ما صدر عن #محمد_الددو الشنقيطي من وصف وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأنها #نكبة من نكبات الأمة، بحجة أنه لم يترك دستورًا مكتوبًا ولا بيّن طريقة تنصيب الحاكم ومحاسبته وعزله، وأن جمهور المسلمين ارتدّ بسبب ذلك، قول خطير يكشف قصورًا في فهم الشريعة..
ولو أن #الددو جعل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قد ترتب عليها كونا حصول اختلاف وافتراق واقتتال لاحتُمٍل ذلك منه
أما أن يجعلها نكبة على الأمة بزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الأمة بلا بيان في باب اختيار الحاكم وطرق تنصيبه...، فهذا لا يُحتمل، بل فيه ما لا يليق بالنبي ولا بشريعته، ويلزم منه الطعن في كمال الشريعة ومقام النبي الكريم ﷺ.
ولازم القول ليس بقول...
أولاً:
الشريعة الإسلامية كاملة وشاملة، قال تعالى:
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: 3].
فلا يوجد أمر ديني أو دنيوي إلا وفي نصوص الشرع وقواعده ما يكفي لفهم حكمه واستخراج الموقف الصحيح منه
وكون أحكام الشريعة وقواعدها تستوعب كل فعل للإنسان لا يمنع من ترك مساحة للاجتهاد وتحقيق المناط...
ثانياً:
من مقاصد السياسة الشرعية:
• إقامة العدل.
• دفع الفساد.
• تقديم درء المفاسد على جلب المصالح.
ولهذا، تركت للناس اختيار الوسائل ما دامت منسجمة مع هذه المقاصد وتحقق كليات الشريعة، فالوسائل لا تقصد لذاتها وإنما ينظر إلى غاياتها مادام أنها لا تخالف الشريعة
فمن الطبيعي أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض التفصيلات لاجتهاد الأمة، كما ترك ضبط بعض الألفاظ والوسائل للأعراف المتجددة
فكم من ألفاظ في الشريعة لم يحددها النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ترك تحديدها للناس بحسب أعرافهم!
وكم من وسائل لم تحدّد من الشارع ولم تعين، فتركت تقديرها للمكلف!!
ثالثا
اختيار الحاكم وتعيينه لم تتركه الشريعة من غير بيان وإنما وضعت للاختيار شروطا وراعت مقاصد، وأمرت بما في الوسع والمستطاع وبما لا يترتب عليه فتنة عامة....
ولما نصب النبي صلى الله عليه وسلم الأمراء في الغزو وخلف من ينوب عنه في المدينة
بين للأمة طريقة التعامل معهم، وليس من شرط البيان أن يضع دستورا ...
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأمة أن تعمل بسنة الخلقاء الراشدين بعده، والتي من سنتهم ما يتعلق بطرق تولية الحاكم وطريقة التعامل معه...
فأين النكبة التي يُزعم أنها بسبب "ترك البيان"؟! بل الوصف نفسه يلزم منه ما لا يليق بالشريعة ولا بمقام النبي صلى الله عليه وسلم...
وكأن الددو يميل إلى أن الأكمل هي الوصية والتنصيص التفصيلي على أحكام الولاية
أأنتم أعلم أم الله؟
رابعا:
خلافة أبي بكر
وقد اختلف العلماء في خلافة أبي بكر هل ثبتت باختيار المسلمين له ؟ أو بالنص الخفي عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
فذهب جمهور العلماء والفقهاء وأهل الحديث إلى أنها بالاختيار .
وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنها بالنص الخفي...
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(والتحقيق في " خلافة أبي بكر " وهو الذي يدل عليه كلام أحمد : أنها انعقدت باختيار الصحابة ومبايعتهم له وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بوقوعها على سبيل الحمد لها والرضى بها ; وأنه أمر بطاعته وتفويض الأمر إليه وأنه دل الأمة وأرشدهم إلى بيعته . فهذه الأوجه الثلاثة : الخبر والأمر والإرشاد)
خامسا:
ما وقع فيه الددو ليس زلة عابرة، بل انعكاس لفكر حزبي متأثر بالمدرسة الإخوانية، التي جعلت السياسة رأس الأولويات، وزعمت أن إسلام المسلم لا يتم إلا إذا كان سياسيًا. ولما لم يجدوا في النصوص الشرعية وفقه السلف ما يحقق تلونهم في التعامل مع النظام الدولي جاءت فكرة عدم البيان...
قال حسن البنَّا:”أستطيع أن أجهر في صراحة بأنَّ المسلم لن يتمَّ إسلامه إلاَّ إذا كان سياسيًّا، يعيد النظر في شؤون أمته، مهتمًّا بها غيورًا عليها … وأنَّ على كلِّ جمعيَّة إسلاميَّة أن تضع في رأس برنامجها الاهتمام بشؤون أمَّتها السياسية وإلاَّ كانت تحتاج هي نفسها إلى أن تفهم معنى الإسلام” (مجموعة الرسائل)ص159.
سادسا: لو صدر هذا الكلام من غير الددو لاسيما إذا كان حاكما لانبرت أقلامٌ في تكفيره وتسفيهه لكنه لما صدر ممن يوافق أهواءهم لم تر إلا الدفاع ومحاولة تخريج الكلام وحمله على محمل حسن..
كتب د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق