الأربعاء، 27 يناير 2021

[معاملة #العشرة_آلاف_دولار من باب ملك المنفعة, فجاز التنازل عنها بعوض]

[معاملة العشرة آلاف دولار من باب ملك المنفعة, فجاز التنازل عنها بعوض]

إن المتقرر عند الجمهور أن المنفعة مال, خلافا للحنفية, وقد دل على مذهب الجمهور: الكتاب والسنة والمعقول والعرف, كما هو مبسوط في كتب الفقه.

وأنبه إلى أن العرف جعل المنفعة مالا متمولا يتخذ في التجارات والمعايشات, والعرف معتبر شرعا.

إلا أن هناك فرقا بين تمليك المنفعة وتمليك الانتفاع أو بين ملك المنفعة وحق الانتفاع.

والمراد بالانتفاع: ما يتوصل به إلى الحصول على المنفعة, وأما حق الانتفاع فهو: حق الشخص في استعمال المنفعة.

والفرق بينهما أن ملك المنفعة بمعنى: الاختصاص بها مما يُمَكِّن الشخص من مباشرة استيفاء المنفعة, وأما حق الانتفاع فبمعنى: الإذن في استيفائها دون استغلالها.

قال القرافي في الفروق (1/ 187): (الفرق الثلاثون بين قاعدة تمليك الانتفاع وبين قاعدة تمليك المنفعة) فتمليك الانتفاع نريد به أن يباشر هو بنفسه فقط وتمليك المنفعة هو أعم وأشمل فيباشر بنفسه ويمكن غيره من الانتفاع بعوض كالإجارة وبغير عوض كالعارية)

فمن ثبت له حق التملك ملكا غير لازم, وكان له حق الاستعمال والاستغلال والتفويض؛ لاختصاصه به: جاز له إسقاط حقه بعوض أو بغير عوض.

وإذا جئنا إلى معاملة العشرة آلاف دولار وجدنا أنه ينطبق عليها ضابط تملك المنفعة لا حق الانتفاع؛ وذلك أن الدولة خصصت حقا للمواطن الليبي يتملكه ومكنته من استعماله واستغلاله, ولم تمنعه من التفويض والتوكيل, مع تحمل مسؤولية البطاقة, فدخلت المعاملة في باب تملك المنفعة, ولذا جاز إسقاط هذا الحق بعوض.

ونص ما تم عليه العقد:(يقتصر استعمال البطاقة من قبل حاملها فقط, ولا يجوز لأي جهة أخرى أو أي شخص آخر استخدامها, وبخلاف ذلك فهي مفوضة من قبل حامل البطاقة)

(يعتبر حامل البطاقة مسؤولا عن جميع العمليات والحركات والسحوبات التي ترتبت عن استخدام البطاقة سواء بتفويض منه أو بدون تفويض)

وإذا كان الغرض من الشروط التي وضعتها الشركة المصدرة للبطاقة هو الحفاظ على حق صاحب البطاقة, فالحق محفوظ بالتوكيل والتفويض ولا يتضرر بهما صاحب البطاقة, ولذا لم تمنع منهما.

وبما أن الأصل في تعامل الناس الحل فالذي ينبغي فتح الباب بالنظر إلى الاحتمالات القريبة التي تحتملها ألفاظ العقود, لا التعنت والتشدد وإغلاق الباب مع احتمال الألفاظ؛ حتى ربما تصور الشريعة على أنها متشددة, ولا تراعي مصالح الناس ومنافعهم ولا تنظر إلى أعذارهم ومضايقهم.

ونستفيد من هذا التيسير: رفع مشقة عدم الوصول إلى المنافع مع اطمئنان القلب إلى المباح, ونستفيد أيضا: غلق باب الحرام على الناس.

نعم, لو كان النظام يمنع من استغلاله ولا يسمح بالتفويض والتوكيل صراحة أو كان الاحتمال قريبا, وإنما يقيده بالاستعمال الشخصي فقط لكانت من باب حق الانتفاع ولم يجز التنازل عنه, والأمر ليس كذلك فلماذا التعنت؟!!.

كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق