الثلاثاء، 6 يونيو 2023

الإرجاء دين يوافق الملوك

 الإرجاء دين يوافق الملوك

هذا العبارة رويت عن بعض الأئمة...
عن النضر بن شميل قال: سألني المأمون: ما الإرجاء؟ فقلت: "دين يوافق الملوك، يصيبون به من دنياهم، وينقصون به من دينهم" (البداية والنهاية 14 /221 ). وقال رقبة بن مصقلة : "وأما المرجئة فعلى دين الملوك!" (الإبانة الصغرى 163).

ذلك أن المرجئة لما كانوا يخرجون العمل عن مسمى الإيمان لم يبالوا بأعمال الحكام التي تخالف الشرع وأصبحوا يسوغونها لهم.!
بل تجرأ بعضهم فنفى أن يحاسب الله الحكام على أعمالهم.!!

هذا المذهب لا ينظر إلى أن أعمال الحكام المخالفة للشرع تنقص الإيمان بل قد تذهبه بالكلية
ولذا جعل أصحابه الطاعة مطلقة للحكام...

إلا أن من أفراد مرجئة الكوفة من خرج عما يستلزمه أصل مذهبهم الذي هو إخراج العمل عن مسمى الإيمان وعظم المعصية فوافق الخوارج في بعض جزئيات مذهبهم
فقد روى ابن شاهين في "الكتاب اللطيف" (17)؛ أنّه قيل لابن المبارك : ترى رأي الإرجاء ؟!
فقال: « كيف أكون مرجئاً؛ فأنا لا أرى السيف ؟! »

وبعضهم يعمل السيف على خصومه مستغلا قربه من السلطة الحاكمة...

فتبين لنا أنه ليس منطلق النزعة الإرجائية القول بوجوب طاعة الحاكم في المعروف ولا منع الخروج عليه ولا منع الإنكار العلني حال غيبته؛ مراعاة لدرء المفاسد وحفاظا على الضرورات الخمس ...
كما يريد أن يصور ذلك البعض!!

وإنما النزعة الإرجائية مبدؤها إخراج العمل عن مسمى الإيمان
وهو ينتج نتيجة لازمة له وهي الطاعة المطلقة للحكام..

إلا أن جماعة من المرجئة خرجوا عن النتيجة اللازمة؛ لدوافع دعتهم لعدم الأخذ بلازم أصلهم ونتيجته.

وهذا ينفي عن مذهب السلف أن يكون دينا يوافق أهواء الملوك؛ لأنه يرد أصل المرجئة ويبطل نتيجته اللازمة له..


ولا ننفي أنه قد يوجد من آحاد الناس من يوافق المرجئة في النتيجة؛ لسوء فهم أو لسوء قصد...

لكن حدث اشتراك في معنى التسويغ والتوافق مع ما عليه الملوك
فظن بعض المتأثرين بفكر دخيل أن السكوت العارض على منكر؛ دفعا لمفسدة أعظم:  تسويغ لأفعال الحكام
ورتبوا عليه أنه إرجاء !!
وهذا ناتج عن تصور خاطئ للإرجاء وأصوله من جهة، ولأحكام الشريعة وكلياتها من جهة أخرى
فالسكوت العارض الذي ينطلق فيه صاحبه من الاعتناء بدرء المفاسد وتقديمه على جلب المصالح من غير إعطاء شرعية على الفعل المنكر
هو من الدين وليس من الإرجاء في شيء.

وزاد بعضهم بعدا عن منهج أهل السنة فكفر الحكام بإطلاق؛ لمناط مطلق الاستبدال!!
وجعل من لم يكفرهم: مرجئا خادما للطواغيت ممكنا لهم!!!
فجمعوا بين التكفير بغير مناط شرعي صحيح وبين رمي غيرهم بوصف لا ينطبق على أصولهم ومنطلقاتهم!!

ومنهم من يرمي خصومه من أهل السنة بأنهم يسوون بين حكام زماننا وبين حكام السلف
وتغافل أنهم لا يساوون بين الأشخاص وإنما يأخذون بمقتضى النصوص التي نظرت لدرء المفاسد، واعتنت بحفظ الضرورات وراعت في ذلك الأمة لا الحكام أنفسهم

وأما تصوير أن الحكام يستغلون مذهب السلف الداعي لعدم الخروج ولزوم الطاعة في المعروف وأن من عرف عنه الجور والظلم لا يطاع في آحاد المسائل إلا إذا علمت موافقته للشريعة، وأن ذلك يوجب عندهم الخروج عن الحكم الشرعي؛ لمقتضى المصلحة المتوهمة: فأمر يغني تصوره عن رده؛ لأنه يلزم منه ترك الأحكام الشرعية لوجود من يستغلها في تمرير باطل!!

وتغافلوا أن استغلال الحكام لهذه الأحكام الشرعية لا يغير الحكم الشرعي، ولا يصير المعروف منكرا...
ومصالح الحكم الشرعي ترجح على مفسدة استغلال الحكام له، فما من مفسدة تقدرها في استغلال الحكم إلا وتجد ان مفسدة الخروج عن الحكم الشرعي أعظم وتتعلق بالضرورات الخمس...

كتبه منبها
د. أحمد محمد الصادق النجار 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق