الجمعة، 15 ديسمبر 2023

[القول الذي يخالف ما اشتهر عن السلف]



■إن الناظر في كتب السنة المطولة التي اعتنت بذكر مسائل أصول الدين وما تعلق به 

يجد فيها بيان القول الذي اشتهر عن السلف

●وأحيانا تذكر بعض الآثار عن واحد أو اثنين أو ثلاثة تخالف في ظاهرها المعنى الذي اشتهر القول به عن السلف 

والذي حكي عليه الإجماع، وصار شعارا على السنة وأهلها٠


■فيأتي من لم يفقه طريقة أهل السنة في الاستدلال، فيثبت أن للسلف قولين معتبرين يسوغ فيهما الخلاف، أو يجعل القول الذي انفرد به القليل عن العامة هو القول المعتبر الذي ينسب للسلف!! 


■وهذا انحراف منهجي استدلالي، وهو يشبه من وجه دعاة تجديد قراءة النص الشرعي الذي يجعلون القول المهجور المندثر هو الفهم الصحيح للنص أو منه ينطلقون في تشويه التراث الفقهي!!!


●مع أن حقيقة الأمر أن هناك قولا ظاهرا معتبرا عند السلف، وقولا خفيا مهجورا. 


■والمنهج الصحيح:

أن يجعل المعنى الذي اشتهر عن السلف القول به، ونص عليه أهل الحديث في كتب السنة على أنه هو السنة اللازمة 

هو مذهب السلف


■وأما ما عداه فلا يخلو أن يكون قولا أو فعلا

□فإن كان قولا لا يمكن حمله على معنى يوافق ما اشتهر عن السلف فإنه يعد شاذا مهجورا وإن قال به أفاضل...

○ومن ذلك: تفسير مجاهد لقوله تعالى:[إلى ربها ناظرة] بمنتظرة

قال ابن عبد البر :(ومجاهد وإن كان أحد الأئمّة يتأول القرءان فإنّ له قولين مهجورين عند أهل العلم :

...

الثاني : في تأول قوله تعالى ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربّها ناظرة ) قال ( تنتظر الثواب ليس من النظر ) .القرطبي ج10 ص311 . 


□وإن كان فعلا 

فالأصل في الأفعال أنها لا عموم لها، فإن أمكن حملها على معنى يتوافق مع المعنى المشتهر عن السلف وجب حملها عليه

وإلا فإنها تعد شاذة مهجورة، 


●وكم من أفعال صدرت عن بعض السلف لم يتابعهم عليها أهل الحديث، بل تتابعوا على الإعراض عنها مع اختلاف أزمنتهم وأمصارهم، وجعلوا الأخذ بها ليس من السنة اللازمة وإنما هو طريق من يتبع المتشابه...


●وإذا كان العلماء تتابعوا على ترك عمل أيي هريرة وابن عباس في إسباغهم الوضوء مع أنهم صحابة

لا لشيء إلا لأنهم خالفوا ما اشتهر عن الصحابة وما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم

فكيف بمن دونهما؟!! 


■ومن المعلوم أن تتابع العلماء في القرون الثلاثة وقرن أحمد والثوري وابن المديني ...على معنى مع اختلاف أزمنتهم وأمصارهم يمتنع معه شرعا وعادة أن يكون قولهم خطأ ... 


■وهذا يقودني إلى التمثيل بما اشتهر عن أئمة أهل الحديث من الدعاء للسلطان الجائر بالصلاح، وتعليلهم ذلك بأن في صلاحه صلاحا للأمة

○قال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله: (مَن قال: الصلاة خلفَ كُلِّ برٍّ وفاجرٍ، والجهاد مَعَ كُلِّ خليفةٍ، ولم يرَ الخروجَ على السلطان بالسيف، ودعا لهم بالصلاح، فقد خَرَجَ من قول الخوارج أوله وآخره)

○وذكر  ابن بطة والصابوني والطحاوي وو ان الدعاء له هو مذهب السلف...

○وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل، وسهل بن عبد الله التستري، وغيرهم، يُعظِّمون قدرَ نعمة الله به - أي بالسلطان - ويرون الدُّعاءَ له ومناصحته من أعظم ما يتقرَّبون به إلى الله تعالى) 


●ومع ذلك روي عن بعض السلف الدعاء على الحاكم الجائر وغيبته

وهنا يجب أن تفهم هذه الآثار بما لا يتعارض مع المعنى الذي اشتهر عن السلف 

■ولا شك أن هذه الافعال وردت على أحوال خاصة، وفي مجالس خاصة لا عامة اقتضتها مصلحة خاصة ولم يترتب عليها مفسدة أرجح

فيجب أن تفهم على الحال والواقع الذي وردت عليه...

من غير رفع للمعنى الذي اعتبره السلف


□ومن ذلك

قال رجل للإمام أحمد:إن المأمون قد سل سيفه ويقسم إن لم تجبه إلى أن القرآن مخلوق ليقتلنك، فجثى على ركبتيه وقال:

سيدي غرَّ حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أولياءك بالضرب والقتل، اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته.

فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الليل.

■فهذه الرواية أخرجها أبو نعيم في الحلية وفي سندها ضعف، وفي متنها ما يتنافى مع ما نقل عن أحمد.. 


■وعلى التسليم بصحتها فيجب أن تفهم على الوجه الذي لا يتعارض مع المعنى الذي اشتهر به القول عن أهل السنة.. 


●فالقصة قد وردت في سياق خاص وهو أن المأمون قد سل سيفه وتوعد الإمام احمد بالقتل........

●فدعا عليه في مجلس خاص بما يدفع الضرر عليه 

لما تحقق من وقوع ظلمه عليه 

من غير أن يترتب على ذلك مفسدة أرجح 

ومن غير أن يؤجج العامة عليه، ولا أن يدعو عليه من فوق المنبر بما يكون سببا للفتنة العامة... 

■فالنهي عن الصورة التي يكون الدعاء فيها ملازما للفتنة لا يلزم منه النهي عن الصورة التي لا تلازم الفتنة

■ثم إن وجود المقتضي للدعاء ورجحان مصلحته في حال لا يلزم منه رجحان مصلحته في كل حال ولو وجد مقتضيه


●وكذا ما صدر من أقوال عن بعض السلف من جواز غيبته وذكر حاله

إنما ورد في مجلس خاص بمناط ظهور فسقه 

وكانت المصلحة راجحة في ذكر حاله

من غير أن يلزم منها ما يكون سببا للفتنة العامة


فهو على هذا الوجه لا يتعارض مع المعنى الذي اشتهر عن السلف من منع الإنكار العام الذي يلازم الفتنة والفوضى العامة ... 


■والجامع: أن النهي عن الصورة التي يكون فيها الإنكار العلني ملازما للفتنة لا يلزم منه النهي عن الصورة التي لا تلازم الفتنة والمفسدة الراجحة.


فالصورة التي يكون فيها الإنكار العلني على الحاكم ملازما لزوما لا ينفك في الغالب  أو الكثير عن المفسدة الراجحة والفتنة العامة منعت بإطلاق كتهييج الناس عليه بذكر مساوئه والإنكار عليه في غيبته وعدم وجوده 

والصورة التي انتفى فيها التلازم في الغالب

علق جوازها بالمصلحة والمفسدة كالإنكار العلني بين يديه، وكغيبته بذكر حاله في مجلس خاص، والدعاء عليه إذا تحقق من ظلمه له في مجلس خاص ...


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق