الأربعاء، 29 يونيو 2022

هل مصلحة الرد على المخطئ خطأه المنسوب للدين ارجح من المفسدة؟

السلام عليكم شيخنا

شيخنا حفظكم الله وثبتكم،

ما المصلحة المرجوة من منشور قصتك مع الكلية وانتقاد المفتي علنا؟
شيخنا هل وجب الغض عن كل المفاسد المترتبة على مثل هذه المناشير لأجل مصلحة ما؟ وما هي؟ وهل هي مقدمة على مفاسده ؟
شيخنا هذه أسئلة لا مساءلة، فأنت أعلم وأدرى، ولكن شغلني ما يحصل بينك وبين الدار وطلاب العلم، وصرت  في حيرة من أمري.!
أسعفنا بجواب يزيل عنا الإشكالات ويهدينا إلى الحق والصواب.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حفظك الله وهداني الله وإياك إلى الحق والصواب

لاشك أن أهل العلم مطلوب منهم وجوبا حفظ الدين من جهة الوجود -أي تثبيت الدين وأركانه- ومن جهة العدم -أي درء كل ما يخل به-
ومن وسائل حفظ الدين: الرد على الخطأ الذي ينسب إلى الدين أو يخل بأصوله مهما كانت مكانة المخطئ؛ لأن النظر إلى الدين وحفظه أعظم من النظر إلى المخطئ ومكانته.
وقد كان الصحابة يرد بعضهم على بعض كرد ابن عباس على أبي بكر وعمر رضي الله عنهم في حجة التمتع، وردود عائشة وابن عمر وغيرهم رضوان الله عليهم..

وهذه المقدمة لا تكاد تجد من ينكرها، وقد أجمع عليها أهل السنة وغيرهم، ولذا كان هذا يرد على ذاك والعكس على مر العصور، بحسب ما يراه دينا ويذب عنه...

ولم ينظر أئمة السنة إلى مكانة المخطئء إذا أخطأ علنا مادام أن خطأه منسوب إلى الدين؛ لأن المقصود حفظ الشريعة من أن ينسب لها القول الخطأ
بل نجد ابن عباس رضي الله عنه رد على أبي بكر الخليفة رضي الله عنه علنا وكان يقول:(يوشك ان تنزل عليكم حجارة من السماء أقول لكم قال رسول الله وتقولوت قال أبوبكر وعمر) وإنكاره في مسألة تحتملها الأدلة، ولم يفهم أحد أن ذلك ينقص من مكانة المردود عليه أو فيه إيغار القلوب عليه ...
وكذا في المعاصرين ردود الشيخ الألباني على علماء الحجاز وكبار العلماء، والعكس، كل ذلك علنا...

ولو سلكنا مسلك السبر والتقسيم في بيان المصالح والمفاسد في الرد على المخطئ علنا وإن كان مفتيا للبلاد، أو دار إفتاء، لقلنا:
المصالح من الرد المعلن هي:
١-حفظ الدين من أن ينسب له ما ليس فيه.
٢-الحد من فشو الخطأ وانتشاره.
٣-بيان أن أهل العلم مهما علت منزلتهم في العلم يخطئون بل يقعون في زلات.
٤-رفع الإثم عن الساكت عن بيان الحق.
٥-دفع حجج العوام على أن الكلام حق؛ لسكوت أهل العلم عليه.
٦-درء المفاسد المترتبة على الخطأ خصوصا إذا خشي منها نقض أصل عقدي أو وقوع مفسدة كبرى.
٧-نصح المخطئ ونصح أتباعه.
وكلما كانت مكانة الشخص في أتباعه عظيمة كان الرد عليه أعظم وأوجب؛ لأن مكانته تجعل انتشار الخطأ وذيوعه ونسبته للشريعة أعظم.
ومما تميز به أهل السنة حقا أنهم لا يرون أحدا فوق الرد إلا المعصوم، ولذا تجد يرد بعضهم على بعض بعلم وأدب.

أما المفاسد فهي:
١- التنقص من المخطئ والطعن فيه والهجوم عليه.
٢-عدم ثقة الناس فيه.
٣-الإصرار على الخطأ.
٤-طعن الأتباع في الراد وسبه.
وغير ذلك
وإذا نظرنا إلى جملة المفاسد وجدنا إما أنها متوهمة أو يمكن دفعها بحفظ مكانة المخطئ وأنه لا يلزم من الرد الطعن والتنقص...
ولو فرضنا التعارض بين المصالح والمفاسد وأنه لا يمكن الجمع بينها
فمرتبة المصالح المتقدم ذكرها أعلى من مرتبة المفاسد المتقدمة، مما يوجب تقديم المصالح..
كما أن المصالح في مجملها متعلقة بالدين بخلاف المفاسد فهي متعلقة بالشخص، وما تعلق بحفظ الدين مقدم على ما تعلق بالشخص.
كما أن الواقع في ليبيا يتطلب خطابا دينيا مقاصديا لعلي أبين شيئا مما أقصده في مقال خاص..
فإن قيل: أليس درء المفاسد مقدما على جلب المصالح؟
قيل: نعم، إذا تساوت المصالح والمفاسد، وفي مسألتنا المصالح هي الأرجح.

وأنبه هنا إلى أن الإفتاء ليس ولاية شرعية، وإنما الذي ذكره العلماء في الولايات: القضاء؛ لأنه ملزم.

بعد هذا التطواف المقاصدي -وفقك الله- أعود بك إلى مصلحة الكلام عن #كلية_علوم_الشريعة_والإفتاء

فأقول: تعود المصلحة إلى حفظ أصول الدين، فما كان من الدين قطعي يجب أن يدرس على أنه قطعي، ولا يلزم من ذلك تنقص من خالف القطعي، فتصوير أن تدريس أصول العقيدة على أنها قطعية يلزم منه التعصب والطعن والتصنيف والتنقص وأن هذا من منهجِ المتعصبةِ الغَالينَ، من المنتسبينَ إلى أهلِ الحديثِ، الذينَ مزَّقوا الأمةَ بصِراعاتِهم: أمر عظيم يدل على توجه سيء  وضبابية في الرؤية!!
ومن المعلوم أن ناك فرقا بين التعصب للحق والتحزب له وبين الطعن والتنقص للأشخاص
فهل أئمة السلف كأحمد والدارمي وابن خزيمة والبخاري والترمذي وأبي داوود لما صنفوا كتبا خاصة في الرد على المتكلمين وبينوا انحرافهم عن المعتقد الصحيح وشددوا في ذلك فرقوا الأمة وبذروا الشقاق؟!!

ومع ذلك نقول: إن المتكلمين مع انحرافهم في باب أصول الاعتقاد إلا أن وزنهم محفوظ في العلوم الأخرى ويستفاد منهم فيها..

ولم نقرر يوما أنه لا يستعان بمن انحرف في الاعتقاد في تدريس العلوم الأخرى إذا اقتضت الحاجة، ولا أن تصبح الكلية محلا لتبديع الأشخاص، وقد حاربت في الكلية نفسها الغلو في التبديع وكنت أناقش الطلاب المتأثرين بهذا

فالحقيقة أننا كنا نربي الطلبة في الكلية على التفريق بين المسألة وصحة الاعتقاد والقطع به وبين عذر المخطئ في الأصول وقوة الشبهة عليه مما جعله يزل...
ونربيهم أيضا على أنه لا يلزم من عدم صحة اعتقاده طرح أقواله مطلقا..

فحصل الانسجام وتحقق العدل...

ولم أكن أسكت عن الخطأ في الكلية إذا حصل ووقع وإنما أعالجه بما يقتضيه المقام، وما كان في الوسع والإمكان
وأدعو إلى وحدة الكلمة بالاجتماع على الحق وعدم الاختلاف فيه
فكنت أصلح وأنا مدرس فيها، لا كما يدعي بعضهم زورا أني لم أتكلم وأصلح إلا بعد الاستغناء!!
وكنت ألمس في طائفة من الطلاب وبعضهم كان يصرح أثناء النقاش أن الاجتهاد توقف أو عدم أهله وأن قراءة كتب أصول الفقه ونحوها من باب العلم بالمصطلحات وحتى يفهم كلام فقهاء المذهب!!
فكنت أصحح لهم هذا الفهم وأبين لهم أن هناك فرقا بين التعصب للمذهب وبين كون التمذهب وسيلة لتحصيل الملكة الفقهية
وكنت أبين لهم أيضا أن الاجتهاد لا ينقطع إلى يوم القيامة ولا يشترط في المجتهد أن يكون كمالك وأبي حنيفة والشفاعي وأحمد إلى غير ذلك...

وأذكر أن بعض المشايخ ممن يدرس في الكلية كان يتكلم في درسه عن: الله في كل مكان أو لا في جهة ونحو ذلك
وآخر كان يقرر أن العبرة بالنتيجة لا بالوسيلة فالمتكلمون وأهل الحديث كلهم يريدون التنزيه لكن اختلفوا في الوسيلة فمنهم من أخذ بظاهر النص ومنهم من خرج بمقتضى عقله فهو من الخلاف الذي لا يشدد فيه!!
فكان الطلاب يوردون هذه الشبه ويطلبون مني الإجابة، فقد كنت أخصص لهم وقتا للأسئلة..
وعرف عن أحد الطلاب ممن ينسب نفسه للمتكلمين يشوش من ورائي وو

والخلاصة: أن نقدي لم يكن لأجل النقد والطعن وليس فيه تعالم، وإنما هو النصح وتصحيح الخلل
ولم أخرج عن لغة أهل العلم، وقد وازنت بين المصالح والمفاسد بحسب علمي وتبين لي أن مصلحة الرد أعظم.

وكم تمنيت أن تسود لغة العلم والأدب في ردود من رد علي -ومنهم من كنت أظن فيه الإنصاف وأنه يحمل هم الاعتقاد الصحيح والإصلاح-،
لكن غلب عليها الافتراء والتهم والخروج عن أدب الحوار وسمت أهل العلم!!
ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ورحم الله شيخ الإسلام القائل في «ردّه على الأخنائي» (ص/21): «فأما ما فيه من الافتراء والكذب على المجيب فليس المقصود الجواب عنه، وله أسوة بأمثاله من أهل الإفك والزور، وقد قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ }[النور:11].

كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق