الاثنين، 21 ديسمبر 2020

[ألفاظ الشرع تحمل على المعنى الشرعي فإن لم يكن فالعرفي زمن الخطاب فإن لم يكن فاللغوي]

 

[ألفاظ الشرع تحمل على المعنى الشرعي فإن لم يكن فالعرفي زمن الخطاب فإن لم يكن فاللغوي]


لما كان من شرط الاستدلال بالنصوص الشرعية: فهم معاني الألفاظ, والألفاظ لها معان من جهة الشرع والعرف واللغة كان لزاما معرفة كيفية التصرف فيها إن كان لها معنى في الشرع ومعنى في العرف ومعنى في اللغة.

بمعنى: أن الألفاظ التي ترتبت عليها أحكام شرعية وغلب عليها استعمال الشرع أو العرف, فعلى أي شيء تحمل عند عدم القرينة؟

ومناطها: مراعاة الأسبق إلى الذهن والمتبادر إلى الفهم بالنظر إلى كثرة الاستعمال وغلبته.

ومحل البحث: ما الأسبق إلى الذهن والمتبادر إلى الفهم؟

وتقرير ذلك: أن هذه الألفاظ لها حالان:

الحال الأولى: أن تقترن بها قرائن توضح معناها, فتحمل بالنظر إلى القرينة على المعنى الشرعي أو العرفي أو اللغوي, وهذا واضح؛ إذ اقترن باللفظ ما يدل على مراد المتكلم, فيكون الأسبق إلى الذهن والمتبادر إلى الفهم ما دلت عليه القرينة.

الحال الثانية: أن يأتي اللفظ مطلقا بدون قرائن, فهنا يحمل مباشرة على المعنى الشرعي؛ لأنه الأسبق إلى الذهن من جهة أن المتكلم به الشارع وله عرف خاص في ألفاظه, وهو إنما يبين أحكامه لا أحكام اللغة, وجاء ليبين الشرعيات لا اللغويات, وقد أرادها إرادة شرعية, فهذه الإرادة تقضي على الاحتمال الوارد على اللفظ بين حملة على الحقيقة اللغوية أو الشرعية وترجح الأسبقية إلى الذهن.

فإن لم يكن حُمل على المعنى العرفي زمن الخطاب؛ لأن التكلم بالمعتاد عرفا أغلب من المراد عند أهل اللغة فيسبق إلى الذهن, فيكون هو المراد.

فالألفاظ وإن كانت عامة من جهة الوضع اللغوي إلا أن عرف الاستعمال زمن الخطاب يكون مخصصا؛ لأن الناس لا يفهمون منها إلا ما جري عليه عرفهم.

قال الشيخ الشنقيطي في مذكرة في أصول الفقه (ص: 210): (واعلم أن التحقيق حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية ثم العرفية ثم اللغوية ثم المجاز عند القائل به ان دلت عليه قرينة).

ومثال ذلك: لفظ الصورة, فلا يدخل فيها الصورة الفوتغرافية, على تفصيل بينته في مقال مستقل.

هذا ما درج عليه كثير من الأصوليين, ولا يتعارض مع ما ذكره جماعة من الفقهاء لما قالوا: ما ليس له حد في الشرع، ولا في اللغة، يرجع فيه إلى العرف.

إذ مقصود الأصوليين: بيان معنى اللفظ, بالنظر إلى العرف زمن الخطاب, فلا يتبادر إلى الذهن سواه, ومقصود الفقهاء: ضوابط اللفظ وحده لا معناه, وذلك بالنظر إلى العرف الطارئ, كالفرق بين معنى لفظ: "الدابة" وضابط "السفر" الذي يترخص فيه بقصر الصلاة.

لكن يجب التنبه إلى أمر مهم عند تقرير هذه المسألة, وهي: أن اختصاص اللفظ بمعنى أضيق من إطلاق اللفظ لغة لا يلزم منه عدم إعمال العموم بالنظر إلى عموم العلة, فمع كون اللفظ خاصا إلا أن عموم العلة تعممه, فيكون التعميم من جهة العلة لا من جهة اللفظ.

ومثاله: لفظ الجورب, فلو قلنا بتخصيص العرف لمسماه, إلا أن عموم العلة تقتضي تعميمه, على تفصيل ذكرته في مقال مستقل.

كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق