الثلاثاء، 26 ديسمبر 2023

اسم الفسق عند المعتزلة

اسم #الفسق_عند_المعتزلة

إن من الأمانة العلمية ومقتضى العدل والإنصاف نسبة القول إلى أصحابه على وفق ما يعتقدون، فمن الظلم تقويل القائل ما لم يقله.
وهذا ما دعاني لتحقيق القول في مذهب المعتزلة في اسم الفسق، فأرجو من الله أن أكون قد وفقت في ذلك.

الفسق اسم من أسماء الدنيا، وليس حكما في الآخرة
وهذا باتفاق الفرق
وهو قسيم لاسم الإسلام واسم الكفر عند الطوائف خلافا للخوارج، فليس عندهم إلا إيمان وكفر.

فإن قيل: الفسق وإن كان قسما لاسم الإسلام والكفر إلا أنه في نفسه كفر أكبر عند المعتزلة.

قيل: لا، فالفسق عند المعتزلة ليس كفرا، لأن الكفر عندهم اسم لمن تجري عليه أحكام الكفر كالمنع من الصلاة عليه والدفن في مقابر المسلمين...
قال القاضي عبد الجبار المعتزلي:(... لأن الكفر صار بالشرع اسما لمن يستحق إجراء هذه الأحكام عليه) شرح الأصول الخمسة ١٤١

ولأن الفسق عندهم لا ينافي التوحيد ولا يمنع من الثواب على الطاعة
ولذا ينتفع الفاسق بثواب ما فعل من طاعة عند الموازنة، فالكبيرة تحبط الطاعة وتوجب التخليد في النار إلا أن مقتضى العدل -على من استقر عليه مذهبهم- أن ينتفع بثواب الطاعة في تخفيف العذاب، فلا يعاقب على ما ساوى ثواب الطاعة، فهم يقولون بالإحباط مع الموازنة، ولهذا كان عذاب الفاسق في الآخرة أخف من عذاب الكافر
قال القاضي عبد الجبار:(ما وقع منه من طاعة وإيمان أفسده بفسقه وأحبط له بمعاصيه، فإنما أتي فيها من قبل نفسه...ومع ذلك فإنه لولا إيمانه لما خف عقابه، فيصير ثواب إيمانه مسقطا من عقابه ما يوازيه ويستحق الزائد) المختصر في أصول الدين ٣٨٣
وقال:(والكلام في الموازنة فإن أبا هاشم يثبته ويقول به، وصورته: أن يأتي المكلف بطاعة استحق عليها عشرة أجزاء من الثواب، وبمعصية استحق عليها عشرين جزءا من العقاب، فإن الله يعاقبه بعشرة أجزاء، فأما العشرة الأخرى فإنها تسقط بالثواب الذي استحقه على ما أتى به من الطاعة...، وهذا هو الصحيح من المذهب) شرح الاصول الخمسة ٦٢٥

فلو لم يكن موحدا وينتفع بثواب طاعته ما خفف عنه العذاب إذا ارتكب كبيرة
وهذا يفيدنا أن رفع اسم الإسلام عندهم لا يوجب أن يكون الفسق كفرا؛ إذ لو كان كفرا ما انتفع بثواب طاعته في تخفيف العذاب.
وحتى نفهم مذهبهم لابد أن ندرك أنهم يرون أن فعل الكبيرة لا ينافي التوحيد، ولا بمنع من فعل الطاعة والثواب على فعلها؛ لأن الفاسق الذي يطيع الله قد أطاع الله على الوجه الذي كلف به، فكان ارتكابه الكبيرة غير مانع من الثواب.
وبهذا يتضح لنا أن ارتكاب الكبيرة ليس كفرا عندهم بحيث إنه لا يصح معه فعل الطاعة مطلقا ويمنع ثوابها. انظر المجموع في المحيط بالتكليف للقاضي عبد الجبار ٣/٣٩١

والخلاصة: أن اسم الفسق مغاير لاسم الإسلام والكفر، وأن وجود الفسق لا يمنع من ثبوت أحكام الإسلام ولا يمنع من الانتفاع بثواب الطاعة على وجه يخفف العذاب الدائم
إلا أن وجود الفسق قادح في العدالة وموجب للتخليد في النار
قال القاضي عبد الجبار المعتزلي:(إن الإيمان عبارة عن خصال الخير إذا اجتمعت سمى مؤمنا، وهو اسم مدح، والفاسق لم يستجمع خصال الخير ولا استحق اسم مدح فلا يسمى مؤمنا، وليس هو بكافر مطلقا أيضا؛ لأن الشهادة وسائر خصال الخير موجودون فيه ولا وجه لإنكارها) شرح الأصول الحمسة ٧٠٧

كتبه 
د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2023/12/blog-post_26.html
إن هذا العلم دين
فانظر عمن تأخذ دينك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق