هل الشيخ الصادق الغرياني في شرح عقيدة ابن أبي زيد على طريق السلف ومنهجهم؟
كثيرا ما يردد بعض الإخوة أنه في شرحه على طريقة السلف وهنا
نسأل ما هي طريقة السلف في إثبات الصفات؟
وجوابه: هي إجراء ألفاظ الصفات على ما دلت عليه من
معنى ظاهر في لغة العرب، كما قال الإمام أحمد:(ولا تفسر هذه الأحاديث إلا بمثل ما
جاءت) أي وفق المعنى الظاهر الذي جاءت به، وهذا هو معنى قول السلف "أمروها
كما جاءت" و "قراءتها تفسيرها" ولا
يمكن بحال أن يتوهم من المعنى الظاهر معنى لا يليق بالله، ولو أمكن ذلك ما تعبدنا
الله بظاهر نصوص الصفات ولا خاطبنا بها.
ولما سئل الإمام أحمد عن قوم يقولون لما كلم الله
موسى لم يتكلم بصوت.
قال: بلى إن ربك تكلم بصوت، هذه الأحاديث نرويها
كما حاءت) أي على المعنى الظاهر. وقال يزيد بن هارون: ( من
توهم [الرحمن على العرش استوى] خلاف ما في قلوب العباد فهو جهمي] اي توهمه على
خلاف المعنى الظاهر.
لكن نجد أن الشيخ الغرياني في شرحه يشيد بالقاضي
عبد الوهاب ويذكر أن شرحه على عقيدة ابن أبي زيد كان على طريقة ومنهج السلف.
والذي غاب عنه أن القاضي عبد الوهاب كان تلميذا
للباقلاني الأشعري, وعلى طريقته, قال القاضي عياض:( ودرس الفقه والاصول والكلام
على القاضي ابي بكر الباقلاني وصحبه) ترتيب المدارك(٧/٢٢١), وقد اعتمد القاضي عبد الوهاب على الباقلاني في
شرحه العقيدة ونقل عنه وكان يقول: قال شيخنا, وكان من طريقة الباقلاني أنه يرفض
تأويل الصفات الخبرية كالاستواء والوجه...ويسلم للنصوص الشرعية إلا أنه يثبتها مع
نفي ما توهمه من كون ظاهر النص يفيد ما لا يليق بالله، ولهذا قال في الاستواء:(أنه
على عرشه لا على معنى كون الجسم بالملاصقة والمجاورة) التمهيد(٢٦٤) فتوهم أن ظاهر
معنى الاستواء الملاصقة والمجاورة فاحتاج إلى نفيه مع إثبات أن الله على العرش وهذه
قاعدة له, والقاضي الباقلاني أقرب إلى السنة ممن جاء بعده كالجويني.
وقد تأثر
القاضي عبد الوهاب بطريقة شيخه الباقلاني ... فالقاضي
عبد الوهاب نصر عقيدة متقدمي الأشاعرة في الصفات الخبرية
وقد كانت قاعدة القاضي عبد الوهاب التي ينطلق منها
في إثبات الصفات الخبرية هو التسليم بما ورد به النص مع نفي ما توهمه من كون ظاهر
النص يفيد ما لا يليق بالله. ولهذا يرى الإمساك عما
أمسك عنه السلف من ألفاظ زائدة على ما ورد به النص ولو كانت الألفاظ في حقيقتها
تبين معاني النصوص ومرادات السلف؛ خوفا من الوقوع فيما توهمه أنه يؤول به إلى
التجسيم, فالاستواء مثلا يثبته تسليما للنص الشرعي لكنه لا يفهم من حقيقة لفظ
الاستواء إلا التحيز وشغل مكان والتحول والافتقار ... فاحتاج
عند إثباته الاستواء، أن ينفي عنه ما تبادر إلى ذهنه من استقرار وانتقال وشغل
مكان، وإثبات الاستواء صفة تسليما للنص استوجب منه ألا يفسره؛ فرارا من الوقوع في
التجسيم.
وقد اغتر الشيخ الغرياني بالقاضي عبد الوهاب؛ لكونه
غير متخصص وليست له معرفة تفصيلية بعقيدة السلف فدخل عليه شيء من كلامه ففي إثباته
للصفات يكتفي بالتسليم لألفاظ النصوص على ظاهرها من غير خوض في المعاني المتعلقة
بالمعنى الظاهر للفظ، ويرى ذلك من التعمق الذي يخرج عن منهج السلف من غير أن يفرق
بين المعاني المستقرة عند السلف كاستقرار كلمة غير مخلوق في مسألة كلام الله,
فالصحابة وإن لم ينطقوا بكون كلام الله غير مخلوق إلا أن هذا المعنى مستقر عندهم
فذكره عند الحاجة إليه ليس تعمقا ولا خروجا عن منهجهم, وبين الزيادة على المعاني
المستقرة عند السلف والمبالغة في الإثبات, فلما لم يميز الشيخ بين الأمرين أنكر كل
لفظة لم ينطق به السلف ولو كان اللفظ محققا للمعنى الذي قصده السلف وموضحا له؛ ظنا
منه أنه ينطلق من قاعدة الإمساك عما أمسك عنه السلف من ألفاظ, ولذا في شرحه على
ابن أبي زيد أنكر لفظة "بذاته" في قول ابن أبي زيد (وأنه فوق عرشه
المجيد بذاته) واستأنس في ذلك بكلام الذهبي, وجعل "بذاته" صفة للعرش,...
ومعلوم أن لفظة بذاته ذكرها الأئمة وحكوها في سياق
ذكر إجماعات السلف في إثبات الاستواء على ظاهره, ولم ينكروها؛ لأنها من الألفاظ التي
تبين المعنى الظاهر للاستواء الذي هو مستقر عند السلف, واحتيج إلى اللفظ في الرد
على النفاة, قال شيخ الإسلام: ((وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو الطلمنكي
الْإِمَامُ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ " الْوُصُولُ إلَى
مَعْرِفَةِ الْأُصُولِ ": أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ
مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ اسْتَوَى بِذَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ. وَكَذَلِكَ
ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَافِظُ الْكُوفَةِ فِي
طَبَقَةِ الْبُخَارِيِّ وَنَحْوِهِ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ
وَالْجَمَاعَةِ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ يَحْيَى بْنُ عَمَّارٍ السجستاني الْإِمَامُ
فِي رِسَالَتِهِ الْمَشْهُورَةِ فِي السُّنَّةِ الَّتِي كَتَبَهَا إلَى مَلِكِ
بِلَادِهِ.وَكَذَلِكَ ذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ السجزي الْحَافِظُ فِي
كِتَابِ " الْإِبَانَةِ
" لَهُ. قَالَ: وَأَئِمَّتُنَا كَالثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ
وَابْنِ عُيَيْنَة وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَابْنِ
الْمُبَارَكِ وفضيل بْنِ عِيَاضٍ وَأَحْمَد وَإِسْحَاقَ: مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ
اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ بِذَاتِهِ؛ وَأَنَّ عِلْمَهُ بِكُلِّ مَكَانٍ وَكَذَلِكَ
ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الطَّرْقِيُّ
وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ الجيلي وَمَنْ لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إلَّا اللَّهُ
مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَشُيُوخِهِ.)). [5/ 189]
وقال ابن القيّم - كما في مختصر الصواعق (2/
134) -: (الوجه الرابع عشر: أن الجهمية لما قالوا عن الاستواء مجازٌ =
صرَّحَ أهل السنَّةِ بأنه مستوٍ بذاته على عرشهِ ....).
فليس في إثبات هذه اللفظة إثبات شيء زائد على ما
دلت عليه النصوص, قال شيخ الاسلام رحمه الله:(فأهل السنة لم يثبتوا بهذه الألفاظ
صفة زائدة على ما في الكتاب والسنة، بل بينوا بها ما عطله المبطلون من وجود الرب
تعالى ومباينته من خلقه وثبوت حقيقته )
قال ابن تيمية: (والقول
الذي قاله الشيخ " محمد بن أبي زيد " وأنه فوق عرشه المجيد بذاته وهو في
كل مكان بعلمه قد تأوله بعض المبطلين بأن رفع المجيد. ومراده أن الله هو المجيد
بذاته وهذا مع أنه جهل واضح فإنه بمنزلة أن يقال: الرحمن بذاته والرحيم بذاته
والعزيز بذاته. وقد قال ابن أبي زيد في خطبة " الرسالة " أيضا على العرش
استوى وعلى الملك احتوى ففرق بين الاستواء والاستيلاء على قاعدة الأئمة المتبوعين
ومع هذا فقد صرح ابن أبي زيد في " المختصر " بأن الله في سمائه دون أرضه
هذا لفظه
والذي قاله ابن أبي زيد ما
زالت تقوله أئمة أهل السنة من جميع الطوائف. وقد ذكر أبو عمرو الطلمنكي الإمام في
كتابه الذي سماه " الوصول إلى معرفة الأصول ": أن أهل السنة والجماعة
متفقون على أن الله استوى بذاته على عرشه. وكذلك ذكره محمد بن عثمان بن أبي شيبة
حافظ الكوفة في طبقة البخاري ونحوه ذكر ذلك عن أهل السنة والجماعة. وكذلك ذكره
يحيى بن عمار السجستاني الإمام في رسالته المشهورة في السنة التي كتبها إلى ملك
بلاده.
وكذلك ذكر أبو نصر السجزي
الحافظ في كتاب " الإبانة " له. قال: وأئمتنا كالثوري ومالك وابن عيينة
وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وابن المبارك وفضيل بن عياض وأحمد وإسحاق: متفقون على
أن الله فوق العرش بذاته؛ وأن علمه بكل مكان وكذلك ذكر شيخ الإسلام الأنصاري وأبو
العباس الطرقي والشيخ عبد القادر الجيلي ومن لا يحصي عدده إلا الله من أئمة
الإسلام وشيوخه). مجموع الفتاوى (5/ 189)
فهذه اللفظة لم ينكرها أئمة أهل الحديث, بل تتابعوا
على ذكرها؛ لأنها من الألفاظ التي تبين معاني النصوص, قال ابن تيمية: (والمقصود
هنا أن الأئمة الكبار كانوا يمنعون من إطلاق الألفاظ المبتدعة المجملة المشتبهة؛
لما فيه من لبس الحق بالباطل, مع ما توقعه من الاشتباه والاختلاف والفتنة، بخلاف
الألفاظ المأثورة والألفاظ التي بينت معانيها)
وإنما أنكرها الذهبي لعدم تحقق الحاجة التي لأجلها
استحدث هذا اللفظ, فقد كان مؤولة الاستواء بالاستيلاء يستعملون لفظة بذاته في
تأويلهم, قال الذهبي: (قولك بذاته هذا من
كيسك ولها محمل حسن, ولا حاجة إليها؛ فإن الذي يأول استوى يقول أي: قهر بذاته
واستولى بذاته بلا معين ولا مؤازر) العلو للعلي الغفار (ص: 245)
وطريقته خلاف أكابر أهل
العلم
ومع نفرة الشيخ الغرياني من التأويل إلا أن إشكالية
توهم معنى لا يليق بالله يؤخذ من حقيقة اللفظ يؤول به إلى التجسيم جعل إثباته في
بعض المواطن مقيدا، وهذا ما صرح به في موقعه لما قال:(صفة العين ثابتة لله تعالى؛
لكن ليس بمعنى الجارحة والحدقة التي يبصر بها الناس)
فما الذي جعله ينفي الحدقة إلا ما توهمه من كونها
هي حقيقة لفظ العين!!!
فهو مع تسليمه لألفاظ النصوص إلا أن أشكالية توهم ما
لا يليق تراوده في بعض الصفات, ولا أظنه يراها ظاهرا لجميع الصفات الخبرية وإلا
خرج بذلك عن اعتقاد السلف بالكلية.
فالذي يظهر لي أن الشيخ الغرياني ينفر من تأويل
الصفات إلا ما أوله السلف على زعمه، فقد عد تفسير السلف لقوله تعالى:( وهو معكم)
بالنظر إلى السياق تأويلا ظنا منه أنهم ينفون التفسير الإفرادي ل "مع"؛
لأن حقيقة "مع" عند الشيخ تفضي إلى التشبيه ومع نفرته من التأويل إلا أن
إشكالية توهم معنى لا يليق بالله يؤخذ من حقيقة اللفظ ومعناه الظاهر يؤول به إلى
التجسيم جعل إثباته مقيدا، وجعله يفر للتسليم للنص من غير تفسير.
وهذا ما صرح به في موقعه لما قال:(صفة العين ثابتة
لله تعالى؛ لكن ليس بمعنى الجارحة والحدقة التي يبصر بها الناس) ففي إثباته للصفات
يكتفي بالتسليم لألفاظ النصوص من غير الخوض في المعنى الظاهر للفظ، ويرى ذلك من التعمق
الذي يخرج عن منهج السلف فهو مع تسليمه لألفاظ النصوص إلا أن أشكالية التوهم لا
تنفك عنه, وهذا جعله ينفي عن العين الحدقة؛ لأنه يرى أن هذا هو حقيقة لفظ العين
ومعناه الظاهر...
ولما سئل في موقعه عن إثبات الصفات قال:(صفات
الباري عز وجل يجب إثباتها كما جاءت في الكتاب والسنة على (المعنى الذي أراده الله
عز وجل ورسوله بها من غير تكييف)، وقد كان السلف الصالح يقولون: أمرّوها كما
جاءت...)
تنبيه لا أعرف معتقده في الصفات الفعلية....
كتبه د. أحمد محمد الصادق
النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق