يسأل بعض الإخوة: هل تقصد أن مجرد التشريع كفرٌ أكبر من غير قيد أو شرط أو قرينة ؟
للإجابة عن هذا السؤال لابد أن ندرك أن هناك مسلكين: مسلك سني ومسلك غير سني
المسلك السنى في هذه المسألة على اتجاهين:
الأول: أن مجرد التشريع الذي لا يصاحبه اغتقاد فاسد أو امتناع ليس كفرا أكبر
وهذا ما ذهب إليه الشيخ الألباني وغيره
وهو امتداد للإطلاق في قول ابن عباس فيمن لم يحكم بما أنزل الله: إنه كفر دون كفر
فدخلت فيه كل صورة لتحكيم غير الشريعة سواء كانت في أفراد أو في تشريع ما لم يصحبه اعتقاد فاسد، أو امتناع ...
الثاني: أن التشريع كفر أكبر لكونه قرينة على الاستحلال، ولم يجعلوه من جنس مسألة سب الله كما فعل غيرهم
ففعل التشريع عند بعض أهل السنة كفر باعتبار كونه مظنة للمناط الحقيقي؛ للتلازم بين الظاهر والباطن، فحكموا على الفعل بالكفر الأكبر؛ لكونه يستلزم مناط الاستحلال العقدي أو الامتناع، فأنزلوا المظنة منزلة المئنة.
فهو في الحقيقة استدلال بفساد الظاهر على فساد الباطن، ولم يجعلوا ذات التشريع كفرا أكبر من جنس السب والاستهزاء الذي يدل بالضرورة على كفر الباطن، بحيث يوجد المعنى الكفري في كل صورة من صور السب.
فالتشريع وإن كان مناطا معتبرا في كفر النوع إلا أنه يجب ملاحظة المعنى الذي لأجله كان التشريع كفرا وهو الاستحلال أو الامتناع
ومادام أن التشريع قرينة اشترط فيه ملاحظة المعنى الذي لأجله كان التشريع كفرا
وكذا اشترطوا في تنزيله على أعيان الحكام إقامة الحجة والتحقق من الشروط والموانع
فالحاكم قد يظنه من باب المصلحة المرسلة أو يوجد من علماء السوء من يسوغ له ذلك
ولهذا قال الشيخ العثيمين كما في الباب المفتوح، سؤال 1222): «فهؤلاء الذين تشيرُ إليهم، من حكامِ العربِ والمسلمينَ، قد يكونونَ معذورينَ لم تتبيّن لهم الحجة، أو بُيّنت لهم وجاءهم مَنْ يُلبّس عليهم ويُشبّه عليهم، فلا بدّ من التأني ».
وقال: «وأمّا إذا كان يشرّع (حكماً عامّاً ) تمشي عليه الأمّةُ يرى أنّ ذلك من المصلحة، وقد لبّس عليه فيه (فلا يكفر) أيضاً...»
فهو مع جعله التشريع كفرا أكبر إلا أنه يلاحظ القرينة ويعتبرها في الحكم على المعين ولذا لم ينزل الحكم على المعين إلا بعد التحقق منها وجودا وعدما...
فليس بمجرد وقوع الحاكم في التشريع يجعله كافرا أو يعتبر أن الأصل فيهم الكفر
وهذا التقرير من الشيخ العثيمين لم يعجب من يسمون زورا بالسلفية الجهادية ولم يعجب أيضا الفكر الصحوي المسمى بالسروري
فانتصب أبو بصير الطرسوسي للرد على الشيخ العثيمين
فجعل مجرد التشريع كفرا أكبر من غير ملاحظة قرينة الاستحلال وهو عندهم من جنس مسألة سب الله والاستهزاء
فالمشرع يكفر مطلقا وهو طاغوت وأنه لا ينبغي للمسلم أن يتردد في تكفيره
ورأى أن اعتبار الشروط والموانع في تكفير المشرع خطأ عظيم؛ لأنها شروط تعحيزية عنده..
وقال منظر ما يسمى زورا بالسلفية الجهادية أبو محمد المقدسي:(وكذا المشرّع مع الله أو المتبع والمبتغي غير الله حكماً ومشرعاً ومعبوداً قد شرح بالكفر صدره بجعل نفسه طاغوتاً معبوداً في ذلك أو باتباعه للطاغوت والتزامه وتحاكمه لشرعه، ولا نقول ننظر أستحل التشريع مع الله واعتقده أم لم يعتقده.. )
وقال المقدسي:(ثم اعلم أن التشريع والاستبدال كفر مجرد لا يقال فيه؛ هل استحل أو اعتقد أو جحد؟)
ورمى مشايخ أهل السنة الذين نظروا للاستحلال بالإرجاء
وكذلك الفكر الصحوي يرى أن مجرد التشريع كفر أكبر من غير ملاحظة قرينة الاستحلال؛ لأن التشريع ينافي الانقياد والالتزام بالشريعة ويرتفع به عقد الإسلام
قال سفر الحوالي:(والقصد أن هؤلاء الذين يقيمون هذه الأحكام في بلاد المسلمين ويتبعون هذه الشرائع ويلزمون المسلمين بها، خارجون عن الملة، ومهما انتسبوا إلى الإسلام فلا حقيقة لهذا الانتساب، وهذه الأنظمة غير شرعية إطلاقاً -الشرعية بالمعنى الإسلامي لا الشرعية الدولية والشرعية القانونية- فنحن لا نعترف بشرع غير شرع الله، فإذا قلنا: هذه الشرعية، فمعنى ذلك أن الله تعالى أذن بها وشرعها وأنزلها، أما غير ذلك فغير شرعي، وهذا الذي يجب أن يعتقده كل مسلم)
ويظهر الفرق بين مذهب من يكفر بالتشريع لكونه يدل على الاستحلال وبين مذهب من يجعل مجرد التشريع كفرا من غير ملاحظة القرينة
في صورة من استبدل الشريعة وهو يعتقد حرمة فعله ولا يرى منازعة الله في حقه,
فمن كفر بذات التشريع كفره عينا إذا لم يكن مكرها, ومن كفر بالتشريع لكونه يستلزم الاستحلال أو الامتناع لم يكفره عينا.
كتب
د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق