الجمعة، 1 مايو 2020

[إذا أمكن للدولة أن تفتح الأسواق والبنوك للناس مع وجود #فايروس_كورونا وتنظم ذلك, فلماذا لا تفتح المساجد مع التنظيم والأخذ بالإجراءات الطبية؟]


#فايروس_كورونا
[إذا أمكن للدولة أن تفتح الأسواق والبنوك للناس مع وجود #فايروس_كورونا وتنظم ذلك, فلماذا لا تفتح المساجد مع التنظيم والأخذ بالإجراءات الطبية؟]
بادئ ذي بدء نتمنى ذلك إذا أمكن من غير أن تترتب عليه مفاسد راجحة, على أن تقوم به الجهات المختصة لا أن يصدر من أفراد, وإلا كان افتياتا عليهم.
وهذا لا ينافي الفتوى بإغلاق المساجد, وهي فتوى ذهب إليها كثير, ولم يرها جمع من أهل العلم, وهي محل اجتهاد, ولا يلزم من الإغلاق تعطيل المسجد؛ لحصول الإعمار من المؤذن ونحوه...
ووجه عدم التنافي: أن الفتوى مقيدة بالمفسدة العامة, وحفظ النفس, ودفع الضرر العام, فمتى ما انتفت العلة انتفى معها الحكم, والحكم يدور مع علته وجودا وعدما.
لكن يبقى السؤال: هل يصح قياس فتح المساجد على فتح الأسواق مقاصديا؟
وجوابه:
أن المصالح تُقسَّم إلى ضروروي وحاجي وتحسيني, وقد علم هذا باستقراء الشرع, والضروري هو أصل الحاجي والتحسيني, وهما خادمتان ومكملتان للضروري, ومتأخرتان عنه, وفي المحافظة عليهما محافظة على الضروري.
ومن طبيعة المصالح الحاجية أنها تدفع الحرج والمشقة, فمقتضاها التيسير والتخفيف.
ومن طبيعة المصالح التحسينية أنها تحسن وتكمل المصالح الضرورية والحاجية, فمقتضاها التوسعة والتسهيل.
فباب المصالح الضرورية: الضرورة, فلا تتناسب معها إلا أحكام الضرورات, ولذا أوجب الشارع على المضطر أكل الميتة؛ حفاظا على النفس.
والمكمل للضروروي لا يراعي فيه الضرورات, وإنما يراعى فيه ما يراعى في المصالح الحاجية.
وباب المصالح الحاجية: المشقة ورفع الحرج, فلا تتناسب معها إلا أحكام المشقة ورفع الحرج, ولذا رخص الشارع للمسافر قصر الصلاة؛ دفعا للمشقة الخارجة عن المعتاد.
والمكمل للحاجي لا يراعي فيه المشقة, وإنما يراعى فيه ما يراعى في المصالح التحسينية.
وباب المصالح التحسينية: السعة والسهولة, فلا تتناسب معها إلا أحكام السعة, ولذا رخص لفاقد الماء التيمم.
وإذا نظرنا إلى الأسواق والبنوك وما في معناهما وجدنا أنهما داخلان تحت باب الضروري المتعلق بحفظ النفس؛ لأن قوام حياة الإنسان بالسلع الأساسية والنقود التي يؤمن بها تلك السلع.
وإذا نظرنا إلى المساجد وجدنا أنها غير داخلة في الضروري؛ لبقاء الدين مع عدمها, وإنما هي داخلة في الحاجي المكمل لضرورة حفظ الدين من وجه, وهو: وجوب الإعمار في الجملة, ولذا تعلقت به رخص المطر والخوف وغير ذلك, وفي التحسيني من وجه آخر, وهو المحافظة على شعيرة الصلاة بتحسين المسجد وتوسعته ونحو ذلك.
فإذا كان هذا هو التوصيف المقاصدي فإنه يترتب عليه أنه في الأسواق والبنوك ونحوهما تتعلق بها أحكام الضرورات, فتكون الموازنة بين ضرر ذهاب النفس بفايروس كورونا وضرر ذهاب النفس بعدم وجود ما يقتات, فيتطلب إيجاد مخارج لا يراعى فيها المشقة والسعة, وإنما حفظ النفس.
وأما المساجد فتتعلق بها أحكام المشقة والسعة, ولا يراعى فيها باب الضرورات, فلا يتطلب إيجاد مخارح متعلقة بحفظ الضرورة.
ومن هنا أمكن أن نجعل قيودا لفتح الأسواق ولا نجعل قيودا لفتح المساجد إذا تعلق الأمر بذهاب النفس.
بقي إذا أمكن وضع قيود شديدة ينتفي معها الخوف من ذهاب النفس, ولا يترتب عليها مفاسد أخرى من اقتتال وظلم ونحو ذلك فإنه يتعين على الحكومة وضع هذه القيود؛ لتحقيق مصلحة إعمار المساجد بما لا يكون فيه مشقة خارجة عن المعتاد.
فإن قيل: ما تقول في الدوام الرسمي في بعض المؤسسات الذي لم تلغه الحكومة وإنما نظمته وقيدته, أفلا نقيس عليه المساجد؟
قيل: القياس هنا مع الفارق المؤثر, فالمؤسسات التي بقي فيها الدوام تتعلق بالصالح العام الذي يقوم مقام الضرورة, والعدد فيها محدود وقابل للتقليص, ويمكن إعمال إجراءات الاحتراز والوقاية من غير أن يترتب عليها مفاسد كاقتتال وشجار ونحو ذلك, بخلاف المساجد.
هذا: وإن المقصود بيان الفارق المؤثر بين أخذ الاحترازات في الأسواق وأخذها في المساجد مع حبنا وتعظيمنا لإعمار المساجد وفتحها, ونرجو من الله الفرج.
كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق