✍️ جواب السؤال الثاني
✍️ بقلم: د. أحمد محمد الصادق النجار
الحمد لله، وبعد:
فقد كتبتُ عددًا من المقالات في شأن نازلة السابع من أكتوبر، سعيت فيها إلى تأصيل المسألة تأصيلًا شرعيًا، وبيّنتُ التكييف الفقهي لما وقع. وفيما يلي الجواب على السؤال الثاني:
❖ السؤال:
هل يُشترط في جهاد الدفع أن يكون هناك هجوم بري مباشر وفوري من العدو؟ أو أن استمرار القتل، والحصار، وتدمير البيوت – ولو جزئيًا – يُعد صيالًا شرعيًا كافيًا لبدء القتال والدفاع دون شروط؟
❖ الجواب:
لا يُشترط في جهاد الدفع أن يكون العدوان هجومًا عاما فوريا مباشرًا أو مستمرًا، بل يكفي لاعتباره "صيالًا شرعيًا" يجب دفعه من حيث الأصل:
وجود عدوان محقق، كالقتل المتكرر، أو تدمير البيوت، سواء كان ذلك مستمرًا أو متقطعًا.
فالقتل اليومي، والاعتقال العشوائي، والتهجير القسري والجزئي، كلها صور من العدوان المتجدد الذي يتحقق به سبب جهاد الدفع، حتى ولو لم يكن الهجوم فوريا ومباشرا.
ومع أن جهاد الدفع من حيث الأصل لا يحتاج إلى شروط، إلا أنه عند التطبيق العملي وتنزيله على واقع خاص فإنه يتطلب في بعض صوره: الاستطاعة الشرعية، وتقدير النتائج والمآلات، وهذا من لوازم إيقاع الفعل الاختياري شرعا وعقلا، ...
فالقتال في جهاد الدفع يكون إما واجبًا مباشرًا أو مقيدًا بالتقدير العقلي والشرعي للمصلحة والمفسدة.
❖وبهٰذا نَجمع بين:
• أصل شرعي ثابت: وجوب دفع الصائل.
• وقاعدة مقاصدية فقهية: اعتبار المصالح والمفاسد.
• وشرط تطبيقي معتبر: توفر القدرة الشرعية والاستطاعة الواقعية.
وهذا هو التوازن الذي جاءت به الشريعة: الحسم في الأصل، والحكمة في التنزيل.
فـدفع الصائل واجب من حيث الأصل، ولا فرق فيه بين دفع اضطراري لا يُحتمل فيه غير القتال، وبين دفع اختياري تتعدد فيه الوسائل.،
لكن من حيث التطبيق العملي والنزول إلى الواقع يفرق فيه بين قتال دفع اضطراري لا يسع فيه إلا القتال وبين قتال دفع اختياري يسع فيه غير القتال
ففي الثاني: ينظر فيه هل سيؤدي إلى مفسدة أعظم (مثل قتل آلاف من الأبرياء، أو تمكين العدو من اجتياح أعظم)؟
أو هل الوسائل المتاحة غير مجدية وتؤدي لضرر أكبر على الضعفاء؟
فإن غلب على الظن وقوع المفسدة، أو كانت الوسائل المتاحة غير كافية لرد العدوان دون ضرر أكبر، فهنا لا يُلغى الحكم، بل يُؤجَّل تنفيذه حتى تتهيأ أسبابه أو تتغير الظروف.
ومن المعلوم أن الضرر لا يزال بالضرر الأعظم، بل يُرتكب أخف الضررين لدفع أعظمهما، وهذا أصل مقاصدي قطعي..
• فالنبي ﷺ تحمّل حصار الشعب ثلاث سنوات دون قتال، مع أنه كان مظلومًا محاصرًا.
• ولم يُقاتل قريشًا في مكة رغم شدة الأذى، لأن الواقع آنذاك لم يكن يسمح بمواجهة تحقق مصلحة راجحة.
وقد ذكر الأئمة المحققون أن هذه الأحكام لم تنسخ وإنما يعمل بها زمن الاستضعاف...
• ❖ تنبيه مهم:
القول بأن تقسيم جهاد الدفع إلى "اضطراري" و"اختياري" تقسيمٌ محدث لا أصل له، قول غير دقيق، ويُرد عليه من وجهين:
أولًا: هذا ليس تقسيمًا بديلًا أو مُحدثًا، بل تفصيل واقعي داخل إطار جهاد الدفع نفسه، يُقصد به بيان اختلاف الحال من جهة الوسائل المتاحة.
• فثمة حالات لا بد فيها من القتال (اضطراري).
• وأخرى يُمكن فيها اختيار وسيلة أنجع وأقل مفسدة (اختياري).
ثانيا: أن المقصود بقولنا "اضطراري" و"اختياري"، هو: هل هناك سعة في الوسائل أو أن القتال هو الوسيلة الوحيدة المتاحة؟
• فإن كان القتال لا مفرّ منه، تعيّن ووجب (وهو ما يُسمّى دفعًا اضطراريًا).
• وإن كان يمكن الدفع بوسائل أخرى، أو تأجيل المواجهة لتقدير مصلحةٍ أعظم، فهذا يُعد دفعًا اختياريًا، ويخضع لفقه المآلات والترجيح