الخميس، 20 أغسطس 2015

وقفة مع مقطع للشيخ محمد بن هادٍ عُنون له في الشبكة بـ"قد طالت غيبة إخواننا علينا"


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فقد سمعت مقطعا للشيخ محمد بن هادٍ يتكلم فيه عن أثر في تاريخ بغداد.
وهذا الأثر أخرجه البغدادي في تاريخ بغداد من طريق إسحاق بن داود السمرقندي يقول قدم قريب لي من الشاش فقال أتيت بن حنبل فجعلت أصف له بن المنذر وجعلت أمدحه فقال ابن حنبل: لا أعرف هذا, قد طالت غيبة إخواننا عنا, ولكن أين أنت عن عبد الله بن عبد الرحمن عليك بذاك السيد عليك بذاك السيد عليك بذاك السيد عبد الله بن عبد الرحمن ))
فاحتج الشيخ محمد حفظه الله بهذا الأثر على أن من غاب عن الشيخ من تلاميذه فإنه يتوقف فيهم, وإذا غاب عنك أخوك فمرت السنون الطوال ليس بينك وبينه وصل وتَمرُّ الحوادث وتتجدد الأحداث وتعصف الفتن ويأتي ويريد أن تزكيه ماذا تقول؟! أنت ما تعرفه الآن؟ ما حاله؟ لا تدري ماذا جدَّ عليه؟ فما أمامك إلا أن تقول بمثل مقالة أحمد، نعم أعرفه ولكن هذه المدة الطويلة التي بيني وبينه ما أعرف ما هو حاله فيها .
وقبل أن أبين بُعدَ هذا الفهم, وما يترتب عليه من المفاسد لابد من معرفة أن ردَّ خطأ أحد المشايخ لا يلزم منه الطعن فيه, ولا الحط من كرامته.
فليس في السلفية تقديس الأشخاص, وإنما يُعظَّم المشايخ بالقدر الشرعي, ومن تعظيمهم: تنبيه الناس عما وقعوا فيه من أخطاء؛ حتى لا يقلدهم الناس فيها.
وقد ظن بعض الناس أن بعض المشايخ فوق النقد بحيث لا يُبيَّن ما وقعوا فيه من أخطاء, وهذا لا يرضى به المشايخ أنفسهم فيما نحسبهم.
وإنما كان رد الخطأ هنا عاما؛ لكون التقرير كان عاما, وقد شاد به الكثير, وفُرِّغ, وتناقله جمع من الطلاب.
وليس في الرد على المشايخ تجرئة الناس عليهم, بل فيه تقديم الحق على الرجال, وتعويد الطلاب على ذلك, وأن المشايخ مهما بلغوا من العلم فإنهم يخطئون.
وبعد هذه المقدمة التي ما كان ينبغي لي ذِكرها؛ لكونها مقرَّرة: لولا بعض من يُوَجِّه الكلام على غير وجهه, ويدَّعي العصمة في بعض المشايخ معنى وإن كان يردها لفظا.
أبدأ في بيان ما تضمنه كلام الشيخ محمد بن هادٍ:
أولا: هذا الأثر الذي بنا عليه الشيخ حكما -وإن صح قل: أصلا - من طريق إسحاق بن داود السمرقندي قال قدم لي قريب من الشاش ...
يُقدَح فيه سندا أن فيه مجاهيل, وأن هذا القريب الذي بنيت عليه هذه القصة: مجهول أيضا, فكيف يصح بناء حكمٍ على رواية مجاهيل؟!
أضف على ذلك: أنه من رواية أحمد بن حامد أبو سلمة السمرقندي
 انظر: المغني في الضعفاء للذهبي.  قال ابن طاهر المقدسي: (( كان يكذب ))
وفي لسان الميزان لابن حجر: قال الإدريسي: (( حدثنا عن أبيه يكذب ويحدث عمن لم يلحقه مات بعد الستين وثلاث مائة )).
أبعد هذا يعتمد على هذا الأثر؟!!

ثانيا: ما تضمنه الأثر مناقض لما في كتب الجرح والتعديل, ومعارض لإجماع الأئمة, كما سيأتي.
ثالثا: لما قال أحمد عن أبي المنذر، لا أعرف هذا! قد طالت غيبة إخواننا عنا. قال الشيخ محمد بن هادي: يعني ما أدري ماذا حاله الآن؟ لما طالت الغيبة وانقطعت الأخبار ما أدري ما حاله؟ قال: لا أعرف هذا! قد طالت غيبة إخواننا عنا
وهذا الفهم لكلام الإمام أحمد بعيد – مع القطع بعدم صحة الكلام أصلا عن الإمام أحمد -؛ لأن الإمام أحمد لا يعرف ابن المنذر أصلا, فهو مجهول عنده,  لا أنه عرفه ثم طالت غيبته عليه, ولهذا قال: لا أعرف هذا؟, ثم استأنف كلاما جديدا بأن إخوانه الذين يعرفهم قد طالت غيبتهم عنه من باب الاشتياق إليهم, وهم أيضا أخبر بابن المنذر؛ لأنهم أهل بلده, ثم أرشد السائل إلى من هو خبير بسمرقند.
والشيخ محمد بن هادٍ حفظه الله خرج بحكم وهو:" إذا سُئلت ببلدٍ عن تلميذ من تلاميذك ولو كان من قُدامى تلاميذك، لكن انقطعت أخباره عنك وليست بينك وبينه صلة، وعندك الأخبار عن آخر تُحيل على الآخر، أما هذا فتتوقف فيه
وهذا التوقف بناه على علة وهي: انقطاع خبره والصلة, مع أنه قد وثقه قبل الانقطاع.
ويجاب على هذا بـ:
1-أن الحكم مخالف لاتفاق المحدثين من أن الإمام إذا وَثَّق رجلا ثم غاب عنه أن توثيقه مستصحب, إلا إذا ورد عن الإمام نفسه ما ينفيه, فتكون العلة التي ذكرها الشيخ فاسدة غير معتبرة.
وهذا ما شهدت به كتب الجرح والتعديل.
2-أن العلة التي ادُّعيت وجدت في أحكام الأئمة مع تخلف التوقف عنها, فنجد الأئمة يزكون وتوجد العلة وهي الانقطاع, ومع ذلك لا ينقضون أحكامهم, فتخلف الحكم مع وجود العلة نقضٌ لها.
وبعد أن بطل ما تعلق به الشيخ سندا ومضمونا, أضيف أمرا جديدا وهو: اللوازم الباطلة التي تلزم من هذا التقعيد من الشيخ محمد:
أولا:  كل من وثقه العلماء فإن التزكية تبطل بالانقطاع أو يتوقف فيه, فيبطل توثيق وتزكية الأموات للأحياء, كتزكية الألباني والعثيمين للشيخ ربيع مثلا.
ثانيا: يلزم الشيخ أن يعمله في التجريح, فمن جرحه وانقطع عنه خبره يلزمه أن يتوقف فيه, وألا يتكلم فيه بتجريح, وهذا لازم لا يلتزمه الشيخ, وهو لازم باطل في نفسه.
ثالثا: تعلق الشباب ببعض المشايخ, وكثرة تردادهم عليه؛ حتى لا تبطل التزكية, أو يتوقف فيها.
وربما يكون التعلق شركيا؛ لأجل ألا يتكلم فيهم قد يظهرون الموافقة لما يعتقدونه خطئا, وقد يخافون من المشايخ خوفا شركيا.
رابعا: إبطال قاعدة الاستصحاب, وإلغاؤها, فالأصل بقاء ما كان على ما كان, ولا نخرج عن هذا الأصل إلا بدليل, أو ظاهر يزيل الأصل, لا مجرد الاحتمالات.
أما كون الفتن تعصف وقد يتغير فهذا مجرد احتمال, لا يتعلق به حكم, وهو غير رافع للأصل.
خامسا: إلحاق المشقة الشديدة بالطلاب والمشايخ, فمن لم تكن عنده آلة الاتصال لمانع فكيف سيتصل؟, وكم سيستقبل المشايخ من الاتصالات ونحوها والطلاب كثر؟!
والشريعة ميسرة.
ومن تأمل وجد لوازم أخرى فاسدة, وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم.
والحمد لله على كل حال.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وكتبه
أحمد محمد الصادق النجار

6-11-1436 هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق