الخميس، 30 أبريل 2020

لا يصح القطع بالتأثيم في مسائل الاجتهاد


لا يصح القطع بالتأثيم في مسائل الاجتهاد
إن مسائل الاجتهاد مسائل ظنية تحتملها الأدلة, وتختلف فيها الأفهام, ويتفاوت فيها المجتهدون, لا سيما النوازل.
وهذه المسائل وإن كان المجتهدون يتفاوتون في القطعية والظنية إلا أنه لا يسوغ لمن وصل في مسألة تحتملها الأدلة إلى القطع أن يؤثم المخالف.
وقد أجمع العلماء على أنه لا يصح تأثيم المجتهد فيها, قال الجويني في التلخيص: (وقد أجمع أهل العصر قاطبة على أن مسائل الاجتهاد لا يجري فيها التأثيم)
فكيف بالقطع بتأثيم من خالف -على سبيل العموم-؟!!
ولا يلزم من عدم تأثيمه انتفاء الخطأ؛ إذ الخطأ هنا غير متعمد وهو معفو عنه؛ لاحتمال الأدلة وظنيتها.
ثم إن القطع بالتأثيم في المسألة يشترط فيه القطع برفع احتمال الأدلة, وهذا لا يتأتى مع المسائل الاجتهادية, وإذا انتفى الشرط انتفى ما ترتب عليه, فالقطع بالتأثيم منتف لفوات شرطه.
وإذا تأتى فهو أمر نسبي لا يخرج المسألة عن ظنيتها.
وهذا ما درج عليه الأئمة ومنهم من نص على ذلك, قال إسحاق في مكاتبة العبد الذي علم فيه خيرا: أخشى أن يأثم إن لم يفعل.
وقال أحمد في إخراج زكاة الفطر نقدا: ( أخاف ألا يجزئه، خلاف سنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_).
وكما لا يصح القطع بالتأثيم لا يصح للمفتي إلزام الناس باتباعه في هذه المسائل, قال ابن تيمية في مجوع الفتاوى: (وهذا كما أن الحاكم ليس له أن ينقض حكم غيره في مثل هذه المسائل ولا للعالم والمفتي أن يلزم الناس باتباعه في مثل هذه المسائل؛ ولهذا لما استشار الرشيد مالكا أن يحمل الناس على " موطئه " في مثل هذه المسائل منعه من ذلك. وقال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار وقد أخذ كل قوم من العلم ما بلغهم. وصنف رجل كتابا في الاختلاف فقال أحمد: لا تسمه " كتاب الاختلاف " ولكن سمه " كتاب السنة ").
وقال: (ولهذا كان أئمة أهل السنة والجماعة، لا يلزمون الناس بما يقولونه من موارد الاجتهاد، ولا يكرهون أحدا عليه )
 فلا نعامل مسائل الاجتهاد مسائل الإجماع, ولا نقطع فيها بالتأثيم على سبيل العموم, وإنما هو ظن يتفاوت بحسب قوة الاستدلال وضعفه.
وإن القطع بالتأثيم في مثل هذه المسائل يوقع في الحرج, ويكون سببا للعداوة والبغضاء, وهذا ينافي تسويغ الاجتهاد فيها, ويؤدي إلى هدم مقصد الشارع من الاجتماع على الحق والتآلف.
ومحل الكلام المتقدم في القطع بالتأثيم في المسألة, وأما في المعين فلا نقطع بالتأثيم سواء خالف في مسألة قطعية أو ظنية إلا بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع؛ لعموم قوله تعالى: [ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ].

كتبه: أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق