الجمعة، 28 فبراير 2025

شبهة يكثر تردادها: دور الإفتاء في البلدان الإسلامية ولاة أمر فكيف تنكرون عليهم علنا إذا أخطئوا في أمر مجمع عليه؟

 



[محل المسألة إذا خالفت دور الإفتاء أصلا من أصول أهل السنة كتعطيل الصفات أو إذا أخذت بقول شاذ كالاعتماد على الحساب الفلكي في دخول شهر رمضان أو خروجه] 


[ خلاصة المسألة يجوز الإنكار علنا وباسمهم وليسوا هم في حكم ولاة الأمر المسلمين من كل وجه] 


وتفصيل ذلك:

مفاد الشبهة هو المنع من إنكار ما ألصق في دين الله -وليس منه-علنا وباسمها

والمقدمة التي انطلق منها المانعون أن دور الإفتاء لهم حكم ولاة الأمر؛ بشبهة أنه أنابهم عنه في الفتوى وما يتعلق بالدين

فمن يمنع الإنكار العلني على ولاة الأمر لزمه أن يمنع الإنكار العلني على دور الإفتاء

وأما من لم يمنع ويُجَوّز الإنكار العلني فليس له أن يتكلم في هذه المسألة؛ لعدم ثبوت الأصل عندهم ...


محل البحث ابتداء في المقدمة التي انطلقوا منها، ثم بعد ذلك ينظر في الإنكار العلني على دور الإفتاء 

هل يترتب عليه من المفاسد ما يترتب على الإنكار العلني على الحاكم المسلم أو لا؟. 


المقدمة هل دور الإفتاء في حكم ولاة الأمر في مسألة عدم جواز الإنكار العلني؛ لأن الحاكم أنابهم عنه؟ 


والجواب: لا يوجد تلازم فيبطل الاستدلال... 


بمعنى: كون الحاكم أنابهم عنه في الفتوى لا يعني ذلك أن أحكام ولاة الأمر تنطبق عليهم من كل وجه، ولا انهم أصبحوا في مكانته بحيث تكون المفاسد المترتبة واحدة.....

إذن لا تلازم بين الأمرين.. ومن المعلوم أن المنع من الإنكار علنا حال الغيبة معلل وليس تعبديا محضا... 

ووجود العلة المعقولة في دور الإفتاء منتفية أو مرجوحة إذا سلمنا بوجودها

..

ثم إن إنابته لهم لا يعطيهم الحرية في أن يتكلموا في دين الله كما يشاؤون، وإنما هي مقيدة بأن يكون كلامهم وإفتاؤهم وفق أصول الشريعة وقواعدها، وألا يخالفوا أصول أهل السنة...

فمن خالف منهم أصلا من أصول أهل السنة فإن إنابة الحاكم له لا يسوغ مخالفته ولا يمنع من الإنكار عليه؛حفظا لشريعة الله من أن يدخل فيها ما ليس منها

ولذا أنكر أئمة أهل الحديث كأحمد وغيره على القضاة الذين عينهم المأمون والواثق، وسموهم بأسمائهم... 


يبقى سؤال: عدم تسويغ مخالفتهم هل يْجَوز الإنكار عليهم علنا؟ 


والجواب: ينظر في ذلك للمصالح والمفاسد، فمتى ما كانت المخالفة علنا فإنه يسوغ إنكارها علنا، ولا يجب....... 


فإن قلت: لماذا لا يقال هذا في الحاكم؟ 


قيل: المنع من الإنكار العلني حال الغيبة على الحاكم هو بالنظر إلى قوة التلازم بين الإنكار والفوضى والفتنة العامتين، فكان نظر السلف في المنع من الإنكار هو كونه يفضي إلى الفتنة العامة والخروج...

وهذا الإفضاء غير وراد في الإنكار العلني على دور الإفتاء والوزارات؛ لأنه بإمكان الحاكم أن يعفيهم من مناصبهم لو تطور الأمر...ومن التوجيه الذي ذكره العلماء لجواز إنكار المنكر علنا على الحاكم إذا كان في حضرته ووبين يديه أنه يمكنه أن يدافع عن نفسه ويبين مستنده أو يتوب ... 


ولو نظرنا إلى فقه السلف وجدنا أنهم يغايرون في الحكم بين الخليفة وأمراء المناطق وبين من دونهم، وكثير مما ورد عنهم في نهيهم عن الإنكار العلني حال غيبتهم هو في الأمراء... 


فالمحذور الذي نخشى منه في الإنكار العلني على الحاكم حال غيبته منتف في الإنكار العلني على دور الإفتاء والوزارات....

وكونه منتفيا لا يعني ذلك جواز الإنكار مطلقا، وإنما هو مقيد بالمصالح والمفاسد... 


وكتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

الأربعاء، 26 فبراير 2025

💥 #الفكر_الصحوي المسمى ب #السروري


قبل كل شيء يجب أن تعلم أن التأثر بهذا الفكر والانغماس فيه قد يخفى على المتلبس به؛ لأن منظري هذا الفكر وأصحابه اعتنوا بالفكر ونشره أكثر من عنايتهم بالتنظيم... وعند بعضهم تقية فلا يظهر الوجه القطبي إلا إذا شعر بالقوة وأمن العقوبة...

ويجمعهم تعظيم #سفر_الحوالي والثناء على #سيد_قطب أو محاولة الاعتذار له، أو الظهور بثوب الإنصاف= له ما له وعليه ما عليه، مع الحث على قراءة كتبه والإفادة منها...

وأذكر أنه في فترة من الفترات انصب الجدل حول وجود جماعة اسمها السرورية أو لا؟(على التسمية)
مع اتفاق الجميع أن #مشايخ_الصحوة كسفر وسلمان وناصر والعمر وعبد الرحمن المحمود ثم العريفي والطريفي ووو
قد سلكوا طريقا غير الطريق الذي سلكه المشايخ الكبار....

المهم
💥كيف تعرف أن فلانا من أصحاب هذا الفكر أو هو على أقل تقدير متأثر به؟

◼️
١-تضخيم التفسير السياسي والذي بني على أن الحاكمية والموقف من الحكام المسلمين ونفي شرعية ولايتهم مطلقا والتحريض عليهم = هو أعلى الغايات وأولى الأولويات وسبيل الإصلاح ودليل العلم بفقه الواقع وتنزيل النصوص في محالها
وأن السلفية التقليدية -على تعبير البعض- جامدة في نظرتها للسياسة والحكم والولاء والبراء
بخلاف الفكر الحركي الذي فيه الخروج عن تقريرات الماضي وجفاف كتب السلف إلى معالجة الحاضر وحركية العقيدة وإنزالها في الواقع
فالالتفات إلى شرك القصور ومعالجته بالتحريض والتثوير هو سبيل إيقاظ الشعوب
وليس هناك إشكالية في سفك الدماء وعدم استقرار الدول؛ لأنه تبعي ولابد منه ليقظة الشعوب وإرجاع الخلافة، ولذا ناصروا الثورات بكل ما أوتوا من قوة....

◼️
٢-يرون أن عدم الاعتناء بالحاكمية بالمفهوم الحركي وعدم التفرغ لمنكرات الدول= ركون للظلمة وعدم إدراك للواقع الفاسد على حد تعبيرهم...
◼️
٣- الفكر الصحوي هو صاحب مصطلح غلاة الطاعة، فمن لم يتعامل مع الحكام على طريقهم يتهمونه بكونه من غلاة الطاعة...
◼️
٤-يرون أن وقوف العلماء وطلبة العلم ضد الفكر الحركي هو وقوف ضد الإصلاح وهو عندهم يصب في خدمة الحكام وتمكين للاستبداد...
ويكثرون من لمزهم بالجامية والمرجئة وعلماء السلطان....
◼️
٥-عداؤهم للنظام السعودي بشكل واضح ومحل ولاء وبراء
ومن لم يكفره منهم يرى أنه أقرب للكفر منه للإسلام بينما تجد تسامحا مع نظام آخر علماني...فترى ازدواجية في المعايير 
فمن جهة يشنعون على الحكام  وينكرون عليهم علنا ولا يرون شرعيتها ويتهمون علماء الدعوة السلفية بالعمالة و و و،
بينما يبررون ويسكتون على بعض الأنظمة والحكام الذين آووهم أو كان في الأصل إخوانيا ولو وقع فيما ينكرونه على الأنظمة الأخرى.
◼️
٦- من لم يوجب منهم الخروج على أنظمة الحكم في الدول المسلمة فإنه يسوغه
ويرى أن الخلاف في الخروج وعدمه سائغ ومنوط بالمصلحة التي هي غير منضبطة،
ونلزمه أن يسوغ لكل من خرج بدعوى أن المصلحة راجحة في خروجه....
◼️
٧-الدعوة إلى المظاهرات لإنكار المنكرات وتأييدها كما حصل في الجزائر، فإذا ما حصلت مفسدة سرعان ما يتنكرون لها..
◼️
٨-تصويرهم أن وقوف المشايخ السلفيين ضد كل من يريد أن يحدث فتنة عامة في الأمة بالتثوير على الحاكم، وضد كل من لا يراعي المآلات في أفعاله
وتصويرهم أن بيان انحراف هذه الجماعات من جهة تحريفهم النصوص الشرعية وفهمهم للدين فهما خاطئا، ومن جهة مآلات تسرعهم وأفعالهم...
هو مخطط استخباراتي ...
وكأن المشايخ لا ينطلقون من النصوص الشرعية ولا ينطلقون من دفع المفسدة العظمى باحتمال الصغرى.. ويغلبون في النظر إلى الواقع فقه الممكن والنظر إلى المآلات
◼️
٩- يدعون أن متابعتهم للواقع هي التي حملتهم على تمييز منكرات الحكام وإدراك خطورتها وإنكارها علنا أولوية في إصلاح الأمة ولو كان طريق ذلك التثوير والتحريض...
والميزة العلمة لمن يحمل هذا القكر أو تأثر به أنهم يحملون النصوص الآمرة بالصبر على جور الحكام المسلمين على حكام السلف وأنها لا تنطبق على حكام زماننا
ولو من جهة درء الفتنة الكبرى وحفظ مصالح الأمة الضرورية
وتراهم يقفون مع الجماعات الجهادية ضد الدول المسلمة..والصالح فيهم ينكر على الجماعات الجهادية استعجال الثمرة واستعمال العنف في غير وقته لا في أصل الفكرة وموضوع الحاكمية...
◼️
١٠- يتهمون العلماء كابن باز والعثيمين أنهم قصروا في باب السياسة وأنهم أضفوا على الحكام الشرعية وخدروا الشعوب وبرروا للحكام وأن عندهم إرجاء
ويتهمونهم بأن رؤيتهم الإصلاحية التي تبدأ من التصفية والتربية والاعتناء بالشعوب قاصرة وطريق طويل محفوف بالمخاطر ...
بينما يعظمون المتشددين والذين عندهم انحراف في مفهوم كلمة التوحيد كسيد قطب...

◼️
فهذه عشرة كاملة

💥تنبيه
أنا أنطلق من لزوم جماعة المسلمين وحاكمهم ؛ طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم
وعند عدم وجودها -وهي موجودة بالنظرة السلفية ولله الحمد_
فنحن مأمورون باعتزال الفرق كلها لا مناصرتها على باطلها وانحرافها؛  كما قال النيي صلى اله عليه وسلم:( اعتزل تلك الفرق كلها)
وليس المقصود التبرير أو مناصرة الحكومات على باطل، وإنما المقصود التزام ما يأمر به الشرع في التعامل مع الحكومات ..
والطاعة عندنا مقيدة لا مطلقة....فموقفنا شرعي ابتداء وانتهاء

💥وقد اغتر بعض الشباب بالفكر الصحوي؛ لأنه لا يتنصل من الدعوة السلفية في كثير من أبواب العقيدة، ويعتني بملفات الإلحاد والعلمانية والتغريب والمرأة...
إلا أن هؤلاء الشباب لم يتنبهوا لموطن الخلل في الجانب العقدي المتعلق بباب السياسة والحاكمية، وقد تم استغلال جراحات الأمة وعاطفية الناس؛ لتثويرهم ...كما قد عزلوهم عن مجتماعهم؛ ليصبحوا لقمة سائغة للدواعش وأضرابهم...

فالحذر الحذر....اللهم قد بلغت...

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار 

الاثنين، 24 فبراير 2025

هل تشريع القوانين كفر بذاته؟

 يسأل بعض الإخوة: هل تقصد أن مجرد التشريع كفرٌ  أكبر من غير قيد أو شرط أو قرينة ؟ 


للإجابة عن هذا السؤال لابد أن ندرك أن هناك مسلكين: مسلك سني ومسلك غير سني

المسلك السنى في هذه المسألة على اتجاهين:

الأول: أن مجرد التشريع الذي لا يصاحبه اغتقاد فاسد أو امتناع ليس كفرا أكبر

وهذا ما ذهب إليه الشيخ الألباني وغيره 

وهو امتداد للإطلاق في قول ابن عباس فيمن لم يحكم بما أنزل الله: إنه كفر دون كفر

فدخلت فيه كل صورة لتحكيم غير الشريعة سواء كانت في أفراد أو في تشريع ما لم يصحبه اعتقاد فاسد، أو امتناع ... 


الثاني: أن التشريع كفر أكبر لكونه قرينة على الاستحلال، ولم يجعلوه من جنس مسألة سب الله كما فعل غيرهم

ففعل التشريع عند بعض أهل السنة كفر باعتبار كونه مظنة للمناط الحقيقي؛ للتلازم بين الظاهر والباطن، فحكموا على الفعل بالكفر الأكبر؛ لكونه يستلزم مناط الاستحلال العقدي أو الامتناع، فأنزلوا المظنة منزلة المئنة.

فهو في الحقيقة استدلال بفساد الظاهر على فساد الباطن، ولم يجعلوا ذات التشريع كفرا أكبر من جنس السب والاستهزاء الذي يدل بالضرورة على كفر الباطن، بحيث يوجد المعنى الكفري في كل صورة من صور السب.

فالتشريع وإن كان مناطا معتبرا في كفر النوع إلا أنه يجب ملاحظة المعنى الذي لأجله كان التشريع كفرا وهو الاستحلال أو الامتناع 


ومادام أن التشريع قرينة اشترط فيه ملاحظة المعنى الذي لأجله كان التشريع كفرا

وكذا اشترطوا في تنزيله على أعيان الحكام إقامة الحجة والتحقق من الشروط والموانع

فالحاكم قد يظنه من باب المصلحة المرسلة أو يوجد من علماء السوء من يسوغ له ذلك

ولهذا قال الشيخ العثيمين كما في الباب المفتوح، سؤال 1222): «فهؤلاء الذين تشيرُ إليهم، من حكامِ العربِ والمسلمينَ، قد يكونونَ معذورينَ لم تتبيّن لهم الحجة، أو بُيّنت لهم وجاءهم مَنْ يُلبّس عليهم ويُشبّه عليهم، فلا بدّ من التأني ».

وقال: «وأمّا إذا كان يشرّع (حكماً عامّاً ) تمشي عليه الأمّةُ يرى أنّ ذلك من المصلحة، وقد لبّس عليه فيه (فلا يكفر) أيضاً...»

فهو مع جعله التشريع كفرا أكبر إلا أنه يلاحظ القرينة ويعتبرها في الحكم على المعين ولذا لم ينزل الحكم على المعين إلا بعد التحقق منها وجودا وعدما...

فليس بمجرد وقوع الحاكم في التشريع يجعله كافرا أو يعتبر أن الأصل فيهم الكفر 


وهذا التقرير من الشيخ العثيمين لم يعجب من يسمون زورا بالسلفية الجهادية ولم يعجب أيضا الفكر الصحوي المسمى بالسروري 

فانتصب أبو بصير الطرسوسي للرد على الشيخ العثيمين 

فجعل مجرد التشريع كفرا أكبر من غير ملاحظة قرينة الاستحلال وهو عندهم من جنس مسألة سب الله والاستهزاء

فالمشرع يكفر مطلقا وهو طاغوت وأنه لا ينبغي للمسلم أن يتردد في تكفيره

ورأى أن اعتبار الشروط والموانع في تكفير المشرع خطأ عظيم؛ لأنها شروط تعحيزية عنده..

وقال منظر ما يسمى زورا بالسلفية الجهادية أبو محمد المقدسي:(وكذا المشرّع مع الله أو المتبع والمبتغي غير الله حكماً ومشرعاً ومعبوداً قد شرح بالكفر صدره بجعل نفسه طاغوتاً معبوداً في ذلك أو باتباعه للطاغوت والتزامه وتحاكمه لشرعه، ولا نقول ننظر أستحل التشريع مع الله واعتقده أم لم يعتقده.. )

وقال المقدسي:(ثم اعلم أن التشريع والاستبدال كفر مجرد لا يقال فيه؛ هل استحل أو اعتقد أو جحد؟) 


ورمى مشايخ أهل السنة الذين نظروا للاستحلال بالإرجاء 


وكذلك الفكر الصحوي يرى أن مجرد التشريع كفر أكبر من غير ملاحظة قرينة الاستحلال؛ لأن التشريع ينافي الانقياد والالتزام بالشريعة ويرتفع به عقد الإسلام

قال سفر الحوالي:(والقصد أن هؤلاء الذين يقيمون هذه الأحكام في بلاد المسلمين ويتبعون هذه الشرائع ويلزمون المسلمين بها، خارجون عن الملة، ومهما انتسبوا إلى الإسلام فلا حقيقة لهذا الانتساب، وهذه الأنظمة غير شرعية إطلاقاً -الشرعية بالمعنى الإسلامي لا الشرعية الدولية والشرعية القانونية- فنحن لا نعترف بشرع غير شرع الله، فإذا قلنا: هذه الشرعية، فمعنى ذلك أن الله تعالى أذن بها وشرعها وأنزلها، أما غير ذلك فغير شرعي، وهذا الذي يجب أن يعتقده كل مسلم) 


ويظهر الفرق بين مذهب من يكفر بالتشريع لكونه يدل على الاستحلال وبين مذهب من يجعل مجرد التشريع كفرا من غير ملاحظة القرينة 

في صورة من استبدل الشريعة وهو يعتقد حرمة فعله ولا يرى منازعة الله في حقه,

فمن كفر بذات التشريع كفره عينا إذا لم يكن مكرها, ومن كفر بالتشريع لكونه يستلزم الاستحلال أو الامتناع لم يكفره عينا. 


كتب

د. أحمد محمد الصادق النجار

السبت، 22 فبراير 2025

إشكالية من قسم #السلفية إلى أقسام:

 


[✍️] ١-عدم ضبطه على من يقع التسمي السلفية (الماصدق) 

بمعنى أنه لما ظهر في الواقع التسمية بالسلفية العلمية والسلفية الجهادية وو 

ظن هؤلاء أن السلفية انقسمت وتوسعت....... من غير التدقيق هل صدق على هذه الطوائف اسم السلفية أو لا؟ 


[ ✍️ ] ٢-الأخطر أن يجعل كل أصل انفردت به طائفة وتميزت عن الطائفة الأخرى التي تنتسب للسلفية هو من قبيل الاختلاف السائغ وتعدد وجهات النظر واختلاف الأولويات... 


رأيتم خطر هذا التقسيم!!! 


[ ✍️ ] لا أتكلم عن السلفية هنا باعتبارها منهجا وأصولا، وإنما أتكلم عن موجبات التسمي بالسلفية

[ ✍️ ] بمعنى هل التسمي بالسلفية موجبها والباعث عليها: اجتهادات أصحابها في تحقيق منهج السلف وأصوله؟

أو أن التسمي بالسلفية موجبه الأخذ بإجماعات السلف وعدم إحداث قول ثالث فيما اختلف فيه السلف؟. 


[✍️] بعبارة أخرى موجب التسمي بالسلفية لا يرجع إلى الاجتهادات في تحقيق مذهب السلف

وإنما يرجع إلى الاقتداء بهم فيما أجمعوا عليه 


[✍️] فحتى نسلم بكون السلفية الحركية يصدق عليها اسم السلفية لابد أن تكون هذه الطائفة لم تخالف في مسألة أجمع السلف عليها

ولو مسألة واحدة، وأتكلم هنا عن فرقة لا عن أفراد معينين ... 


[✍️] ومن هنا نفهم وجه الإشكال عند من زعم أن السلفية باعتبارها طائفة أو جماعة دعوية أو طائفة جهادية .. يجتهدون ويخطئون ويصيبون في إصابة منهج السلف.....

() 


[✍️] فهؤلاء جعلوا موجب التسمي بالسلفية يرجع إلى الاجتهاد في ضبط مذهب السلف

وهذا ضلال بين؛ لأن موجب التسمي بالسلفية يعتمد على النقل والاقتداء لما أجمع عليه السلف ولا يعتمد على الاجتهاد في فهم مذهب السلف؛

وترتب على هذا: توسيع دائرة الاجتهاد في ضبط مذهب السلف وتحقيقه وتطبيقه.. 


[✍️] فتبين لنا أن الاشكال في عدم ضبط موجب التسمي بالسلفية، 

وللأسف.... 


[✍️] ومن الخطأ الواضح البين القول عن السلفية الحركية والسلفية الجهادية وو:(اختلافها وانقسامعا نابع من فهمها وتقسيرها وتطبيقها لمنهج السلف

وأن اختلافها ليس نابعا عن اختلافها حول قضايا العقيدة أو منهج الاستدلال)

فهذا غير فاهم لموجب التسمية من جهة، وغير فاهم لحقيقة انحراف هذه الجماعات من جهة أخرى 


[✍️] فلو أخذنا السلفية الجهادية مثالا 

فقد تميزت السلفية الجهادية عن غيرها بتكفير الحكام ومصادمتهم بالسلاح والتفجير ...

فهل انطلقوا في هذا من أصول سلفية ومنهج استدلالي سلفي أو أنهم خالفوا إجماع السلف في حكم ترك التحكيم وفي التكفير ...؟

فكيف يأتي من يقبل تسميتهم بالسلفية، ويجعل اختلافهم من الخلاف السائغ 


[✍️] فمنهج السلف ليس أن تدعي الرجوع للكتاب والسنة فقط، 

وإنما لابد مع ذلك من ضبط إجماعات السلف التي حكاها الأئمة كأحمد وابن المديني والبخاري وابن بطة والدارني وغيرهم.... 


[✍️] فأنا لا أنكر التقسيم بالنظر إلى دعاوى الواقع، كما لا أنكر تقسيم أهل السنة إلى أشاعرة وماتريدية بحسب دعاوى الواقع

ولا أنكر تقسيم الإسلام إلى رافضية وباطنية بحسب دعاوى الواقع... 


[✍️] وهذا التقسيم الواقعي للسلفية لم يعترف به أئمة زماننا كالألباني وابن باز والعثيمين ...وإنما اعترف به من تلوث فكره بمنهج دخيل أراد أن يلصقه بالسلفية ليسوغ الخلاف فيه أو يمرره... 


[✍️] والغريب

أن هؤلاء المقسمة يجعلون الكلام في السياسة وترك التحكيم والولاء والبراء والجهاد 

وظهور الاتجاهات في هذه الأبواب من الخلاف داخل البيت السلفي !!!!

وهذه والله جناية على مذهب السلف

فليس هناك بيت سلفي اختلف أصحابه في أصوله وتعددت وجهات النظر فيها... وسأوضح ذلك في منشور مستقل... 


تنبيه

حديث" لا تزال طائفة من أمتي على الحق"

الطائفة الحقة لا تقبل الانقسام، ويتمحض الحق فيها، فمن اعتبر السلفية هي الطائفة الحقة -وهو الحق بلاشك-

فليس له أن يقسم الطائفة السلفية، ومن قسمها فهو لم يفهم مورد التقسيم...

✍️

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

الأربعاء، 19 فبراير 2025

حقيقة التفويض عند حاتم العوني في كتابه "الإستواء معلوم" وتلاعبه بهذا المصطلح

 

لما كنت أقرأ كتاب العوني "الاستواء معلوم" كان ذهني منصرفا لمعرفة معنى التفويض الذي بنى عليه كتابه؛ حتى أفهم مراده, وكنت أحسب أنه قد خصص له مبحثا في بيان حقيقته 

غير أني تفاجأت بغموضه وعدم تحريره, واضطرابه في تحديد المقصود من "التفويض في المعنى" الذي بنى عليه كتابه:

1-فمرة يجعل التفويض: عدم التفسير مطلقا, مع إثبات اللفظ المروي كما في حاشية ص 17 ويحكي الإجماع, وزعم أن "الإجراء على الظاهر" المقصود منه: تفويض المعنى بالتسليم للنص دون ادعاء معنى له كما في حاشية ص 32

2-ومرة يجعل التفويض: السكوت عن الكلام مطلقا في باب الأسماء والصفات؛ لأنه لا يمكن أن يكون معنى السكوت هو الكلام عن إثبات المعنى كما في ص 75

3-ومرة يجعل التفويض: عدم تعيين معنى مما يجوز على الله, كما نقله عن ابن العربي المالكي كما في ص 237

ومرة ومرة...

فهل التفويض عنده والذي يثبته مذهبا للسلف هو: إثبات اللفظ صفة مع عدم تفسيره مطلقا؟ أو السكوت مطلقا فلا يثبت اللفظ صفة ولا ينفيه؟ أو إثبات اللفظ وأن له معاني إلا أنه لا يُعَين أحدها؟

وهل هو في كل الصفات الموهمة للتشبيه عنده؟ أو هو في الصفات الخبرية فقط؟


وإذا قرأنا الفصل الذي خصصه في ذكر الأئمة الذين فهموا جواب الإمام مالك عن الاستواء بأنه تفويض المعنى 

نجد أنه تارة يفسر التفويض بالأمر بالاكتفاء في الصفة برواية الحديث كما ورد بلا أي إضافة على لفظ الحديث كما في ص 88, وتارة يفسره بالاكتفاء باللفظ الوارد دون إضافة ما يزعم أنه معنى كما في ص 90, وتارة يجعل التفويض عدم التحديث بأحاديث الصفات؛ لأنها توهم التشبيه, وعدم التحديث بها يوجب عدم إعمال ظاهرها؛ فيكون نفيا لإثبات المعنى كما في تعليقه على كلام الأبهري ص 92, وتارة يجعل تفسير الاستواء بالعلو والفوقية من تفويض المعنى؛ لورود النص بلفظي العلو والفوق, فليس فيهما إثبات "فوق" و"الاستواء" الذي  للمخلوق كما في تعليقه على كلام ابن أبي زيد ص 96, وتارة يحمل التفويض على الحقيقة التي لا تعلم كما في ص 111 , وتارة يجعل نفي التجسيم والمكان والتنقل والتحول وإشغال مكان مع إثبات لفظ الصفة هو تفويض المعنى كما في تعليقه على كلام القاضي عبد الوهاب في ص 144 فيجعل التفويض إثبات اللفظ مع النفي التفصيلي لما توهمه من كون ظاهرها يدل على التشبيه, ولذا وصف قول الداني واستواؤه: علوه بغير كيفية ولا تحديد ولا مجاورة ولا مماسة ) بأنه تفويض كامل كمت في حاشية ص 155


والذي خلصت إليه أن العوني يجعل كل من نفى المعنى المعين الذي يثبته ابن تيمية: مفوضا, ولو انتهى الأمر بهذا النافي إلى رد الأحاديث أو تأويلها, فتعجبت غاية العجب؛ لأنه من المعلوم أن رد الأحاديث أو تأويلها أمران يقابلان التفويض ويضادانه, فالتفويض ليس هو رد الأحاديث لكن لما كان رد الأحاديث يستلزم المعنى الذي يريد أن ينفيه العوني جعله تفويضا من هذه الجهة, وكذلك القول في التأويل, وهذا تلاعب بالمصطلحات لغرض إسقاط الخصم. 

والغريب أنه يطوع كلام الأئمة ليجعله دالا على نفي المعين الذي يريد أن ينفيه وإن كان كلامهم لا يدل عليه...

 ما المعنى الذي ينفيه العوني, وجعل كل من نفاه مفوضا؟

المعنى المنفي عند العوني هو القدر المشترك, فكل من ليس على رأي ابن تيمية في إثبات القدر المشترك جعله مفوضا في المعنى, وهذا المعنى الذي هو القدر المشترك يستلزم الكيفية المنفية عنده كما في ص 38, 

ولذا جعل كل من نفى الظاهر الذي يلزم منه التجسيم على رأي العوني: مفوضا, وإن لم ينص على أنه يثبت اللفظ مجردا وينفي المعنى, قال العوني في ص 281: (وأي إثبات للمعنى يقتصر على ظاهر من اللفظ المشتبه هو عند العلماء تكييف), وقال في تعليقه على كلام البرزلي: ( أنه لا يوجد أحد من هؤلاء فهم كلام الإمام ملك على أنه يقصد إثبات معنى محدد للاستواء, وهو المعنى الذي يثبت قدرا مشتركا بين صفة الاستواء لله والاستواء للمخلوقين على ما يزعمه التيميون)

وهذا الذي جعله يحمل سؤال السائل للإمام مالك بأنه كان يسأل عن المعنى والذي سيكون إثباته إثباتا للكيفية كما في ص 39 

ولما كان همه نفي القدر المشترك حمل كلام القرافي في تأويل الاستواء بالاستيلاء دون الجلوس ونحوه مما لا يكون إلا في الأجسام على أنه تفويض وزيادة, قال العوني: ( لكن يهمنا أن القرافي قد حمل جواب الإمام مالك في الاستواء إلى ما يزيد على تفويض المعنى بعدا عن الفهم التيمي) ص 278, فالتأويل يراه تفويضا وزيادة!!!!

وعندما قرأت كلامه في الملحق المتعلق بالقدر المشترك وجدت أنه يغاير بين صفات المعاني التي يثبتها متأخرو الأشاعرة كالحياة والعلم وبين الصفات الخبرية كالاستواء والوجه واليد, فالأولى يثبت لها قدرا مشتركا وهو المعنى الذهني الكلي الذي يؤخذ من دلالة اللغة المجردة عن معناها في المخلوقات, وأما الصفات الخبرية فيرى أن معناها الكلي لا يمكن أن يجرد عن المخلوقات, فالمعنى الكلي لليد لا يمكن أن يجرد عن كونه عضوا وجزءا هكذا زعم , وجعل نفي هذا المعنى هو التفويض, فإشكاليته في الصفات الخبرية..!!! فالعوني ينطلق من هذا التصور لإثبات التفويض مذهبا للسلف.

ومن المعلوم بضرورة اللغة والشرع والعقل أن الأسماء والصفات لم توضع لما يتميز به المخلوق لا عند الإطلاق ولا عند إضافتها لله , فلم توضع اليد لما هو من خصائص المخلوق.

فالشيئان إذا اشتركا في شيء لزم أن يشتركا في لوازمه من حيث هو، فإن ثبوت الملزوم يقتضي ثبوت اللازم، فأما ما ليس من لوازمه من حيث هو، فلا يجب اشتراكهما فيه, وليس من لوازم المعنى الكلي من حيث هو الإمكان والحدوث والآفات والنقائص، فإن ذلك من لوازم المخلوق المحدث.

فالنقص ليس لازمًا للصفة من جهة معناها العام , فما يتنزه عنه الرب من النقائص ليس من لوازم ما يختص به سبحانه، ولا من لوازم القدر المشترك الكلي المطلق أصلا، بل هو من خصائص المخلوقات الناقصة.

وقد فصلت ذلك في رسالة" نقض الشبهات المثارة حول القدر المشترك "ورابطها: https://t.me/dr_alnjar/3598


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار


الأحد، 16 فبراير 2025

تدليس د. #حاتم_العوني وتحريفه كلام أهل العلم في كتابه #الاستواء_معلوم

تدليس د. #حاتم_العوني وتحريفه كلام أهل العلم في كتابه #الاستواء_معلوم

إن حاتما العوني لم يترك بابا للتدليس والتحريف؛ نصرة لمعتقده #الأشعري إلا وفتحه, ويظن أنه قد جاء بشيء جديد
ووالله إن قراءة كتابه في تفويض المعنى لمضيعة للوقت؛ إذ ليس فيه تحقيق ولا تجرد لطلب الحق فيما أحسب,
فكلما تقرأ منه صفحة توقن أن كتابه بناه على ردة فعل وتكلف وعبث.

والغريب أنه يتكثر بالأسماء التي تنتمي لمدرسة واحدة وهي مدرسة المتكلمين, والتي يكثر فيهم النقل بعضهم عن بعض في اعتماد أصل الشبهة
فبدل أن يلخص ويبتعد عن استعمال مغالطة الكثرة
وينسب المخالفين إلى مدرسة واحدة مع تحرير آرائهم
إذا به يذكر أسماءهم تفصيلا؛ ليوهم القارئ أنهم كثر وأن ابن تيمية شاذ في فهمه

ويشبه هذا من ذكر مسألة فقهية فأراد أن يتكثر بالأشخاص فصار يسمي أفراد العلماء المنتسبين للمالكية فيقول هذا المسألة قال بها ابن القاسم وأشهب وابن رشد وووو!!!!

فالعوني نقل عن مكي بن أبي طالب, وكان متكلما, وقد صرح بأن العلو علو قدرة واقتدار,
وابن رشد الجد وابن عطية وأبي بكر ابن العربي وأبي عبد الله القرطبي وأبي بكر الإشبيلي الخفاف وناصر الدين البجائي والفاكهاني وأبي الحسن اليفرني وابن جزي وأبي الحجاج الفاسي وابن خلدون وأبي الفضل التنوخي وأبي القاسم البرزلي والسنوسي وابن عاشور
وغيرهم وكلهم متكلمون,
ولا عجب أن يحملوا كلام مالك على تفويض المعنى أو ما أشبهه؛ لأن هذا الذي تقتضيه أصولهم
وما عداه عندهم فهو تجسيم وتشبيه.
وهم مختلفون في النتيجة: فمنهم من يفوض ومنهم من يؤول ومنهم من يرد الأحاديث في الصفات... ومنهم من لا يثبت صفة خبرية أصلا ومنهم من يثبتها صفة لفظا فقط

والأئمة الآخرون الذين سلموا من لوثة أهل الكلام -وهم قلة- حاول العوني بتكلف يرده صغار طلبة العلم قبل كباره: أن يحمل كلامهم على تفويض المعنى.
عنزة ولو طارت
ومن الأمثلة على تحريف كلام العلماء وتحميله ما لا يحتمل:

أبو محمد عبد الله بن الحكم تلميذ مالك
نقل عن مالك أنه قال عن حديث النزول: ( ترسل هذه الأحاديث كما جاءت) ثم علق ابن الحكم قائلا: ( وكان مالك يكره الخوض في الكلام والجدال في الدين) المختصر الكبير لابن الحكم
بماذا علق العوني قال: (وهذا جواب صريح في تفويض المعنى؛ لأنه أمر بالاكتفاء في هذه الصفة برواية الحديث كما ورد بلا أي إضافة ..) ص 89
أين الدلالة الصريحة؟
فكون الإمام مالك يكره الخوض في الكلام, فمقصوده بالكلام الذي كان منتشرا في عصره وأراد أن يعالجه, وليس مطلق الكلام في صفات الله, وقد بينت في منشور سابق مقصود الأئمة, وهذا رابطه (http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/02/blog-post.html

فهذا تكلف من العوني وخروج بالكلام عن سياقه الواقعي.

ولما لم يجد بدا من نقل كلام بعض أئمة المالكية الذين عُرفوا بعقيدتهم السلفية السنية كالطلمنكي وابن عبد البر, وكان كلامهم صريحا في إثبات المعنى وعدم التفويض: تكلف بحمل كلامهم على أنهم يفسرون أصل الاستواء في اللغة لا من جهة كون الاستواء صفة
مع أن كلام الأئمة هو إثبات مدلول الصفة ومعناها, لكن للأسف...
قال العوني: ( فإذا ما اختار الطلمنكي رواية الاستواء معقول فهذا يعني: أن الاستواء في اللغة لا حيث كونه صفة لله معقول المعنى, فكل عربي يعرف معنى الاستواء في اللغة, وبهذا يكون الطلمنكي مفوضا للمعنى والكيف)

ثم نقل كلام ابن عبد البر في تفسير صفة الاستواء بالعلو والتمكن, ولما لم يجد طريقا إلى حمل كلامه على تفويض المعنى إلا بنوع تكلف: اتهمه بالاضطراب وأن عبارته غير محكمة, ونقل عن ابن جهبل طعنه في ابن عبد البر
لأن ابن عبد البر يفسر الاستواء بالاستقرار في العلو,  قال في التمهيد: ( والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه)
ورد ابن عبد البر على من فسر الاستواء بالاستيلاء وعلل بأنه غير ظاهر في اللغة؛ مما يعني أنه يثبت معنى للاستواء, وهو نقيض ما يقرره العوني
وقد حمله العوني على أنه يفسر الاستواء لغة لا صفة!!! لماذا؟؛ قال: لأنه يستحيل أن يفسر الصفة بالتمكن والاستقرار!! وابن عبد البر هو الذي رفض كلمة بذاته في النزول!!
هكذا يخمن ويتخرص في حمل كلام الأئمة

ولما جاء لعبارة ابن أبي زيد (وأنه فوق عرشه المجيد بذاته)
حاول جاهدا أن يخرجها عن ظاهرها, وأن يُقَول ابن أبي زيد ما لم يقله ولا يعتقده,
ومن يقرأ ما كتبه حول ابن أبي زيد يقطع بتلاعب العوني وتكلفه

فزعم أنها لا تخرج عن تفويض المعنى؛ لأن لفظ "فوق" ورد به النص الشرعي, وكذلك استوى, فإثبات اللفظين هو مذهب تفويض المعنى, ولا علاقة له بفوق المدرك عندنا ولا باستواء المخلوق,

وهذا تدليس وتمعن في الكذب على الأئمة, فمن أثبت الفوق والاستواء لم يثبته على معنى إحاطة الخلق ولا على كونه مخلوقا

إلا أن الذي أبطل عليه هذا التوجيه قول ابن أبي زيد "بذاته" فهذه اللفظة أبطلت تأصيله
فلم يرد بها النص الشرعي وهي تبطل عليه نسبة ابن ابي زيد للمفوضة,
فماذا فعل العوني؟

حمل كلامه على أنه يريد أن الاستواء ذاتي أزلي!!!,
ولكي يؤكد كلامه نسب إلى ابن أبي زيد أنه يقول صفات الله مما غاب عنا حقيقة تفسيره فهي من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله.!!!

ويكفي عرض كلامه في بيان كذبه وتلبيسه وروغانه.

د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/02/blog-post_16.html


الثلاثاء، 11 فبراير 2025

ما هي أصول الفكر الحركي ؟ والذي يسميه البعض بالفكر السروري

 

ما هي أصول الفكر الحركي ؟

عند الكلام عن هذا الفكر لابد أن يلحظ القارئ أنه فكر تلفيقي, بمعنى أنه أخذ من السلفية شيئا وأخذ من الإخوان شيئا آخر, فليست السلفية فيه متمحضة ولا الإخوانية القطبية فيه متمحضة, وإنما مزج بين ابن تيمية وابن عبد الوهاب وبين سيد قطب.., فأخذوا من هذا جانبا ومن هذا جانبا آخر, وقد وصفهم القرضاوي في كتابه أمتنا بين قرنين ص 74 بقوله: ( ومنهم السلفيون الجدد الذين يسميهم بعض الناس السروريين, وهم الذين اهتموا بالجانب السياسي مع الجانب العقدي ونقد الأوضاع العامة المحلية والدولية... وفيهم علماء ودعاة لهم وزنهم مثل سلمان العودة وسفر الحوالي وعيض القرني)

وقد نشأ في بداياته في السعودية كتنظيم ثم توسع كتيار وكون لنفسه رموزا... وأصبح له انتشار كبير في وقتنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي... وكثير ممن تحسن الظن بهم تجد مبتلين بشيء من هذا الفكر قل أو كثر, لاسيما مع تعقيد أحداث الواقع وهيمنة الغرب...

وتوسع هذا الفكر كتيار يضعف كونه تنظيما, بمعنى أن الرجل يكون على الفكر الصحوي –والذي يسميه البعض أيضا بالتيار السروري- وإن لم ينطوي الرجل تحت تنظيم...حتى أن كثيرا ممن يحملون هذا الفكر لم يشعروا بتميزهم عن غيرهم, ولا ضلوعهم في هذا الفكر, وقد أنشئوا في وقتنا عدة روابط وهيئات تجمعهم ولبعضها مقرات في تركيا...

ويجمعهم في الجملة أمران: موقفهم من الحكام والحاكمية(توحيد التشريع), وموقفهم من الجماعات الإسلامية (توحيد الصف)

ولا يخفى أن هذين البابين يشكل التحقيق فيهما على كثير من طلبة العلم؛ لتشعبهما وتداخل المسائل فيهما, ولوجود مساحة لا إشكال في مشروعيتها, وإنما يقع الخلل في الزيادة أو النقصان لا في الأصل.

وقد صور أصحاب هذا الفكر أن مدرسة ابن باز والألباني والعثيمين مدرسة جامدة في باب السياسة والولاية, وأنها تخضع للسلطة الحاكمة, وليس فيها حركة ولا إعداد للجهاد ولا نقد للسياسة, حتى قال سلمان في الشريط الإسلامي ما له وما عليه: (ما هي قيمة العالم إذا لم يبين للناس قضاياهم السياسية التي هي من اهم القضايا...), واتهموهم بالمداهنة والتلبيس.

وتجد من يحمل هذا الفكر قد يوافقك في أغلب أبواب العقيدة, كما أن الخوارج الأُوَل والمعتزلة الأُوَل يوافقون السلف في أغلب أبواب العقيدة وإنما إشكاليتهم في مسألة أو مسألتين,,,

وهذا تنبيه لبعض الإخوة لما حذرت من المشاركة في البناء المنهجي ظن بعضهم أنه يلزم أن تكون جميع المقررات مخالفة لعقيدة السلف, وهذا ليس بلازم...

 

ما موقفهم من الحكام والحاكمية وما موقفهم من الجماعات؟

تميز الفكر الحركي بهذين الأمرين, ففي باب السياسة والحكم ينطلق هذا الفكر من أن واجب العصر وأولى الأوليات هي مسألة الحكام والحاكمية (توحيد التشريع), فأخذوا من سيد قطب مقولته في الحاكمية وثوريته, ولا يُثبت هذا الفكر لحكام البلدان الإسلامية أي ولاية شرعية ولو في أدنى صورها؛ بحجة استبدال الشريعة وعدم حراستهم لأصول الدين, ولذا تجد من أدبياته: الثورية وتحريض الشعوب على حكامهم, والتصادم مع الحكام والإنكار العلني والتشهير, ويسوغ كثير منهم الخروج إذا وجدت القدرة, ولا يراعون في إصلاحهم عدم المضرة الراجحة, وقد استخدم أصحاب هذا الفكر مصطلحات التكفير والولاء والبراء وإنكار المنكر والجهاد في غير محالها الشرعية, وجرؤا على العلماء واتهموهم بعدم فقه الواقع وعدم الاهتمام بالتحليلات السياسية, وكانت منطلقات هذا الفكر النظر إلى جور الحكام وبعدهم عن الدين وتسليط الضوء على أخطائهم وتحريك عواطف الناس وتهييجهم؛ حتى قال عنهم الألباني لما سئل عن كتاب الإرجاء لسفر الحوالي: ( بدا لي أن أسميهم: خارجية عصرية,,,, وقال: إنهم خوارج إلا من بعض الجوانب)ويعني بذلك موافقتهم لهم في بعض الجوانب.

 

وهنا قد يسأل سائل: لماذا هذه الغلظة -كما يراها البعض- من الشيخ الألباني على أصحاب هذا الفكر؟ لماذا لم يحتمل الخلاف معهم؟

كانت نظرة مشايخ أهل السنة تنطلق من منع الفوضى في بلاد المسلين ودرء الفتنة الكبرى, وتنطلق من تحقيق مقصد الشارع في استقرار الدول المسلمة ولو كان حكامها المسلمون بعيدين عن تطبيق جملة من أحكام الشريعة, مرددين عبارة إمام أهل السنة أحمد بن حنبل لما اجتمع عنده فقهاء بغداد يشتكون إليه فشو الجور وظهور الكفر وفرضه على الناس( ...عليكم بالنكرة بقلوبكم ولا تخلعوا يدا من طاعة ولا تشقوا عصا المسلمين ولا تسفكوا #دماءكم ودماء المسلمين معكم انظروا في عاقبة أمركم واصبروا؛ حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر...)أ.ه, ـ وليس هو مجرد اجتهاد منه بل قال: ( هو خلاف الآثار)

فلم يكونوا يسمحون بالقدر الزائد على المطلوب شرعا من إنكار منكرات الحكام, فكان نظرهم لفقه الواقع بعيني الشرع والقدر*

وقد جمعوا بين إنكار المنكرات من غير تأجيج وتهييج، وبهذا حافظوا على الشريعة ونقائها, وبين الحفاظ على مصالح الأمة ولو في أدنى صورها وبهذا درؤا الفتنة الكبرى عنها, فعدم التحريض يحفظ للأمة ضرورياتها, وهو خير من إدخال الأمة في صراعات تذهب بالأخضر واليابس... قال ابن تيمة في منهاج السنة النبوية (3/ 391): (فإن الحاكم إذا ولاه ذو الشوكة لا يمكن عزله إلا بفتنة، ومتى كان السعي في عزله مفسدة أعظم من مفسدة بقائه، لم يجز الإتيان بأعظم الفسادين لدفع أدناهما، وكذلك الإمام الأعظم).

هكذا كانت نظرة مشايخ أهل السنة ومع ذلك لم يتركوا الحبل على الغارب للحكام, فضيقوا أبوابا أخرى كباب الطاعة فلم يطيعوهم إلا فيما علموا أن الشريعة لا تنهى عنه, ومنعوا من نفاذ تصرفات الحكام إلا إذا كانت مصلحة تصرفاتهم راجحة،

والذي خشي منه مشايخ أهل السنة  انطلاقهم من منطلقات الخوارج؛ إذ كان مما قاله صالِحُ بنُ مُسَرَّحٍ الخارجي مخاطِبًا جماعتَه: (ما أدري ما تنتَظِرون؟! حتَّى متى أنتم مُقيمون؟ هذا الجَورُ قد فشا، وهذا العَدلُ قد عفا، ما تزدادُ هذه الوُلاةُ على النَّاسِ إلَّا غُلُوًّا وعُتُوًّا وتباعُدًا عن الحَقِّ وجُرأةً على الرَّبِّ، فاستَعِدُّوا وابعَثوا إلى إخوانِكم الذين يُريدون من إنكارِ الباطلِ والدُّعاءِ إلى الحَقِّ مِثلَ الذي تُريدون، فيأتوكم فنلتَقيَ وننظُرَ فيما نحن صانِعون، وفي أيِّ وقتٍ إن خرَجْنا نحن خارِجون) [682] ((تاريخ الرسل والملوك)) للطبري (5/ 219)

فهذه المنطلقات هي التي يرددها من دخل عليه الفكر الصحوي, وهذا مما حذر منه مشايخ اهل السنة, وكانوا يخشون أن يترتب عليه: تعطيل معايش الناس ومصالحهم، وأن تثور ثائرة الفتن الثائرة، وتتفرق الآراء المتنافرة، ويفتح الباب للمتربصين بإلغاء الاتفاقيات والعهود التي تلجأ إليها الدولة؛ لضعفها؛ فيلحق بالمسلمين من المفاسد ما يفوق المصالح المرجوة ، فتنتفي عنهم أصل المصلحة وتضييع الضرورات، ويكثر الهرج وتعم الفوضى، فلا يتمكن المسلم من إقامة دينه، ولا يأمن على نفسه وعرضه وماله، والشريعة وُضعت لمصالح العباد بحسب مقتضى خطاب الشرع.

وقد شاهدنا البلدان التي لا يكون فيها حاكم يطاع فإنه لا يقام فيها حق، ولا يأمن الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، ويتسلط عليها الكفار، وتتدخل الدول الكافرة في شؤونها وتحقق مخططاتها وتسيطر على ثرواتها، وتذكي بينهم أسباب الفتن والقتل،

هكذا بنى مشايخ أهل السنة نظرتهم ومحاربتهم للفكر الصحوي, ولم يستهدفوا دعاة الصحوة ورموزها ويضللوهم لأجل مصلحة الحكام ودعمهم لذواتهم, وإنما ضللوهم لحفظ الأمة ورأس مالها وبقائها, ولم ينطلقوا من الولاء المطلق للحكام و لا من طاعتهم طاعة مطلقة ولا من الدفاع عن مواقف الحكام وسياستهم, كما يصوره خصومهم, فالهجوم على المخالفين منطلقه شرعي ديني, كما أمر الله سبحانه.

 

ومن مواطن الخلل في #الفكر_الحركي الصحوي والمسمى ب #السروري 


وصف الشيخ #الألباني أصحاب الفكر الصحوي بأن مناهجهم مخالفة لما كان عليه السلف الصالح 


ووصفهم الشيخ عبد المحسن العباد بأصحاب الفقه الجديد: فقه الانهماك في السياسة والأحداث السياسية، فقه واقع القصاصات من الصحف والمجلات وتبع الإذاعات الكافرة 


لماذا؟ 


أولا هذا الفكر يدمج العقيدة بالسياسة، فلا تكتمل العقيدة إلا بإدخالها في الحياة في صورة الإلمام بالواقع السياسي المعاصر والاهتمام بقضايا الأمة 

فلا تكتمل العقيدة إلا بالانطلاق من تحليل الواقع السياسي وواقع الحكام، وتسليط الضوء على مخالفاتهم الشرعية، والحاكمية

والاعتماد على ما ينشر عن طريق وكالات الأنباء العالمية، وتتبع المواقع

ولما سئل الشيخ الألباني عن هذه المصادر قال:( مزالق كلنا يعلم أنهم لا ينشرون على العالم الإسلامي إلا ما يكيدون به لهم، فكيف يكون هذا سببا لمعرفة الواقع؟!!) 


ونتج عن هذا التحليل: مصادمتهم للحكام ونفي الولاية عنهم وتهييج الشعوب عليهم وتربية الشباب على الثورية 

معرضين عن قاعدة الشريعة في الاعتناء بدرء المفاسد الكبرى 

وعن فقه السلف في منع الفتنة العظمى

فقدم أصحاب هذا النظر: النظر للواقع السياسي وتحليله على ما يعلمون من طريق السلف ومنهجهم؛ بحجج واهية وإثبات فروق غير مؤثرة

وصدق فيهم قول حذيفة رضي الله عنه:( إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة أن يؤثروا ما يرون على ما يعلمون وأن يضلوا وهم لا يشعرون)

ولهذا قال مشايخ أهل السنة خالفوا ما عليه السلف وانهمكوا في السياسة... 


ثانيا: جعلوا معرفة الواقع وتحليله هو المقيد لدلالة النص الشرعي وإطلاقه، 

فجاؤوا إلى النصوص الشرعية المتواترة الآمرة بالصبر على جور الحاكم المسلم وأخرجوها عن دلالتها بحجة أنها نزلت في حكام السلف ولا تتناسب مع حكام عصرنا المسلمين الذي نصبهم الغرب الكافر، فقيدوا إطلاق النص الشرعي بواقع حكام السلف

وهذا مسلك بدعي، وتكلُّمٌ في النص الشرعي بغير الاجتهاد المسوغ له الكلام، وإهمال للنظر المقاصدي... 


وأما في باب التعامل مع الجماعات فتجد أنهم فتحوا باب الإعذار والتعاون على مصراعيه وهونوا من الخلافات وبحثوا في القواسم المشتركة؛ بحجة أن المرحلة تقتضي توحيد الصف ونبذ الفرقة وإن لم تتوحد الكلمة, تحت شعار مجاهدة الكفار والوقوف ضد غزوهم...

والإشكال أن أحمد السيد وغيره, يعدون أنفسهم حسنة من حسنات رموز هذا الفكر, فأصبح هو وأمثاله يربي الشباب على هذين الأصلين بطرق متنوعة وبعضها خفي, ولا يراعوا في إصلاح الأمة عدم المضرة الراجحة؛ فخرج من تحت يديه من يحرض ويثور, ولا يراعي فتنة عامة ولا مفسدة عظمى, فلم يراعوا في الإصلاح عدم المضرة الراجحة.

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

 

الاثنين، 10 فبراير 2025

#القياس_المنطقي

موضوع #القياس_المنطقي موضوع دقيق, لا يحسن أن يتكلم فيه من لا يحسن فهم كلام العلماء في سياقه, ويجهل محور الكلام مع المناطقة, ويظن أن من استعمل صورة القياس المنطقي في مادة متلقاة من الرسل قد أخذ بمصدر غير مصدر الرسل والآثار, وهذا من غريب ما يذكر, لكن ماذا نفعل بالجهل؟!

فابن تيمية لما ذكر أن القياس المنطقي لا يفيد علما ولا تحقيقا
لم يرد ما كانت مادته صحيحة معتمدة على الوحي، وهذا النوع من القياس يدخل في قوله تعالى:[الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان]

فالقياس المنطقي الذي هو قياس الشمول ينتقد من جهة نظر المناطقة له, فإذا جرد عن نظر المناطقة زال عنه الإشكال وصار مفيدا وصح استعماله في العلوم الشرعية..

فالمناطقة نظروا لقياس الشمول على أنه يفيد اليقين دون قياس التمثيل, واعتبروا في اليقين بصورة القياس لا بمادته, وهذا محل إشكال
وأما النظرة الصحيحة للقياس فهي أن العبرة بمادة القياس لا بصورته، فالقياس صحيح إذا تضمن التسوية بين المتماثلين والفرق بين المختلفين, ولا ينظر بعد ذلك للصيغة
فسواء صيغ ذلك بصيغة قياس الشمول أو بصيغة قياس التمثيل وإن التمثيل هو الأصل وأكمل
فليس الإشكال في القياس من جهة الصورة التي يتركب منها وإنما من جهة المادة التي يتكون منها وتحقق التلازم, فإذا كانت المادة يقينية متلقاة من الرسل
فلك أن تعبر عنها بصورة قياس التمثيل أو تعبر عنها بصورة قياس الشمول, ويكون استعمالك صحيحا نافعا, قال ابن تيمية: (وقياس الشمول وقياس التمثيل متلازمان فكل ما ذكر بهذا القياس يمكن ذكره بهذا القياس) الرد على المنطقيين (ص: 353)
وقال: (فيقال تفريقهم بين قياس المشمول وقياس التمثيل بأن الأول قد يفيد اليقين والثاني لا يفيد إلا الظن فرق باطل بل حيث أفاد أحدهما اليقين أفاد الآخر اليقين وحيث لا يفيد أحدهما إلا الظن لا يفيد الآخر إلا الظن فان إفادة الدليل لليقين أو الظن ليس لكونه عل صورة أحدهما دون الآخر بل باعتبار تضمن أحدهما لما يفيد اليقين فان كان أحدهما اشتمل على أمر مستلزم للحكم يقينا حصل به اليقين وان لم يشتمل إلا على ما يفيد الحكم ظنا لم يفد إلا الظن). الرد على المنطقيين (ص: 211)

فمثلا كون هذا الإنسان مخلوقا, هذه مادة صحيحة
فسواء قلت في التعبير عنها: هذا إنسان وكل إنسان مخلوق, وإن شئت قلت هو إنسان فهو مخلوق كغيره من الناس لاشتراكهما في الإنسانية.
وسواء قلت النبيذ مسكر وكل مسكر حرام, وإن شئت قلت: النبيذ خمر لاشتراكهما في علة الإسكار..
وإن كان استعمال قياس التمثيل أسهل وأوضح.
فالعبرة بصحة المادة, قال ابن تيمية: (فالقضايا الكلية المتلقاة عن الرسل تفيد العلم في المطالب الإلهية.
وأما ما يستفاد من علومهم فالقضايا الكلية فيه أما منتقضة وأما أنها بمنزلة قياس التمثيل وأما أنها لا تفيد العلم بالموجودات المعينة) الرد على المنطقيين (ص: 355)

فتلخص لنا أن الذي يمكن الاستغناء عنه هو القياس المنطقي بالنظرة المنطقية, فما يمكن علمه بالقياس المنطقي يمكن علمه بغير القياس المنطقي, وإدخاله في العلوم الشرعية بالنظرة المنطقية كان سببا لتعقيدها وتطويل الكلام فيها, كما أنه لا يفيد العلم بالجزئيات ولا يعينها, وعناية المناطقة فيه بالشكل والصورة أكثر من عنايتهم بالمادة والتلازم.
ولا يعني ذلك أن قياس الشمول إذا جرد عن النظرة المنطقية المنتقدة أنه لا ينفع ولا يفيد علما, بل إنه ينفع وقد استعمله شيخ الإسلام في باب الإلهيات, فقياس الأولى قد يجعل نوعا من أنواع قياس الشمول, وإن كان إثبات الصانع والعلم به لا يتوقف على شيء من الأقيسة.

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/02/blog-post_10.html


السبت، 8 فبراير 2025

يزعم حاتم العوني في كتابه الاستواء.. أن عبارات السلف بلا معنى وبلا تفسير

 

💠 ⚫️ يزعم حاتم العوني في كتابه الاستواء..
أن عبارات السلف بلا معنى وبلا تفسير: ظاهرة بنفي كل معنى وبرفض كل تفسير بلا قيد للمعنى المنفي كما في ص 24
وأن السلف يكتفون في آيات الصفات المشتبهة بقراءتها بلا زيادة عليها ولا نقص منها كما في ص 25

والرد عليه:
💠 ⚫️ لازم كلامه أن السلف لا يأخذون من آيات وأحاديث الصفات: صفات لله سبحانه, فلا يقولون: الوجه صفة والرحمة صفة, لأن إثبات كونها صفات قدر زائد على إمرارها كما جاءت حسب تصوره, فالسلف على هذا الزعم يقرؤون قوله تعالى [ ويبقى وجه ربك] ويكتفون بمجرد القراءة ولا يزيدون عليها تفسيرا ولا إثبات كونها صفات... ولا يقولون: الله فوق؛ لأن الآية جاءت بقوله [وهو القاهر فوق عباده], ولم تأت بإثبات الفوقية...
💠 ⚫️ وهذا بعيد عن هدي السلف, وهو مردود قطعا... فإذا أراد العوني أن يحمل كلام السلف في قوله أمروها كما جاءت على تفويض المعنى فيلزمه أن يحمله أيضا على تفويض كونها صفات لله سبحانه...
💠 ⚫️ ثم لو لم يثبت الصحابة لنصوص الصفات معنى ما أضافوا إلى الصفة أحكاما اختصت بها؛ فعن عبد الله بن عمر قال: (خلق الله أربعة أشياء بيده: العرش والقلم وعدن وآدم, ثم قال لسائر الخلق كن فكان) فأثبت حكما مختصا باليد, < وعن ابن عباس قال: (إن الله لم يمس بيده شيئا إلا ثلاثا: خلق آدم بيده,  وغرس الجنة بيده,  وكتب التوراه بيده) [

💠 ⚫️ وهنا أنبه إلى منشأ الغلط: عندما يريد أحد أن يستدل بالعبارات التي جاءت عن السلف فيجب عليه أن يدرك أن كلام السلف لم يأت مرسلا عن الواقع الذي كانوا يعيشونه, والإشكالية التي أرادوا معالجتها, فمن حاول أن يفهم كلامهم بعيدا عن واقع كلامهم والإشكالية التي كانوا يعالجونها في وقتهم: فقد ضل ولم يصب مرادهم, وهذا ما وقع فيه العوني ومن تأثر به, فحاولوا أن يخرجوا كلامهم عن سياق واقعهم.

💠 ⚫️ ما الواقع الذي كان يعالجه السلف؟

⚫️ كان السلف يعالجون إشكالية انتشار علم الكلام وظهور الفرق الكلامية, ولما كان أهل الكلام قد تأولوا النصوص على غير مرادها وفسروا الألفاظ على غير ما تعرفه العرب من لغتها جاء كلام السلف ببيان أن قراءتها تفسيرها, وأمروها كما جاءت بلا كيف...
💠 فلم يكن كلامهم خرج لتقرير تفويض المعنى ولا عدم إثبات كونها صفات لله سبحانه, وإنما كان كلامهم ردا على من خرج بالنص عن ظاهره فأحدث له معنى جديدا وتفسيرا محدثا
💠 ⚫️
وتأكيدا لهذا المعنى: انظروا إلى قول الإمام مالك: فعن عبد الرحمن بن مهدي يقول: دخلت على مالك وعنده رجل يسأله عن القرآن, فقال: (لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد, لعن الله عمرا؛ فإنه ابتدع هذه البدع من الكلام, ولوكان الكلام علما لتكلم فيه الصحابة والتابعون كما تكلموا في الأحكام والشرائع ولكنه باطل يدل على باطل))( )
وقوله (إياكم والبدع قيل يا أبا عبد الله وما البدع قال أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان), فهو في سياق ردهم على أهل الكلام وما أحدثوه,
وكذلك قول الدارمي في معرض رده على ابن الثلجي المتكلم: (لا يحكم للأغرب من كلام العرب على الأغلب، ولكن نصرف معانيها إلى الأغلب حتى تأتوا ببرهان أنه عنى بها الأغرب، وهذا هو المذهب الذي إلى العدل والإنصاف أقرب) ( )

⚫️ فالسلف لم يردوا كونها صفات وأن لها معنى معلوم في لغة العرب, وإنما ردوا تفسيرات الجهمية ونحوهم...

💠 والغريب أن يستمسك العوني بعبارات: كمثل: أمروها كما جاءت وبلا معنى ولا تفسر وقراءتها تفسيرها,...ويجعلها عمدته في نسبة تفويض المعنى إلى السلف, من غير أن يراعي السياق والواقع الذي لأجله تكلم بها السلف, ولا وضح لنا مقصوده بالتفويض وهل بدخل فيه التفسير بالمعنى اللازم والرسم الذي يقر به الأشاعرة في الصفات العقلية؟, وهذا من تلبيسه ومراوغته هداه الله

⚫️ وهنا أقول: لو كان السلف لا يثبتون للصفات معني لما فسروها, وعللوا الأحكام بها, ولما زادوا ألفاظا تدل على أصل المعنى المراد
فالإمام مالك لما أثبت رؤية الله في الآخرة زاد لفظا أكد به أصل المعنى المراد, فقال: (...الناس ينظرون إلى الله يوم القيامة بأعينهم) ( ).
فقوله "بأعينهم" تأكيدا للمعنى الظاهر, فهي رؤية حقيقية بالأعين, ولم يقل: الله أعلم بالمعنى المقصود من الرؤية المتعلق بذات الله سبحانه,
ولما سئل عن معنى النظر في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}. ينظرون إلى الله؟.قال: نعم, بأعينهم هاتين. ( )
و أخرج البيهقي عن ابن عباس أنه فسر استوى بـ صعد. ( ), وفي صحيح البخاري قال أبو الغالية استوى: ارتفع, وقال مجاهد: استوى: علا على العرش.( )

💠 فلو كان السلف يريدون بقولهم: بلا معنى وبلا تفسير: نفي كل معنى وكل تفسير كما زعم العوني: لما فسروا الاستواء بالارتفاع والصعود والعلو, سواء قلت إنه تفسير بمعناه الظاهر كما هو قول السلف أو قلت هو تفسير بلازم معناه الظاهر كما عليه جماعة من الأشاعرة.
بل لما سئل الإمام أحمد بن حنبل عن قوم يقولون: لما كلم موسى لم يتكلم بصوت؟ قال: بلى تكلم بصوت، وهذه الأحاديث نرويها كما جاءت.
فقوله: "بصوت" أمر زائد على حروف قوله تعالى: [وكلم الله موسى تكليما], وقوله[وناديناه] فذكره للصوت دليل على إثبات الكلام والنداء على ظاهره الذي يقتضيه اللسان العربي, ولم يفوض معناه.

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار