الأحد، 12 يونيو 2022

الأحكام الشرعية وعلاقتها بالسياسة

 الأحكام الشرعية وعلاقتها بالسياسة 


إن كل فعل من العبد له حكم شرعي سواء صدر الفعل من شخص أو من أشخاص وسواء صدر من الراعي اتجاه الرعية أو العكس، أو كان بين الدول ...

إلا أنه يجب أن ينطبق الحكم الشرعي على الواقع السياسي الخاص بعد الإحاطة به، لأن لكل حكم مناطات ومتعلقات، فتختلف الأحكام بتغير متعلقاتها ..

ولا يصح الاكتفاء ببيان الحكم الشرعي العام الذي تختلف مناطاته عن مناطات الواقع السياسي الخاص.

قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: «وَلا يَتَمَكَّنُ الْمُفْتِي وَلا الْحَاكِمُ من الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ بِالْحَقِّ إلا بِنَوْعَيْنِ من الْفَهْمِ:

أَحَدُهُمَا: فَهْمُ الْوَاقِعِ، وَالْفِقْهِ فيه، وَاسْتِنْبَاطُ عِلْمِ حَقِيقَةِ ما وَقَعَ بِالْقَرَائِنِ وَالأَمَارَاتِ وَالْعَلامَاتِ؛ حتى يُحِيطَ بِهِ عِلْمًا.

وَالنَّوْعُ الثَّانِي: فَهْمُ الْوَاجِبِ في الْوَاقِعِ، وهو فَهْمُ حُكْمِ اللَّهِ الذي حَكَمَ بِهِ في كِتَابِهِ، أو على لِسَانِ رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الْوَاقِعِ، ثُمَّ يُطَبِّقُ أَحَدُهُمَا على الآخَرِ.

فَمَنْ بَذَلَ جَهْدَهُ، وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ في ذلك لم يَعْدَمْ أَجْرَيْنِ أو أَجْرًا.

فَالْعَالِمُ من يَتَوَصَّلُ بِمَعْرِفَةِ الْوَاقِعِ وَالتَّفَقُّهِ فيه إلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ»

ومن الغلط الذي يستغله من يبعد الدين عن السياسة إنزال حكم شرعي عام على غير واقعه، وإعطاء حكم شرعي واحد على وقائع بينها فروق مؤثرة وإن حصل تشابه في الصورة الظاهرة..

فيجعلون هذا الغلط سببا لإبعاد أهل الدين عن الكلام في السياسة.

ولما كانت الفتوى في واقعة خاصة تحتاج إلى مزيد اجتهاد وتقدير للمصالح والمفاسد والموازنة بينها والنظر لعموم البلوى واعتبار الأعراف والعوائد وإعمال دليل الاستحسان والتفريق بين حال الضرورة وبين حال الاختيار كان المفتي الذي ينزل الأحكام الخاصة أعلى درجة من المفتي الذي يدرك الأحكام العامة ويصنف فيها ..

ومثل هذا الفقيه إذا تكلم في الشان العام والسياسة بأحكام تنزيلية تنسجم مع كليات الشريعة ومقاصدها تسلط عليه نوعان من الناس:

نوع غلبت عليه الحماسة والعاطفة فاستمسكوا بالأحكام المطلقة وأنزلوها على الوقائع الخاصة التي تختلف معها في متعلقاتها واتهموا من خالفهم بتضييع الدين والتنازل عن الثوابت ...

كما فعل الدواعش ومن وافقهم..

ونوع غلب عليهم فصل الدين عن الدولة فأنكروا الأحكام العامة والخاصة وعابوا بإطلاق على العلماء كلامهم في السياسة. 


ويجب أن يعلم أن كلام أهل العلم في السياسة له تأثير على المجتمع؛ لتعلقه بالمصالح العامة، وله تأثير أيضا على قبول الناس لكلام أهل العلم في السياسة؛ مما يستدعي اجتهادا خاصا واستنباطا دقيقا ومزيد أهلية.. 


ولما كانت السياسة في عصرنا مختتقات وأزمات وتعاملا مع دول فرضت هيمنتها وتسلطت على الدول الضعيفة وتدخلت في قرراتها كان على المفتي في السياسة البحث عن الحلول التي لا تخالف الشرع وأن يكون اعتناؤه بدرء المفاسد أعظم من اعتنائه بجلب المصالح، وأن يسعى في دفع الفوضى والاضطرابات، فتكون فتاويه قائمة على تقديم المصلحة العامة على الخاصة، وعلى إصلاح الدين وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به..

فيظهر للناس إصلاحه وحلوله الشرعية وبعد نظره، من غير أن توظف فتاويه على نصرة من لا يحقق للأمة مصالحها..

ومن غير أن تكون فتاويه سببا للاضطراب والفوضى وعدم تقدير المصالح..

فتسييس الفتاوى الشرعية مرفوض، والتضييق وعدم مراعاة حال الضرورة وفقه الممكن مرفوض أيضا... 


وللكلام بقية

د. أحمد محمد الصادق النجار 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق