الجمعة، 11 ديسمبر 2015

مناقشة الشيخ عبيد الجابري في جواب له عن مسألة عقدية (المكر والخداع، وباب الاخبار عن الله)



الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي
أما بعد، فالفتوى أمرها عظيم، وهي توقيع عن رب العالمين.
وقد أوقفني أحد الإخوة الأفاضل على فتوى للشيخ عبيد الجابري من موقع ميراث الأنبياء وهي:
السؤال:
بارك الله فيكم شيخنا، هذا السؤال السادس، يقول: ما الفرق بين أسماء الله والإخبار عن الله؟ وما هو الضابط في باب الإخبار؟

الجواب:
أسماء الله توقيفية، وهذه لها ما يدل عليها، ومن ذلكم؛ التصريح في القرآن، مثل قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } إلى آخر سورة الحشر، وقوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة 163] وغير ذلك.

ومنها النقل الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم- دعا به مثل: ((يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ)) وهكذا.

أمَّا الإخبار غالبًا يكون في الأفعال كالكيد والمكر والبطش، هذه أفعال يُؤخذ منها صفة ولكن لا يؤخذ منها اسم، فلا يُقال: إن الله كائد، إن الله ماكِر -أعوذ بالله- لا يُقال هذا، لأنها لا تُطلق إلا في المقابل لبيان أنه – سبحانه وتعالى- قادرٌ على الانتقام من ردَّ هديَّه الذي أنزلهُ على رسله: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [ الأنفال 30]، {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)} [ الطارق].

اهـ.

أقول:

هذا جواب مشتمل على إجمال، وأغلاط.

والكلام في أسماء الله وصفاته عظيم، والانحراف فيه عظيم.

قول الشيخ:"أمَّا الإخبار غالبًا يكون في الأفعال كالكيد والمكر والبطش، هذه أفعال يُؤخذ منها صفة ولكن لا يؤخذ منها اسم، فلا يُقال: إن الله كائد، إن الله ماكِر -أعوذ بالله- لا يُقال هذا، لأنها لا تُطلق إلا في المقابل"

فذكر أن الإخبار غالبا يكون في الأفعال كالكيد ...، فجعل الكيد فعلا من باب الخبر.

وهذا تأصيل بعيد عن مذهب السلف، وهو غلط ظاهر.

فباب الإخبار مغاير لباب الأسماء والصفات؛ إذ إن باب الإخبار لا يشترط فيه التوقيف كما يشترط في الاسماء والصفات، وإنما يشترط فيه الا يكون معناه سيئا، والحاجة.

قال ابن القيم في البدائع:( ما يدخل في الإخبار أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته، ك الشيء، والموجود، والقائم بنفسه...

وقال: إن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب ان يكون توقيفيا كالقديم والشيء .. )

والصفات المقيدة كالمكر والكيد هي ليست من باب الإخبار وإنما هي صفات مقيدة، فتدخل تحت باب الصفات لا باب الاخبار.

ولهذا يشترط فيها التوقيف.

فظهر خطأ الشيخ في عد هذه الصفات من باب الاخبار المغاير لباب الاسماء والصفات.

وقد يحمل كلام الشيخ من وجه بعيد على أنه اراد بالإخبار  الاسم المقيد الذي يؤخذ من الفعل، لا الفعل نفسه ، فيقال: الماكر بمن يستحق المكر، وهكذا..

فيكون الاسم هنا ليس من باب الاسماء الحسنى ، وإنما من باب الإخبار، فأُخذ منه اسم فاعل.

لكنه حملٌ لقصده إن كان قد قصده، ولا يفيده لفظه.

ثم إن الشيخ قد تناقض  فجعل المكر، وو... من باب الإخبار ، ثم ذكر أنها تؤخذ منها صفات، وباب الاخبار لا يؤخذ منه صفات عليا ولا أسماء حسنى.

والسؤال الذي يرد على الشيخ: إذا كانت تؤخذ منها صفات فكيف تكون من باب الإخبار؟!!

الا اذا قصد الشيخ ان باب الاخبار تؤخذ منه ما صيغته صيغة الصفة او الاسم فهذا حق.

لا أنه تؤخذ منه صفات عليا.

وهو أيضا دلالة لفظه عليه بعيد.

وقول الشيخ:"لبيان أنه – سبحانه وتعالى- قادرٌ على الانتقام من ردَّ هديَّه الذي أنزلهُ على رسله":

يحتمل أمرين:

الأول: تفسير لصفة المكر والخداع ... باللازم مع نفي المعنى، كما عليه المتكلمون.

والمتكلمون إما أن يرجعوا الفعل الى القدرة او الارادة، أو يجعلوا الفعل بمعنى المفعول.

وهذا أنزه الشيخ عنه؛ لمعرفتي بأصوله في باب الصفات.

الثاني: تفسير باللازم مع اثبات المعنى اللغوي لهذه الصفات، وهذا مذهب للسلف.

لكن العبارة موهمة، ولابد فيها من تفصيل.

قال ابن القيم في إعلام الموقعين: ( قيل: إن تسمية ذلك مكرا وكيدا واستهزاءا وخداعا من باب الاستعارة ومجاز المقابلة نحو (وجزاء سيئة سيئة مثلها) ... وقيل -وهو أصوب-: بل تسميته بذلك حقيقة على بابه؛ فإن المكر إيصال الشيء إلى الغير بطريق خفي، وكذلك الكيد والمخادعة )

أضف إلى ما تقدم: ان الشيخ عامل صفة البطش معاملة المكر والكيد، وهذا باطل، فالبطش صفة فعلية ، ولا تضاف إلى الله مقيدة.

ولهذا جاءت مطلقة في النصوص ، كما قال تعالى إن بطش ربك لشديد.

وأخيرا: هذا ما أردت بيانا ضبطا للمسألة، وحفاظا على مذهب السلف من أن يدخل فيه ما ليس منه.

وأسأل الله ان يوفقنا لمرضاته، ونصرة مذهب السلف.

كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق