كثيرًا ما يزعم بعض الناس أنّ النصوص والآثار الواردة في وجوب الصبر على جور الحكام إنما كانت خاصة بحكّام السلف، وأن حكام زماننا يختلفون عنهم، فلا تنطبق عليهم تلك الأحاديث.
وهذا خطأ بيّن وضلال ظاهر؛ إذ إن مناط تلك النصوص ليس شخص الحاكم بعينه ولا درجة صلاحه أو فساده، ما دام مسلمًا قد استقر له الأمر، وإنما مناطها درء الفتنة العامة وحفظ جماعة المسلمين، والنظر إلى مآلات الأفعال وما يترتب على عدم الصبر من الفتن وسفك الدماء وضياع الجماعة، ولذلك استوى في ذلك كل حاكم مسلم،
وقد تقرر في نصوص الوحي أن المصلحة الكبرى هي حفظ الدين والجماعة وبقاء شعائر الإسلام ظاهرة في البلد، لا مجرد الخلاص من ظلم حاكم...
ولنأخذ مثال الحجاج بن يوسف الثقفي:
أولا: جاء عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ : أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ الْحَجَّاجِ فَقَالَ : اصْبِرُوا ؛ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رواهُ البخاري (7068)
ثانيا: ما حال الحجاج؟
قال القاسم بن مخيمرة: "كان الحجاج ينقض عُرى الإسلام عروة عروة".
وعَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ ، عَنْ أَبِيْه ِ، قَالَ : عَجِبْتُ لإِخْوَتِنَا مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ ، يُسَمُّوْنَ الحَجَّاجَ مُؤْمِناً .
وقال عاصم بن أبي النجود: "ما بقيت لله تعالى حرمه إلا وقد انتهكها الحجاج".
وقَالَ الصَّلْتُ بنُ دِينَارٍ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ يَقُولُ: "ابْنُ مَسْعُودٍ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ، لَوْ أَدْرَكْتُهُ لأَسْقَيْتُ الأَرْضَ مِنْ دَمِهِ".
وقال ابنُ كثيرٍ في " البداية والنهاية " : فإن الحجاجَ كان عثمانياً أموياً ، يميلُ إليهم ميلاً عظيماً ، ويرى أن خلافَهم كفرٌ ، يستحلُ بذلك الدماءَ ، ولا تأخذه في ذلك لومةُ لائمٍ .ا.هـ.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: (وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر..)
وقال الذهبي في السير:( وَكَانَ ظَلُوْماً ، جَبَّاراً ، نَاصِبِيّاً ، خَبِيْثاً ، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ ، ...)
....وكفره بعض التابعين..وفي تكفيره نظر..
ومع هذا كله، لم ير من أدركه من الصحابة وكثير من السلف الخروج عليه، بل أمروا بالصبر اتقاءً للفتنة؛ لدرء الفتنة العامة، ولم ينظروا إلى حال الخاكم مادام مسلما قد استقر اه الأمر..
وحتى من خرج عليه من السلف ندم، وتمتى أنه لم يخرج...
فإذا كان هذا الحكم جارياً في حق الحجاج مع ما كان عليه ومع وجود من كفره عينا، فغيره من الحكام في كل زمان أيضا يدخلون في النصوص، ما داموا مسلمين قد استقرت لهم الولاية، وأقيمت بهم شعائر الإسلام الظاهرة.
واخيرا: الصواب في الحجاج أننا لا نلعنه بعينه ولا نكفره
روى الخلالُ في " السنة " (851) بإسنادهِ فقال : وأخبرني محمدُ بنُ علي قال : ثنا صالح أنه قال لأبيه : الرجلُ يُذكرُ عنده الحجاجُ أو غيرهُ فيلعنهُ ؟ قال : لا يعجبني لو عبر فقال : ألا لعنةُ اللهِ على الظالمين .ما حال حكام السبف الذين أُمر التاس بالصبر عليهم؟
كتب د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق