السبت، 11 أبريل 2020

[مقدمة مهمة في الاستدلال العقدي]

[مقدمة مهمة في الاستدلال العقدي]
كتب الاعتقاد المختصرة وكتب السنة التي كتبت
في القرني الثالث والرابع مرجع لمعرفة المسائل القطعية وما تدور عليه السنة والوقوف عند معاني النصوص القطعية.
ويتحقق فيها ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة) أخرجه الترمذي
وكتبهم من نقل الكافة عن الكافة, والجماعة عن الجماعة, فقد تميزت:
1- حكاية إجماع الصحابة والتابعين وتابعي التابعين, وهي القرون الثلاثة.
ومن أمثلة ذلك: عقيدة الرازيين, فعن عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين، وما أدركا عليه العلماءَ في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك؟ فكان من مذهبهم: ...
وكذا البخاري رحمه الله القائل: « لقيتُ أكثرَ من ألف رجل من أهل العلم: أهل الحجاز، ومكة، والمدينة، والكوفة، والبصرة، وواسط، وبغداد، والشام، ومصر: لقيتُهم كَرَّات، قرنا بعد قرن، ثم قرنا بعد قرن...فما رأيتُ أحدا منهم يختلف في هذه الأشياء: ... »
فعنوا بحكاية إجماعهم في الألفاظ والمعاني.
2-اتصاله بالقرون الثلاثة كالحروف يتلو بعضها بعضا.
3- اختلاف بلدان أصحاب هذه العقائد, فتجد البصري والكوفي والمكي والشامي وغير ذلك.
4-أن أصحابها أئمة سنة بدون نزاع معتبر.
وكلهم يحكون الإجماع, ويصدرون به ما يذكرونه من مسائل, فكانوا هم المرجع في إثبات كون المسألة أصلا لا يسوغ فيها الخلاف,
وإثباتُ كونها أصلا فرع إثبات قطعية الأدلة عليها.
وهذه الكتب :
أ- تبين لناالفهم القطعي لنصوص الكتاب والسنة.
ب-نرفع بها احتمال دليل معين.
فأي خلاف يثبته من بعدهم فهو خلاف مردود من جهتين:
الأولى: أن إجماع أصحاب هذه الكتب أقدم؛ لكونهم أسبق في الزمن, ولكون إجماعهم مأخوذا عمن سبقهم من الصحابة والتابعين, وهو بهذا نال شرفا عظيما؛ لكونه محققا لقوله تعالى: (واتبعوهم بإحسان)
الثانية: أنهم هم أهل مسائل أصول الدين وهم أعرف بالسنة, فهي ألصق بهم؛ لأنهم صرفوا همتهم إلى جمع اعتقاد أهل الحديث على سنن كتاب الله ورسوله وآثار صحابته وتابعيهم, ووقفوا في وجه الدخيل, وحاربوا بدع الطوائف المنحرفة.
أضف إلى ذلك: أن أصحاب هذه الكتب أئمة السنة باتفاق كأحمد, والرازيين, وابن عيينة والثوري والأوزاعي, والبخاري, وكان بعضهم يصدر كتابه بالسنة التي من خالفها خرج من السنة.
[عن شعيب بن حرب يقول: «قلت» لأبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري: " حدثني بحديث من السنة ينفعني الله عز وجل به , فإذا وقفت بين يدي الله تبارك وتعالى وسألني عنه. فقال لي: «من أين أخذت هذا؟» قلت: «يا رب حدثني بهذا الحديث سفيان الثوري , وأخذته عنه فأنجو أنا وتؤاخذ أنت» . فقال: " يا شعيب هذا توكيد وأي توكيد , اكتب..]
[سفيان بن عيينة : " السنة عشرة , فمن كن فيه فقد استكمل السنة , ومن ترك منها شيئا فقد ترك السنة:]
[أحمد بن حنبل:ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها:]
[علي بن المديني: " السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها أو يؤمن بها لم يكن من أهلها: ]
[سهل بن عبد الله التستري وقيل له: متى يعلم الرجل أنه على السنة والجماعة؟ " قال: " إذا عرف من نفسه عشر خصال: ]
فلهذا كانت كتبهم هي الأصل, وعليها المعول.
وفي فحوى ما ذكرت يقول اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة: ( فإن أوجب ما على المرء معرفة اعتقاد الدين، وما كلف الله به عباده من فهم توحيده وصفاته وتصديق رسله بالدلائل واليقين، والتوصل إلى طرقها والاستدلال عليها بالحجج والبراهين.
وكان من أعظم مقول، وأوضح حجة ومعقول:
كتاب الله الحق المبين.
ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته الأخيار المتقين.
ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون.
ثم التمسك بمجموعها والمقام عليها إلى يوم الدين).

[حكاية الخلاف المصادم للإجماع المحكي في القرني الثالث والرابع]

تقرر معنا أن الإجماع العقدي المحكي في القرني
الثالث والرابع مبني على التلقي المتصل عن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين.
وهذا التلقي شمل تلقي اللفظ والمعنى, وهذه
لفتة مهمة؛ فالصحابة وتابعوهم بإحسان عُنوا بألفاظ النصوص من الكتاب والسنة ومعانيها, فكما عنوا بالألفاظ عنوا بالمعاني؛ حتى يتبينوا مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم من الألفاظ, فلهذه الخصيصة اعتمدنا على كتب القرنين؛ حتى نتفهم مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم, فكما حفظ الله ألفاظ الذكر حفظ الله أيضا معانيها بالإجماع الذي يحكيه أصحاب القرنين, وهو إجماع انقرض فيه زمن القرنين بلا مخالف من إمام معتبر.
فحكاية الإجماع منهم على مسائل في الدين متضمن
بيان ما يريد الله من الأمة, ومتضمن لعدم تسويغ الخلاف فيها.
وبالتالي فما يحكيه المتأخرون عن القرنين من
خلاف؛ تسويغا له, فهم فيه مخطئون قطعا؛ لبعدهم في الزمن عن القرون الثلاثة, فلم يتحققوا من معرفة مراد الشارع, ولاعتمادهم على وقائع أو احتمالية نصوص مع عدم اطلاعهم على قرائن الخطاب وحال الآمر وحال المأمور والباعث على الخطاب والنظر في المآلات.
فالسلف من القرون الثلاثة لم يكتفوا بالنص,
وإنما حصل لهم بمخالطة الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم, ومخالطة التابعين الصحابة, ومخالطة تابعي التابعين التابعين النظر إلى القرائن الحالية والمقالية المنتزعة من نفس الخطاب أو المخاطِب أو المخاطَب؛ مما جعلهم حجة في إدراك المعاني.
وهذا يجعلنا نقول بقطعية خطأ من بعدهم في
تجويز الخلاف.
وختاما: يجب أن نلحظ عقائد أصحاب الكتب
المتأخرة, فإن للعقيدة تأثيرا في تقرير المسائل, كما هو الحال في تقريرات الزمخشري المعتزلي, وابن حزم الذي كان يبالغ في نفي الصفات ويردها إلى العلم, ويمسل إلى مذهب المعتزلة وغيرهما.
ونلحظ أيضا من يعنون بأصحاب الخلاف, فيدخل
بعضهم المعتزلة وغيرهم من الفرق عند حكاية الخلاف.
كتب: د. أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق