الاثنين، 14 مارس 2016

صفات الفعل عند الأشاعرة

صفات الفعل عند الأشاعرة
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فسأبين مذهب الأشاعرة من خلال كلام الرملي وأرد عليه:
قال محمد بن أحمد الرملي الأنصاري في غاية البيان شرح ربد ابن رسلان ص١٥:(( أما صفات الأفعال كالخلق والرزق والإحياء والإماتة ويجمعها اسم التكوين فليست أزلية خلافا لبعض الحنفية، بل هي حادثة أي: متجددة؛ لأنها إضافات تعرض للقدرة، وهي تعلقاتها بوجود المقدورات لأوقات وجوداتها، ولا محذور في اتصاف البارئ بالإضافات، ككونه قبل العالم ومعه وبعده
وأزلية أسمائه الراجعة إلى صفات الأفعال من حيث رجوعها إلى القدرة لا الفعل، فالخالق مثلا من شأنه الخلق، أي الذي هو بالصفة التي يصح بها الخلق وهي القدرة))
والتعليق على هذا الكلام على النحو الآتي:
-معنى كلامه:
صفات الأفعال هي: الصفات المتعلقة بالمشيئة، كالخلق والرزق.
وهذه الصفات عند الأشاعرة لا تقوم بذات الله.
فكون الرب فاعلا إضافة محضة, والإضافات هي: القبلية والمعية والبعدية.
ولهذا قال الرملي:،" ككونه قبل العالم ومعه وبعده"
وأقرب هذا بمثال: الاستواء إضافة محضة، بمعنى: أن الله فعل فعلا في العرش صار به مستويا, وهذا الفعل هو: أن الله خلقه تحته فصار مستويا عليه من غير أن تقوم به صفة الاستواء.
مثال آخر: الإنسان إذا صعد على السرير كان فوقه, وإذا جلس عليه كان تحته من غير أن يقوم في السرير صفة أو يتغير.
وصفات الفعل يطلق عليها: التكوين, وهو عندهم متجدد، بخلاف الماتريدية فهو عندهم أزلي، وهو شيء واحد, غير المكوَّن.
والصفات عند الأشاعرة كالرازي باعتبار ما تلزمه الإضافة وما لا تلزمه ثلاثة أقسام:
١-ما يكون عاريا عن الإضافة.
٢-ما تلزمه الإضافة, كالقدرة, فالقدرة القديمة عندهم لابد أن تتعلق بمقدور، فالإضافة عرضت للقدرة، لا أن نفس القدرة إضافة.
ويقسمون التعلق هنا إلى: صلوحي, وتنجيزي, فتعلق القدرة بالمقدور صلوحي وتنجيزي.
٣-ما تكون الإضافة محضة، ككون الشيء قبل غيره أو معه أو بعده، أو يمينا أو يسارا، فيحصل التغير في هذه الإضافات.
ولما كانت صفات الأفعال غير قائمة بذات الله عندهم كانت حادثة متجددة, ويجعلون الأسماء التي تدل على الفعل مخلوقة، وأنها غيره سبحانه, وإنما تكون أزلية باعتبار رجوعها إلى القدرة .
ومنشأ النزاع: هل الخلق بمعنى المخلوق أو لا؟, وهل الفعل بمعنى المفعول أو لا؟
فمثلا: عند خلق الله لآدم هل قام به فعلٌ هو الحلق, أو ذلك راجع إلى قدرته من غير أن يقوم به خلق, أو هي نسب وإضافات؟
وهذا يرجع إلى أصل , وهو: نفي قيام الحوادث بذات الله.
قالوا: لو كانت صفات الأفعال قائمة بذاته وهي متجددة للزم أن يكون حادثا، وإذا كان حادثا فإنه يحتاج إلى محدِث, فلا يكون ربا.
والفرق بين كلامهم وكلام أهل السنة والجماعة: أن أهل السنة يرون أن صفات الأفعال قائمة بذات الله, متعلقة بالمشيئة من جهة آحادها لا من جهة نوعها.
ويرون أن الحوادث التي توجد شيئا بعد شيء يمتنع أن تكون بفعل قديم أزلي.
و يرون أن كمال الآحاد حين وجودها لا قبل ذلك.
فمثلا: خلْقُ الله لآدم , والسموات, والجبال يمتنع أن يكون ذلك أزليا؛ لأنها مسبوقة بالعدم, ويمتنع أن تكون بفعل قديم؛ لأنه لابد لها من سبب حادث, ومن الممتنع أن توجد بلا مرجح, فالمحدثات لا تترجح إلا بمرجح؛ إذ الأوقات متساوية.
وهي وجدت بفعل حادث, وإلا إذا كان الفاعل لا يتجدد فيه شيء, ثم وجدت المحدثات في وقت مخصوص كان ذلك ترجيحا بلا مرجح, وهو ممتنع.
 وكمال الفعل المحدث حين وجوده لا قبل, فكمال خلق آدم حين خلق آدم, لا قبل.
والفاعل الذي يفعل باختياره ومشيئته أكمل من الذي لا يفعل باختياره ومشيئته.
والرد على الأشاعرة في مذهبهم الباطل من وجوه, منها:
الوجه الأول: قولهم: لو أن الله خلق المخلوق بخلق, فلا يخلو: إما أن يكون قديما, أو حادثا, فإن كان قديما لزم قدم المخلوق, وإن كان حادثا لزم أن يكون الله حادثا؛ لقيام الحوادث به.
والرد عليهم بـ: منع هذه المقدمات.
الوجه الثاني: أن الحجج التي احتج بها الأشاعرة على امتناع قيام الحوادث بالله قد ضعفها أحد أئمة الأشاعرة, وهو الآمدي في الأبكار, وكذا الإيجي.
وقال الإيجي في المواقف عن المقدمات الثلاث الأول: (( مشكلة؛ إذ لا دليل على صحتها )).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في جامع الرسائل (2/ 41): (( وفحول النظار " كأبي عبد الله الرازي وأبي الحسن الآمدي " وغيرهما ذكروا حجج النفاة " لحلول الحوادث " وبينوا فسادها كلها . فذكروا لهم أربع حجج :
( إحداها ) : " الحجة المشهورة " وهي أنها لو قامت به لم يخل منها ومن أضدادها وما لم يخل من الحوادث فهو حادث . ومنعوا المقدمة الأولى ؛ والمقدمة الثانية ؛ ذكر الرازي وغيره فسادها وقد بسط في غير هذا الموضع .
و ( الثانية ) : أنه لو كان قابلا لها في الأزل لكان القبول من لوازم ذاته فكان القبول يستدعي إمكان المقبول ووجود الحوادث في الأزل محال وهذه أبطلوها هم بالمعارضة بالقدرة : بأنه قادر على إحداث الحوادث والقدرة تستدعي إمكان المقدور و " وجود المقدور " وهو الحوادث في الأزل محال .
و " هذه الحجة " باطلة من وجوه :
 ( أحدها ) أن يقال " وجود الحوادث دائما " إما أن يكون ممكنا وإما أن يكون ممتنعا ؛ فإن كان ممكنا أمكن قبولها والقدرة عليها دائما وحينئذ فلا يكون وجود جنسها في الأزل ممتنعا ؛ بل يمكن أن يكون جنسها مقدورا.
مقبولا ؛ وإن كان ممتنعا فقد امتنع وجود حوادث لا تتناهى ؛ وحينئذ فلا تكون في الأزل ممكنة ؛ لا مقدورة ولا مقبولة ؛ وحينئذ فلا يلزم من امتناعها في الأزل امتناعها بعد ذلك . فإن الحوادث موجودة ؛ فلا يجوز أن يقال بدوام امتناعها ؛ وهذا تقسيم حاصر يبين فساد " هذه الحجة " .
 ( الوجه الثاني ) : أن يقال : لا ريب أن الرب تعالى قادر ؛ فإما أن يقال إنه لم يزل قادرا ، وإما أن يقال بل صار قادرا بعد أن لم يكن . فإن قيل : لم يزل قادرا - وهو الصواب - فيقال : إذا كان لم يزل قادرا فإن كان المقدور لم يزل ممكنا أمكن دوام وجود الممكنات فأمكن دوام وجود الحوادث ؛ وحينئذ فلا يمتنع كونه قابلا لها في الأزل .
وإن قيل : بل كان الفعل ممتنعا ثم صار ممكنا . قيل : هذا جمع بين النقيضين ، فإن القادر لا يكون قادرا على ممتنع ، فكيف يكون قادرا مع كون المقدور ممتنعا ؟ ثم يقال : بتقدير إمكان هذا كما قيل : هو قادر في الأزل على ما يمكن فيما لا يزال ، قيل : وكذلك في القبول ، يقال : هو قابل في الأزل لما يمكن فيما لا يزال .
 ( الحجة الثالثة ) لهم : أنهم قالوا : لو قامت به الحوادث للزم " تغيره " والتغير على الله محال وأبطلوا هم " هذه الحجة " الرازي وغيره ؛ بأن قالوا : ما تريدون بقولكم : لو قامت به للزم تغيره ، أتريدون بالتغير نفس قيامها به أم شيئا آخر ؟ فإن أردتم الأول كان المقدم هو الثاني والملزوم هو اللازم وهذا لا فائدة فيه فإنه يكون تقدير الكلام لو قامت به الحوادث لقامت به الحوادث وهذا كلام لا يفيد .
وإن أردتم بالتغير معنى غير ذلك فهو ممنوع فلا نسلم أنها لو قامت به لزم " تغير " غير حلول الحوادث فهذا جوابهم ...
 ( الحجة الرابعة ) : قالوا : حلول الحوادث به أفول ؛ والخليل قد قال : { لا أحب الآفلين } و " الآفل " هو المتحرك الذي تقوم له الحوادث فيكون " الخليل " قد نفى المحبة عمن تقوم به الحوادث فلا يكون إلها .
و ( الجواب ) : أن قصة الخليل حجة عليهم لا لهم ؛ وهم المخالفون لإبراهيم ولنبينا ولغيرهما من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وذلك أن الله تعالى قال : { فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين } { فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين } { فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون } { إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين } .
فقد أخبر الله في كتابه : أنه من حين بزغ الكوكب والقمر والشمس وإلى حين أفولها لم يقل الخليل : لا أحب البازغين ولا المتحركين ولا المتحولين ولا أحب من تقوم به الحركات ولا الحوادث ولا قال شيئا مما يقوله النفاة حتى أفل الكوكب والشمس والقمر .
و " الأفول " باتفاق أهل اللغة والتفسير : هو المغيب والاحتجاب ؛ بل هذا معلوم بالاضطرار من لغة العرب التي نزل بها القرآن وهو المراد باتفاق العلماء ...))
الوجه الثالث: قيام الحوادث: مصطلحٌ أحدثه أهل الكلام, وهو لم يرد نفيه ولا إثباته في كتاب الله ولا سنة رسول الله, وفيه إجمال:
فإنْ أريد بنفي قيام الحوادث: أنه سبحانه لا يحلُّ في ذاته المقدسة شيءٌ من مخلوقاته المحدثة, , فهذا نفيٌ صحيحٌ.
 وإنْ أريد به: نفيُ الصفات الاختياريَّة من أنَّه لا يفعل ما يريد, ولا يتكلم بما شاء إذا شاء, ولا أنه يغضب ويرضى لا كأحد من الورى, ولا يوصف بما وصف به نفسه من النـزول, والاستواء, والإتيان كما يليق بجلاله وعظمته, فهذا نفيٌ باطلٌ, وهذا هو مرادهم.
الوجه الرابع: ما سموه إضافات لا يخلو: أن يكون أمرا وجوديا أو عدميا:
فإن كان عدميا فلا فرق بين حاله قبل أن يخلق وبعد أن يخلق؛ لأن العدم لا يجعله خالقا.
وان  كان وجوديا فإما أن يقوم بذات الله أو بغيره؛ فان قام بغيره كان هو المتصف بصفات الأفعال دون الله، فيكون غير الله هو الذي خلق ورزق, وإن قام بذاته كان هو الذي يخلق.
الوجه الخامس: تناقض الأشاعرة؛ فقد ردوا على المعتزلة استدلالهم بقيام الصفات على حدوثه, وأن تكون الصفة التي أضيفت إلى الله قد اتصف بها غيره, كالكلام, ووقعوا في الاستدلال بقيام الأفعال به على حدوثه, وجعلوا الفعل المضاف إلى الله غير قائم بالله, وهذا تناقض واضطراب؛ إذ يلزمهم إثبات ذلك في الأمرين, أو نفيهما في الأمرين, وجوابهم على المعتزلة جواب لنا عليهم.
الوجه السادس: تناقض الأشاعرة في استحالة قيام الحوادث بالله, فالرازي في "الأربعين" نقَضَ ما ادَّعاه الجويني في "الإرشاد" من استحالة قيام الحوادث الله, وذكر أن القول بكون الواجب محلا للحوادث لازم على جميع الفرق الإسلامية وإن كانوا يتبرئون عنه, ثم جاء التفتازاني في "شرح المقاصد" ونقض ما ذكره الرازي.
ثم إن الآمدي في "الأبكار" ضعَّف المسالك الذي استدل به أئمة الأشاعرة على استحالة قيام الحوادث بذات الله, كما بينتُ ذلك ونقلتُ أقوالهم في رسالتي:"تبصير ذوي العقول بحقيقة مذهب الأشاعرة في الاستدلال بكلام الله والرسول صلى الله عليه وسلم".
وهذا دليل واضح في أن كلا منهم يزعم أنه يعلَمُ بضرورة العقلِ, أو بنظره ما يَدَّعِي غيره من الأشاعرة أنَّ المعلوم بضرورة العقلِ أو بنَظَرِهِ نقيضُهُ, وهذا يدل على تهافت مذهبهم وبطلانه.

وأخيرا فهذه المسألة من أدق المسائل التي خاض فيها المتكلمون, واضطربوا فيها غاية الاضطراب, وسَلِم مذهب السلف من التناقض والاضطراب؛ إذ إن قاعدتهم واحدة, وهي: مأخوذة من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق