موضوع #القياس_المنطقي موضوع دقيق, لا يحسن أن يتكلم فيه من لا يحسن فهم كلام العلماء في سياقه, ويجهل محور الكلام مع المناطقة, ويظن أن من استعمل صورة القياس المنطقي في مادة متلقاة من الرسل قد أخذ بمصدر غير مصدر الرسل والآثار, وهذا من غريب ما يذكر, لكن ماذا نفعل بالجهل؟!
فابن تيمية لما ذكر أن القياس المنطقي لا يفيد علما ولا تحقيقا
لم يرد ما كانت مادته صحيحة معتمدة على الوحي، وهذا النوع من القياس يدخل في قوله تعالى:[الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان]
فالقياس المنطقي الذي هو قياس الشمول ينتقد من جهة نظر المناطقة له, فإذا جرد عن نظر المناطقة زال عنه الإشكال وصار مفيدا وصح استعماله في العلوم الشرعية..
فالمناطقة نظروا لقياس الشمول على أنه يفيد اليقين دون قياس التمثيل, واعتبروا في اليقين بصورة القياس لا بمادته, وهذا محل إشكال
وأما النظرة الصحيحة للقياس فهي أن العبرة بمادة القياس لا بصورته، فالقياس صحيح إذا تضمن التسوية بين المتماثلين والفرق بين المختلفين, ولا ينظر بعد ذلك للصيغة
فسواء صيغ ذلك بصيغة قياس الشمول أو بصيغة قياس التمثيل وإن التمثيل هو الأصل وأكمل
فليس الإشكال في القياس من جهة الصورة التي يتركب منها وإنما من جهة المادة التي يتكون منها وتحقق التلازم, فإذا كانت المادة يقينية متلقاة من الرسل
فلك أن تعبر عنها بصورة قياس التمثيل أو تعبر عنها بصورة قياس الشمول, ويكون استعمالك صحيحا نافعا, قال ابن تيمية: (وقياس الشمول وقياس التمثيل متلازمان فكل ما ذكر بهذا القياس يمكن ذكره بهذا القياس) الرد على المنطقيين (ص: 353)
وقال: (فيقال تفريقهم بين قياس المشمول وقياس التمثيل بأن الأول قد يفيد اليقين والثاني لا يفيد إلا الظن فرق باطل بل حيث أفاد أحدهما اليقين أفاد الآخر اليقين وحيث لا يفيد أحدهما إلا الظن لا يفيد الآخر إلا الظن فان إفادة الدليل لليقين أو الظن ليس لكونه عل صورة أحدهما دون الآخر بل باعتبار تضمن أحدهما لما يفيد اليقين فان كان أحدهما اشتمل على أمر مستلزم للحكم يقينا حصل به اليقين وان لم يشتمل إلا على ما يفيد الحكم ظنا لم يفد إلا الظن). الرد على المنطقيين (ص: 211)
فمثلا كون هذا الإنسان مخلوقا, هذه مادة صحيحة
فسواء قلت في التعبير عنها: هذا إنسان وكل إنسان مخلوق, وإن شئت قلت هو إنسان فهو مخلوق كغيره من الناس لاشتراكهما في الإنسانية.
وسواء قلت النبيذ مسكر وكل مسكر حرام, وإن شئت قلت: النبيذ خمر لاشتراكهما في علة الإسكار..
وإن كان استعمال قياس التمثيل أسهل وأوضح.
فالعبرة بصحة المادة, قال ابن تيمية: (فالقضايا الكلية المتلقاة عن الرسل تفيد العلم في المطالب الإلهية.
وأما ما يستفاد من علومهم فالقضايا الكلية فيه أما منتقضة وأما أنها بمنزلة قياس التمثيل وأما أنها لا تفيد العلم بالموجودات المعينة) الرد على المنطقيين (ص: 355)
فتلخص لنا أن الذي يمكن الاستغناء عنه هو القياس المنطقي بالنظرة المنطقية, فما يمكن علمه بالقياس المنطقي يمكن علمه بغير القياس المنطقي, وإدخاله في العلوم الشرعية بالنظرة المنطقية كان سببا لتعقيدها وتطويل الكلام فيها, كما أنه لا يفيد العلم بالجزئيات ولا يعينها, وعناية المناطقة فيه بالشكل والصورة أكثر من عنايتهم بالمادة والتلازم.
ولا يعني ذلك أن قياس الشمول إذا جرد عن النظرة المنطقية المنتقدة أنه لا ينفع ولا يفيد علما, بل إنه ينفع وقد استعمله شيخ الإسلام في باب الإلهيات, فقياس الأولى قد يجعل نوعا من أنواع قياس الشمول, وإن كان إثبات الصانع والعلم به لا يتوقف على شيء من الأقيسة.
كتب د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/02/blog-post_10.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق