الأربعاء، 1 أكتوبر 2025

بعض الشبهات التي أثارها أحد المغاربة حول المظاهرات

 

احتج بعضهم على جواز المظاهرات بما ورد عن النبي ﷺ: «لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم» [رواه أبو داود].
فزعم أن اجتماع النساء حول بيت النبي ﷺ للشكوى دليل على جواز المظاهرات المعاصرة.

غير أن التدقيق يظهر بطلان هذا القياس، ووجود فروق جوهرية بين الواقعتين، منها:

• أولا: أن الاجتماع نفسه لم يكن مقصودا، فالنساء لم يقصدن الاجتماع ابتداءً، وإنما توافدن بالشكوى حتى اجتمعن، ولم يجعلن الاجتماع وسيلةً للمطالبة بالحقوق، بخلاف المظاهرات التي تتخذ من الاجتماع وسيلة منظمة للضغط وطريقا للإصلاح.

• ثانيا: الغاية مختلفة، فشكواهن لم تكن إنكارًا على النبي ﷺ، بل طلبًا للإنصاف من أزواجهن، فانتفت بذلك مظنة الفوضى والفتنة العامة، بخلاف المظاهرات التي غالبًا يقصد بها الإنكار.

• ثالثا: انتفاء الفساد، فاجتماعهن لم يُصاحبه تخريب أو استغلال سياسي، أو بث الفوضى، بينما المظاهرات لا تنفك غالبًا عن أعمال عنف وشغب.

• رابعا: النساء قصدن بيت النبي ﷺ وهو صاحب السلطة الشرعية والناس تحت أمره وطاعته، بخلاف المظاهرات التي تجري في الشوارع والميادين وتؤدي عادة إلى مصادمات مع الشرطة.

وعليه، يكون القياس فاسدًا، لمخالفته للنصوص الناهية عن إثارة الفوضى، كما أن الاستدلال ناقص لانعدام الاتفاق بين الأصل والفرع. بل إن العلة الموجبة لمنع المظاهرات ـ وهي ما تؤول إليه من فتنة ـ غير موجودة في اجتماع النساء، إذ لم يترتب عليه فساد ولا خروج.
وقد أثبت الواقع أن المظاهرات لا يمكن ضبطها غالبًا.

أما الاستدلال بما رُوي عن ميمون بن الأصبغ: قال أُخرج أحمد لن حنبل بعد أن اجتمع الناس على الباب وضجوا حتى خاف السلطام فخرج

فليس فيه دليل على الجواز، خاصة وأنه كان من عامة الناس، لا من فقهائهم.
بل قد خرج مع ابن الأشعث جماعة من أهل العلم والدين ولم يكن ذلك دليلا على جواز فعلهم, قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (4/ 530): (...وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين)
فالاندفاع وقت الفتن قد يحمل الناس على معالجة المنكر بما هو أنكر، بدافع طلب الحق أو دفع الظلم، دون نظر إلى الفساد العام المترتب.

وإن قيل: إن إخراج الإمام أحمد يشبه المظاهرات،
فالجواب أن الفارق واضح؛ إذ لم تصحبه مصادمات أو تخريب كما هو حال المظاهرات اليوم. وحين وُجدت الفروق المؤثرة بطل القياس.

أما قولهم إنه لا علاقة للمطالبة بالحق ورفع الظلم بالخروج على الحكام, فنعم إذا كان الإنكار عليه مشروعا كالإنكار عليه بين يديه كما فعل أبي سعيد الخدري مع مروان, ولم يقل أحد بأنه خروج أو يلزم منه الخروج...لكن الخلط بين المشروع وغير المشروع هو من التدليس.
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في “منهاج السنة النبوية” (4/536): ...إذا لم يزل المنكر إلا بما هو أنكر منه صار إزالته على هذا الوجه منكرا, وإذا لم يحصل المعروف إلا بمنكر مفسدته أعظم من مصلحة ذلك المعروف كان تحصيل ذلك المعروف على هذا الوجه منكرا , وبهذا الوجه صارت الخوارج تستحل السيف على أهل القبلة حتى قاتلت عليا وغيره من المسلمين وكذلك من وافقهم في الخروج على الأئمة بالسيف في الجملة من المعتزلة والزيدية والفقهاء وغيرهم”. 
✍️ بقلم: د. أحمد محمد الصادق النجار




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق