الأحد، 24 يناير 2021

تكييف معاملة بطاقة العشرة آلاف دولار وما يترتب عليه من آثار

 

تكييف معاملة بطاقة العشرة آلاف دولار

وما يترتب عليه من آثار

الأصل هو التوسيع على الناس في البيوع بما لا يكون احتيالا على الممنوع؛ تحقيقا لمقصد رفع الحرج والمشقة على الناس, وهذا يتوافق مع طبيعة الشريعة فقد وضعت لمصالح العباد, وهو مقتضى سكوت الشارع في باب المعاملات.

وإن معاملة العشر آلاف دولار هي معاملة صدرت ممن يملك حق التصرف وهو مصرف ليبيا المركزي وأدخل وسيطا راعيا وهو الشركة المصدرة للبطاقة, فمُنِح لكل مواطن ليبي توفرت فيه الشروط حقٌّ مملوك له, فأَخَذ هذا الحق حكم المال؛ لكونه داخلا في مسماه شرعا

إلا أن للجهة المنوط بها هذا الأمر والشركة المصدرة للبطاقة شروطا وقع عليها التعاقد, فيجب مراعاتها ولا يجوز الإخلال بها.

فما خُصص للمواطن الليبي في الحساب أو البطاقة (أي: قبل الشحن) حقٌّ يمتلك صاحب البطاقة أو الحساب الانتفاع به, فتكييفه: أنه حق تُملك فيكون مالا شرعا.

لكن هل له التصرف فيما خُصص له من حق بنقله أو بإسقاطه؟

ونقله يكون بالبيع والإجارة, وأما إسقاطه فيكون بعوض أو بغير عوض.

أما نقله بالبيع, فحقيقة البيع: مبادلة على التأبيد, بمعنى: نقل المنفعة الشخصية أو الحق الشخصي للغير على سبيل التأبيد, وهذا يلزم منه بيع البطاقة نفسها وكذا الحساب, فهذا وإن كان جائزا في نفسه عند الجمهور؛ لكون المنفعة مالا

إلا أنه لما منع منه النظام لم يحق لصاحب البطاقة أو الحساب أن يبيعهما ولم يجز له ذلك شرعا؛ لأن العقد بينهما تَمَّ على عدم السماح لصاحب البطاقة أو الحساب أن يتصرف فيهما بنقل الملكية على التأبيد.

وكذا نقله بالإجارة, فحقيقة الإجارة: مبادلة ونقل لمدة معلومة, فهذه الصورة أيضا نص النظام على منعها, فإجارة المنفعة وإن كانت جائزة في نفسها إلا أن النظام لما منع منها ووقع الإقرار على ذلك أثناء العقد مُنع صاحب البطاقة من إيجارها وحرم عليه.

فلما منعت الجهة المنوط بها الإصدار من استخدام البطاقة إلا من حاملها أو من فوضه صاحب البطاقة: حرم بيعها وإيجارها.

والخلاصة: لا يجوز له بيع البطاقة أو الحساب لغيره أو إيجاره؛ لمنافاته شرط العقد.

وأما إسقاط حقه المخصص له بعوض, بأن يعطيه البطاقة ليستفيد من معاملة العشر آلاف على أن يعطيه مبلغا مقطوعا, فجائز ؛ لأن الحق مال يتملك شرعا, ولما في ذلك من مصلحة الفقير الذي لا يملك ما يغطي به المبلغ المقدر ولا يوجد من يقرضه قرضا حسنا.

ولا ينافي الإسقاط شرط العقد؛ لأن الإسقاط لم يكن للحساب أو البطاقة وإنما للحق المخصص له فيهما من قبل المصرف, ويعتبر تفويضا من صاحب البطاقة لمن أسقط له الحق, بمعنى أنه تفويض في الاستعمال, وليس نقلا للملكية, ولذا يتحمل صاحب البطاقة المسؤولية كاملة.

ونص ما تم عليه العقد:(يقتصر استعمال البطاقة من قبل حاملها فقط, ولا يجوز لأي جهة أخرى أو أي شخص آخر استخدامها, وبخلاف ذلك فهي مفوضة من قبل حامل البطاقة)

ومن باب أولى إسقاط حقه بلا عوض.

فإن قيل: هل يصح دفع المال المخصص لصاحب البطاقة؟ بأن يدفع لصحاب البطاقة ما يوازي العشرة آلاف دولار (شحن البطاقة).

قيل: له صور:

الصورة الأولى: أن يدفع له المال على أنه قرض, بمعنى: أن يعطيه المال لينتفع به ثم يرد إليه بدله من غير أن يشترط عليه زيادة فهذا جائز.

الصورة الثانية: أن يدفع له المال على أنه قرض مع اشترط الزيادة فهذا ربا.

الصورة الثالثة: أن يدفع صاحب المال لصاحب البطاقة المال ويكون الربح بينهما بنسبة معلومة, مع اشتراط الضمان لفظا أو عرفا على صاحب البطاقة فهنا يكيف على أنه قرض, وهو قرض قد جر نفعا فيكون ربا.

الصورة الرابعة: أن يدفع صاحب المال لصاحب البطاقة المال؛ ليتجر ويكون الربح بينهما بنسبة معلومة (عقد تمويل مضاربة),  مع عدم اشتراط الضمان لفظا أو عرفا على صاحب البطاقة فهنا يكيف على أنه مضاربة, وتكون المعاملة صحيحة, بقيد أن يكون الجهد والعمل من صاحب البطاقة لا من صاحب المال, فهو الذي يسحب المال ويبيعه, ولصاحب المال أن يقيد المضارب بما فيه مصلحة ولا يمنع المضارب من العمل.

ولا يحق لصاحب المال أن يبيع ويشتري أو أن يطلب من صاحب البطاقة أن يستأذنه ويرجع إليه, أو يسلبه التصرف.

وعليه فيجوز لمن لم يكن عنده مال أن يطلب من غيره أن يدخل معه مضاربة ويكون الربح بينهما بنسبة معلومة, أو أن يذهب من عنده مال إلى صاحب البطاقة فيطلب منه أن يوافق على أن يضع مالا في بطاقته ويكون الربح بينهما بنسبة معلومة.

 

وختاما أنصح: ألا يصار إلى إسقاط الحق بعوض إلا إذا تعذر القرض الحسن أو المضاربة.

 

كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار

محاضر في كلية علوم الشريعة (المرقب)

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق