الجمعة، 28 فبراير 2025

شبهة يكثر تردادها: دور الإفتاء في البلدان الإسلامية ولاة أمر فكيف تنكرون عليهم علنا إذا أخطئوا في أمر مجمع عليه؟

 



[محل المسألة إذا خالفت دور الإفتاء أصلا من أصول أهل السنة كتعطيل الصفات أو إذا أخذت بقول شاذ كالاعتماد على الحساب الفلكي في دخول شهر رمضان أو خروجه] 


[ خلاصة المسألة يجوز الإنكار علنا وباسمهم وليسوا هم في حكم ولاة الأمر المسلمين من كل وجه] 


وتفصيل ذلك:

مفاد الشبهة هو المنع من إنكار ما ألصق في دين الله -وليس منه-علنا وباسمها

والمقدمة التي انطلق منها المانعون أن دور الإفتاء لهم حكم ولاة الأمر؛ بشبهة أنه أنابهم عنه في الفتوى وما يتعلق بالدين

فمن يمنع الإنكار العلني على ولاة الأمر لزمه أن يمنع الإنكار العلني على دور الإفتاء

وأما من لم يمنع ويُجَوّز الإنكار العلني فليس له أن يتكلم في هذه المسألة؛ لعدم ثبوت الأصل عندهم ...


محل البحث ابتداء في المقدمة التي انطلقوا منها، ثم بعد ذلك ينظر في الإنكار العلني على دور الإفتاء 

هل يترتب عليه من المفاسد ما يترتب على الإنكار العلني على الحاكم المسلم أو لا؟. 


المقدمة هل دور الإفتاء في حكم ولاة الأمر في مسألة عدم جواز الإنكار العلني؛ لأن الحاكم أنابهم عنه؟ 


والجواب: لا يوجد تلازم فيبطل الاستدلال... 


بمعنى: كون الحاكم أنابهم عنه في الفتوى لا يعني ذلك أن أحكام ولاة الأمر تنطبق عليهم من كل وجه، ولا انهم أصبحوا في مكانته بحيث تكون المفاسد المترتبة واحدة.....

إذن لا تلازم بين الأمرين.. ومن المعلوم أن المنع من الإنكار علنا حال الغيبة معلل وليس تعبديا محضا... 

ووجود العلة المعقولة في دور الإفتاء منتفية أو مرجوحة إذا سلمنا بوجودها

..

ثم إن إنابته لهم لا يعطيهم الحرية في أن يتكلموا في دين الله كما يشاؤون، وإنما هي مقيدة بأن يكون كلامهم وإفتاؤهم وفق أصول الشريعة وقواعدها، وألا يخالفوا أصول أهل السنة...

فمن خالف منهم أصلا من أصول أهل السنة فإن إنابة الحاكم له لا يسوغ مخالفته ولا يمنع من الإنكار عليه؛حفظا لشريعة الله من أن يدخل فيها ما ليس منها

ولذا أنكر أئمة أهل الحديث كأحمد وغيره على القضاة الذين عينهم المأمون والواثق، وسموهم بأسمائهم... 


يبقى سؤال: عدم تسويغ مخالفتهم هل يْجَوز الإنكار عليهم علنا؟ 


والجواب: ينظر في ذلك للمصالح والمفاسد، فمتى ما كانت المخالفة علنا فإنه يسوغ إنكارها علنا، ولا يجب....... 


فإن قلت: لماذا لا يقال هذا في الحاكم؟ 


قيل: المنع من الإنكار العلني حال الغيبة على الحاكم هو بالنظر إلى قوة التلازم بين الإنكار والفوضى والفتنة العامتين، فكان نظر السلف في المنع من الإنكار هو كونه يفضي إلى الفتنة العامة والخروج...

وهذا الإفضاء غير وراد في الإنكار العلني على دور الإفتاء والوزارات؛ لأنه بإمكان الحاكم أن يعفيهم من مناصبهم لو تطور الأمر...ومن التوجيه الذي ذكره العلماء لجواز إنكار المنكر علنا على الحاكم إذا كان في حضرته ووبين يديه أنه يمكنه أن يدافع عن نفسه ويبين مستنده أو يتوب ... 


ولو نظرنا إلى فقه السلف وجدنا أنهم يغايرون في الحكم بين الخليفة وأمراء المناطق وبين من دونهم، وكثير مما ورد عنهم في نهيهم عن الإنكار العلني حال غيبتهم هو في الأمراء... 


فالمحذور الذي نخشى منه في الإنكار العلني على الحاكم حال غيبته منتف في الإنكار العلني على دور الإفتاء والوزارات....

وكونه منتفيا لا يعني ذلك جواز الإنكار مطلقا، وإنما هو مقيد بالمصالح والمفاسد... 


وكتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق