الأربعاء، 26 مارس 2025

لم يصح عن أحد من الصحابة أنه أخرج في خصوص زكاة الفطر نقودا

 لم يصح عن أحد من الصحابة أنه أخرج في خصوص زكاة الفطر نقودا

لا من أقوالهم ولا من أفعالهم

وهذا مستفيض عنهم، فقد كان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يقول:(كنا نخرج زكاة الفطر صاعامن طعام) وهو يحكيه عن جماعة الصحابة.... وقوله "كنا نفعل كذا" يفيد الاستمرار عليه
وهو الذي يقتضيه عملهم بالمنصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم أخرجوها طعام
وقد رى نافع عن ابن عمر أنه كان لا يخرج في زكاة الفطر إلا التمر إلا مرة واحدة فإنه أخرج الشعير (الاستذكار ٩/٣٥٤)

وإذا رجعنا إلى كتب فقه الخلاف العالي التي تعنى بنقل ما روي عن الصحابة في الباب كالأوسط لابن المتذر والمغني لابن قدامة نجد أنها لا تحكي جواز إخراج القيمة عن أحد من الصحابة في خصوص زكاة الفطر..............
ولو ثبت ذلك عن الصحابة لاعتنى العلماء بحكايته فكيف وهو مخالف لما هو مشهور عنهم وما كان يصرح به بعضهم؟!!

بعضهم يروي عن عمر في غير زكاة الفطر، وهو لا أيضا لا يصح عنه..

وغاية ما يستمسك به من زعم أن الصحابة أو بعضهم يخرجون زكاة الفطر هو:
١- ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/398) حدثنا أبو أسامة، عن زهير، قال: سمعت أبا إسحاق، يقول: أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام. 

ومن المعلوم أن أبا إسحاق السبيعي لم يدرك أبا بكر الصديق ولا معاذ بن جبل ولا عمر بن الخطاب ولم يسمع من ابن مسعود ولا من أبي الدرداء ولا من عثمان بن عفان ولا من علي بن أبي طالب وإن كان قد رآه ولم تصح له رؤية أنس بن مالك  ولم يسمع من ابن عمر ولا من سراقة بن مالك ...

فعندما يقول "أدركتهم" لا ينصرف إلى صغار الصحابة فضلا عن كبارهم
وإنما ينصرف إلى من دونهم من أهل الكوفة، فقد كان السبيعي من جلة التابعين في الكوفة، ومن المعلوم ان علماء أهل الكوفة ليسوا متفقين على ذلك...

ثم إن أبا إسحاق يحكي فعلا أدركهم عليه، والفعل محتمل، فيحتمل أنهم يجوزونها نقدا مطلقا ويحتمل أنهم يجوزونها نقدا حال الحاجة والمصلحة، ويحتمل أنه فعل مستمر لهم ويحتمل أنه عرضي استثنائي...

٢- ما ثبت في الصحيحين عن معاوية رضي الله عنه انه قال:( أرى نصف صاع من حنطة يل صاعا من تمر)
قالوا: راعى القيمة...

والجواب: أنه لو كان إخراج القيمة عنده معتبرا لجوز دفع القيمة مع وجودها أو لأخرج بنفسه القيمة، وهذا لم يحدث، فكونه رضي الله عنه نظر إلى القيمة لا يعني ذلك أنه يُجَوِّز إخراجها بدلا عن الطعام...

تنبيه بعضهم يزعم أن للإمام أحمد رواية بإخراج القيمة في زكاة الفطر
وهذا غير صحيح، فالرواية عن أحمد بجواز إخراج القيمة هي فيما عدا زكاة الفطر كما ذكر ذلك ابن قدامة في المغني (٤/٢٩٥)
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الإمام أحمد جوزه في مواطن الحاجة.

وهنا شبهة أختم بها وهي
النقود كانت قليلة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولذا لم يعلق عليها الحكم،
والناس يحتاجون إلى اللباس ونحوه فدفع النقود لهم أنفع....

والجواب: النقود كانت موجودة ومنتشرة ويتعامل بها الصحابة، فقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أجد الصحابة دينارا ليشتري شاة...
ولا يشترط في اعتبارها في الأحكام الشرعية أن توجد في كل بيت من بيوت الصحابة...

وأما حاجة الناس إلى اللباس فهذا في كل وقت وليس خاصا بعصرنا
فقد كان الصحابة يحتاجون إلى ما يغطي بعض أبدانهم العارية ومع ذلك لم يشرع اللباس ولا النقود ليشتروا ألبسة....
فزكاة الفطر ليس المقصود منها إغناء الناس مطلقا حتى يشتروا ألبسة ويسددوا ديونهم ووو
ولو كان هذا مقصودا لكان مقدارها أعلى من الصاع، وإنما المقصود إغناؤهم عن سؤال الطعام يوم العيد، فهو إغناء خاص...

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار 

الأحد، 23 مارس 2025

نقل #زكاة_الفطر إلى أهل غ ز ة

نقل #زكاة_الفطر إلى أهل غ ز ة

الأصل في زكاة الفطر أن تُخرَج في بلد المزكي؛ لأنها وجبت في البلد الذي يقيم فيه المزكي، ولأجل أن يغني أهل كل بلد فقراءهم...
ولا تنقل إلى بلد آخر إلا إذا كانت المصلحة راجحة أو الحاجة أشد...

فنقلها إلى أهل غ زة يجوز إذا تُحقق من وصولها في وقتها ولمستحقيها... ولا نقول يجب على كل مسلم وجبت عليه زكاة الفطر..

وله صورتان:
الأولى: أن يشتري المزكي في بلده طعاما ثم ينقله إلى أهل غ زة ، وهذه واضحة ولا إشكال فيها...

الثانية: أن يعطي جهة موثوقة مالا ثم يوكلها بشراء صاع من الطعام في غ زة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها صاعا من طعام...
ومن المعلوم أن قيمة الصاع من الأرز مثلا تختلف من بلد إلى بلد،

فهل العبرة ببلد المزكي أو ببلد الفقير إن كان ببلد الفقير أغلى؟

أولا: المعتبر في زكاة الفطر: الصاع من الطعام لا القيمة.....

ثانيا: يجب أن يصل إلى يدي الفقير صاعا من الطعام في بلده ولو كانت قيمته أضعافا مضاعفة بالنسبة لبلد المزكي...لأن المقصود إغناء الفقير بإعطائه صاعا فمن أعطاه أقل من صاع لم يحقق مقصود الشارع، ولأن العبرة بالصاع في بلد الفقير إن كان أغلى..
بمعنى أنه يجب أن يرسل من النقود ما يكفي لشراء صاع في غ زة ولو كانت قيمته أكثر من قيمته في ليبيا مثلا
المهم أن يصل إلى الفقير صاعا...ولا يكفي أن يرسل ثمانية دنانير إذا كان الصاع في غ زة يساوي مائة دينار
...

فالذي في ذمة المزكي هو الصاع وليست قيمة الصاعة، وهو مذهب جمهور العلماء
فالعدول من الصاع إلى القيمة: عدول عن الأصل وما حده الشارع..

وقد ذكر الباجي في المنتقى عن ابن حبيب مِن المالكية قوله: "إنْ كان الطعام ببلد الإخراج أرخصَ اشترى بثمن الطعام الواجب عليه ببلد الصيد طعامًا فأخرجه، فإنْ كان ببلد الإخراج أغلى أخرج المَكِيْلة الواجبة عليه".

وليس الأصل هو القيمة حتى نقول بأنه يخرجها بحسب بلد المزكي التي حصل فيها سبب الوجوب..

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/03/blog-post_23.html


السبت، 22 مارس 2025

شبهة #لحم_الإبل لو كان ناقضا لانتشر؛ لأنه مما تعم به البلوى

 


من عدم الفقه الاحتحاج على عدم نقض الوضوء بلحم الأبل
بأنه لو ثبت كونه ناقضا لانتشر وشاع كما شاع نقض الوضوء بالخارج المعتاد من السبيلين كالبول
لأنه لا يكاد يخلو بيت من لحم الأبل... !!!!!!!!!

وقد وصف ابن حزم هذا النوع من الاحتجاج في هذا السياق بأنه حماقة...

أقول: هذا الاحتجاج الضعيف مردود بأمور:

أولا: أن الصحابة لم يشترطوا في الناقض حتى يكون ناقضا أن ينتشر دليله ويشتهر، وإنما كانوا يقبلون أخبار الآحاد فيما تعم به البلوى ولو لم تشتهر.. وهو مذهب جمهور الأصوليين..

ثانيا: ما انتشر واشتهر عند الصحابة لا يلزم منه أن يشتهر نقله ويشيع...

ثالثا: قد انتشر واشتهر عند الصحابة أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء ...
فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال:(كنا نتوضأ من لحوم الإبل ولا نتوضأ من لحوم الغنم )

فقوله "كنا" يعود إلى الجماعة من الصحابة؛ مما يدل على أنه منتشر بينهم وجوب الوضوء من لحم الإبل...
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(وأما من نقل عن الخلفاء الراشدين أو جمهور الصحابة أنهم لم يكونوا يتوضؤون من لحوم الإبل فقد غلط عليهم إنما توهم ذلك لما نقل عنهم أنهم لم يكونوا يتوضؤون مما مست النار وإنما المراد أن كل ما مست النار ليس سببا عندهم لوجوب الوضوء والذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الوضؤ من لحوم الإبل ليس سببه مس النار)

قال الخطابي في معالم السنن:(ذهب عامة أصحاب الحديث إلى إيجاب الوضوء من أكل لحم الإبل)

رابعا: لا يصح قياس أكل لحم الإبل على الخارج المعتاد كالبول،؛ لأن البول أمر لا ينفك عن الإنسان ويوجد في اليوم من الإنسان أكثر من مرة
بينما لحم الإبل لم يكن يأكله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة كل يوم، بل كان آل محمد يمر عليهم الشهر والشهران ولا يوقد في بيوتهم نار ولا يوجد فيها إلا التمر والماء...
فكيف يقال: لا يخلو منه بيت؟!!! وكيف يقال: لو ثبت كونه ناقضا لانتشر وشاع كما شاع نقض الوضوء بالخارج المعتاد من السبيلين ؟!!!

فأكل لحم الإبل ليس أمرا يتكرر وقوعه كل يوم كالخارج المعتاد من السبيلين..

أخيرا
قال ابن حزم عن قولهم: هذا مما تعظم به البلوى:(وَهَذَا حَمَاقَةٌ , وَقَدْ غَابَ عَنْ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم الْغُسْلُ مِنْ الْإِيلَاجِ الَّذِي لَا إنْزَالَ مَعَهُ , وَهُوَ مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى , وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ الْوُضُوءَ مِنْ الرُّعَافِ وَهُوَ مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى وَلَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَرَأَى الْوُضُوءَ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ مِنْ الْقَلْسِ وَلَمْ يَرَهُ مِنْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ , وَهَذَا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى , وَلَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ قَبْلَهُ , وَمِثْلُ هَذَا لَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا , وَمِثْلُ هَذَا مِنْ التَّخْلِيطِ لَا يُعَارِضُ بِهِ سُنَنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا مَخْذُولٌ )

كتب
د. أحمد محمد الصادق النجار

الخميس، 20 مارس 2025

مدارسة أصولية فقهية حكم #الوضوء_من_أكل_لحم_الإبل

[الخلاصة: ينقض الوضوء على الراجح]

عن جابر بن سمرة، أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا توضأ» قال أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «نعم فتوضأ من #لحوم_الإبل» قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: «نعم» قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: «لا» أخرجه مسلم


المعنى الذي راعاه السائل في السؤال هو نقض الوضوء, لا مطلق الوضوء, 

وقرنه الوضوء بالصلاة في سياق واحد يؤكد أن سؤاله كان عن الوضوء الشرعي لا الوضوء اللغوي. 


هاتان المقدمتان تقتضيان أو توجبان

وجوب الوضوء من أكل لحم الأبل

وتمنعان من حمل الأمر بالوضوء على الاستحباب أو على غسل اليدين والمضمضمة...

والخطاب الموجه للواحد موجه للأمة إلا بدليل...


بمعنى أن السائل لم يسأل عن مجرد الوضوء؛ حتى يحمل على الاستحباب, أو على غسل اليدين, وإنما محل سؤاله عن نقض الوضوء, وما كان ناقضاً للوضوء وجب الوضوء منه, ولذا جاء الجواب من النبي صلى الله عليه وسلم بالتخيير في لحم الغنم والأمر بالوضوء في لحم الإبل؛ مما يدل على أن الأمر بالوضوء في لحم الإبل ليس لمجرد الإذن بل للطلب الجازم.


والفرق في الحديث بين لحم الإبل ولحم #الغنم لا يثبت إلا بإيجاب الوضوء في لحم الإبل ونفي الإيجاب في لحم الغنم...


فنفي الإيجاب في لحم الغنم يقتضي الإيجاب في لحم الإبل.


واختصاص لحم الإبل بالنقض من بين المأكولات هو من باب الخروج بالمسألة عن نظائرها لمقتضي الدليل الخاص.


وليست العلة أنه مسته النار؛ بدليل التفريق في الحديث بين لحم الغنم ولحم الإبل, وقد مستهما النار, وإنما لحم الإبل ينقض الوضوء لكونه لحم الإبل، لا لكونه مسته النار, وهذا يقتضي نقضه للوضوء سواء أُكل نيئا أو مطبوخا, 


وكونه يقتضي وجوب الوضوء سواء كان نيئا أو مطبوخا يمنع من كون وجوب الوضوء منسوخا, والمعنى الذي أوجب الوضوء منه نيئا يدل على أن العلة ليست هي مس النار. 

وهل العلة تعبدية أو معقولة المعنى؟ قولان...


وعليه فلا يَرِد القول بالنسخ؛ استدلالا بقول جابر رضي الله عنه: " «كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار» " رواه أبو داود وغيره.

ولأنه ليس من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم, وإنما يحكي جابر ما رآه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في واقعة معينة, لا في عموم أحواله صلى الله عليه وسلم, ومحلها لحم الغنم, قال النووي: (رواه أبو داود وغيره عن جابر قال (ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى امرأة من الأنصار فقربت شاة مصلية, (أي مشوية) فأكل وأكلنا فحانت الظهر فتوضأ ثم صلى ثم رجع إلى فضل طعامه فأكل ثم حانت صلاة العصر فصلى ولم يتوضأ) قالوا فقوله آخر الأمرين يريد هذه القضية وأن الصلاة الثانية هي آخر الأمرين يعني آخر الأمرين من الصلاتين لا مطلقا: وممن قال هذا التأويل أبو داود السجستاني) المجموع شرح المهذب (2/ 58)


 ومن نقل عن الصحابة أنهم لم يكونوا يتوضؤون من لحوم الإبل فقد غلط عليهم وخلط بين مسألة نقض الوضوء من أكل لحم الإبل ومسألة عدم الوضوء مما مست النار.


إلا أن #الجمهور حملوا التفريق بين لحم الغنم ولحم الإبل على وجود دسومة في لحم الإبل دون لحم الغنم, فناسب ذلك أن يتوضأ من لحم الإبل إما على جهة الاستحباب أو على جهة حمل الوضوء على غسل اليدين والفم...


ويجاب عن ذلك بأن وجود الدسم ليس موجبا للوضوء في الشريعة؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب لبنا فمضمض وقال: إن له دسما» ", 

وكون الإبل فيها زيادة دسومة لا يلزم ذلك اختصاصها بنقض الوضوء.


سؤال: من قال من الأئمة بنقض الوضوء من أكل لحم الإبل؟


القول بنقض الوضوء من لحم الإبل: حكاه الماوردي عن جماعة من الصحابة: زيد بن ثابت وابن عمر وأبي موسى وأبي طلحة وأبي هريرة وعائشة, وحكاه ابن المنذر عن جابر بن سمرة الصحابي ومحمد بن إسحاق وأبي ثور وأبي خيثمة واختاره أبو بكر بن خزيمة وابن المنذر 

وهو: مذهب الشافعي في القديم رجحه البيهقي والنووي, وهو مذهب أحمد, خلافا للجمهور [انظر: المجموع شرح المهذب (2/ 57)]


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

الاثنين، 17 مارس 2025

مسألة عدم نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كذا إذا وجد السبب وانتفى المانع

 مسألة عدم نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كذا إذا وجد السبب وانتفى المانع 


لها صورتان:

الأولى: أن يدل على ثبوت الفعل دليل عام أو خاص

الثانية: ألا يدل على ثبوت الفعل دليل عام ولا خاص 


فإن لم يدل على ثبوت الفعل دليل أصلا كان عدم النقل الذي توفر داعيه ولا مانع دليلا على عدم وقوع الفعل منه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تكفل بحفظ دينه، فلو كان قد فعل لنقل... 

كالاستغاثة بالقبور أو زيادة صلاة سادسة


وأما إذا دل دليل خاص على ثبوت الفعل كمداومته على فعل ما في كل أحواله في الحضر كراتبة العشاء 

فلا نحتاج في ثبوت مشروعية الفعل إلى نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله؛ لثبوت مشروعيته بدليل، فلا يكون عدم نقل فعله من السنة التركية، ولأن عدم نقله لا يدل على عدم الوقوع...


تبقى مسألة حيرت العقول وهي إذا دل دليل عام على ثبوت الفعل فهل عدم نقل الفعل إذا وجد الداعي ولا مانع يدل على المنع؟ وهل ينزل منزلة عدم وجود دليل؟


الذي ذهب إليه ابن العربي المالكي أنه عدم دليل معين وينظر في الأدلة الأخرى حيث قال:(...وتحقيقه أنه عدم دليل لا وجود دليل. فإن قيل: لو أخذها- أي زكاة الخضروات- لنقل. قلنا: وأي حاجة إلى نقله والقرآن يكفي فيه)

فابن العربي تمسك بالدليل العام ولم يجعل عدم النقل دليلا على عدم وجود دليل. 


وذهب ابن القيم إلى أنه ينزل منزلة نقل الترك لكن في سياق كلامه على الابتداع في الدين، فلاحظ في إنزاله عدم النقل منزلة العلم بالترك: سد باب البدعة.. 


ولم يقصد المنع من إجراء العموم القولي على عمومه على كل حال، وإنما اعتبر في الأخذ بعدم النقل إلى قوة القرينة، فمتى قويت القرينة على رفع عدم النقل إلى العلم بالترك، كان ذلك مانعا من العمل بموجب الدليل العام...


وتقوى القرينة في الأمور التشريعية التعبدية التي لا يعقل معناها... فمن قصد تخصيص العام لغير معنى مناسب من غير أن يمنع منه دليل خاص أو الزيادة والنقصان على صفة المشروع استنادا على عموم...فهنا فتح باب البدعة على مصراعيه... ومن جاء إلى عبادة مخصوصة بصفتها وهيئتها وعددها فزاد عليها أمرا استنادا على عموم فقد وقع في الابتداع


وكذلك تقوى القرينة في الأحكام التي تحتاج الأمة إلى معرفتها، والتي تعم بها البلوى... فعدم النقل فيها دليل على قصد الترك.... وإن كانت تناولها الإطلاق أو كانت إحدى جزئيات العام... 


فمثلا الأذان في العيدين هو زيادة على الصفة المشروعة في العيدين، وتحتاج الأمة إلى معرفتها، فلو كان من الدين لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بيانا عاما ولنقل إلينا...


وكذلك الاجتماع على الذكر بصوت واحد فهذه الهيئة وإن تناولتها إطلاق النصوص الآمرة بالذكر إلا أن عدم النقل يدل على المنع؛ لأن الأمة محتاجة إلى بيان هذه الهيئة فعدم بيانها مع الحاجة إليها وتوفر الهمم على نقلها لو فعلت دليل على أنها ليست مقصودة للشارع وأن فعلها بدعة. 


ومتى لم تقو القرينة لم يكن عدم النقل مانعا من العمل بموجب الدليل العام... 


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 14 مارس 2025

هل عدم النقل يدل على عدم الوقوع مطلقا؟

 يستشكل بعض الإخوة

فيقول مادام أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة أنهم صلوها مع توفر الداعي على النقل لو وجد فهذا يدل على عدم مشروعية #راتبة_العشاء قبل صلاة التراويح

وجوابي:

حتى أوضح لك الصورة وأزيل عنك الإشكال خذ هذا المثال:

لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة أنهم كانوا يصلون سنة الفجر في السفينة فهل يدل ذلك على عدم مشروعية صلاتها في السفينة؟!!! وهل عدم النقل يدل على أن مشروعية صلاة سنة الفجر مقيد بألا يكون في السفينة؟!!!!!

الجواب لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان لا يترك سنة الفجر في سفر ولا حضر كان هذا دليلا خاصا على مشروعية الفعل
وخصوص المكان لا أثر له؛ لأنه ليس مقصودا لذاته ولا اعتقد فيه الفاعل فضلا خاصا
فلم نحتج بعد ذلك في بيان مشروعية صلاتها في السفينة إلى نقل؛ لعدم توقف مشروعيتها على نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة صلوها في السفينة .......
وعدم النقل هنا لا يدل على عدم الوقوع فضلا عن أن يدل على كراهة الفعل؛ لأنه عندنا دليل خاص نستصحبه....

فلا يأتي أحد ويقول: لا تشرع وتكره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو فعلها لنقلت عنه، وأن صلاتها لم تكن معهودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة...!!!!

(هذا مش فاهم متى نحتج بعدم النقل؟ ولا يمكن أن يكون فقيها يحسن الاستدلال)

لماذا لا يصح الاستدلال بعدم النقل على عدم الحكم؟

لأن الحكم لا يتوقف على وجود النقل، فالعلم بمشروعية صلاة راتبة العشاء لا يتوقف على العلم بالنقل؛ لورود دليل خاص على مشروعيتها، وكون التراويح بعدها ليس رافعا لدلالة الدليل على مشروعيتها.....
فالمدلول هنا وجوده ليس مستلزما لوجود دليله، بحيث يكون انتفاء دليله دليلا على انتفاء وجوده..( انتبه لهذا حتى تفهم متى يكون عدم النقل دليلا على عدم المشروعية)

متى يكون عدم النقل دليل على عدم الوقوع؟

إذا كان علمنا بالوقوع يتوقف على علمنا بالنقل...بحيث لم يدل على مشروعية الفعل دليل شرعي خاص...

بمعنى صلاة راتبة العشاء قبل التراويح وصلاة سنة الفجر في السفينة لا يتوقف مشروعيتها على أن ينقل فعلهما عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لوجود دليل على مشروعية الفعل وقرينة المداومة
فيكفي استصحاب ذلك...

ولأنه يمكن أن يكون قد صلاها ونحن لم نعلم،
ومتى أمكن العلم بوجود الصلاة وأمكن ألا نعلم نحن دليل ثبوتها
لم يكن عدم علمنا بالنقل دليلا على عدم المشروعية

ثم إن الذين يقولون بأنه لم تنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة
صوروا للناس أن صلاة قيام الليل عند السلف في رمضان كصلاتنا نحن، عندما نصليها بعد العشاء مباشرة...!!!!
بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى العشاء دخل إلى بيته حتى في رمضان وفي الليالي المعدودة التي صلاها بالناس
فلم ينقلوا عنه صلاة الراتبة لأنه خرج إليهم بعد أن كان في بيته.... فعدم النقل كان لمانع...
وكذلك الصحابة فالظاهر من صنيعهم أنهم لم يكونوا يصلونها بعد العشاء مباشرة كما نفعل اليوم...

وقد أحسن أحد المشايخ لما استدل على وجود فاصل بين العشاء وصلاة القيام
برواية في الموطأ أنهم كانوا يستعجلون الخدم بالسحور خشية طلوع الفجر من القيام...

بقي أن يقال: ألا يشكل هذا في باب البدع الإضافية كالذكر المقيد بين ركعات التراويح؟

قيل: لا يشكل؛ لأن الذين قالوا بجوازها ليس لهم دليل خاص على مشروعية الفعل، فالنص الشرعي إنما دل على الذكر من حيث هو ذكر وبأي هيئة كانت
فمن قصد تخصيص الذكر بهيئة معينة، أو اعتقد فضل هذه الهيئة بخصوصها
فهنا قد خرج من إطلاق النص إلى تقييده، وزاد قدرا لم يدل عليه إطلاق النص الشرعي.... فيكون قد وقع في الابتداع
وصح الاستدلال على عدم المشروعية. بعدم النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ...

كتب  د. أحمد محمد الصادق النجار 

الأربعاء، 12 مارس 2025

#راتبة_العشاء_قبل_التراويح

#راتبة_العشاء_قبل_التراويح ... #المالكية_الجدد الذين لا خبرة لهم بالمذهب..

يستدل أحدهم على عدم صلاة راتبة العشاء قبل صلاة التراويح بأنه لم يثبت دليل جزئي خاص أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة كانوا يصلونها, وأن من ذهب إلى مشروعيتها استدل بدليل عام, والخاص يقضى على العام.!!!!

تعجب والله أمثل هذا ينعت بأنه فقيه؟!!, بل ويصدر على أنه فقيه مالكي!!!!

كما يلاحظ القارئ الكريم أنه جعل المسألة من باب العموم والخصوص, وجعل عدم ورود دليل خاص على الفعل قاضيا على عموم أحاديث الرواتب!!!,
فأنزل عدم ورود دليل خاص منزلة وجود استثناء صورة من لفظ عام!!!! .... ومن المعلوم أن تخصيص العموم يكون بالمنافي الوجودي...
بمعنى لو ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظ فيه استثناء صلاة راتبة العشاء قبل صلاة التراويح من العموم، أو فعل...
لصح تجوزا أن يقال: الخاص يقضي على العام, لكنه لم يرد في ذلك شيء فيبقى العموم على عمومه... والعموم عمومه استغراقي....

وهنا نسأل
هل عدم ورد دليل جزئي خاص أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصليها = يكفي للقول بعدم مشروعيتها؟

والجواب الذي يجيب به الفقيه: لا؛ لأن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بعد العشاء ركعتين غير قيام الليل ولم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يتركهما في الحضر, بل لما فاتته الركعتان بعد الظهر قضاهما بعد العصر, ومداومته عليهما يكفي في إثبات أنه كان يصليهما صلى الله عليه وسلم قبل صلاة التراويح...وكذا الصحابة, 
وخرج مسلم من حديث عبد الله بن شقيق، عن عائشة، أن النبي، كان يصلي في بيتها بعد العشاء ركعتين، وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر.

فمشروعيتهما قبل صلاة التراويح قائمة على الاستصحاب؛ حتى يأتي ناقل, ولا ناقل...
وقد ثبت في صحيح مسلم (1/ 502)  قالت أم حبيبة،: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة، بني له بهن بيت في الجنة»
قالت أم حبيبة: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال عنبسة: «فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة»، وقال عمرو بن أوس: «ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة» وقال النعمان بن سالم: «ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس»
فكانوا يداومنون عليها....

وأما #المالكية فلم يمنعوا من صلاة ركعتين بعد صلاة العشاء, ولا استدلوا بقضاء الخاص على العام؛ لعدم الورود  كما زعم...
وإنما يرون أنه يستغنى عنها بالشفع عند من يرى أن الشفع ليس للصحة؛ بناء على أنه ليس للنفل التابع للفرائض نية تعيين إلا سنة الفجر,
ويرده أن النبي صلى الله عليه وسلم غاير بين النفل بعد العشاء وقيام الليل, فقد كان يخص العشاء بركعتين ثم يصلي قيام اليل ويوتر...

والذي غفل عنه الفقيه !!! أن الذي يصح أن يستدل على عدم مشروعيته بعدم ورود دليل خاص هو #التسبيح_بين_ركعات_التراويح؛ لأن إطلاق الذكر الوارد في النصوص الشرعية لا يدل على مشروعية الفعل المقيد بخصوصه, فجاء الابتداع من جهة قصد التخصيص أو اعتقاد الفضل والاستحباب للهيئة المخصوصة... كما بينت ذلك في منشورات مستقلة...

تنبيه
كلامي هنا عن الاستدلال، لا عن مسالة راتبة العشاء
فالخلاف فيها معتبر، وينبغي للإمام أن يترك وقتا لصلاتها ولو كان على مذهب المالكية..

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/03/blog-post_12.html


السبت، 8 مارس 2025

التفريق بين أفعال أفراد الطائفة الواحدة الموافقة للشرع واعتقادها المنحرف

 بعضهم لم يستطع أن يتصور التفريق بين أفعال أفراد الطائفة الواحدة الموافقة للشرع واعتقادها المنحرف.........

ولا عجب ألا يتصور ذلك من ينطلق من زاوية نظر واحدة, ويبني أحكامه على ردة الفعل... لا التحقيق العلمي وبُعْد نظر أهل السنة والجماعة... 


فلو فرضنا أن رجلا منحرفا يقول بخلق القرآن, قام بإنقاذ غريق, 

فهنا يمدح الفعل؛ لكونه موافقا للشرع, ويثنى على فاعله من هذه الجهة، وليس مدحه؛ لأجل انحرافه, وإنما يبقى منحرفا يحذر منه 

فاستطعنا أن نفرق بين انحرافه ومدح الفعل؛ لكن من جهتين... 


ولو فرضنا أن مجموعة من الرجال اجتمعوا على فكرة منحرفة ولهم شق سياسي وشق عسكري, فقام الشق العسكري بإنقاذ الغرقى, 

فذمنا لهم؛ لانحرافهم لا يعني ذمنا للفعل الموافق للشرع من الشق العسكري, بل نمدح الفعل ونثنى عليهم من هذه الجهة، كما أثنى العلماء على من فتح الأراضي وأدخل أهلها تحت دولة الإسلام وهو يعتقد معتقدات فاسدة....


فهنا استطعنا أن نفرق بين أفراد المجموعة لا من جهة أصل فكرهم وإنما من جهة ما اختص به بعض أفراد المجموعة من عمل صالح, فمدح فعلهم لأجل كونه صالحا ...فهو مدح مقيد... وليس الباعث على مدح الفعل جهة انحرافهم...وهذا كله على التسليم بوقوع العمل الصالح منهم 


وقد تكون القيادة منحرفة لكن لا يلزم أن كل من شاركهم في الفعل على نفس اعتقاد القيادة... 


ومن هنا نفهم أصل أهل السنة...

فأهل السنة لما تكلموا في الجها د مع ولي الأمر الفاجر, نجد أنهم يفرقون بين جهة انحرافه بالفسق سواء كان فسقا عمليا أو فسقا اعتقاديا, وبين جهة الجهاد معه ومع جنوده إذا كان الجهاد شرعيا توفرت فيه شروطه المعتبرة شرعا, فيمدح جها دهم ولو كانوا منحرفين........ 


فأهل السنة لم يمنعهم النظر إلى جهة انحرافه من إيجاب الجهاد معه؛ لكون الجها د مشروعا بقيده...ومدح الحاكم على جهاده لا يعني مدحه على فسقه... 


طيب

إذا نُسب الحاكم إلى فرقة مبتدعة, كنسبة الواثق إلى المعتزلة أو الجهمية

فهنا نظر الأئمة إلى المسألة من جهات متعددة: 


1-من جهة الفرقة: حذروا منها وبينوا ضلالها, ولم يمنعهم كون الحاكم منها من الكلام فيها والتحذير منها؛ تغليبا لجانب حفظ الدين 


2-من جهة منصب الإمامة: لم يحرضوا على الحاكم المعتزلي ولا أنكروا عليه علنا حال غيبته بذكر اسمه, ولم ينزعوا يدا من طاعة في المعروف؛ تغليبا لجانب درء مفسدة الفتنة العامة 


3-من جهة الفعل الموافق للشرع كالجهاد والحج: مدحوه عليه وأثنوا على جها ده وفتحه الأمصار وأمروا بالجهاد معه والحج؛ لأن في ذلك حفظا للدين وتحقيقا للمصالح الراجحة. 


والغريب أن الخوارج لم ينظروا إلى المسألة إلا من جهة واحدة, فلم يفرقوا بين جهة فجور الحاكم وجهة الجهاد معه, وبالتالي لم يتصوروا كيف يمدح على فعله الموافق للشرع وكونه منحرفا بفجوره؟.

كما لم يتصورا الجمع بين إثبات أصل الولاية له وبين فجوره وفسقه... 


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 28 فبراير 2025

شبهة يكثر تردادها: دور الإفتاء في البلدان الإسلامية ولاة أمر فكيف تنكرون عليهم علنا إذا أخطئوا في أمر مجمع عليه؟

 



[محل المسألة إذا خالفت دور الإفتاء أصلا من أصول أهل السنة كتعطيل الصفات أو إذا أخذت بقول شاذ كالاعتماد على الحساب الفلكي في دخول شهر رمضان أو خروجه] 


[ خلاصة المسألة يجوز الإنكار علنا وباسمهم وليسوا هم في حكم ولاة الأمر المسلمين من كل وجه] 


وتفصيل ذلك:

مفاد الشبهة هو المنع من إنكار ما ألصق في دين الله -وليس منه-علنا وباسمها

والمقدمة التي انطلق منها المانعون أن دور الإفتاء لهم حكم ولاة الأمر؛ بشبهة أنه أنابهم عنه في الفتوى وما يتعلق بالدين

فمن يمنع الإنكار العلني على ولاة الأمر لزمه أن يمنع الإنكار العلني على دور الإفتاء

وأما من لم يمنع ويُجَوّز الإنكار العلني فليس له أن يتكلم في هذه المسألة؛ لعدم ثبوت الأصل عندهم ...


محل البحث ابتداء في المقدمة التي انطلقوا منها، ثم بعد ذلك ينظر في الإنكار العلني على دور الإفتاء 

هل يترتب عليه من المفاسد ما يترتب على الإنكار العلني على الحاكم المسلم أو لا؟. 


المقدمة هل دور الإفتاء في حكم ولاة الأمر في مسألة عدم جواز الإنكار العلني؛ لأن الحاكم أنابهم عنه؟ 


والجواب: لا يوجد تلازم فيبطل الاستدلال... 


بمعنى: كون الحاكم أنابهم عنه في الفتوى لا يعني ذلك أن أحكام ولاة الأمر تنطبق عليهم من كل وجه، ولا انهم أصبحوا في مكانته بحيث تكون المفاسد المترتبة واحدة.....

إذن لا تلازم بين الأمرين.. ومن المعلوم أن المنع من الإنكار علنا حال الغيبة معلل وليس تعبديا محضا... 

ووجود العلة المعقولة في دور الإفتاء منتفية أو مرجوحة إذا سلمنا بوجودها

..

ثم إن إنابته لهم لا يعطيهم الحرية في أن يتكلموا في دين الله كما يشاؤون، وإنما هي مقيدة بأن يكون كلامهم وإفتاؤهم وفق أصول الشريعة وقواعدها، وألا يخالفوا أصول أهل السنة...

فمن خالف منهم أصلا من أصول أهل السنة فإن إنابة الحاكم له لا يسوغ مخالفته ولا يمنع من الإنكار عليه؛حفظا لشريعة الله من أن يدخل فيها ما ليس منها

ولذا أنكر أئمة أهل الحديث كأحمد وغيره على القضاة الذين عينهم المأمون والواثق، وسموهم بأسمائهم... 


يبقى سؤال: عدم تسويغ مخالفتهم هل يْجَوز الإنكار عليهم علنا؟ 


والجواب: ينظر في ذلك للمصالح والمفاسد، فمتى ما كانت المخالفة علنا فإنه يسوغ إنكارها علنا، ولا يجب....... 


فإن قلت: لماذا لا يقال هذا في الحاكم؟ 


قيل: المنع من الإنكار العلني حال الغيبة على الحاكم هو بالنظر إلى قوة التلازم بين الإنكار والفوضى والفتنة العامتين، فكان نظر السلف في المنع من الإنكار هو كونه يفضي إلى الفتنة العامة والخروج...

وهذا الإفضاء غير وراد في الإنكار العلني على دور الإفتاء والوزارات؛ لأنه بإمكان الحاكم أن يعفيهم من مناصبهم لو تطور الأمر...ومن التوجيه الذي ذكره العلماء لجواز إنكار المنكر علنا على الحاكم إذا كان في حضرته ووبين يديه أنه يمكنه أن يدافع عن نفسه ويبين مستنده أو يتوب ... 


ولو نظرنا إلى فقه السلف وجدنا أنهم يغايرون في الحكم بين الخليفة وأمراء المناطق وبين من دونهم، وكثير مما ورد عنهم في نهيهم عن الإنكار العلني حال غيبتهم هو في الأمراء... 


فالمحذور الذي نخشى منه في الإنكار العلني على الحاكم حال غيبته منتف في الإنكار العلني على دور الإفتاء والوزارات....

وكونه منتفيا لا يعني ذلك جواز الإنكار مطلقا، وإنما هو مقيد بالمصالح والمفاسد... 


وكتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

الأربعاء، 26 فبراير 2025

💥 #الفكر_الصحوي المسمى ب #السروري


قبل كل شيء يجب أن تعلم أن التأثر بهذا الفكر والانغماس فيه قد يخفى على المتلبس به؛ لأن منظري هذا الفكر وأصحابه اعتنوا بالفكر ونشره أكثر من عنايتهم بالتنظيم... وعند بعضهم تقية فلا يظهر الوجه القطبي إلا إذا شعر بالقوة وأمن العقوبة...

ويجمعهم تعظيم #سفر_الحوالي والثناء على #سيد_قطب أو محاولة الاعتذار له، أو الظهور بثوب الإنصاف= له ما له وعليه ما عليه، مع الحث على قراءة كتبه والإفادة منها...

وأذكر أنه في فترة من الفترات انصب الجدل حول وجود جماعة اسمها السرورية أو لا؟(على التسمية)
مع اتفاق الجميع أن #مشايخ_الصحوة كسفر وسلمان وناصر والعمر وعبد الرحمن المحمود ثم العريفي والطريفي ووو
قد سلكوا طريقا غير الطريق الذي سلكه المشايخ الكبار....

المهم
💥كيف تعرف أن فلانا من أصحاب هذا الفكر أو هو على أقل تقدير متأثر به؟

◼️
١-تضخيم التفسير السياسي والذي بني على أن الحاكمية والموقف من الحكام المسلمين ونفي شرعية ولايتهم مطلقا والتحريض عليهم = هو أعلى الغايات وأولى الأولويات وسبيل الإصلاح ودليل العلم بفقه الواقع وتنزيل النصوص في محالها
وأن السلفية التقليدية -على تعبير البعض- جامدة في نظرتها للسياسة والحكم والولاء والبراء
بخلاف الفكر الحركي الذي فيه الخروج عن تقريرات الماضي وجفاف كتب السلف إلى معالجة الحاضر وحركية العقيدة وإنزالها في الواقع
فالالتفات إلى شرك القصور ومعالجته بالتحريض والتثوير هو سبيل إيقاظ الشعوب
وليس هناك إشكالية في سفك الدماء وعدم استقرار الدول؛ لأنه تبعي ولابد منه ليقظة الشعوب وإرجاع الخلافة، ولذا ناصروا الثورات بكل ما أوتوا من قوة....

◼️
٢-يرون أن عدم الاعتناء بالحاكمية بالمفهوم الحركي وعدم التفرغ لمنكرات الدول= ركون للظلمة وعدم إدراك للواقع الفاسد على حد تعبيرهم...
◼️
٣- الفكر الصحوي هو صاحب مصطلح غلاة الطاعة، فمن لم يتعامل مع الحكام على طريقهم يتهمونه بكونه من غلاة الطاعة...
◼️
٤-يرون أن وقوف العلماء وطلبة العلم ضد الفكر الحركي هو وقوف ضد الإصلاح وهو عندهم يصب في خدمة الحكام وتمكين للاستبداد...
ويكثرون من لمزهم بالجامية والمرجئة وعلماء السلطان....
◼️
٥-عداؤهم للنظام السعودي بشكل واضح ومحل ولاء وبراء
ومن لم يكفره منهم يرى أنه أقرب للكفر منه للإسلام بينما تجد تسامحا مع نظام آخر علماني...فترى ازدواجية في المعايير 
فمن جهة يشنعون على الحكام  وينكرون عليهم علنا ولا يرون شرعيتها ويتهمون علماء الدعوة السلفية بالعمالة و و و،
بينما يبررون ويسكتون على بعض الأنظمة والحكام الذين آووهم أو كان في الأصل إخوانيا ولو وقع فيما ينكرونه على الأنظمة الأخرى.
◼️
٦- من لم يوجب منهم الخروج على أنظمة الحكم في الدول المسلمة فإنه يسوغه
ويرى أن الخلاف في الخروج وعدمه سائغ ومنوط بالمصلحة التي هي غير منضبطة،
ونلزمه أن يسوغ لكل من خرج بدعوى أن المصلحة راجحة في خروجه....
◼️
٧-الدعوة إلى المظاهرات لإنكار المنكرات وتأييدها كما حصل في الجزائر، فإذا ما حصلت مفسدة سرعان ما يتنكرون لها..
◼️
٨-تصويرهم أن وقوف المشايخ السلفيين ضد كل من يريد أن يحدث فتنة عامة في الأمة بالتثوير على الحاكم، وضد كل من لا يراعي المآلات في أفعاله
وتصويرهم أن بيان انحراف هذه الجماعات من جهة تحريفهم النصوص الشرعية وفهمهم للدين فهما خاطئا، ومن جهة مآلات تسرعهم وأفعالهم...
هو مخطط استخباراتي ...
وكأن المشايخ لا ينطلقون من النصوص الشرعية ولا ينطلقون من دفع المفسدة العظمى باحتمال الصغرى.. ويغلبون في النظر إلى الواقع فقه الممكن والنظر إلى المآلات
◼️
٩- يدعون أن متابعتهم للواقع هي التي حملتهم على تمييز منكرات الحكام وإدراك خطورتها وإنكارها علنا أولوية في إصلاح الأمة ولو كان طريق ذلك التثوير والتحريض...
والميزة العلمة لمن يحمل هذا القكر أو تأثر به أنهم يحملون النصوص الآمرة بالصبر على جور الحكام المسلمين على حكام السلف وأنها لا تنطبق على حكام زماننا
ولو من جهة درء الفتنة الكبرى وحفظ مصالح الأمة الضرورية
وتراهم يقفون مع الجماعات الجهادية ضد الدول المسلمة..والصالح فيهم ينكر على الجماعات الجهادية استعجال الثمرة واستعمال العنف في غير وقته لا في أصل الفكرة وموضوع الحاكمية...
◼️
١٠- يتهمون العلماء كابن باز والعثيمين أنهم قصروا في باب السياسة وأنهم أضفوا على الحكام الشرعية وخدروا الشعوب وبرروا للحكام وأن عندهم إرجاء
ويتهمونهم بأن رؤيتهم الإصلاحية التي تبدأ من التصفية والتربية والاعتناء بالشعوب قاصرة وطريق طويل محفوف بالمخاطر ...
بينما يعظمون المتشددين والذين عندهم انحراف في مفهوم كلمة التوحيد كسيد قطب...

◼️
فهذه عشرة كاملة

💥تنبيه
أنا أنطلق من لزوم جماعة المسلمين وحاكمهم ؛ طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم
وعند عدم وجودها -وهي موجودة بالنظرة السلفية ولله الحمد_
فنحن مأمورون باعتزال الفرق كلها لا مناصرتها على باطلها وانحرافها؛  كما قال النيي صلى اله عليه وسلم:( اعتزل تلك الفرق كلها)
وليس المقصود التبرير أو مناصرة الحكومات على باطل، وإنما المقصود التزام ما يأمر به الشرع في التعامل مع الحكومات ..
والطاعة عندنا مقيدة لا مطلقة....فموقفنا شرعي ابتداء وانتهاء

💥وقد اغتر بعض الشباب بالفكر الصحوي؛ لأنه لا يتنصل من الدعوة السلفية في كثير من أبواب العقيدة، ويعتني بملفات الإلحاد والعلمانية والتغريب والمرأة...
إلا أن هؤلاء الشباب لم يتنبهوا لموطن الخلل في الجانب العقدي المتعلق بباب السياسة والحاكمية، وقد تم استغلال جراحات الأمة وعاطفية الناس؛ لتثويرهم ...كما قد عزلوهم عن مجتماعهم؛ ليصبحوا لقمة سائغة للدواعش وأضرابهم...

فالحذر الحذر....اللهم قد بلغت...

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار 

الاثنين، 24 فبراير 2025

هل تشريع القوانين كفر بذاته؟

 يسأل بعض الإخوة: هل تقصد أن مجرد التشريع كفرٌ  أكبر من غير قيد أو شرط أو قرينة ؟ 


للإجابة عن هذا السؤال لابد أن ندرك أن هناك مسلكين: مسلك سني ومسلك غير سني

المسلك السنى في هذه المسألة على اتجاهين:

الأول: أن مجرد التشريع الذي لا يصاحبه اغتقاد فاسد أو امتناع ليس كفرا أكبر

وهذا ما ذهب إليه الشيخ الألباني وغيره 

وهو امتداد للإطلاق في قول ابن عباس فيمن لم يحكم بما أنزل الله: إنه كفر دون كفر

فدخلت فيه كل صورة لتحكيم غير الشريعة سواء كانت في أفراد أو في تشريع ما لم يصحبه اعتقاد فاسد، أو امتناع ... 


الثاني: أن التشريع كفر أكبر لكونه قرينة على الاستحلال، ولم يجعلوه من جنس مسألة سب الله كما فعل غيرهم

ففعل التشريع عند بعض أهل السنة كفر باعتبار كونه مظنة للمناط الحقيقي؛ للتلازم بين الظاهر والباطن، فحكموا على الفعل بالكفر الأكبر؛ لكونه يستلزم مناط الاستحلال العقدي أو الامتناع، فأنزلوا المظنة منزلة المئنة.

فهو في الحقيقة استدلال بفساد الظاهر على فساد الباطن، ولم يجعلوا ذات التشريع كفرا أكبر من جنس السب والاستهزاء الذي يدل بالضرورة على كفر الباطن، بحيث يوجد المعنى الكفري في كل صورة من صور السب.

فالتشريع وإن كان مناطا معتبرا في كفر النوع إلا أنه يجب ملاحظة المعنى الذي لأجله كان التشريع كفرا وهو الاستحلال أو الامتناع 


ومادام أن التشريع قرينة اشترط فيه ملاحظة المعنى الذي لأجله كان التشريع كفرا

وكذا اشترطوا في تنزيله على أعيان الحكام إقامة الحجة والتحقق من الشروط والموانع

فالحاكم قد يظنه من باب المصلحة المرسلة أو يوجد من علماء السوء من يسوغ له ذلك

ولهذا قال الشيخ العثيمين كما في الباب المفتوح، سؤال 1222): «فهؤلاء الذين تشيرُ إليهم، من حكامِ العربِ والمسلمينَ، قد يكونونَ معذورينَ لم تتبيّن لهم الحجة، أو بُيّنت لهم وجاءهم مَنْ يُلبّس عليهم ويُشبّه عليهم، فلا بدّ من التأني ».

وقال: «وأمّا إذا كان يشرّع (حكماً عامّاً ) تمشي عليه الأمّةُ يرى أنّ ذلك من المصلحة، وقد لبّس عليه فيه (فلا يكفر) أيضاً...»

فهو مع جعله التشريع كفرا أكبر إلا أنه يلاحظ القرينة ويعتبرها في الحكم على المعين ولذا لم ينزل الحكم على المعين إلا بعد التحقق منها وجودا وعدما...

فليس بمجرد وقوع الحاكم في التشريع يجعله كافرا أو يعتبر أن الأصل فيهم الكفر 


وهذا التقرير من الشيخ العثيمين لم يعجب من يسمون زورا بالسلفية الجهادية ولم يعجب أيضا الفكر الصحوي المسمى بالسروري 

فانتصب أبو بصير الطرسوسي للرد على الشيخ العثيمين 

فجعل مجرد التشريع كفرا أكبر من غير ملاحظة قرينة الاستحلال وهو عندهم من جنس مسألة سب الله والاستهزاء

فالمشرع يكفر مطلقا وهو طاغوت وأنه لا ينبغي للمسلم أن يتردد في تكفيره

ورأى أن اعتبار الشروط والموانع في تكفير المشرع خطأ عظيم؛ لأنها شروط تعحيزية عنده..

وقال منظر ما يسمى زورا بالسلفية الجهادية أبو محمد المقدسي:(وكذا المشرّع مع الله أو المتبع والمبتغي غير الله حكماً ومشرعاً ومعبوداً قد شرح بالكفر صدره بجعل نفسه طاغوتاً معبوداً في ذلك أو باتباعه للطاغوت والتزامه وتحاكمه لشرعه، ولا نقول ننظر أستحل التشريع مع الله واعتقده أم لم يعتقده.. )

وقال المقدسي:(ثم اعلم أن التشريع والاستبدال كفر مجرد لا يقال فيه؛ هل استحل أو اعتقد أو جحد؟) 


ورمى مشايخ أهل السنة الذين نظروا للاستحلال بالإرجاء 


وكذلك الفكر الصحوي يرى أن مجرد التشريع كفر أكبر من غير ملاحظة قرينة الاستحلال؛ لأن التشريع ينافي الانقياد والالتزام بالشريعة ويرتفع به عقد الإسلام

قال سفر الحوالي:(والقصد أن هؤلاء الذين يقيمون هذه الأحكام في بلاد المسلمين ويتبعون هذه الشرائع ويلزمون المسلمين بها، خارجون عن الملة، ومهما انتسبوا إلى الإسلام فلا حقيقة لهذا الانتساب، وهذه الأنظمة غير شرعية إطلاقاً -الشرعية بالمعنى الإسلامي لا الشرعية الدولية والشرعية القانونية- فنحن لا نعترف بشرع غير شرع الله، فإذا قلنا: هذه الشرعية، فمعنى ذلك أن الله تعالى أذن بها وشرعها وأنزلها، أما غير ذلك فغير شرعي، وهذا الذي يجب أن يعتقده كل مسلم) 


ويظهر الفرق بين مذهب من يكفر بالتشريع لكونه يدل على الاستحلال وبين مذهب من يجعل مجرد التشريع كفرا من غير ملاحظة القرينة 

في صورة من استبدل الشريعة وهو يعتقد حرمة فعله ولا يرى منازعة الله في حقه,

فمن كفر بذات التشريع كفره عينا إذا لم يكن مكرها, ومن كفر بالتشريع لكونه يستلزم الاستحلال أو الامتناع لم يكفره عينا. 


كتب

د. أحمد محمد الصادق النجار

السبت، 22 فبراير 2025

إشكالية من قسم #السلفية إلى أقسام:

 


[✍️] ١-عدم ضبطه على من يقع التسمي السلفية (الماصدق) 

بمعنى أنه لما ظهر في الواقع التسمية بالسلفية العلمية والسلفية الجهادية وو 

ظن هؤلاء أن السلفية انقسمت وتوسعت....... من غير التدقيق هل صدق على هذه الطوائف اسم السلفية أو لا؟ 


[ ✍️ ] ٢-الأخطر أن يجعل كل أصل انفردت به طائفة وتميزت عن الطائفة الأخرى التي تنتسب للسلفية هو من قبيل الاختلاف السائغ وتعدد وجهات النظر واختلاف الأولويات... 


رأيتم خطر هذا التقسيم!!! 


[ ✍️ ] لا أتكلم عن السلفية هنا باعتبارها منهجا وأصولا، وإنما أتكلم عن موجبات التسمي بالسلفية

[ ✍️ ] بمعنى هل التسمي بالسلفية موجبها والباعث عليها: اجتهادات أصحابها في تحقيق منهج السلف وأصوله؟

أو أن التسمي بالسلفية موجبه الأخذ بإجماعات السلف وعدم إحداث قول ثالث فيما اختلف فيه السلف؟. 


[✍️] بعبارة أخرى موجب التسمي بالسلفية لا يرجع إلى الاجتهادات في تحقيق مذهب السلف

وإنما يرجع إلى الاقتداء بهم فيما أجمعوا عليه 


[✍️] فحتى نسلم بكون السلفية الحركية يصدق عليها اسم السلفية لابد أن تكون هذه الطائفة لم تخالف في مسألة أجمع السلف عليها

ولو مسألة واحدة، وأتكلم هنا عن فرقة لا عن أفراد معينين ... 


[✍️] ومن هنا نفهم وجه الإشكال عند من زعم أن السلفية باعتبارها طائفة أو جماعة دعوية أو طائفة جهادية .. يجتهدون ويخطئون ويصيبون في إصابة منهج السلف.....

() 


[✍️] فهؤلاء جعلوا موجب التسمي بالسلفية يرجع إلى الاجتهاد في ضبط مذهب السلف

وهذا ضلال بين؛ لأن موجب التسمي بالسلفية يعتمد على النقل والاقتداء لما أجمع عليه السلف ولا يعتمد على الاجتهاد في فهم مذهب السلف؛

وترتب على هذا: توسيع دائرة الاجتهاد في ضبط مذهب السلف وتحقيقه وتطبيقه.. 


[✍️] فتبين لنا أن الاشكال في عدم ضبط موجب التسمي بالسلفية، 

وللأسف.... 


[✍️] ومن الخطأ الواضح البين القول عن السلفية الحركية والسلفية الجهادية وو:(اختلافها وانقسامعا نابع من فهمها وتقسيرها وتطبيقها لمنهج السلف

وأن اختلافها ليس نابعا عن اختلافها حول قضايا العقيدة أو منهج الاستدلال)

فهذا غير فاهم لموجب التسمية من جهة، وغير فاهم لحقيقة انحراف هذه الجماعات من جهة أخرى 


[✍️] فلو أخذنا السلفية الجهادية مثالا 

فقد تميزت السلفية الجهادية عن غيرها بتكفير الحكام ومصادمتهم بالسلاح والتفجير ...

فهل انطلقوا في هذا من أصول سلفية ومنهج استدلالي سلفي أو أنهم خالفوا إجماع السلف في حكم ترك التحكيم وفي التكفير ...؟

فكيف يأتي من يقبل تسميتهم بالسلفية، ويجعل اختلافهم من الخلاف السائغ 


[✍️] فمنهج السلف ليس أن تدعي الرجوع للكتاب والسنة فقط، 

وإنما لابد مع ذلك من ضبط إجماعات السلف التي حكاها الأئمة كأحمد وابن المديني والبخاري وابن بطة والدارني وغيرهم.... 


[✍️] فأنا لا أنكر التقسيم بالنظر إلى دعاوى الواقع، كما لا أنكر تقسيم أهل السنة إلى أشاعرة وماتريدية بحسب دعاوى الواقع

ولا أنكر تقسيم الإسلام إلى رافضية وباطنية بحسب دعاوى الواقع... 


[✍️] وهذا التقسيم الواقعي للسلفية لم يعترف به أئمة زماننا كالألباني وابن باز والعثيمين ...وإنما اعترف به من تلوث فكره بمنهج دخيل أراد أن يلصقه بالسلفية ليسوغ الخلاف فيه أو يمرره... 


[✍️] والغريب

أن هؤلاء المقسمة يجعلون الكلام في السياسة وترك التحكيم والولاء والبراء والجهاد 

وظهور الاتجاهات في هذه الأبواب من الخلاف داخل البيت السلفي !!!!

وهذه والله جناية على مذهب السلف

فليس هناك بيت سلفي اختلف أصحابه في أصوله وتعددت وجهات النظر فيها... وسأوضح ذلك في منشور مستقل... 


تنبيه

حديث" لا تزال طائفة من أمتي على الحق"

الطائفة الحقة لا تقبل الانقسام، ويتمحض الحق فيها، فمن اعتبر السلفية هي الطائفة الحقة -وهو الحق بلاشك-

فليس له أن يقسم الطائفة السلفية، ومن قسمها فهو لم يفهم مورد التقسيم...

✍️

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

الأربعاء، 19 فبراير 2025

حقيقة التفويض عند حاتم العوني في كتابه "الإستواء معلوم" وتلاعبه بهذا المصطلح

 

لما كنت أقرأ كتاب العوني "الاستواء معلوم" كان ذهني منصرفا لمعرفة معنى التفويض الذي بنى عليه كتابه؛ حتى أفهم مراده, وكنت أحسب أنه قد خصص له مبحثا في بيان حقيقته 

غير أني تفاجأت بغموضه وعدم تحريره, واضطرابه في تحديد المقصود من "التفويض في المعنى" الذي بنى عليه كتابه:

1-فمرة يجعل التفويض: عدم التفسير مطلقا, مع إثبات اللفظ المروي كما في حاشية ص 17 ويحكي الإجماع, وزعم أن "الإجراء على الظاهر" المقصود منه: تفويض المعنى بالتسليم للنص دون ادعاء معنى له كما في حاشية ص 32

2-ومرة يجعل التفويض: السكوت عن الكلام مطلقا في باب الأسماء والصفات؛ لأنه لا يمكن أن يكون معنى السكوت هو الكلام عن إثبات المعنى كما في ص 75

3-ومرة يجعل التفويض: عدم تعيين معنى مما يجوز على الله, كما نقله عن ابن العربي المالكي كما في ص 237

ومرة ومرة...

فهل التفويض عنده والذي يثبته مذهبا للسلف هو: إثبات اللفظ صفة مع عدم تفسيره مطلقا؟ أو السكوت مطلقا فلا يثبت اللفظ صفة ولا ينفيه؟ أو إثبات اللفظ وأن له معاني إلا أنه لا يُعَين أحدها؟

وهل هو في كل الصفات الموهمة للتشبيه عنده؟ أو هو في الصفات الخبرية فقط؟


وإذا قرأنا الفصل الذي خصصه في ذكر الأئمة الذين فهموا جواب الإمام مالك عن الاستواء بأنه تفويض المعنى 

نجد أنه تارة يفسر التفويض بالأمر بالاكتفاء في الصفة برواية الحديث كما ورد بلا أي إضافة على لفظ الحديث كما في ص 88, وتارة يفسره بالاكتفاء باللفظ الوارد دون إضافة ما يزعم أنه معنى كما في ص 90, وتارة يجعل التفويض عدم التحديث بأحاديث الصفات؛ لأنها توهم التشبيه, وعدم التحديث بها يوجب عدم إعمال ظاهرها؛ فيكون نفيا لإثبات المعنى كما في تعليقه على كلام الأبهري ص 92, وتارة يجعل تفسير الاستواء بالعلو والفوقية من تفويض المعنى؛ لورود النص بلفظي العلو والفوق, فليس فيهما إثبات "فوق" و"الاستواء" الذي  للمخلوق كما في تعليقه على كلام ابن أبي زيد ص 96, وتارة يحمل التفويض على الحقيقة التي لا تعلم كما في ص 111 , وتارة يجعل نفي التجسيم والمكان والتنقل والتحول وإشغال مكان مع إثبات لفظ الصفة هو تفويض المعنى كما في تعليقه على كلام القاضي عبد الوهاب في ص 144 فيجعل التفويض إثبات اللفظ مع النفي التفصيلي لما توهمه من كون ظاهرها يدل على التشبيه, ولذا وصف قول الداني واستواؤه: علوه بغير كيفية ولا تحديد ولا مجاورة ولا مماسة ) بأنه تفويض كامل كمت في حاشية ص 155


والذي خلصت إليه أن العوني يجعل كل من نفى المعنى المعين الذي يثبته ابن تيمية: مفوضا, ولو انتهى الأمر بهذا النافي إلى رد الأحاديث أو تأويلها, فتعجبت غاية العجب؛ لأنه من المعلوم أن رد الأحاديث أو تأويلها أمران يقابلان التفويض ويضادانه, فالتفويض ليس هو رد الأحاديث لكن لما كان رد الأحاديث يستلزم المعنى الذي يريد أن ينفيه العوني جعله تفويضا من هذه الجهة, وكذلك القول في التأويل, وهذا تلاعب بالمصطلحات لغرض إسقاط الخصم. 

والغريب أنه يطوع كلام الأئمة ليجعله دالا على نفي المعين الذي يريد أن ينفيه وإن كان كلامهم لا يدل عليه...

 ما المعنى الذي ينفيه العوني, وجعل كل من نفاه مفوضا؟

المعنى المنفي عند العوني هو القدر المشترك, فكل من ليس على رأي ابن تيمية في إثبات القدر المشترك جعله مفوضا في المعنى, وهذا المعنى الذي هو القدر المشترك يستلزم الكيفية المنفية عنده كما في ص 38, 

ولذا جعل كل من نفى الظاهر الذي يلزم منه التجسيم على رأي العوني: مفوضا, وإن لم ينص على أنه يثبت اللفظ مجردا وينفي المعنى, قال العوني في ص 281: (وأي إثبات للمعنى يقتصر على ظاهر من اللفظ المشتبه هو عند العلماء تكييف), وقال في تعليقه على كلام البرزلي: ( أنه لا يوجد أحد من هؤلاء فهم كلام الإمام ملك على أنه يقصد إثبات معنى محدد للاستواء, وهو المعنى الذي يثبت قدرا مشتركا بين صفة الاستواء لله والاستواء للمخلوقين على ما يزعمه التيميون)

وهذا الذي جعله يحمل سؤال السائل للإمام مالك بأنه كان يسأل عن المعنى والذي سيكون إثباته إثباتا للكيفية كما في ص 39 

ولما كان همه نفي القدر المشترك حمل كلام القرافي في تأويل الاستواء بالاستيلاء دون الجلوس ونحوه مما لا يكون إلا في الأجسام على أنه تفويض وزيادة, قال العوني: ( لكن يهمنا أن القرافي قد حمل جواب الإمام مالك في الاستواء إلى ما يزيد على تفويض المعنى بعدا عن الفهم التيمي) ص 278, فالتأويل يراه تفويضا وزيادة!!!!

وعندما قرأت كلامه في الملحق المتعلق بالقدر المشترك وجدت أنه يغاير بين صفات المعاني التي يثبتها متأخرو الأشاعرة كالحياة والعلم وبين الصفات الخبرية كالاستواء والوجه واليد, فالأولى يثبت لها قدرا مشتركا وهو المعنى الذهني الكلي الذي يؤخذ من دلالة اللغة المجردة عن معناها في المخلوقات, وأما الصفات الخبرية فيرى أن معناها الكلي لا يمكن أن يجرد عن المخلوقات, فالمعنى الكلي لليد لا يمكن أن يجرد عن كونه عضوا وجزءا هكذا زعم , وجعل نفي هذا المعنى هو التفويض, فإشكاليته في الصفات الخبرية..!!! فالعوني ينطلق من هذا التصور لإثبات التفويض مذهبا للسلف.

ومن المعلوم بضرورة اللغة والشرع والعقل أن الأسماء والصفات لم توضع لما يتميز به المخلوق لا عند الإطلاق ولا عند إضافتها لله , فلم توضع اليد لما هو من خصائص المخلوق.

فالشيئان إذا اشتركا في شيء لزم أن يشتركا في لوازمه من حيث هو، فإن ثبوت الملزوم يقتضي ثبوت اللازم، فأما ما ليس من لوازمه من حيث هو، فلا يجب اشتراكهما فيه, وليس من لوازم المعنى الكلي من حيث هو الإمكان والحدوث والآفات والنقائص، فإن ذلك من لوازم المخلوق المحدث.

فالنقص ليس لازمًا للصفة من جهة معناها العام , فما يتنزه عنه الرب من النقائص ليس من لوازم ما يختص به سبحانه، ولا من لوازم القدر المشترك الكلي المطلق أصلا، بل هو من خصائص المخلوقات الناقصة.

وقد فصلت ذلك في رسالة" نقض الشبهات المثارة حول القدر المشترك "ورابطها: https://t.me/dr_alnjar/3598


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار


الأحد، 16 فبراير 2025

تدليس د. #حاتم_العوني وتحريفه كلام أهل العلم في كتابه #الاستواء_معلوم

تدليس د. #حاتم_العوني وتحريفه كلام أهل العلم في كتابه #الاستواء_معلوم

إن حاتما العوني لم يترك بابا للتدليس والتحريف؛ نصرة لمعتقده #الأشعري إلا وفتحه, ويظن أنه قد جاء بشيء جديد
ووالله إن قراءة كتابه في تفويض المعنى لمضيعة للوقت؛ إذ ليس فيه تحقيق ولا تجرد لطلب الحق فيما أحسب,
فكلما تقرأ منه صفحة توقن أن كتابه بناه على ردة فعل وتكلف وعبث.

والغريب أنه يتكثر بالأسماء التي تنتمي لمدرسة واحدة وهي مدرسة المتكلمين, والتي يكثر فيهم النقل بعضهم عن بعض في اعتماد أصل الشبهة
فبدل أن يلخص ويبتعد عن استعمال مغالطة الكثرة
وينسب المخالفين إلى مدرسة واحدة مع تحرير آرائهم
إذا به يذكر أسماءهم تفصيلا؛ ليوهم القارئ أنهم كثر وأن ابن تيمية شاذ في فهمه

ويشبه هذا من ذكر مسألة فقهية فأراد أن يتكثر بالأشخاص فصار يسمي أفراد العلماء المنتسبين للمالكية فيقول هذا المسألة قال بها ابن القاسم وأشهب وابن رشد وووو!!!!

فالعوني نقل عن مكي بن أبي طالب, وكان متكلما, وقد صرح بأن العلو علو قدرة واقتدار,
وابن رشد الجد وابن عطية وأبي بكر ابن العربي وأبي عبد الله القرطبي وأبي بكر الإشبيلي الخفاف وناصر الدين البجائي والفاكهاني وأبي الحسن اليفرني وابن جزي وأبي الحجاج الفاسي وابن خلدون وأبي الفضل التنوخي وأبي القاسم البرزلي والسنوسي وابن عاشور
وغيرهم وكلهم متكلمون,
ولا عجب أن يحملوا كلام مالك على تفويض المعنى أو ما أشبهه؛ لأن هذا الذي تقتضيه أصولهم
وما عداه عندهم فهو تجسيم وتشبيه.
وهم مختلفون في النتيجة: فمنهم من يفوض ومنهم من يؤول ومنهم من يرد الأحاديث في الصفات... ومنهم من لا يثبت صفة خبرية أصلا ومنهم من يثبتها صفة لفظا فقط

والأئمة الآخرون الذين سلموا من لوثة أهل الكلام -وهم قلة- حاول العوني بتكلف يرده صغار طلبة العلم قبل كباره: أن يحمل كلامهم على تفويض المعنى.
عنزة ولو طارت
ومن الأمثلة على تحريف كلام العلماء وتحميله ما لا يحتمل:

أبو محمد عبد الله بن الحكم تلميذ مالك
نقل عن مالك أنه قال عن حديث النزول: ( ترسل هذه الأحاديث كما جاءت) ثم علق ابن الحكم قائلا: ( وكان مالك يكره الخوض في الكلام والجدال في الدين) المختصر الكبير لابن الحكم
بماذا علق العوني قال: (وهذا جواب صريح في تفويض المعنى؛ لأنه أمر بالاكتفاء في هذه الصفة برواية الحديث كما ورد بلا أي إضافة ..) ص 89
أين الدلالة الصريحة؟
فكون الإمام مالك يكره الخوض في الكلام, فمقصوده بالكلام الذي كان منتشرا في عصره وأراد أن يعالجه, وليس مطلق الكلام في صفات الله, وقد بينت في منشور سابق مقصود الأئمة, وهذا رابطه (http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/02/blog-post.html

فهذا تكلف من العوني وخروج بالكلام عن سياقه الواقعي.

ولما لم يجد بدا من نقل كلام بعض أئمة المالكية الذين عُرفوا بعقيدتهم السلفية السنية كالطلمنكي وابن عبد البر, وكان كلامهم صريحا في إثبات المعنى وعدم التفويض: تكلف بحمل كلامهم على أنهم يفسرون أصل الاستواء في اللغة لا من جهة كون الاستواء صفة
مع أن كلام الأئمة هو إثبات مدلول الصفة ومعناها, لكن للأسف...
قال العوني: ( فإذا ما اختار الطلمنكي رواية الاستواء معقول فهذا يعني: أن الاستواء في اللغة لا حيث كونه صفة لله معقول المعنى, فكل عربي يعرف معنى الاستواء في اللغة, وبهذا يكون الطلمنكي مفوضا للمعنى والكيف)

ثم نقل كلام ابن عبد البر في تفسير صفة الاستواء بالعلو والتمكن, ولما لم يجد طريقا إلى حمل كلامه على تفويض المعنى إلا بنوع تكلف: اتهمه بالاضطراب وأن عبارته غير محكمة, ونقل عن ابن جهبل طعنه في ابن عبد البر
لأن ابن عبد البر يفسر الاستواء بالاستقرار في العلو,  قال في التمهيد: ( والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه)
ورد ابن عبد البر على من فسر الاستواء بالاستيلاء وعلل بأنه غير ظاهر في اللغة؛ مما يعني أنه يثبت معنى للاستواء, وهو نقيض ما يقرره العوني
وقد حمله العوني على أنه يفسر الاستواء لغة لا صفة!!! لماذا؟؛ قال: لأنه يستحيل أن يفسر الصفة بالتمكن والاستقرار!! وابن عبد البر هو الذي رفض كلمة بذاته في النزول!!
هكذا يخمن ويتخرص في حمل كلام الأئمة

ولما جاء لعبارة ابن أبي زيد (وأنه فوق عرشه المجيد بذاته)
حاول جاهدا أن يخرجها عن ظاهرها, وأن يُقَول ابن أبي زيد ما لم يقله ولا يعتقده,
ومن يقرأ ما كتبه حول ابن أبي زيد يقطع بتلاعب العوني وتكلفه

فزعم أنها لا تخرج عن تفويض المعنى؛ لأن لفظ "فوق" ورد به النص الشرعي, وكذلك استوى, فإثبات اللفظين هو مذهب تفويض المعنى, ولا علاقة له بفوق المدرك عندنا ولا باستواء المخلوق,

وهذا تدليس وتمعن في الكذب على الأئمة, فمن أثبت الفوق والاستواء لم يثبته على معنى إحاطة الخلق ولا على كونه مخلوقا

إلا أن الذي أبطل عليه هذا التوجيه قول ابن أبي زيد "بذاته" فهذه اللفظة أبطلت تأصيله
فلم يرد بها النص الشرعي وهي تبطل عليه نسبة ابن ابي زيد للمفوضة,
فماذا فعل العوني؟

حمل كلامه على أنه يريد أن الاستواء ذاتي أزلي!!!,
ولكي يؤكد كلامه نسب إلى ابن أبي زيد أنه يقول صفات الله مما غاب عنا حقيقة تفسيره فهي من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله.!!!

ويكفي عرض كلامه في بيان كذبه وتلبيسه وروغانه.

د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/02/blog-post_16.html


الثلاثاء، 11 فبراير 2025

ما هي أصول الفكر الحركي ؟ والذي يسميه البعض بالفكر السروري

 

ما هي أصول الفكر الحركي ؟

عند الكلام عن هذا الفكر لابد أن يلحظ القارئ أنه فكر تلفيقي, بمعنى أنه أخذ من السلفية شيئا وأخذ من الإخوان شيئا آخر, فليست السلفية فيه متمحضة ولا الإخوانية القطبية فيه متمحضة, وإنما مزج بين ابن تيمية وابن عبد الوهاب وبين سيد قطب.., فأخذوا من هذا جانبا ومن هذا جانبا آخر, وقد وصفهم القرضاوي في كتابه أمتنا بين قرنين ص 74 بقوله: ( ومنهم السلفيون الجدد الذين يسميهم بعض الناس السروريين, وهم الذين اهتموا بالجانب السياسي مع الجانب العقدي ونقد الأوضاع العامة المحلية والدولية... وفيهم علماء ودعاة لهم وزنهم مثل سلمان العودة وسفر الحوالي وعيض القرني)

وقد نشأ في بداياته في السعودية كتنظيم ثم توسع كتيار وكون لنفسه رموزا... وأصبح له انتشار كبير في وقتنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي... وكثير ممن تحسن الظن بهم تجد مبتلين بشيء من هذا الفكر قل أو كثر, لاسيما مع تعقيد أحداث الواقع وهيمنة الغرب...

وتوسع هذا الفكر كتيار يضعف كونه تنظيما, بمعنى أن الرجل يكون على الفكر الصحوي –والذي يسميه البعض أيضا بالتيار السروري- وإن لم ينطوي الرجل تحت تنظيم...حتى أن كثيرا ممن يحملون هذا الفكر لم يشعروا بتميزهم عن غيرهم, ولا ضلوعهم في هذا الفكر, وقد أنشئوا في وقتنا عدة روابط وهيئات تجمعهم ولبعضها مقرات في تركيا...

ويجمعهم في الجملة أمران: موقفهم من الحكام والحاكمية(توحيد التشريع), وموقفهم من الجماعات الإسلامية (توحيد الصف)

ولا يخفى أن هذين البابين يشكل التحقيق فيهما على كثير من طلبة العلم؛ لتشعبهما وتداخل المسائل فيهما, ولوجود مساحة لا إشكال في مشروعيتها, وإنما يقع الخلل في الزيادة أو النقصان لا في الأصل.

وقد صور أصحاب هذا الفكر أن مدرسة ابن باز والألباني والعثيمين مدرسة جامدة في باب السياسة والولاية, وأنها تخضع للسلطة الحاكمة, وليس فيها حركة ولا إعداد للجهاد ولا نقد للسياسة, حتى قال سلمان في الشريط الإسلامي ما له وما عليه: (ما هي قيمة العالم إذا لم يبين للناس قضاياهم السياسية التي هي من اهم القضايا...), واتهموهم بالمداهنة والتلبيس.

وتجد من يحمل هذا الفكر قد يوافقك في أغلب أبواب العقيدة, كما أن الخوارج الأُوَل والمعتزلة الأُوَل يوافقون السلف في أغلب أبواب العقيدة وإنما إشكاليتهم في مسألة أو مسألتين,,,

وهذا تنبيه لبعض الإخوة لما حذرت من المشاركة في البناء المنهجي ظن بعضهم أنه يلزم أن تكون جميع المقررات مخالفة لعقيدة السلف, وهذا ليس بلازم...

 

ما موقفهم من الحكام والحاكمية وما موقفهم من الجماعات؟

تميز الفكر الحركي بهذين الأمرين, ففي باب السياسة والحكم ينطلق هذا الفكر من أن واجب العصر وأولى الأوليات هي مسألة الحكام والحاكمية (توحيد التشريع), فأخذوا من سيد قطب مقولته في الحاكمية وثوريته, ولا يُثبت هذا الفكر لحكام البلدان الإسلامية أي ولاية شرعية ولو في أدنى صورها؛ بحجة استبدال الشريعة وعدم حراستهم لأصول الدين, ولذا تجد من أدبياته: الثورية وتحريض الشعوب على حكامهم, والتصادم مع الحكام والإنكار العلني والتشهير, ويسوغ كثير منهم الخروج إذا وجدت القدرة, ولا يراعون في إصلاحهم عدم المضرة الراجحة, وقد استخدم أصحاب هذا الفكر مصطلحات التكفير والولاء والبراء وإنكار المنكر والجهاد في غير محالها الشرعية, وجرؤا على العلماء واتهموهم بعدم فقه الواقع وعدم الاهتمام بالتحليلات السياسية, وكانت منطلقات هذا الفكر النظر إلى جور الحكام وبعدهم عن الدين وتسليط الضوء على أخطائهم وتحريك عواطف الناس وتهييجهم؛ حتى قال عنهم الألباني لما سئل عن كتاب الإرجاء لسفر الحوالي: ( بدا لي أن أسميهم: خارجية عصرية,,,, وقال: إنهم خوارج إلا من بعض الجوانب)ويعني بذلك موافقتهم لهم في بعض الجوانب.

 

وهنا قد يسأل سائل: لماذا هذه الغلظة -كما يراها البعض- من الشيخ الألباني على أصحاب هذا الفكر؟ لماذا لم يحتمل الخلاف معهم؟

كانت نظرة مشايخ أهل السنة تنطلق من منع الفوضى في بلاد المسلين ودرء الفتنة الكبرى, وتنطلق من تحقيق مقصد الشارع في استقرار الدول المسلمة ولو كان حكامها المسلمون بعيدين عن تطبيق جملة من أحكام الشريعة, مرددين عبارة إمام أهل السنة أحمد بن حنبل لما اجتمع عنده فقهاء بغداد يشتكون إليه فشو الجور وظهور الكفر وفرضه على الناس( ...عليكم بالنكرة بقلوبكم ولا تخلعوا يدا من طاعة ولا تشقوا عصا المسلمين ولا تسفكوا #دماءكم ودماء المسلمين معكم انظروا في عاقبة أمركم واصبروا؛ حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر...)أ.ه, ـ وليس هو مجرد اجتهاد منه بل قال: ( هو خلاف الآثار)

فلم يكونوا يسمحون بالقدر الزائد على المطلوب شرعا من إنكار منكرات الحكام, فكان نظرهم لفقه الواقع بعيني الشرع والقدر*

وقد جمعوا بين إنكار المنكرات من غير تأجيج وتهييج، وبهذا حافظوا على الشريعة ونقائها, وبين الحفاظ على مصالح الأمة ولو في أدنى صورها وبهذا درؤا الفتنة الكبرى عنها, فعدم التحريض يحفظ للأمة ضرورياتها, وهو خير من إدخال الأمة في صراعات تذهب بالأخضر واليابس... قال ابن تيمة في منهاج السنة النبوية (3/ 391): (فإن الحاكم إذا ولاه ذو الشوكة لا يمكن عزله إلا بفتنة، ومتى كان السعي في عزله مفسدة أعظم من مفسدة بقائه، لم يجز الإتيان بأعظم الفسادين لدفع أدناهما، وكذلك الإمام الأعظم).

هكذا كانت نظرة مشايخ أهل السنة ومع ذلك لم يتركوا الحبل على الغارب للحكام, فضيقوا أبوابا أخرى كباب الطاعة فلم يطيعوهم إلا فيما علموا أن الشريعة لا تنهى عنه, ومنعوا من نفاذ تصرفات الحكام إلا إذا كانت مصلحة تصرفاتهم راجحة،

والذي خشي منه مشايخ أهل السنة  انطلاقهم من منطلقات الخوارج؛ إذ كان مما قاله صالِحُ بنُ مُسَرَّحٍ الخارجي مخاطِبًا جماعتَه: (ما أدري ما تنتَظِرون؟! حتَّى متى أنتم مُقيمون؟ هذا الجَورُ قد فشا، وهذا العَدلُ قد عفا، ما تزدادُ هذه الوُلاةُ على النَّاسِ إلَّا غُلُوًّا وعُتُوًّا وتباعُدًا عن الحَقِّ وجُرأةً على الرَّبِّ، فاستَعِدُّوا وابعَثوا إلى إخوانِكم الذين يُريدون من إنكارِ الباطلِ والدُّعاءِ إلى الحَقِّ مِثلَ الذي تُريدون، فيأتوكم فنلتَقيَ وننظُرَ فيما نحن صانِعون، وفي أيِّ وقتٍ إن خرَجْنا نحن خارِجون) [682] ((تاريخ الرسل والملوك)) للطبري (5/ 219)

فهذه المنطلقات هي التي يرددها من دخل عليه الفكر الصحوي, وهذا مما حذر منه مشايخ اهل السنة, وكانوا يخشون أن يترتب عليه: تعطيل معايش الناس ومصالحهم، وأن تثور ثائرة الفتن الثائرة، وتتفرق الآراء المتنافرة، ويفتح الباب للمتربصين بإلغاء الاتفاقيات والعهود التي تلجأ إليها الدولة؛ لضعفها؛ فيلحق بالمسلمين من المفاسد ما يفوق المصالح المرجوة ، فتنتفي عنهم أصل المصلحة وتضييع الضرورات، ويكثر الهرج وتعم الفوضى، فلا يتمكن المسلم من إقامة دينه، ولا يأمن على نفسه وعرضه وماله، والشريعة وُضعت لمصالح العباد بحسب مقتضى خطاب الشرع.

وقد شاهدنا البلدان التي لا يكون فيها حاكم يطاع فإنه لا يقام فيها حق، ولا يأمن الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، ويتسلط عليها الكفار، وتتدخل الدول الكافرة في شؤونها وتحقق مخططاتها وتسيطر على ثرواتها، وتذكي بينهم أسباب الفتن والقتل،

هكذا بنى مشايخ أهل السنة نظرتهم ومحاربتهم للفكر الصحوي, ولم يستهدفوا دعاة الصحوة ورموزها ويضللوهم لأجل مصلحة الحكام ودعمهم لذواتهم, وإنما ضللوهم لحفظ الأمة ورأس مالها وبقائها, ولم ينطلقوا من الولاء المطلق للحكام و لا من طاعتهم طاعة مطلقة ولا من الدفاع عن مواقف الحكام وسياستهم, كما يصوره خصومهم, فالهجوم على المخالفين منطلقه شرعي ديني, كما أمر الله سبحانه.

 

ومن مواطن الخلل في #الفكر_الحركي الصحوي والمسمى ب #السروري 


وصف الشيخ #الألباني أصحاب الفكر الصحوي بأن مناهجهم مخالفة لما كان عليه السلف الصالح 


ووصفهم الشيخ عبد المحسن العباد بأصحاب الفقه الجديد: فقه الانهماك في السياسة والأحداث السياسية، فقه واقع القصاصات من الصحف والمجلات وتبع الإذاعات الكافرة 


لماذا؟ 


أولا هذا الفكر يدمج العقيدة بالسياسة، فلا تكتمل العقيدة إلا بإدخالها في الحياة في صورة الإلمام بالواقع السياسي المعاصر والاهتمام بقضايا الأمة 

فلا تكتمل العقيدة إلا بالانطلاق من تحليل الواقع السياسي وواقع الحكام، وتسليط الضوء على مخالفاتهم الشرعية، والحاكمية

والاعتماد على ما ينشر عن طريق وكالات الأنباء العالمية، وتتبع المواقع

ولما سئل الشيخ الألباني عن هذه المصادر قال:( مزالق كلنا يعلم أنهم لا ينشرون على العالم الإسلامي إلا ما يكيدون به لهم، فكيف يكون هذا سببا لمعرفة الواقع؟!!) 


ونتج عن هذا التحليل: مصادمتهم للحكام ونفي الولاية عنهم وتهييج الشعوب عليهم وتربية الشباب على الثورية 

معرضين عن قاعدة الشريعة في الاعتناء بدرء المفاسد الكبرى 

وعن فقه السلف في منع الفتنة العظمى

فقدم أصحاب هذا النظر: النظر للواقع السياسي وتحليله على ما يعلمون من طريق السلف ومنهجهم؛ بحجج واهية وإثبات فروق غير مؤثرة

وصدق فيهم قول حذيفة رضي الله عنه:( إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة أن يؤثروا ما يرون على ما يعلمون وأن يضلوا وهم لا يشعرون)

ولهذا قال مشايخ أهل السنة خالفوا ما عليه السلف وانهمكوا في السياسة... 


ثانيا: جعلوا معرفة الواقع وتحليله هو المقيد لدلالة النص الشرعي وإطلاقه، 

فجاؤوا إلى النصوص الشرعية المتواترة الآمرة بالصبر على جور الحاكم المسلم وأخرجوها عن دلالتها بحجة أنها نزلت في حكام السلف ولا تتناسب مع حكام عصرنا المسلمين الذي نصبهم الغرب الكافر، فقيدوا إطلاق النص الشرعي بواقع حكام السلف

وهذا مسلك بدعي، وتكلُّمٌ في النص الشرعي بغير الاجتهاد المسوغ له الكلام، وإهمال للنظر المقاصدي... 


وأما في باب التعامل مع الجماعات فتجد أنهم فتحوا باب الإعذار والتعاون على مصراعيه وهونوا من الخلافات وبحثوا في القواسم المشتركة؛ بحجة أن المرحلة تقتضي توحيد الصف ونبذ الفرقة وإن لم تتوحد الكلمة, تحت شعار مجاهدة الكفار والوقوف ضد غزوهم...

والإشكال أن أحمد السيد وغيره, يعدون أنفسهم حسنة من حسنات رموز هذا الفكر, فأصبح هو وأمثاله يربي الشباب على هذين الأصلين بطرق متنوعة وبعضها خفي, ولا يراعوا في إصلاح الأمة عدم المضرة الراجحة؛ فخرج من تحت يديه من يحرض ويثور, ولا يراعي فتنة عامة ولا مفسدة عظمى, فلم يراعوا في الإصلاح عدم المضرة الراجحة.

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

 

الاثنين، 10 فبراير 2025

#القياس_المنطقي

موضوع #القياس_المنطقي موضوع دقيق, لا يحسن أن يتكلم فيه من لا يحسن فهم كلام العلماء في سياقه, ويجهل محور الكلام مع المناطقة, ويظن أن من استعمل صورة القياس المنطقي في مادة متلقاة من الرسل قد أخذ بمصدر غير مصدر الرسل والآثار, وهذا من غريب ما يذكر, لكن ماذا نفعل بالجهل؟!

فابن تيمية لما ذكر أن القياس المنطقي لا يفيد علما ولا تحقيقا
لم يرد ما كانت مادته صحيحة معتمدة على الوحي، وهذا النوع من القياس يدخل في قوله تعالى:[الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان]

فالقياس المنطقي الذي هو قياس الشمول ينتقد من جهة نظر المناطقة له, فإذا جرد عن نظر المناطقة زال عنه الإشكال وصار مفيدا وصح استعماله في العلوم الشرعية..

فالمناطقة نظروا لقياس الشمول على أنه يفيد اليقين دون قياس التمثيل, واعتبروا في اليقين بصورة القياس لا بمادته, وهذا محل إشكال
وأما النظرة الصحيحة للقياس فهي أن العبرة بمادة القياس لا بصورته، فالقياس صحيح إذا تضمن التسوية بين المتماثلين والفرق بين المختلفين, ولا ينظر بعد ذلك للصيغة
فسواء صيغ ذلك بصيغة قياس الشمول أو بصيغة قياس التمثيل وإن التمثيل هو الأصل وأكمل
فليس الإشكال في القياس من جهة الصورة التي يتركب منها وإنما من جهة المادة التي يتكون منها وتحقق التلازم, فإذا كانت المادة يقينية متلقاة من الرسل
فلك أن تعبر عنها بصورة قياس التمثيل أو تعبر عنها بصورة قياس الشمول, ويكون استعمالك صحيحا نافعا, قال ابن تيمية: (وقياس الشمول وقياس التمثيل متلازمان فكل ما ذكر بهذا القياس يمكن ذكره بهذا القياس) الرد على المنطقيين (ص: 353)
وقال: (فيقال تفريقهم بين قياس المشمول وقياس التمثيل بأن الأول قد يفيد اليقين والثاني لا يفيد إلا الظن فرق باطل بل حيث أفاد أحدهما اليقين أفاد الآخر اليقين وحيث لا يفيد أحدهما إلا الظن لا يفيد الآخر إلا الظن فان إفادة الدليل لليقين أو الظن ليس لكونه عل صورة أحدهما دون الآخر بل باعتبار تضمن أحدهما لما يفيد اليقين فان كان أحدهما اشتمل على أمر مستلزم للحكم يقينا حصل به اليقين وان لم يشتمل إلا على ما يفيد الحكم ظنا لم يفد إلا الظن). الرد على المنطقيين (ص: 211)

فمثلا كون هذا الإنسان مخلوقا, هذه مادة صحيحة
فسواء قلت في التعبير عنها: هذا إنسان وكل إنسان مخلوق, وإن شئت قلت هو إنسان فهو مخلوق كغيره من الناس لاشتراكهما في الإنسانية.
وسواء قلت النبيذ مسكر وكل مسكر حرام, وإن شئت قلت: النبيذ خمر لاشتراكهما في علة الإسكار..
وإن كان استعمال قياس التمثيل أسهل وأوضح.
فالعبرة بصحة المادة, قال ابن تيمية: (فالقضايا الكلية المتلقاة عن الرسل تفيد العلم في المطالب الإلهية.
وأما ما يستفاد من علومهم فالقضايا الكلية فيه أما منتقضة وأما أنها بمنزلة قياس التمثيل وأما أنها لا تفيد العلم بالموجودات المعينة) الرد على المنطقيين (ص: 355)

فتلخص لنا أن الذي يمكن الاستغناء عنه هو القياس المنطقي بالنظرة المنطقية, فما يمكن علمه بالقياس المنطقي يمكن علمه بغير القياس المنطقي, وإدخاله في العلوم الشرعية بالنظرة المنطقية كان سببا لتعقيدها وتطويل الكلام فيها, كما أنه لا يفيد العلم بالجزئيات ولا يعينها, وعناية المناطقة فيه بالشكل والصورة أكثر من عنايتهم بالمادة والتلازم.
ولا يعني ذلك أن قياس الشمول إذا جرد عن النظرة المنطقية المنتقدة أنه لا ينفع ولا يفيد علما, بل إنه ينفع وقد استعمله شيخ الإسلام في باب الإلهيات, فقياس الأولى قد يجعل نوعا من أنواع قياس الشمول, وإن كان إثبات الصانع والعلم به لا يتوقف على شيء من الأقيسة.

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/02/blog-post_10.html


السبت، 8 فبراير 2025

يزعم حاتم العوني في كتابه الاستواء.. أن عبارات السلف بلا معنى وبلا تفسير

 

💠 ⚫️ يزعم حاتم العوني في كتابه الاستواء..
أن عبارات السلف بلا معنى وبلا تفسير: ظاهرة بنفي كل معنى وبرفض كل تفسير بلا قيد للمعنى المنفي كما في ص 24
وأن السلف يكتفون في آيات الصفات المشتبهة بقراءتها بلا زيادة عليها ولا نقص منها كما في ص 25

والرد عليه:
💠 ⚫️ لازم كلامه أن السلف لا يأخذون من آيات وأحاديث الصفات: صفات لله سبحانه, فلا يقولون: الوجه صفة والرحمة صفة, لأن إثبات كونها صفات قدر زائد على إمرارها كما جاءت حسب تصوره, فالسلف على هذا الزعم يقرؤون قوله تعالى [ ويبقى وجه ربك] ويكتفون بمجرد القراءة ولا يزيدون عليها تفسيرا ولا إثبات كونها صفات... ولا يقولون: الله فوق؛ لأن الآية جاءت بقوله [وهو القاهر فوق عباده], ولم تأت بإثبات الفوقية...
💠 ⚫️ وهذا بعيد عن هدي السلف, وهو مردود قطعا... فإذا أراد العوني أن يحمل كلام السلف في قوله أمروها كما جاءت على تفويض المعنى فيلزمه أن يحمله أيضا على تفويض كونها صفات لله سبحانه...
💠 ⚫️ ثم لو لم يثبت الصحابة لنصوص الصفات معنى ما أضافوا إلى الصفة أحكاما اختصت بها؛ فعن عبد الله بن عمر قال: (خلق الله أربعة أشياء بيده: العرش والقلم وعدن وآدم, ثم قال لسائر الخلق كن فكان) فأثبت حكما مختصا باليد, < وعن ابن عباس قال: (إن الله لم يمس بيده شيئا إلا ثلاثا: خلق آدم بيده,  وغرس الجنة بيده,  وكتب التوراه بيده) [

💠 ⚫️ وهنا أنبه إلى منشأ الغلط: عندما يريد أحد أن يستدل بالعبارات التي جاءت عن السلف فيجب عليه أن يدرك أن كلام السلف لم يأت مرسلا عن الواقع الذي كانوا يعيشونه, والإشكالية التي أرادوا معالجتها, فمن حاول أن يفهم كلامهم بعيدا عن واقع كلامهم والإشكالية التي كانوا يعالجونها في وقتهم: فقد ضل ولم يصب مرادهم, وهذا ما وقع فيه العوني ومن تأثر به, فحاولوا أن يخرجوا كلامهم عن سياق واقعهم.

💠 ⚫️ ما الواقع الذي كان يعالجه السلف؟

⚫️ كان السلف يعالجون إشكالية انتشار علم الكلام وظهور الفرق الكلامية, ولما كان أهل الكلام قد تأولوا النصوص على غير مرادها وفسروا الألفاظ على غير ما تعرفه العرب من لغتها جاء كلام السلف ببيان أن قراءتها تفسيرها, وأمروها كما جاءت بلا كيف...
💠 فلم يكن كلامهم خرج لتقرير تفويض المعنى ولا عدم إثبات كونها صفات لله سبحانه, وإنما كان كلامهم ردا على من خرج بالنص عن ظاهره فأحدث له معنى جديدا وتفسيرا محدثا
💠 ⚫️
وتأكيدا لهذا المعنى: انظروا إلى قول الإمام مالك: فعن عبد الرحمن بن مهدي يقول: دخلت على مالك وعنده رجل يسأله عن القرآن, فقال: (لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد, لعن الله عمرا؛ فإنه ابتدع هذه البدع من الكلام, ولوكان الكلام علما لتكلم فيه الصحابة والتابعون كما تكلموا في الأحكام والشرائع ولكنه باطل يدل على باطل))( )
وقوله (إياكم والبدع قيل يا أبا عبد الله وما البدع قال أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان), فهو في سياق ردهم على أهل الكلام وما أحدثوه,
وكذلك قول الدارمي في معرض رده على ابن الثلجي المتكلم: (لا يحكم للأغرب من كلام العرب على الأغلب، ولكن نصرف معانيها إلى الأغلب حتى تأتوا ببرهان أنه عنى بها الأغرب، وهذا هو المذهب الذي إلى العدل والإنصاف أقرب) ( )

⚫️ فالسلف لم يردوا كونها صفات وأن لها معنى معلوم في لغة العرب, وإنما ردوا تفسيرات الجهمية ونحوهم...

💠 والغريب أن يستمسك العوني بعبارات: كمثل: أمروها كما جاءت وبلا معنى ولا تفسر وقراءتها تفسيرها,...ويجعلها عمدته في نسبة تفويض المعنى إلى السلف, من غير أن يراعي السياق والواقع الذي لأجله تكلم بها السلف, ولا وضح لنا مقصوده بالتفويض وهل بدخل فيه التفسير بالمعنى اللازم والرسم الذي يقر به الأشاعرة في الصفات العقلية؟, وهذا من تلبيسه ومراوغته هداه الله

⚫️ وهنا أقول: لو كان السلف لا يثبتون للصفات معني لما فسروها, وعللوا الأحكام بها, ولما زادوا ألفاظا تدل على أصل المعنى المراد
فالإمام مالك لما أثبت رؤية الله في الآخرة زاد لفظا أكد به أصل المعنى المراد, فقال: (...الناس ينظرون إلى الله يوم القيامة بأعينهم) ( ).
فقوله "بأعينهم" تأكيدا للمعنى الظاهر, فهي رؤية حقيقية بالأعين, ولم يقل: الله أعلم بالمعنى المقصود من الرؤية المتعلق بذات الله سبحانه,
ولما سئل عن معنى النظر في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}. ينظرون إلى الله؟.قال: نعم, بأعينهم هاتين. ( )
و أخرج البيهقي عن ابن عباس أنه فسر استوى بـ صعد. ( ), وفي صحيح البخاري قال أبو الغالية استوى: ارتفع, وقال مجاهد: استوى: علا على العرش.( )

💠 فلو كان السلف يريدون بقولهم: بلا معنى وبلا تفسير: نفي كل معنى وكل تفسير كما زعم العوني: لما فسروا الاستواء بالارتفاع والصعود والعلو, سواء قلت إنه تفسير بمعناه الظاهر كما هو قول السلف أو قلت هو تفسير بلازم معناه الظاهر كما عليه جماعة من الأشاعرة.
بل لما سئل الإمام أحمد بن حنبل عن قوم يقولون: لما كلم موسى لم يتكلم بصوت؟ قال: بلى تكلم بصوت، وهذه الأحاديث نرويها كما جاءت.
فقوله: "بصوت" أمر زائد على حروف قوله تعالى: [وكلم الله موسى تكليما], وقوله[وناديناه] فذكره للصوت دليل على إثبات الكلام والنداء على ظاهره الذي يقتضيه اللسان العربي, ولم يفوض معناه.

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

الأربعاء، 29 يناير 2025

[إسلامي أو علماني مغالطة ثنائية يفرضها البعض ...]


النموذج الذي صُدر للعالم على أنه في مقابل العلمانية والمحافظ على ثوابت الإسلام وهو ما يعرف بالإسلام السياسي وهي تسمية ظالمة 

كان ضرره على الأمة الإسلامية عظيما من جهتين:

الأولى: جعله الناطق الرسمي أمام الغرب والممثل للنظرة الشرعية الإسلامية، وهو ليس كذلك

الثانية: تصوير أن من يحاربه ويرد عليه؛ لكونه لا يمثل الإسلام الصحيح 

أنه يريد العلمانية ويسعى لتوطيدها وتمكنيها...

بناء على المغالطة الثنائية التي ينادي بها أصحاب هذا التوجه وهي إما الإسلام السياسي الذي يمثله من يتبنى أفكار الإخوان 

وإما العلمانية أو الدكتاتورية... 


فأفضى هؤلاء على التجربة الإخوانية أو القطبية القداسة الدينية وجعلوها هي الناطقة باسم الإسلام ولذا شيطنوا كل من ينتقد كونها تمثل الإسلام الصحيح...

ولما بنيت هذه التجربة على شعار أن الحاكمية لله وحده، جعل غلاتهم أن معارضة ما بعرف بالإسلام السياسي كفر أكبر؛ لأنها معارضة للحاكمية، ومعارضة الحاكمية كفر..

لماذا أقول شعارا؟

لأنهم لما وصلوا للحكم لم يطبقوا ما كانوا يدعون إليه، واضطرهم وجودهم في المنصب تحكيم قوانين وضعية ودخلوا في تحالفات مع الكفار باسم السياسة الشرعية وفقه التدرج  زعموا

فسقط الشعار عند وصولهم للحكم... 


الخلاصة 

ليست فكرة المنشور في نقد وجوده بإطلاق في المعترك السياسي أمام العلماني

وإنما في اختزال الإسلام فيه وتصوير أنه هو الإسلام الصحيح أو أن من ينتقده يشكك في إسلامه

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

الاثنين، 20 يناير 2025

#نصر_أم_هزيمة ؟ #غزة

    


يقول البعض: (انتصرت حما س لكون اليهو د لم يحققوا الهدف الرئيسي وهو تدمير حما س , انتصرت حما س لأنهم فرضوا إرادتهم السياسية!!!!)


هذه هي معاييرهم، وهذا يعني كون حماس لم تدمر  يعد نصراً، حتى لو دُمرت غزة بأكملها وقُتل عشرات الآلاف من المدنيين. 


وهنا سؤال هل النصر في الإسلام يُقاس ببقاء طرف على حساب الآخر من غير اعتبار لكليات شرعية ونصوص جزئية؟


1- نعم, انتصرت لو حُصر القتال في المعركة بين المقاتلين من حما س واليهو د, فكان جيش مقابل جيش,  كما كانت معارك النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين الكفا ر....

(انتبهت للفرق المؤثر)

لو اقتصرت المعركة على قتال مباشر بين المقاتلين من الطرفين دون استهداف النساء والأطفال والمدنيين، لكان هناك مجال لتشبيهها بمعارك النبي ﷺ.


ولصح لنا أن نستشهد بمعركة بدر وحنين, وأن نستشهد بتوك .. 

فمعارك النبي ﷺ لم يكن الهدف تدمير المدنيين أو البنية التحتية.


ولصح لنا أن نستشهد بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في أنه ليس في قتل الشهداء مصيبة, ويعني بالشهداء: من يعتادون القتال لا المدنيين....


مع أن الفقهاء نصوا أنه في حال الغزو لا يغزى مع من يضيع المسلمين, أو يقودهم إلى التهلكة, فالواجب على القائد عدم تضحيته بالمسلمين وعدم الاستخفاف بدمائهم, ففي المغني لابن قدامة (620) (13/ 14) قال أحمد : لا يعجبني أن يخرج مع الإمام أو القائد إذا عرف بالهزيمة وتضييع المسلمين ، وإنما يغزو مع من له شفقة وحيطة على المسلمين .

وكان البراء يُلقّب بـ " الْمَهلَكة " , وقد ذَكَر ابن عبد البر في الاستيعاب عن ابن سيرين أنه قال : كَتَبَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ألا تستعملوا البراء بن مالك على جيش من جيوش المسلمين فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم .

وهذا يدخل فيه جهاد الدفع من وجه؛ لأن جهاد الدفع  لم يشرع لذاته ولا لتضييع المسلمين وإنما شرع لما فيه من دفع المفاسد, وهو قربة من هذه الجهة, فإزهاق النفس شُرع لدرأ مفسدة استيلاء الكفار وقتل المسلمين وأخذ أموالهم وانتهاك حرمة الدين.


2-الحفاظ على دماء المسلمين مقصود للشارع في جها د الدفع, كما قال تعالى:[وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا]

 لا سيما إذا كان للمسلمين فسحة في اختيار موعد مقاومة المحتل, وهو من هذه الجهة من جها د الطلب, ولا يتمحض فيه, كما بينته في رسالة "نازلة غ زة", وعليه فاشتراط القدرة الشرعية متوجه, بل واجب.


3-ما حصل لليهو د من عدم تحقيق أهدافهم كاملة وانهيار اقتصادهم وو... هزيمة بالنظر إلى معاييرهم 

لكن لا يلزم من ذلك انتصار حما س الانتصار بمعناه الشرعي العام, فالدمار الشامل والأنفس التي أزهقت بالآلاف في المعيار الشرعي يمنع من تقييم المعركة بأنهم خرجوا منتصرين بالهدنة وإيقاف نزيف الدماء إلا على معنى رفع الضرر والأذى...


4-لومنا حما س هو في باب الشروع وعدم تقدير المفسدة التي تلحق من هم فوق الأرض من المدنيين, وكما نلوم حما س نلوم القادرين من الأمة حكاما وشعوبا في عدم دفع الضرر عن المسلمين بعد الوقوع, كما نلوم أيضا كل من أعان اليهو د على إخوانهم المسلمين....


5-ليس المقصود من هذا الكلام التنغيص على أهل غ ز ة والمسلمين فرحتهم بوقف هذا الدمار الشامل, فنحن نفرح بفرحهم ونحزن لحزنهم, ونصرهم برفع الضرر عنهم ونسأل الله حسن العاقبة لهم

 وإنما المقصود الرد على من يستهين بدمائهم فيعتبر الهدنة نصرا بالمعنى الشرعي العام, كما أن المقصود أيضا عدم استنساخ هذه التجربة إذا غلب على الظن أنها تنتج النتيجة نفسها, فضلا عن تكرارها بنفس المعطيات.... ولا يعني ذلك الخنوع للعدو وعدم إعداد العدة لقتا له لكن بما لا تكون مضرته راجحة.


هذا موقفي وأحسب أنه موقف كل مسلم يدرك الحقائق الشرعية ويعتبر بالمآلات, ولا ينزل النصوص الشرعية في غير مواردها.


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 3 يناير 2025

تحرير وجه دخول الابتداع في الذكر الجماعي بصوت واحد

 #الذكر_الجماعي بصوت واحد اشتمل على أمرين:

الأول: الذكر

الثاني: هيئة مخصوصة وهي الاجتماع مع اتحاد الصوت والجهر به 

فما الذي دلت عليه النصوص التي ندبت على الذكر؟

 

الآيات التي تحض على الذكر كقوله تعالى:[ الذين يذكرون الله قياما وقعودا]

دلت على مشروعة أصل الذكر، وأطلقت الهيئات، 

فشرع الذكر بالإطلاق لا بالتقييد...


وأما الهيئة المخصوصة فهي أمر زائد على الإطلاق في النص، 

والذين يذكرون الله بصوت واحد مجتمعين يجعلون هذه الهيئة قد دل عليها النص المطلق، وأنها مقصودة لله

بمعنى أنهم قيدوا ما أطلقه الله، فدخلت عليهم شائبة البدعة من هذا الوجه؛ فهم نقلوا النص من الإطلاق إلى التقييد..

سؤال ما ابذي دل عليه النص الشرعي؟

الجواب: دل على الذكر من حيث هو ذكر وبأي هيئة كانت 

هذا الذي دل عليه النص المطلق، فمن عمل بهيئة ما؛ لأن النص المطلق يحتملها من غير تعظيم لها أو اعتقاد فضلها واستحبابها ومن غير قصد تخصيص النص بها؛ فهنا يكون قد عمل بالمطلق على إطلاقه

وأما إذا قصد تخصيص الذكر بهيئة معينة، أو اعتقد فضل هذه الهيئة بخصوصها فيكون قد خرج من إطلاق النص إلى تقييده، 

قد يسأل يائل: من أين جاءه الابتداع؟

وجوابه: جاءه الابتداع من جهة قصد التخصيص أو اعتقاد الفضل والاستحباب للهيئة المخصوصة.. 


وهذا التقرير كله إذا لم يأت عن الصحابة إخراج هيئة مخصوصة من أن تكون مرادة للشارع وحكموا بكونها بدعة 

كما صح عن ابن مسعود لما أنكر اجتماع الناس على التسبيح حلقا حلقا بصوت واحد

فهذه الهيئة بخصوصها منهي عنها ولا يصح ذكر الله بها مطلقا... 

أو أنهم تركوا العمل بهيئة معينة مع أن النص يتناولها 

فعدم العمل بها دليل على عدم مشروعيتها.


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

الخميس، 2 يناير 2025

حكم الخروج عن المذاهب الأربعة

 حكم الخروج عن المذاهب الأربعة 


يحتج بعضهم على منع المسح على الجورب الرقيق بأنه خلاف المذاهب الأربعة

وبعضهم يضيف مصطلح الإجماع فيقول مخالف لإجماع المذاهب الأربعة

موهما أن إجماع المذاهب الأربعة في قوة إجماع الأمة في عصر ما

بحيث إنه لا تجوز مخالفته؛ لكونه حجة!!!

ومن المعلوم عند الأصوليين أن إجماع المذاهب الأربعة لا يعد إجماعا؛ لأنهم بعض الأمة وليسوا جميع الأمة...

ونعني بالأمة هنا مجتهديها..

ولا يكون أيضا حجة...

قال ابن تيمية: «قد اتفق العلماء على أنه ليس إجماع الفقهاء الأربعة أو الخمسة أو الستة أو السبعة أو الثمانية أو التسعة أو العشرة -كمالك والثوري وأبي حنيفة وابن أبي ليلى والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وداود بن علي ومحمد بن جرير- هو الإجماع المعصوم الذي يجب على جميع المسلمين اتباعه» 


تبقى مسألة هل يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة في حكم مسألة؟ 


ليس من محل البحث: الخروج عن المذاهب الأربعة إلى قول شاذ..

ولا الخروج عنها في عامة مسائل الشريعة؛ فالخروج عنها في عامة مسائل الشريعة لا يجوز؛ لأنه يمتنع عادة أن تخطئ المذاهب الأربعة بمجموعها الحق في عامة الشريعة مع كثرة من انتسب إليها من العلماء المحققين والأئمة المجتهدين ....

‏ولا يجوز الخروج عن المنهجية الاستدلالية التي سلكها الفقهاء في تأسيس مذاهبهم الأربعة واستقرارها

ولا الزيادة عليها

فإحداث منهجية استدلالية في الفقه لم يكن عليها الأوائل مردود على محدثها كائنا من كان؛ لإجماع الأمة عليها... 


وإنما محل البحث هو الخروج عن المذاهب الأربعة في بعض مسائل الشريعة

فمن العلماء من منع الخروج؛ سدا لذريعة الوقوع في قول شاذ أو لانضباط المذاهب وحفظ الله الفقه بالمذاهب كما حفظ الله القرآن بالقراءات، أو تعصبا... 


ومن المانعين من غلا حتى ضلل المخالف؛ بناء على أصل فاسد في التعامل مع ظواهر النصوص، قال الصاوي المالكي في حاشيته على تفسير الجلالين: «ولا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة، ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح والآية، فالخارج عن المذاهب الأربعة ضال مضل، وربما أداه ذلك للكفر، لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر»

وقد أحسن الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في الرد عليه بقوله: «أما قوله بأنه لا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة، ولو كانت أقوالهم مخالفة للكتاب والسنة وأقوال الصحابة، فهو قول باطل بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم وإجماع الأئمة الأربعة أنفسهم، فالذي ينصره هو الضال المضل» 


ومنهم من جوز الخروج عن المذاهب الأربعة في حكم مسألة... 


والأقرب هو جواز الخروج عن المذاهب الأربعة لأمور:

الأول: أن الله لم يربط الحق والصواب بقول الكثير من أهل العلم ولا بقول الأكثرية، وإنما ربطه بقيام الدليل الراجح عليه

ولما ربط الله الصواب بقيام الدليل عليه لم يلزم المجتهد بإصابة الحق الذي يريده سبحانه، وإنما كلفه بالاجتهاد فإن أصاب الحق فله أجران وإن لم يصبه فله أجر الاجتهاد...

الثاني: أن أقوال الصحابة والتابعين والأئمة لا تموت بموت قائليها، وعدم أخذ المذاهب بها لا يسقط احتمالية أن تكون هي الحق الذي يريده الله سبحانه، فالحق واحد ، والأدلة تحتمل أوجها...

الثالث: أن الله أمر عند التنازع الرجوع إلى الكتاب والسنة ولم يأمرهم بالرجوع إلى المذاهب الأربعة ولا نهى عن الخروج عنها،  قال ابن تيمية: «إذا قال من ليس من أتباع الأئمة كسفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد ومَن قبلهم ومَن بعدهم من المجتهدين قَولًا يُخالِف قول الأئمة الأربعة، رُدَّ ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكان القولُ الراجحُ هو القول الذي قام عليه الدليل»

الرابع: أن مجتهدي الأمة ليسوا منحصرين في أصحاب المذاهب الأربعة ولا في المنتسبين للمذاهب، كما أن أصل الاجتهاد لا ينقطع إلى قيام الساعة... 


فإن قيل: قد ادعى بعض العلماء أن الامة اتفقت في العصور المتأخرة على أن الحق لا يخرج عن المذاهب الأربعة كما ذكر ذلك الزركشي في البحر المحيط والجويني، وقال صاحب المراقي: والمُجْمَعُ اليومَ عليهِ الأَرْبَعَة ** وقَفْوُ غَيْرها الْجَمِيع مَنَعَهُ

وقال ابن حجر الهيتمي - رحمه الله تعالى في الفتاوي: " تقليد غير الأئمة الأربعة رضي الله عنهم لا يجوز في الإفتاء ولا في القضاء. وأما في عمل الإنسان لنفسه فيجوز تقليده لغير الأربعة " 


قيل: هذا فرع مسألة خلافية وهي أن الإجماع بعد خلاف يرفع الخلاف

والصواب فيها أن الأقوال لا تموت بموت قائليها وإنما يبقى القول تحتمله الأدلة ويمكن أن يكون هو الحق...

ثم إن الإجماع منعقد على أن المجتهد على اتباع ما أداه إليه ، وأن من قلده فقد سلم... 


وقد اتكأ ابن رجب في منع الخروج عن المذاهب الأربعة على أنَّ مذاهب غير الأئمة الاربعة لم تشتهر ولم تنضبط، فربما نُسب إليهم ما لم يقولوه، أو فُهم عنهم ما لم يريدوه، وليس لمذاهبهم من يذبّ عنها، ويُنبّهُ عَلَى ما يقع من الخلل فيها.

إلا أن هذا الاتكاء منقوض بإمكانية تحقيق القول وضبطه لا سيما وأن كتب الآثار والخلاف العالي وغيرها اعتنت بذكر أقول الصحابة والتابعين  بالأسانيد مما يسهل ضبطها وتحقيق نسبتها إلى القائل بها، كما أن الأدلة تحتمل هذا القول، قال ابن تيمية: «قد دُوِّنَتْ -ولله الحمد- ألفاظُ مذاهب السلف بأعيانها في غير مصنف كما دونت ألفاظ الأئمة، وَمَنْ نُقِلَ لَفْظُهُ على وجهه كان أبلغ من أن ينقل قوله بالتصرف الذي يقع فيه خطأ كثير، كما نقل الخراسانيون مذهب الشافعي بتصرفهم، فيخطئون كثيرًا فيما ينقلونه، بخلاف مَنْ يَنقل ألفاظه كالعراقيين، فنقل مذاهب السلف المنقولة ألفاظها على وجهها أَصَحُّ مِنْ نقل طائفة من مذاهب الأئمة المشهورين» 


قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: «والذي يظهر -واللَّه تعالى أعلم- أن هذه الاحتمالات التي عللوا بها تقليد غير الأربعة لا تصلح دليلًا على المنع مطلقًا؛ لجواز أن يحقق بعض الفتاوى تحقيقًا ظاهرًا لا لبس فيه» 


وأختم بمسألة من طلق ثلاثا في مجلس واحد فقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية مخالفا المذاهب الأربعة أنها تعد طلقة واحدة 

وقد أخذ بقول ابن تيمية في العصور المتأخرة كثير من الفقهاء واعتمد قوله في كثير من المحاكم؛ لعموم البلوى وتصحيح الأنكحة وحفظ للانساب...

فلو كان الخروج عن المذاهب الأربعة خطأ او ضلالا لخطأنا أو ضللنا من أفتى بقول ابن تيمية قبل ابن تيمية وبعده..!!! 


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار