الأربعاء، 9 يونيو 2021

تجديد علوم الشريعة وإعادة صياغتها

 

تجديد علوم الشريعة وإعادة صياغتها

 

إن علوم الشريعة منها ما هو علم وسيلة ومنها ما هو علم غاية, وموضوع الحديث في هذه الأسطر عن علم الوسيلة, وهي العلوم الخادمة لعلوم الغاية, والوسيلة لفهمها, كعلم اللغة والأصول والمصطلح.

فهذه العلوم قد صاغها العلماء على مر الأجيال بصياغة محددة؛ تحقيقا للمقصد منها؛ إذ إنها لما كانت مقصودة لغيرها كانت الصياغة مناسبة للمقصود من كل علم.

وقد أنكر المحققون الصياغة التداخلية في هذه العلوم؛ لاختلاف مقصود كل علم, وإن كان بمجموعها هي خادمة لعلوم الشريعة الغائية.

ولإنكار التداخل في الصياغة جُعل لكل فن من الفنون علماء مجتهدون من أهل الإجماع, وما عداهم يعد أجنبيا لا عبرة به في مخالفة إجماع أهل الفن, فعلماء الحديث في الحديث هم أهل الفن, وعلماء الأصول في الأصول هم أهل الفن, وهكذا...

وهذا يتطلب من كل متضلع في علم أن يعرف المقصود منه؛ لتكون صياغته موافقة للمقصود منه, على ألا يخرج على ما كتبه العلماء المتخصصون وفق الغاية المقصودة من العلم.

فإذا جئنا لعلم مصطلح الحديث فالمقصود منه معرفة المقبول من الحديث وغير المقبول.

وأهله هم علماء أهل الحديث كأحمد وعلي بن المديني والدارقطني وأضرابهم.

ولا يلزم من هذه المعرفة: الاحتجاج والعمل؛ لأن الاحتجاج والعمل متعلق بعلم آخر وهو علم أصول الفقه..

فبعد أن يسلم الحديث من جهة السند ينتقل المجتهد إلى النظر فيه من جهة الدلالة والمعارضة وهذا متعلق بعلم الأصول, ومن هنا تدخل الأصول التي تفرد بها كل مذهب عن غيره من المذاهب, كتفرد مالك بعمل أهل المدينة.

وحتى اختلاف الأئمة في المرسل, فهو اختلاف في مرسل مخصوص من جهة, وهل هو مقبول من جهة السند أو غير مقبول من جهة أخرى؟, ولا يكفي هذا عندهم في الاحتجاج والعمل؛ لأن المرسل إن قلنا بأنه صحيح فقد يعارضه ما هو أقوى منه فيبطل الاحتجاج به والعمل, وإن قلنا بأنه ضعيف من جهة السند فقد يعاضده دليل آخر فيحتج بمجموعهما ويعمل به.

وهذا ليس مختصا بمذهب دون مذهب في الاستدلال والعمل.

ولما كتب المتأخرون من الخطيب البغدادي إلى الحافظ ابن حجر ومن سار على دربهم تعرضوا للخلاف الوارد بين الأئمة من جهة القبول والرد, فلم يصيغوا علم المصطلح بصياغة واحدة تقضى فيها على أقوال الأئمة المعتبرين في هذا الفن, بل بعضهم توسع حتى ذكر أقوال من لا يعد من أهل الفن.

فلا تعرف الصياغة الواحدة في علم المصطلح إلا في المتون المختصرة التي المقصود منها التعريف بأهم مسائل الفن.

وكذا في علم أصول الفقه...

فمن الخطأ الخلط بين العلمين؛ لإخراج صيغة جديدة لعلم المصطلح يقع فيها التلفيق بين علم المصطلح وعلم الأصول.

ولذا نجد العلماء المحققين ينكرون على من أدخل بعض علم الأصول في علم المصطلح وينادون بالتجديد؛ وذلك بإخراج المسائل المحدودة التي أدخلت في علم المصطلح؛ حتى يبقى لهذا العلم استقلاله وما يحقق ذلك من الوصول إلى المقصود منه.

وكذا في علم أصول الفقه ينكر العلماء المحققون إدخال مسائل من علم المصطلح في الأصول, وينادون بالتجديد فيه.

أما أن يكون المقصود بالتجديد إلغاء الصياغة التي تحقق المقصود من الفن, فهذا في الحقيقة ليس بتجديد وإنما هو عبث ونقض لما توارد عليه العلماء على مر العصور.

ولو فتحنا باب العبث بأدنى مناسبة لغير علينا الحداثيون ونحوهم علوم الآلة, وأوجدوا صياغة جديدة لفهم النص النبوي.

فالتجديد المحمود للعلوم: ما حقق المقصود منها, وأبقى على الصياغة الاستقلالية لكل علم.

كتبه أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق