السبت، 27 سبتمبر 2025

هل وفاة النبي ﷺ نكبة؟

 


لم يُعرف عن أحدٍ من العلماء، لا في القديم ولا في الحديث، أنه وصف وفاة النبي ﷺ بـ"النكبة"، حتى جاء محمد الحسن الددو فاستعمل هذا الوصف، وسعى هو ومن وافقه إلى جعله مرادفًا للمصيبة. 


ولتحرير هذه المسألة أقول: 


كلمة المصيبة مشتقة من جذر (ص و ب), وهذا الجذر: الصاد والواو والباء أصل صحيح يدل على نزول شيء واستقراره [مقاييس اللغة (3/ 317)]

ويُستعمل في الخير والشر من حيث أصل المعنى، ومنه قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾. 

غير أن العرب غلبوا استعماله في جانب الشر. 


وأما النكبة فهي من جذر (ن ك ب) وأصلها الميل، فإذا أطلقت دلت على ميل أو انحراف، فهي أخص من المصيبة، وتوحي بشيء زائد على مجرد وقوع البلاء. 


وبعضهم توهم من تفسير بعض أهل المعاجم النكبة بالمصيبة أنهما مترادفان، وغفل أن من عادة أهل المعاجم أنهم قد يفسرون اللفظ بما يقاربه أو بما هو أعم وأوضح، دون قصد الترادف التام. 


وقد فسرها كثير منهم بحوادث الدهر وكوارثه وثدماته..

ولهذا فإن "النكبة" في الاستعمال تحمل معنى الانحراف والميل، وقد ارتبطت في أذهان الناس بالجراحات والمآسي والانتكاسات التي تنشأ من تقصير وتفريط.

(وانتبه لهذا)

وعليه، فإطلاق "النكبة" على وفاة النبي ﷺ غير مناسب، لأنها مشعرة بالميل والانحراف والتقصير والتفريط، وكأن الوفاة حدثت دون تمام التبليغ، وإنما الأليق وصفها بـ"المصيبة" بالنظر إلى كونها نازلة وقعت على الأمة. 


ومع ذلك، فوفاته ﷺ ليست مصيبة بإطلاق؛ إذ هي:

-مصيبة باعتبار انقطاع الوحي وظهور الفتن، ...

وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم- مصيبة فقال: إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي؛ فإنها أعظم المصائب.  رواه الدارمي 


-ورحمة وفضل باعتبار دفع الهلكة عن أمته وكونه فرطا لهم يوم القيامة, ، إذ قال النبي ﷺ: «إن الله عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطًا وسلفًا بين يديها» (رواه مسلم). 


✍️ بقلم د. أحمد محمد الصادق النجار



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق