الثلاثاء، 7 أكتوبر 2025

[أثر الاعتراف الدولي والعلاقات الخارجية في تحقق السلطان الفعلي الذي اشترط الفقهاء ثبوته في الولاية]

 

كم أتمنى ممن ينتقد ما أكتبه أن يتأنّى في الفهم أولًا قبل الحكم، فالنقد قبل الفهم يُوقع صاحبه في التجنّي والافتراء.

ذكرتُ في منشور سابق أنه لابد في الاعتداد بولاية المتغلب في عصرنا أن تكون له علاقات خارجية فاعلة، وهذا ليس من باب الشرط الشرعي وإنما هو من باب كونه مكونا من مكونات القدرة والسلطان اليوم؛  لأن هذه العلاقات أصبحت اليوم عنصرًا مؤثرًا في قدرة الحاكم المسلم على بسط نفوذه واستقرار حكمه.

فالدعم الدولي والاعتراف المتبادل يساهمان في تعزيز استقرار النظام داخليًا، ويرفعان من قدرته على قيادة الدولة، كما نرى في الحالة السورية اليوم ...

بل حتى طالبان حظيت بدعم دبلوماسي من روسيا، وأكد المتحدث باسم الحكومة ذبيح الله مجاهد وجود اتصالات دورية مع أميركا، وطلب للاعتراف الرسمي بالحكومة...
وقال وزير خارجية حركة طالبان أمير خان متقي في 2022: إن الحكومة الجديدة في أفغانستان تقترب من هدف الاعتراف بها دولياً....

ولا يفهم من هذا الخضوع للكفار وأن على الحاكم المسلم أن يرضي الغرب الكافر أو يخضع لأوامره؛ طلبا للاعتراف، فهذا ليس بلازم...وإنما المقصود إدراك أثر العلاقات الدولية في الواقع السياسي المعاصر؛ إذ إن العلاقات الدولية أصبحت عنصرًا مؤثرًا في تحقق السلطان الفعلي الذي اشترط الفقهاء ثبوته في الولاية،
فالشرعية ابتداء  تُستمد من بسط السلطان، والقدرة على الحكم، لا من الاعتراف الدولي
إلا أن هذا الاعتراف لما صار مما يتوقف عليه  النفوذ دخل ضمنا فيه في مفهوم القدرة الفعلية؛ حفظا لمصالح الأمة....
وقد اتفق الفقهاء على أن الإمامة تثبت لمن له شوكة وسلطان فعلي.

والمستغرب أن بعض المعترضين — ممن لم يُحسن الفهم والفقه — أنكروا هذا المعنى بحجة أن الفقهاء لم يذكروا شرط العلاقات الخارجية في ولاية المتغلب، مع أن كلامهم في القدرة والسلطان وبسط النفوذ يتضمن هذا المعنى بحسب تغير الزمان
بمعنى أنه داخل في مفهوم القدرة الفعلية لا في شروط القبول الشرعي..
فقد ذكر الفقهاء أن نفس الولاية هي القدرة والسلطان وبسط النفوذ
قال ابن تيمية:(وأما نفس الولاية والسلطان فهو عبارة عم القدرة الخاصلة ..)
والقدرة الحاصلة وبسط النفوذ يختلف تقديرهما بحسب تغير الزمان والمكان، ويراعى في فقه الضرورات ما لا يراعى في فقه الاختيار والسعة...
وفي عصرنا هذا لا يتمكن المتغلب من بسط سيطرته ونفوذه واستقرار حكمه إلا بوجود هذه العلاقات...فقد أصبحت من تمام حصول القدرة الفعلية...

فكما كانت القوة العسكرية أساس السلطة في الزمن الأول، أصبحت اليوم القوة السياسية والدبلوماسية والاعتراف الدولي جزءًا من مكونات السلطان الواقعي.

وعليه، فذكر هذا الشرط لا يُعد إحداثًا في الفقه، بل هو من تمام فقه الواقع وتنزيل القواعد القديمة على المتغيرات المعاصرة.

نعم
حين كانت الدولة المسلمة قوية ومكتفية بنفسها لم يكن الاعتراف ولا العلاقات الدولية مؤثرة في الاستقرار وبسط النفوذ
أما اليوم، ومع ضعف المسلمين وتغيّر موازين القوى، فقد أصبحت من أهم عوامل تثبيت الحكم واستقرار الدولة.

وأما تشبيه الواقع المعاصر بحال دمشق زمن التتار وأنه يلزم بطلان ولاية حاكمها؛ لأنه لم يكن لها اعتراف من التتار
فهو مغالطة لا تصدر إلا من جاهل لا يدري أنه جاهل؛ لأن الدول اليوم مرتبطة بشبكة دولية مؤثرة في استقرار الحكم وقدرته على إدارة شؤون الدولة، وأما في العصور السابقة، فكان استقرار الحكم يعتمد على القوة العسكرية في الأرض دون ارتباط بمنظومة دولية.
ولا ينفي ذلك أن لها علاقات خارجية ومعاهدات ووو

وفي الختام
لا تناقض بين ما تقرر في هذا المقال وبين تأييد إمارة الشيخ جميل الرحمن في كنر زمن الحرب مع  الروس؛ لأن الكلام عنها كان ضمن واقع جهادي مفتوح ضد احتلال خارجي، حيث انهار النظام المركزي في كابل، وتوزعت الولايات الأفغانية، فكان لكل قائد ميداني نوع من الولاية العرفية  المؤقتة في حدود منطقته إلى حين استقرار الدولة بحكومة مستقلة عامة...

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق