السبت، 8 فبراير 2025

يزعم حاتم العوني في كتابه الاستواء.. أن عبارات السلف بلا معنى وبلا تفسير

 

💠 ⚫️ يزعم حاتم العوني في كتابه الاستواء..
أن عبارات السلف بلا معنى وبلا تفسير: ظاهرة بنفي كل معنى وبرفض كل تفسير بلا قيد للمعنى المنفي كما في ص 24
وأن السلف يكتفون في آيات الصفات المشتبهة بقراءتها بلا زيادة عليها ولا نقص منها كما في ص 25

والرد عليه:
💠 ⚫️ لازم كلامه أن السلف لا يأخذون من آيات وأحاديث الصفات: صفات لله سبحانه, فلا يقولون: الوجه صفة والرحمة صفة, لأن إثبات كونها صفات قدر زائد على إمرارها كما جاءت حسب تصوره, فالسلف على هذا الزعم يقرؤون قوله تعالى [ ويبقى وجه ربك] ويكتفون بمجرد القراءة ولا يزيدون عليها تفسيرا ولا إثبات كونها صفات... ولا يقولون: الله فوق؛ لأن الآية جاءت بقوله [وهو القاهر فوق عباده], ولم تأت بإثبات الفوقية...
💠 ⚫️ وهذا بعيد عن هدي السلف, وهو مردود قطعا... فإذا أراد العوني أن يحمل كلام السلف في قوله أمروها كما جاءت على تفويض المعنى فيلزمه أن يحمله أيضا على تفويض كونها صفات لله سبحانه...
💠 ⚫️ ثم لو لم يثبت الصحابة لنصوص الصفات معنى ما أضافوا إلى الصفة أحكاما اختصت بها؛ فعن عبد الله بن عمر قال: (خلق الله أربعة أشياء بيده: العرش والقلم وعدن وآدم, ثم قال لسائر الخلق كن فكان) فأثبت حكما مختصا باليد, < وعن ابن عباس قال: (إن الله لم يمس بيده شيئا إلا ثلاثا: خلق آدم بيده,  وغرس الجنة بيده,  وكتب التوراه بيده) [

💠 ⚫️ وهنا أنبه إلى منشأ الغلط: عندما يريد أحد أن يستدل بالعبارات التي جاءت عن السلف فيجب عليه أن يدرك أن كلام السلف لم يأت مرسلا عن الواقع الذي كانوا يعيشونه, والإشكالية التي أرادوا معالجتها, فمن حاول أن يفهم كلامهم بعيدا عن واقع كلامهم والإشكالية التي كانوا يعالجونها في وقتهم: فقد ضل ولم يصب مرادهم, وهذا ما وقع فيه العوني ومن تأثر به, فحاولوا أن يخرجوا كلامهم عن سياق واقعهم.

💠 ⚫️ ما الواقع الذي كان يعالجه السلف؟

⚫️ كان السلف يعالجون إشكالية انتشار علم الكلام وظهور الفرق الكلامية, ولما كان أهل الكلام قد تأولوا النصوص على غير مرادها وفسروا الألفاظ على غير ما تعرفه العرب من لغتها جاء كلام السلف ببيان أن قراءتها تفسيرها, وأمروها كما جاءت بلا كيف...
💠 فلم يكن كلامهم خرج لتقرير تفويض المعنى ولا عدم إثبات كونها صفات لله سبحانه, وإنما كان كلامهم ردا على من خرج بالنص عن ظاهره فأحدث له معنى جديدا وتفسيرا محدثا
💠 ⚫️
وتأكيدا لهذا المعنى: انظروا إلى قول الإمام مالك: فعن عبد الرحمن بن مهدي يقول: دخلت على مالك وعنده رجل يسأله عن القرآن, فقال: (لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد, لعن الله عمرا؛ فإنه ابتدع هذه البدع من الكلام, ولوكان الكلام علما لتكلم فيه الصحابة والتابعون كما تكلموا في الأحكام والشرائع ولكنه باطل يدل على باطل))( )
وقوله (إياكم والبدع قيل يا أبا عبد الله وما البدع قال أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان), فهو في سياق ردهم على أهل الكلام وما أحدثوه,
وكذلك قول الدارمي في معرض رده على ابن الثلجي المتكلم: (لا يحكم للأغرب من كلام العرب على الأغلب، ولكن نصرف معانيها إلى الأغلب حتى تأتوا ببرهان أنه عنى بها الأغرب، وهذا هو المذهب الذي إلى العدل والإنصاف أقرب) ( )

⚫️ فالسلف لم يردوا كونها صفات وأن لها معنى معلوم في لغة العرب, وإنما ردوا تفسيرات الجهمية ونحوهم...

💠 والغريب أن يستمسك العوني بعبارات: كمثل: أمروها كما جاءت وبلا معنى ولا تفسر وقراءتها تفسيرها,...ويجعلها عمدته في نسبة تفويض المعنى إلى السلف, من غير أن يراعي السياق والواقع الذي لأجله تكلم بها السلف, ولا وضح لنا مقصوده بالتفويض وهل بدخل فيه التفسير بالمعنى اللازم والرسم الذي يقر به الأشاعرة في الصفات العقلية؟, وهذا من تلبيسه ومراوغته هداه الله

⚫️ وهنا أقول: لو كان السلف لا يثبتون للصفات معني لما فسروها, وعللوا الأحكام بها, ولما زادوا ألفاظا تدل على أصل المعنى المراد
فالإمام مالك لما أثبت رؤية الله في الآخرة زاد لفظا أكد به أصل المعنى المراد, فقال: (...الناس ينظرون إلى الله يوم القيامة بأعينهم) ( ).
فقوله "بأعينهم" تأكيدا للمعنى الظاهر, فهي رؤية حقيقية بالأعين, ولم يقل: الله أعلم بالمعنى المقصود من الرؤية المتعلق بذات الله سبحانه,
ولما سئل عن معنى النظر في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}. ينظرون إلى الله؟.قال: نعم, بأعينهم هاتين. ( )
و أخرج البيهقي عن ابن عباس أنه فسر استوى بـ صعد. ( ), وفي صحيح البخاري قال أبو الغالية استوى: ارتفع, وقال مجاهد: استوى: علا على العرش.( )

💠 فلو كان السلف يريدون بقولهم: بلا معنى وبلا تفسير: نفي كل معنى وكل تفسير كما زعم العوني: لما فسروا الاستواء بالارتفاع والصعود والعلو, سواء قلت إنه تفسير بمعناه الظاهر كما هو قول السلف أو قلت هو تفسير بلازم معناه الظاهر كما عليه جماعة من الأشاعرة.
بل لما سئل الإمام أحمد بن حنبل عن قوم يقولون: لما كلم موسى لم يتكلم بصوت؟ قال: بلى تكلم بصوت، وهذه الأحاديث نرويها كما جاءت.
فقوله: "بصوت" أمر زائد على حروف قوله تعالى: [وكلم الله موسى تكليما], وقوله[وناديناه] فذكره للصوت دليل على إثبات الكلام والنداء على ظاهره الذي يقتضيه اللسان العربي, ولم يفوض معناه.

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

هناك تعليق واحد:

  1. جزاكم الله خيرا يا سيدنا ونفع بكم وسدد مقولتكم وقلمكم

    ردحذف