحث الناس على اخذ العلم عنه ؟ ))
والجواب: أن الشيخ محمد يشير هنا إلى الشيخ إبراهيم الرحيلي حفظه الله في مسألة أخذ العلم عمن لم يبدع الجهم, وقد بين الشيخ إبراهيم مراده في كتابه: تأصيل المسائل المستشكلة من جواب السائل", فليرجع إليه.
وأترك الفصل بين الشيخين للقضاء الشرعي في المملكة العربية السعودية.

وأشير إلى أن مسألة الإلزام بالتبديع قد فصلت فيها القول في مقال مستقل, فمن أراد التفصيل فيها فليرجع إليه في مدونتي.

هذا بعض ما أردت بيانه.
وأخيرا: أعيد ما كنت ذكرته سابقا في ردي المعنون له:" موافقة الشيخ عبيد الجابري للأشاعرة في أن صفتي السمع والبصر ذاتيتان"
(وأقول نصحا للأمة: تفاصيل ودقائق باب الاعتقاد لا تؤخذ من هؤلاء المشايخ إلا إذا تابعوا أحدا من أهل العلم؛ للأخطاء التي عندهم في تفاصيل باب الاعتقاد.
وهذا ليس طعنا فيهم, فالعلم أرزاق, ولا يلزم أن يكون الشيخ محيطا بتفاصيل كل علم.)

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق