الأحد، 20 ديسمبر 2015

الرد على #الشريف_حاتم_العوني في مقاله:" بين البدعة والمصلحة المرسلة"



الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فقد اطلعت على تأصيلات بعيدة عن الصواب للعوني في باب البدعة, وقد اغتر بها من اغتر؛ فرأيت من المستحسن أن أبين وجه الخلل فيها؛ حتى يميَّز بين الصحيح والضعيف, والسنة والبدعة.
وسيكون ردي عليه منصبا على ما ذكره من علة الابتداع, من غير أن أعلق على ما وقع فيه من أغلاط في هذا المقال - " بين البدعة والمصلحة المرسلة" -.
ومعرفة علة كون الفعل بدعة وهو: تحقق وصف البدعة على الفعل أمر مهم, وقد وقع للشيخ العوني بسبب عدم ضبطه لتعريف البدعة, ومتى ينطبق على الفعل:خلط واشتباه.
ولذا كان للرد عليه أهمية.
فنشرع بإذن الله وتوفيقه:
لما ذكر العوني تحرير كلام شيخ الإسلام في وصف الأمر المستحدث بأنه بدعة وأنه قيد ذلك بقيدين: قيام الداعي لوجوده في زمن النبي صلى الله عليه وسلم, وما عبره عنه العوني بأن يكون ممكنا لا ممتنعا: قال: (لكن يغفل كثير من الباحثين المعاصرين ومن الموسومين بالتخصص : عن أن هذا التحرير ليس تعريفا لـ(لبدعة) ، ولا يلغي تعريف (البدعة) في العبادات ، وأنه ليس بديلا عن ذلك التعريف . وهو التعريف الذي يشترط في الأمر المبتدع في العبادات أن يكون عامله يعمله على وجه التقرب والتعبد به)
وقال: (يبدعون الأمر المستحدث الذي اجتمع فيه القيدان المذكوران دون النظر إلى شرط التبديع في العبادات ، وهو اعتقاد التقرب بها ( التعبد))
والرد عليه من وجهين:
الوجه الأول: منع أن تكون علة البدعة منحصرة في التعبد؛ ذلك أن كون الفعل بدعة غير محصور في علة واحدة, وإنما في علتين على سبيل البدل, تستقل كل واحدة منهما عن الأخرى.
وكون كل واحدة منهما مستقلة في التأثير: محله حال الانفراد, لا الاجتماع, أما إذا اجتمعا فإن الحكم يكون أقوى.
ومنهم من قال: اجتمع فيه حكمان كإيجابين أو تحريمين. وقد فصل ذلك وحققه: شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى.
ومن الأمثلة: انتقاض الوضوء بالبول والريح والنوم, فهذه كلها علل مستقلة حال الانفراد يثبت بها الحكم على سبيل البدل.
وأما العلتان في الابتداع, فهما:
1-التعبد والتقرب إلى الله.
2-مضاهاة الطريقة الشرعية, وإجراؤها مجرى الشرعيات.
والمضاهاة وإجراؤها مجرى الشرعيات بمعنى: مشابهة الشرعية في الالتزام, والتخصيص بهيئة أو زمان أو مكان أو عدد.
ويؤيد هذا ما سيأتي من أمثلة.
وقال الشاطبي في الاعتصام: (( ...فإن أتى المكلف في ذلك الأمر بكيفية مخصوصة , أو زمان مخصوص ، أو مكان مخصوص ، أو مقارناً لعباده مخصوصة ، والتزم ذلك بحيث صار متخيلاً أن الكيفية ، أو الزمان ، أو المكان ، مقصود شرعاً من غير أن يدل الدليل عليه . كان الدليل بمعزل عن ذلك المعنى المستدل عليه))
وقال: (( ... فهذه أمور جائزة أو مندوب إليها ، ولكنهم كرهوا فعلها خوفاً من البدعة؛ لأن اتخاذها سنة إنما هو بأن يواظب الناس عليها مظهرين لها ، وهذا شأن السنة ، وإذا جرت مجرى السنن صارت من البدع بلا شك ))
وقال: (( وقد كان مالك يكره كل بدعة وإن كانت في خير
وجميع هذا ذريعة لئلا يتخذ سنة ما ليس بسنة ، أو يعد مشروعاً ما ليس معروفاً ))
وقال السيوطي في الأمر بالإتباع والنهي عن الابتداع: ((...العبادات المشروعة التي تتكرر بتكرر الأوقات حتى تصير سنناً ومواسم، قد شرع الله منها ما فيه كفاية المتعبد، فإذا أُحدث اجتماع زائد كان مضاهاة لما شرعه الله تعالى وسنة رسوله، وفيه من المفاسد ما تقدم التنبيه عليه، بخلاف ما يفعله الرجل وحده أو الجماعة المخصوصة أحياناً، أو نحو ذلك يفرق بين الكبير الظاهر، والقليل الخفي، والمعتاد وغير المعتاد، وكذلك كل ما كان مشروع الجنس، لكن البدعة فيما اتخاذه عادة لازمة حتى يصير كأنه واجب. ))
والسر في ذلك: أن المضاهاة جعلت أسبابا للحكم الطلبي, فكانت سببا لأن يعتقد فيها أنها سنة, ولها فضيلة؛ ذلك أن من أسباب كون الفعل سنة: الالتزام والمداومة, والتخصيص والتقيد, فأدخل في الدين ما ليس منه, فكان ذلك داخلا تحت حد البدعة.
فتبين لنا: أن وصف البدعة أمران على سبيل البدل.
وهذان الأمران يدخلان تحت حد البدعة؛ لأن البدعة ما أحدث في الدين مما لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم
والدين أعم من العبادة والتعبد.
وهذا الذي ينسجم مع قواعد الشريعة, والمقاصد العامة.
فالحكم بالابتداع على المستحدثة يثبت بوجود إحدى العلتين, وإن لم توجد العلة الأخرى؛ وذلك أن العلة ليست مجموع الأمرين, ولا هي منحصرة في التعبد وحده.
ولا يلزم من نفي العلة المعينة نفي الحكم إذا وجد بدلها وهي العلة الأخرى.
كما أن اجتماع العلتين: يوجب توكيد الابتداع.
وهذا التوكيد حصل بمجموع العلتين, لا بإحداهما, فكل واحدة منهما تعتبر جزء علة للمجموع, وهذا لا ينفي الاستقلالية حال الانفراد.
ولما كان العوني يثبت العلة الأولى لم احتج إلى إقامة الحجة على عليتها, وإنما سأقيم الحجة على علية العلة الثانية.
فأقول مستعينا بالله:
 علة : "مضاهاة الشرعية, وإجرائها مجرى الشرعيات" وجه كونها علة: دوران حكم الابتداع عليها من غير قصد التعبد وجودا وعدما, فإذا وجدت وجد الابتداع, وإذا عدمت عدم الحكم.
ومن الأمثلة على دوران الحكم على هذا الوصف من غير قصد التعبد:
1- التزام شيء معين في زمان أو مكان مع قصد الزمان والمكان.
قال السيوطي في الأمر بالإتباع والنهي عن الابتداع: (( وكل اجتماع يتكرر بتكرر الأسابيع والشهور والأعوام غير الاجتماعات المشروعة هو المبتدع، ففرق بين ما يفعل من غير ميعاد وبين ما يتخذ سنة وعادة؛ فإن ذلك يضاهي المشروع ))
وظهرت المضاهاة وإجراؤها مجرى المشروع في الالتزام, فالطريقة الشرعية ملتزمة, وتتكرر مع قصد الزمان أو المكان, فإذا انتفت هذه العلة انتفى الحكم فصار جائزا.
 2-التزام قيام الليل جماعة.
وظهرت المضاهاة وإجراؤها مجرى المشروع فيه بالالتزام, فإذا انتفت هذه العلة انتفى الحكم فصار جائزا.
3- تخصيص عمومات النصوص, أو تقييد مطلقها  على طريقة العمل بالمشروع بلا دليل, كتقييد النصوص التي أطلقت الذكر مخصوصة أو عدد مخصوص على طريقة العمل بالمشروع.
قال الشاطبي في الاعتصام: (( ووجه دخول الابتداع هنا: أن كل ما واظب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من النوافل وأظهره في الجماعات فهو سنة ، فالعمل بالنافلة التي ليست بسنة على طريق العمل بالسنة ، إخراج للنافلة عن مكانها المخصوص بها شرعاً .))
4-الأعياد المحدثة.
وظهرت المضاهاة وإجراؤها مجرى المشروع في التكرار في زمن مقصود, فشابه تكرار عيد الفطر والأضحى في زمن مخصوص مقصود.
ويدخل في ذلك: الاحتفال بالمولد النبوي الذي جعل العوني صورة منه جائزة, وهي الخالية عن المنكرات والاعتقاد المخصوص؛ بناء على حصر الابتداع في التعبد.
الوجه الثاني: لو سلمنا بحصر علة الابتداع: في التعبد, فإنه يشمل ما كان تعبدا محضا, وما كان مشوبا بالتعبد, كأن يعتقد فيه منفعة يجعلها المبتدع مقصودة للشارع.
ومثاله: أن المحتفل بالمولد النبوي لا يخلو: إما أن يتقرب بذلك إلى الله, وإما أن يفعله على طريقة العمل بالمشروع, وعلى كلا الاحتمالين انطبق عليه حد البدعة بإدخال ما ليس من الدين في الدين.
قوله(يبدعون الأمر المستحدث الذي اجتمع فيه القيدان المذكوران دون النظر إلى شرط التبديع في العبادات ، وهو اعتقاد التقرب بها ( التعبد))
هذا خلط بين السنة التركية والبدعة؛ فالسنة التركية حجة للمنع, لا للوصف بالبدعة, والمنع من الفعل أعم من أن يكون بدعة؛ إذ إنه قد يكون محرما وقد يكون بدعة.
فيحتج بالسنة التركية على المحرم, وعلى البدعة, ولا يوصف بالبدعة إلا إذا تحقق في الفعل أحد وصفي البدعة.
وأهل العلم لا يحكمون على ما تركه النبي صلى الها عليه وسلم بالقيدين أنه بدعة إلا بعد تحقق وصف البدعة فيه.
وبهذا يتبين لنا خطأ العوني في تقريره.
وأختم بنقلين عن شيخ الإسلام ابن تيمية:
الأول: قال في مجموع الفتاوى (22/ 235) عند كلامه على ما فعله الصحابة مما لم يكونوا يفعلونه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: ((... وجمع القرآن في مصحف واحد وفرض الديوان والأذان الأول يوم الجمعة واستنابة من يصلي بالناس يوم العيد خارج المصر ونحو ذلك مما سنه الخلفاء الراشدون ؛ لأنهم سنوه بأمر الله ورسوله فهو سنة. وإن كان في اللغة يسمى بدعة ))
الثاني: قل في اقتضاء الصراط (276) : (( فلفظ البدعة في اللغة أعم من لفظ البدعة في الشريعة ))

أسال الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه, ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه:
د. أحمد محمد الصادق النجار


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق