الاثنين، 20 أكتوبر 2025

موقف الشيخ الألباني من جماعة #الإخوان_المسلمين

موقف الشيخ #الألباني من جماعة #الإخوان_المسلمين

بقلم د. أحمد محمد الصادق النجار

لم يكن للشيخ الألباني موقف واحد ثابت من بداية حياته إلى نهايتها رحمه الله، وإنما تطوّر بحسب ما بان له من حال هذه الجماعة وأخذها بمنهج أهل السنة وابتعادها عنه، وازاد الامر وضوحا بعد ما وقف عليه من تجاربها وواقع تطبيقاتها ومناقشة أفرادها، مما يستدعي تتبّع أقواله استقرائيًا وتحليلها في سياقاتها التاريخية والفكرية.

ففي المرحلة الأولى كان الشيخ يحسن الظن بجماعة الإخوان المسلمين؛ بناء على رفعهم شعار اتباع الكتاب والسنة، 
وكان يشير إلى أنهم من ضمن دائرة أهل السنّة والجماعة؛ لما أظهروه من الاعتماد على الكتاب والسنة في منهجهم..
والذي يستمع أشرطته التي يمدح فيها الإخوان يجد أن الشيخ الألباني يذكر بعض قادة الإخوان الذين كان بعضهم من تلاميذه ويحضرون دروسه ويؤيدونه في دعوته قبل أن تأتيهم الأوامر من التنظيم.. وكان في هذه المرحلة يثني على كتاب فقه السنة لسيد سابق لأنه يلتقي مع دعوة الشيخ الألباني ويثني أيضا على زهير شاويش..
ومع المدح كان الشيخ ينتقد ضعف الجماعة العقدي وانشغالهم بالسياسة على حساب التوحيد والمنهج العلمي.
هكذا اتسمت المرحلة الأولى للشيخ...

وفي المرحلة الثانية بدأ يظهر للشيخ الألباني شيء من انحرافهم في التطبيق وقد تغير بعض القادة الذين كانوا ينتهجون نهج الشيخ الألباني وألف بعضهم كتابا في ذم الدعوة السلفية وأنها لا تهتم إلا بالقشور ..فاشتد نقده لهم وأصبح أكثر وضوحًا في التفريق بين المنهج السلفي ومنهج الإخوان، واستبعد أن يوجد سلفي حقيقة ويتبنى منهج الإخوان؛ لما عرفوا به من التساهل في العقيدة والسنة من أجل التكتل السياسي؛ حتى قال الإمام الالباني:(ما أعتقد أن سلفيًا عقيدة وسلوكًا بإمكانه أن يتبنى منهج الإخوان المسلمين وأمثالهم،ط...)
وتبين للشيخ بوضوح أن منهجهم قائم على التكتيل والتجميع كيفما كانت العقائد، وما وصلوا إليه من التقارب مع الرافضة، وتقديم السياسة على التصحيح العقدي والمنهجي، وعد الشيخ هذا الأمر انحرافا خطيرا عن المنهج القرآني فقال:(فهم منذ أن كان مرشدهم حسن البنا رحمه الله جمعهم وكتلهم، جمعهم وكتلهم على خلاف المنهج القرآني الذي يقول مثلا : (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) ...)
ومع ذلك كان يراهم أقرب، فكان يقول  «الإخوان المسلمون هم أقرب الجماعات إلى الحق، لكنهم ليسوا على الحق.»

وفي المرحلة الأخيرة ظهر رفض صريح للجماعة من الإمام الالباني، ورأى أنها تفسد أكثر مما تصلح، وأنها سبب في انحراف كثير من الشباب السلفي، فاشتدّ نقد الألباني تجاهها، وأصبح يركّز على جذور النقص التي يراها في المنهج لا في الأشخاص فحسب، حتى قال«خلافنا مع الإخوان المسلمين خلافٌ في الأصول لا في الفروع فقط» ، وقال «… ليس صواباً أن يُقال الإخوان المسلمون من أهل السنّة، لأنهم يحاربون السنّة».
واستقرَّ رأي الألباني – رحمه الله – إلى أن جماعة الإخوان المسلمين ليست على منهج السلف الصالح، ويحذر من تبنّي هذا المنهج الحزبي والحركي

كما يجدر في هذا السياق الإشارة إلى كلام الشيخ الألباني مع أبي الحسن حين بيّن الشيخ أن من أخطأ في جزئية ما
لا يوجب إخراجه من دائرة أهل السنة مطلقا
على وزان ما ذكره الشيخ ابن باز في الأشاعرة لما قال هم من أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة
فلم يُعطِهم الشيخ ابن باز الاسم المطلق ولا وصفهم بـالسنة المحضة، وإنما نسبهم إلى السنة نسبة مقيَّدة بقدر ما وافقوا فيه منهج السلف

وأما كون الشيخ لم ير إلحاق جماعة الإخوان بالفرق الضالة الواردة في حديث الافتراق
فهذا صواب؛ لأن تعيين الفرق يحتاج إل  دليل خاص، ولا دليل...
ولذلك، كان الشيخ يتحدث عن الجماعة بوصفها منحرفةً عن المنهج السلفي في جملة من أصولها...
هذا من جهة
ومن جهةٍ أخرى، كان حديث الشيخ الألباني مع أبي الحسن منصبًّا على الأفراد لا على الجماعة تنظيميًا، ولهذا علَّل الشيخ حكمه بأن هؤلاء الأفراد يُعلنون التزامهم بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، ثم استدرك قائلاً:«وإن كانت هذه دعوى تحتاج إلى تطبيقها عمليًا، وذلك ما لا نراه من الجماعة».
فهو إذن يُقرّ بأن الدعوى قائمة، ولكن الواقع العملي للجماعة لا يوافقها تمامًا.
ثم ذكر الشيخ كلمته التي فرح بها من فرح، وهي قوله:«لا أجد رخصةً لأحد أن يحشرهم في زمرة الفرق الضالة».
ومراده بذلك – كما يتضح من سياق كلامه – الفرق التي انحرفت في أصل مصدر التلقي، فأعلنت صراحةً مخالفتها للكتاب والسنة ومنهج السلف، كالجهمية والمعتزلة ونحوهم..

وبهذا يُفهم كلام الشيخ على وجهه الصحيح: فهو لم يُطلق التزكية للجماعة، ولا أدخلها في السنة مطلقا، وإنما نفى عنها وصف الافتراق العقدي المحض، مع إثبات الانحراف المنهجي العملي الذي جعله يحذر منها لاحقًا.

وأخيرا أقول
للأسف، يأتي في هذا العصر من يُحسب على العلم أو ينتسب إلى السلفية، فينسب إلى الشيخ الألباني – رحمه الله – مكلقا أنه يراها من الفرق الناجية ولا تخرج من دائرة أهل السنة المحضة متجاهلًا تطور موقفه وسياقات كلامه.
وهذا خلطٌ منهجي واضح؛ لأن أقوال الشيخ لم تكن ثناءً مطلقًا، بل كانت مبنية على حسن الظن بما رفعوه من شعارات الكتاب والسنة، قبل أن يتبيّن له واقع الجماعة ومناهجها التطبيقية.
فمن الإنصاف – بل من الأمانة العلمية – أن تُفهم أقوال العلماء في سياقاتها التاريخية والزمنية، وألا تُنتزع من مراحلها لتُوظّف في غير موضعها.

http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/10/blog-post_20.html

الخميس، 9 أكتوبر 2025

[هل تحكم حماس بالشريعة؟ ] قياس سلطة حماس على غزة على إمارة كونر (جميل الرحمن)… قياس فاسد لا يصح شرعًا ولا واقعًا

هل #حماس تحكم بالشريعة؟

هل يصح قياس سلطة حماس على غزة على إمارة كونر (جميل الرحمن) من حيث الاعتراف بالولاية… أو هو قياس فاسد؟

من أعجب ما يثير دهشة العاقل أن يُقدِم بعض الناس من بعض الجماعات البدعية على القياس بين واقع غزة اليوم، وبين ولاية كونر الأفغانية في عهد إمارة #جميل_الرحمن زمن الجهاد ضد الروس، زاعمين أن الحال واحد من جهة الحكم والسيادة!

وهذا – بلا ريب – من أفسد أنواع القياس، إذ يجانب حقائق التأريخ، ويتجاهل طبيعة الواقع السياسي، وينبع غالبًا من التحزّب وضيق النظر لا من الفقه والبصيرة.

فأفغانستان في تلك الحقبة كانت مقسَّمة إلى مناطق محرَّرة تديرها قيادات ميدانية محلية، بإدارة عرفية مؤقتة، فلم تكن هناك سلطة سياسية أو مؤسسات رسمية قائمة ذات اعتراف داخلي أو خارجي.
مع العلم أن #إمارة_كونر كانت تُحَكم فيها الشريعة ...

أما عن #واقع_غزة، فقد كانت تحت حكم السلطة #الفلسطينية القائمة بمؤسساتها إلى أن وقع انقلاب حركة حماس، والذي لم يفضِ إلى ولاية تامة، إذ ظلت غزة في عزلة سياسية غير معترف بها دولياً، وبقيت معظم مؤسساتها تتبع للسلطة في رام الله، سواء في الرواتب أو في القوانين أو حتى في التمثيل الدبلوماسي الخارجي، وكانت السفارات تابعة لها..

فسيطرة حماس كانت جزئية على غززة، لا تشمل كل مفاصل الحكم، بل اقتصرت على الجوانب الأمنية والشرطية...

وهذا لا يجعلها في حكم «المتغلب»، ما دامت الإدارة العامة، والأنظمة القانونية، وشؤون الناس المعيشية لا تزال تُدار من قِبل مؤسسات الدولة القائمة.
فالحاكم المسلم المتغلب هو من استولى على زمام الأمور كلها: العسكرية، والإدارية، والمالية، وتمكن من فرض سلطانه على الناس، وباشر علاقاته الخارجية ككيانٍ مستقل...
فليس هناك ولاية حقيقية تحت أيدي حماس وإنما هي سيطرة جزئية...

والأدهى من ذلك أن هذه السيطرة لم تُثمر  #تحكيم_شريعة_الله في القطاع...فلم تحكم حماس شرع الله...
قال حامد البيتاوي: النائب عن (حماس) في المجلس التشريعي الفلسطيني في حوار معه في جريدة (الغد ' الأردنية ') 20 / 2 / 2006 م:( أما مخاوف البعض من الرجعية وفرض الحجاب وتقييد الحريات ومنها حرية المرأة مخاوف غير حقيقية، فنحن لسنا حركة ناشئة ولا حركة غوغائية، بل لنا امتداد تاريخي عبر جماعة الإخوان المسلمين المعروفة بفكرها المعتدل، وتأثيرنا في الموروث الحضاري الفلسطيني جاء بلا أي نوع من العنف......  نحن لن نطبق الشريعة الإسلامية، ولكننا سنعمل قدر الإمكان على الالتزام بمبادئ الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة.)
وقال الدكتور خليل الحية في تصريح رسمي نقلته قناة الجزيرة: ( لن نقيم أي إمارة إسلامية في غزة)

لا ولاية تامة ولا تحكيم للشريعة !!

فيا أيها المتحمسون أي ولاية تزعمونها لحماس على قطاع غزززة!!!!
ألم تنزعوا أصل الولاية عن #الحكام؛ لأنهم -على قولكم- تركوا تحكيم الشريعة؟!! فما بالكم تسقطون هذا الشرط مع #حماس!!
ألم تجعلوا #شرط_الولاية: تحكيم الشريعة أم هو سلاح تستعملونه فقط مع من لا ترضون من الحكومات؟!

✍️ بقلم: د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/10/blog-post_9.html

الثلاثاء، 7 أكتوبر 2025

[أثر الاعتراف الدولي والعلاقات الخارجية في تحقق السلطان الفعلي الذي اشترط الفقهاء ثبوته في الولاية]

 

كم أتمنى ممن ينتقد ما أكتبه أن يتأنّى في الفهم أولًا قبل الحكم، فالنقد قبل الفهم يُوقع صاحبه في التجنّي والافتراء.

ذكرتُ في منشور سابق أنه لابد في الاعتداد بولاية المتغلب في عصرنا أن تكون له علاقات خارجية فاعلة، وهذا ليس من باب الشرط الشرعي وإنما هو من باب كونه مكونا من مكونات القدرة والسلطان اليوم؛  لأن هذه العلاقات أصبحت اليوم عنصرًا مؤثرًا في قدرة الحاكم المسلم على بسط نفوذه واستقرار حكمه.

فالدعم الدولي والاعتراف المتبادل يساهمان في تعزيز استقرار النظام داخليًا، ويرفعان من قدرته على قيادة الدولة، كما نرى في الحالة السورية اليوم ...

بل حتى طالبان حظيت بدعم دبلوماسي من روسيا، وأكد المتحدث باسم الحكومة ذبيح الله مجاهد وجود اتصالات دورية مع أميركا، وطلب للاعتراف الرسمي بالحكومة...
وقال وزير خارجية حركة طالبان أمير خان متقي في 2022: إن الحكومة الجديدة في أفغانستان تقترب من هدف الاعتراف بها دولياً....

ولا يفهم من هذا الخضوع للكفار وأن على الحاكم المسلم أن يرضي الغرب الكافر أو يخضع لأوامره؛ طلبا للاعتراف، فهذا ليس بلازم...وإنما المقصود إدراك أثر العلاقات الدولية في الواقع السياسي المعاصر؛ إذ إن العلاقات الدولية أصبحت عنصرًا مؤثرًا في تحقق السلطان الفعلي الذي اشترط الفقهاء ثبوته في الولاية،
فالشرعية ابتداء  تُستمد من بسط السلطان، والقدرة على الحكم، لا من الاعتراف الدولي
إلا أن هذا الاعتراف لما صار مما يتوقف عليه  النفوذ دخل ضمنا فيه في مفهوم القدرة الفعلية؛ حفظا لمصالح الأمة....
وقد اتفق الفقهاء على أن الإمامة تثبت لمن له شوكة وسلطان فعلي.

والمستغرب أن بعض المعترضين — ممن لم يُحسن الفهم والفقه — أنكروا هذا المعنى بحجة أن الفقهاء لم يذكروا شرط العلاقات الخارجية في ولاية المتغلب، مع أن كلامهم في القدرة والسلطان وبسط النفوذ يتضمن هذا المعنى بحسب تغير الزمان
بمعنى أنه داخل في مفهوم القدرة الفعلية لا في شروط القبول الشرعي..
فقد ذكر الفقهاء أن نفس الولاية هي القدرة والسلطان وبسط النفوذ
قال ابن تيمية:(وأما نفس الولاية والسلطان فهو عبارة عم القدرة الخاصلة ..)
والقدرة الحاصلة وبسط النفوذ يختلف تقديرهما بحسب تغير الزمان والمكان، ويراعى في فقه الضرورات ما لا يراعى في فقه الاختيار والسعة...
وفي عصرنا هذا لا يتمكن المتغلب من بسط سيطرته ونفوذه واستقرار حكمه إلا بوجود هذه العلاقات...فقد أصبحت من تمام حصول القدرة الفعلية...

فكما كانت القوة العسكرية أساس السلطة في الزمن الأول، أصبحت اليوم القوة السياسية والدبلوماسية والاعتراف الدولي جزءًا من مكونات السلطان الواقعي.

وعليه، فذكر هذا الشرط لا يُعد إحداثًا في الفقه، بل هو من تمام فقه الواقع وتنزيل القواعد القديمة على المتغيرات المعاصرة.

نعم
حين كانت الدولة المسلمة قوية ومكتفية بنفسها لم يكن الاعتراف ولا العلاقات الدولية مؤثرة في الاستقرار وبسط النفوذ
أما اليوم، ومع ضعف المسلمين وتغيّر موازين القوى، فقد أصبحت من أهم عوامل تثبيت الحكم واستقرار الدولة.

وأما تشبيه الواقع المعاصر بحال دمشق زمن التتار وأنه يلزم بطلان ولاية حاكمها؛ لأنه لم يكن لها اعتراف من التتار
فهو مغالطة لا تصدر إلا من جاهل لا يدري أنه جاهل؛ لأن الدول اليوم مرتبطة بشبكة دولية مؤثرة في استقرار الحكم وقدرته على إدارة شؤون الدولة، وأما في العصور السابقة، فكان استقرار الحكم يعتمد على القوة العسكرية في الأرض دون ارتباط بمنظومة دولية.
ولا ينفي ذلك أن لها علاقات خارجية ومعاهدات ووو

وفي الختام
لا تناقض بين ما تقرر في هذا المقال وبين تأييد إمارة الشيخ جميل الرحمن في كنر زمن الحرب مع  الروس؛ لأن الكلام عنها كان ضمن واقع جهادي مفتوح ضد احتلال خارجي، حيث انهار النظام المركزي في كابل، وتوزعت الولايات الأفغانية، فكان لكل قائد ميداني نوع من الولاية العرفية  المؤقتة في حدود منطقته إلى حين استقرار الدولة بحكومة مستقلة عامة...

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار 

الأحد، 5 أكتوبر 2025

خطأ تسوية السيطرة الجزئية بحكم المتغلب

خطأ تسوية السيطرة الجزئية بحكم المتغلب

مجردُ تحصّنِ طائفةٍ في بلدةٍ داخل دولةٍ، وبسطها سيطرةً عسكريةً عليها، لا يجعلها في حكم «المتغلب»، ما دامت الإدارة العامة، والأنظمة القانونية، وشؤون الناس المعيشية لا تزال تُدار من قِبل مؤسسات الدولة القائمة، أو لم تكن السيطرة عليها تامة ... و لم تكن لها علاقات خارجية تتمكن بها من إحكام السيطرة والتعامل الخارجي...

أفَترَون مثلاً لو أن طائفةً أحكمت سيطرتها على مدينةٍ من مدن ليبيا، مع كون تلك المدينة إداريًا وقانونيًا خاضعة لتسيير الحكومة الليبية، أو لم تكن سيطرة تلك الطائفة تامة إداريا وقانونيا، ولم تكن لتلك الطائفة أي علاقات دولية،
فهل تُعطى بمثل هذه السيطرة وصفَ الحاكم المتغلب؟
وهل يُوصف من يُنكر عليها خطأها بأنه على منهج الخوارج؟

إن هذا هو الفقه الأعوج بعينه.

فالحاكم المسلم المتغلب هو من استولى على زمام الأمور كلها: العسكرية، والإدارية، والمالية، وسيطر عليها سيطرة تامة، ٠وتمكن من فرض سلطانه على الناس، وباشر علاقاته الخارجية ككيانٍ مستقل.

وعليه، فإن من يُنكر على هذه الطائفة منكرا فعلته باسمها لا يوصف بأنه على منهج الخوارج، بل هو منضبطٌ بالفقه الصحيح والميزان الشرعي في فهم معنى الولاية والتمكن.
وهذا المعنى يختلف من عصر إلى عصر بحسب معطياته..

✍️ د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/10/blog-post_5.html

الجمعة، 3 أكتوبر 2025

هل يصح استعمال اللفظين على وجه الترادف التام في جميع السياقات؟

 


هل يصح استعمال اللفظين على وجه الترادف التام في جميع السياقات؟ 


بعض من تجرأ على ما لا يُحسِن زعم أن «النَّكبة» و«المصيبة» بمعنى واحد في جميع السياقات، وجمع لذلك أقوالًا متفرقة من المفسرين واللغويين والمحدثين في تفسير النكبة بالمصيبة. وهذا من أمثلة من يكثر النقل والجمع دون أن يُحسن الفهم والتأصيل... 


بادئ ذي بدء

لم أنكر تفسير النكبة بالمصيبة، وليس هذا هو من محل البحث، وإنما محل البحث:

هل يصح استعمال اللفظين على وجه الترادف التام في جميع السياقات؟ أي: هل يمكن أن تحل «النكبة» محل «المصيبة» في كل سياق دون فرق؟

وهل يصح إهمال الفروق الدلالية بين الكلمات المتقاربة في الدلالة؟ 


الجواب:

ليس ما صح استعماله في سياق يجوز استعمال ما ينوب عنه في كل سياق ؛ إذ الاتفاق في قدر من الدلالة بحيث ينوب أحدهما على الآخر لا يلغي اختصاص كل لفظ بنوع من الدلالة...

وتفسير لفظة بلفظة أخرى لا يعني التطابق التام بينهما، بل لا بد من فرق بين المفسَّر والمفسِّر. 


وقد قرر المحققون من أهل اللغة أن اختلاف الأبنية يستلزم اختلافًا في الدلالة

قال ابن فارس:( ونحن نقول: إن في قعد معنى ليس في جلس

ألا ترى أنا نقول: قام ثم قعد ..ثم نقول كان مضطجعا فجلس، فيكون القعود عن قيام، والجلوس في حالة هي أدنى من الجلوس؛ لأن الجَلس المرتفع...فالجلوس ارتفاع عما هو دونه) 


ونصر ابن تيمية القول بعدم وجود الترادف التام إلا قليلا 

فقال:(فإن الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر وإما معدوم، وقَلَّ أن يعبر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه، بل يكون فيه تقريب لمعناه) 


بل ذهب بعضهم إلى أن الأصل في الشيء أن يكون له اسم واحد وما عداه يكون من باب الصفات ولذا لما قال ابن خالوية: أحفظ للسيف خمسبن اسما

تبسم أبو علي الفاسي وقال: ما أحفظ إلا اسما واحدا وهو السيف

قال ابن خالوية: فأين الكهند وابثارم وكذا وكذا

فقال أبو علي: هذه صفات... 


ومن هنا تعلم خطأ من يستعمل الألفاظ التي تنوب بعضها عن بعض في جميع السياقات...


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار 


الأربعاء، 1 أكتوبر 2025

بعض الشبهات التي أثارها أحد المغاربة حول المظاهرات

 

احتج بعضهم على جواز المظاهرات بما ورد عن النبي ﷺ: «لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم» [رواه أبو داود].
فزعم أن اجتماع النساء حول بيت النبي ﷺ للشكوى دليل على جواز المظاهرات المعاصرة.

غير أن التدقيق يظهر بطلان هذا القياس، ووجود فروق جوهرية بين الواقعتين، منها:

• أولا: أن الاجتماع نفسه لم يكن مقصودا، فالنساء لم يقصدن الاجتماع ابتداءً، وإنما توافدن بالشكوى حتى اجتمعن، ولم يجعلن الاجتماع وسيلةً للمطالبة بالحقوق، بخلاف المظاهرات التي تتخذ من الاجتماع وسيلة منظمة للضغط وطريقا للإصلاح.

• ثانيا: الغاية مختلفة، فشكواهن لم تكن إنكارًا على النبي ﷺ، بل طلبًا للإنصاف من أزواجهن، فانتفت بذلك مظنة الفوضى والفتنة العامة، بخلاف المظاهرات التي غالبًا يقصد بها الإنكار.

• ثالثا: انتفاء الفساد، فاجتماعهن لم يُصاحبه تخريب أو استغلال سياسي، أو بث الفوضى، بينما المظاهرات لا تنفك غالبًا عن أعمال عنف وشغب.

• رابعا: النساء قصدن بيت النبي ﷺ وهو صاحب السلطة الشرعية والناس تحت أمره وطاعته، بخلاف المظاهرات التي تجري في الشوارع والميادين وتؤدي عادة إلى مصادمات مع الشرطة.

وعليه، يكون القياس فاسدًا، لمخالفته للنصوص الناهية عن إثارة الفوضى، كما أن الاستدلال ناقص لانعدام الاتفاق بين الأصل والفرع. بل إن العلة الموجبة لمنع المظاهرات ـ وهي ما تؤول إليه من فتنة ـ غير موجودة في اجتماع النساء، إذ لم يترتب عليه فساد ولا خروج.
وقد أثبت الواقع أن المظاهرات لا يمكن ضبطها غالبًا.

أما الاستدلال بما رُوي عن ميمون بن الأصبغ: قال أُخرج أحمد لن حنبل بعد أن اجتمع الناس على الباب وضجوا حتى خاف السلطام فخرج

فليس فيه دليل على الجواز، خاصة وأنه كان من عامة الناس، لا من فقهائهم.
بل قد خرج مع ابن الأشعث جماعة من أهل العلم والدين ولم يكن ذلك دليلا على جواز فعلهم, قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (4/ 530): (...وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين)
فالاندفاع وقت الفتن قد يحمل الناس على معالجة المنكر بما هو أنكر، بدافع طلب الحق أو دفع الظلم، دون نظر إلى الفساد العام المترتب.

وإن قيل: إن إخراج الإمام أحمد يشبه المظاهرات،
فالجواب أن الفارق واضح؛ إذ لم تصحبه مصادمات أو تخريب كما هو حال المظاهرات اليوم. وحين وُجدت الفروق المؤثرة بطل القياس.

أما قولهم إنه لا علاقة للمطالبة بالحق ورفع الظلم بالخروج على الحكام, فنعم إذا كان الإنكار عليه مشروعا كالإنكار عليه بين يديه كما فعل أبي سعيد الخدري مع مروان, ولم يقل أحد بأنه خروج أو يلزم منه الخروج...لكن الخلط بين المشروع وغير المشروع هو من التدليس.
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في “منهاج السنة النبوية” (4/536): ...إذا لم يزل المنكر إلا بما هو أنكر منه صار إزالته على هذا الوجه منكرا, وإذا لم يحصل المعروف إلا بمنكر مفسدته أعظم من مصلحة ذلك المعروف كان تحصيل ذلك المعروف على هذا الوجه منكرا , وبهذا الوجه صارت الخوارج تستحل السيف على أهل القبلة حتى قاتلت عليا وغيره من المسلمين وكذلك من وافقهم في الخروج على الأئمة بالسيف في الجملة من المعتزلة والزيدية والفقهاء وغيرهم”. 
✍️ بقلم: د. أحمد محمد الصادق النجار




الثلاثاء، 30 سبتمبر 2025

مراعاة أصول الرجل وسيرته في فهم إطلاقاته

مراعاة أصول الرجل وسيرته في فهم إطلاقاته 


جرت عادة الأئمة على اعتبار حال المتكلِّم وسيرته وأصوله عند تفسير كلامه المحتمل؛ إذ إن استصحاب الحال دليل اعتمدته الشريعة، ولأن العاقل يجري في كلامه على عادته وأصوله...

ولذا نجد العلماء يستدلون باستصحاب حال النبي صلى الله عليه وسلم في كونه جاء لتعليم الناس الشرع 

على حمل حكمه على الشرعي إذا احتمل أن يكون شرعيا أو عقليا...


وهذا أصل ...

ومن هنا تقرَّر أن الكلام المحتمل لا يُفهم إلا مع ملاحظة حال قائله، وقد الجويني في البرهان وغيره أن القرأئن تحول الظاهر المحتمل إلى نص لا يحتمل إلا معنى واحدا، وأن القرائن تدخل على الصيغ المطلقة لتدل على المعنى الذي يريده المتكلم. 


ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “وأخذ مذاهب الفقهاء من الإطلاقات من غير مراجعة لما فسروا به كلامهم وما تقتضيه أصولهم يجرّ إلى مذاهب قبيحة”الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 201).

يقول ابن القيم: “والكلمة الواحدة يقولها اثنان، يريد بها أحدهما محضَ الحق، ويريد الآخر أكبر الباطل، والعبرة بسيرة الرجل ومنهجه وما يدعو إليه، وما يناظر عليه”مدارج السالكين (3/ 409) 


فالنتيجة: لا يُفسَّر كلام المتكلم اعتمادًا على ألفاظهم المجرَّدة، بل يُفهم في ضوء أصولهم وسيرتهم ومنهجهم؛ إذ بذلك يُدرك المراد الصحيح وتُسد أبواب الانحراف في الفهم والاستدلال. 


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار 

http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/09/blog-post_30.html

الاثنين، 29 سبتمبر 2025

المطابقة والتضمن والالتزام في تقرير أصول أهل السنة

 


نعيش اليوم أزمةً كبرى، تتمثل في التشكيك في أصول أهل السنة والجماعة تحت شعار التحرر والمراجعة.

فترى بعضهم يُعيب على من يجعل مسائل الاجتهاد في مرتبة القطعيات، وهذا في أصله صحيح، غير أنهم تجاوزوا الحد فجعلوا القطعي ظنيًا، والأصل فرعًا! وبذلك انحرفوا عن منهج أهل السنة في الاستدلال وضبط الأصول والفروع. 


والأمر بالأصل عند أهل السنة أمر بثلاثة أمور: 

• الأمر بماهية ذلك الأصل.

• الأمر بما تضمنه.

• الأمر باللازم الذي لا ينفك عنه.


فالأمر بما تضمنه الأصل وباللازم عنه هو من ضرورة الأمر بالأصل، ولا نحتاج إلى تنصيص خاص في كل جزئية من لوازم الأصل، إذ إن دليل الأصل نفسه يتضمنها.


وهذا لا يفقهه من لم يستوعب المنظومة الاستدلالية لأهل الحديث.

فيا أسفي .... !!!!


ومن هنا يتبين أن النهي عن منازعة الولاة في ولايتهم: 

• يشمل ماهية المنازعة ذاتها.

• ويشمل ما تتضمنته ولوازمها التي لا تنفك 


• وبهذا نفهم لماذا ربط السلف الإنكار العلني حال غيبة الحاكم بالخروج والمنازعة في الولاية؟. 


فالإنكار العلني حال الغيبة -فضلا عن تسويغ الخروج- هو من لوازم النهي عن المنازعة؛ ولا يُشترط نص مستقل يُصرّح به، إذ هو من مقتضيات الأصل. 


• فأهل السنة يلتزمون بالأصول وما تقتضيه من لوازم لا تنفك. 


ولهذا نجد أن أهل السنة والجماعة حين تكلموا عن أصولهم في أبواب الصفات أو الإيمان أو القدر، لم يقتصروا على الأصول المنصوصة صراحةً فحسب، بل أدخلوا فيها أيضًا اللوازم التي لا تنفك عنها.


فليس كل ما أورده أهل السنة من الأصول الفارقة 

قد نص عليه السلف أو جعلوه أصلًا مستقلاً بذاته، وإنما طائفة منها إنما هو لوازم مأخوذة من أصول الصحابة والتابعين الثابتة.


ولديَّ في هذا الباب تجربة علمية خاصة مع شيخ الإسلام اب نتيمية؛ إذ إنني كتبتُ رسالتَي الماجستير والدكتوراه في بيان موافقة شيخ الإسلام ابن تيمية لأئمة السلف في أبواب الصفات ومسائل الإيمان والكفر.

وقد وقفتُ من خلال البحث على أن الأصول التي قررها شيخ الإسلام نوعان:

١-ما كان موافقًا للسلف بالمطابقة.

٢-ما كان موافقًا لهم بالتضمن والالتزام، أي لوازم لا تنفك عن أصولهم.


وهذا يبين دقة منهج شيخ الإسلام في استقراء كلام السلف، وجمعه بين الأصل ولوازمه، بحيث لا ينفك أحدهما عن الآخر..


وأخيرا

الحذر الحذر ممن لا يحسن التأصيل...


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

السبت، 27 سبتمبر 2025

هل وفاة النبي ﷺ نكبة؟

 


لم يُعرف عن أحدٍ من العلماء، لا في القديم ولا في الحديث، أنه وصف وفاة النبي ﷺ بـ"النكبة"، حتى جاء محمد الحسن الددو فاستعمل هذا الوصف، وسعى هو ومن وافقه إلى جعله مرادفًا للمصيبة. 


ولتحرير هذه المسألة أقول: 


كلمة المصيبة مشتقة من جذر (ص و ب), وهذا الجذر: الصاد والواو والباء أصل صحيح يدل على نزول شيء واستقراره [مقاييس اللغة (3/ 317)]

ويُستعمل في الخير والشر من حيث أصل المعنى، ومنه قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾. 

غير أن العرب غلبوا استعماله في جانب الشر. 


وأما النكبة فهي من جذر (ن ك ب) وأصلها الميل، فإذا أطلقت دلت على ميل أو انحراف، فهي أخص من المصيبة، وتوحي بشيء زائد على مجرد وقوع البلاء. 


وبعضهم توهم من تفسير بعض أهل المعاجم النكبة بالمصيبة أنهما مترادفان، وغفل أن من عادة أهل المعاجم أنهم قد يفسرون اللفظ بما يقاربه أو بما هو أعم وأوضح، دون قصد الترادف التام. 


وقد فسرها كثير منهم بحوادث الدهر وكوارثه وثدماته..

ولهذا فإن "النكبة" في الاستعمال تحمل معنى الانحراف والميل، وقد ارتبطت في أذهان الناس بالجراحات والمآسي والانتكاسات التي تنشأ من تقصير وتفريط.

(وانتبه لهذا)

وعليه، فإطلاق "النكبة" على وفاة النبي ﷺ غير مناسب، لأنها مشعرة بالميل والانحراف والتقصير والتفريط، وكأن الوفاة حدثت دون تمام التبليغ، وإنما الأليق وصفها بـ"المصيبة" بالنظر إلى كونها نازلة وقعت على الأمة. 


ومع ذلك، فوفاته ﷺ ليست مصيبة بإطلاق؛ إذ هي:

-مصيبة باعتبار انقطاع الوحي وظهور الفتن، ...

وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم- مصيبة فقال: إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي؛ فإنها أعظم المصائب.  رواه الدارمي 


-ورحمة وفضل باعتبار دفع الهلكة عن أمته وكونه فرطا لهم يوم القيامة, ، إذ قال النبي ﷺ: «إن الله عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطًا وسلفًا بين يديها» (رواه مسلم). 


✍️ بقلم د. أحمد محمد الصادق النجار



الخميس، 25 سبتمبر 2025

الشيخ محمد ولد #الددو الشنقيطي للأسف داعية ضلالة وليس عالم أمة

 الشيخ محمد ولد #الددو الشنقيطي

للأسف

داعية ضلالة وليس عالم أمة كما يزعمون 


سمعت له مقطعا بُث من قناة الجزيرة أرسله لي أحد الإخوة

يزعم فيه أن إثبات الوجه صفة الله واليد صفة لله

هذه عقيدة الحنابلة وليس هو عقيدة السلف، وإنما هو اجتهاد منهم ولم تدل عليه اللغة هكذا زعم 


ثم زعم أنهم يثبتون الجنب صفة والشخص صفة ...!!

ثم كذب على السلف وجعل مذهبهم تفويض المعنى،..

!!! 


والغريب أنه يجعل الخلاف في الصفات خلافا سائغا، وأن المختلفين ينطلقون من أصل واحد وإنما اختلف اجتهادهم... 


هكذا بكل تسطيح وعدم فهم لنظرية التأويل والتفويض عند المتكلمين وهو ممن درس في جامعة الإمام ...!!! 


نظرية المتكلمين في التأويل والتفويض تتلخص في: 


أن الاصل الذي ثبت به حجية الكتاب والسنة هو العقل، ولما توقف الاحتجاج بالكتاب والسنة على معرفة الله وصفاته وإثبات النبوة 

لم يصح الاحتجاج على بابي الإلهيات والنبوات بالكتاب والسنة؛ لأنه يلزم منه الدور

وتفرع على ذلك تأويل أو تفويض الأدلة النقلية 


وهذا الذي حذا بالمعتزلة أن يقولوا باستحالة أن يكون النقل دليلا بنفسه يمكن الاستدلال به

وإنما هو مجرد مؤكد للعقل تابع له، كما قال أبو علي الجبائي:(إن سائر ما ورد به القرآن في التوحيد والعدل ورد مؤكدا لما في العقول، وأما أن يكون دليلا بنفسه، يمكن الاستدلال به فمحال)

والزمخشري جعل وظيفة الرسل منحصرة في التنبيه عن الغفلة؛ لأن الرسل لم يتوصلوا إلى معرفة الله إلا بالادلة العقلية... 


وهذه الفكرة بدأت عند #الأشاعرة من الباقلاني، وقد صرح بها في كتاب التقريب والإرشاد الصغير (١/٢٢٨)

واستقرت على يد الجويني...

مما جعلهم يعظمون علم الكلام 


والغريب أن الجويني لما حاول أن يعتمد على النقل في نفي النقائص عن الله 

اعترض عليه أصحابه كالرازي وغيره

ومما قاله ابن العربي في قانون التأويل:( وتعجبوا من رأس المحققين يعول في نفي الآفات على السمع، ولا يجوز أن يكون السمع طريقا إلى معرفة البارئ ولا شيء من صفاته...) 


وعمنا الشيخ #الددو مش فاهم ويضل في الأمة ...

ويستدل ببعض تأويلات السلف على التأويل الكلامي الذي يقوم على نظرية معقدة مركبة وليست بسيطة.... 


مش قضية من أول من السلف أنه ينطلق من أن العقل أصل النقل، وإنما ينطلق من أن النقل يفهم من النقل، فيؤول ظاهر آية لآية أخرى أو حديث.... 


وأما نظرية الدور التي وقع فيها المتكلمون فنقضها من وجوه

من أهمها أن الادلة النقلية اشتملت على أدلة عقلية وبراهين، وليست هي مجرد أخبار.

والغريب ان كثيرا من أدلة المتكلمين قاموا هم بأنفسهم بنقدها وتضعيفها...

ثم إن معرفة الله فطرية... 


والكلام يطول

أخيرا ليست إشكالية الشيخ في هذا الباب فقط، بل إشكاليته في عدة أبواب...


فالعلم دين..


كتبه ناصحا للأمة

د. أحمد محمد الصادق النجار

#النكبة المزعومة من الددو… أهي مجرد كلمة أم انعكاس لمنهج فكري؟



لا يُستغرب ممن يسير على نهج #محمد_الحسن_الددو أن يسارع إلى إيجاد الأعذار له، أو يحاول تسويغ عباراته؛ فالمشترك المنهجي والفكري يفسّر هذا الدفاع. 


لكن المستغرَب حقًا هو موقف بعض #إخواننا الذين حملوا كلام الددو على أحسن المحامل من غير أن يراعوا أصوله الفكرية وبيئته التي صاغت منطقه وخطابه، فتعاملوا مع مجرد ألفاظ، وغفلوا عن السياق المنهجي الذي أفرزها. 


فالخطأ في عبارة عابرة قد يُعذر فيه صاحبه إذا لم يقصد باطلاً، أما إذا كان الخطأ متولّدًا من منهج مضطرب يجمع بين #الإخوانية الحركية، و #التصوف الذوقي، و #التلفيق الفقهي؛ فإن العثرة تتكرر وتتحول إلى انحراف في التصورات. 


ومن هنا فزلّة الددو ليست مجرد أنه قال "نكبة" بدل "مصيبة"، وإنما هي انعكاس لخلفيته الفكرية التي يشاركه فيها المدافعون عنه. 


ومن المعلوم أن #الددو منفتح على الأدبيات الإخوانية والقطبية التي تمزج بين الدين والسياسة تحت شعار "إقامة الدولة الإسلامية". 

وهذا جعله يتبنى خطابًا تلفيقيًا توسعيًا لا يضبطه ميزان السلف في تحرير الأصول والمقاصد. 


فوصفه #وفاة_النبي ﷺ بأنها نكبة على الأمة لم ينطلق فيه إلا من زاوية سياسية/دستورية، إذ اعتبر أن النكبة هي غياب "النص التفصيلي" في شأن الإمامة، وهذا عين ما ينظر إليه الإخوان والقطبيون الذين جعلوا الإسلام في المقام الأول مشروع حكم ودولة، واختزلوا كلمة التوحيد في "الحاكمية". 


من هنا نفهم #أطروحات هذا التيار: فمعيار التدين عندهم، والولاء والبراء، ليس هو تحقيق التوحيد بأبوابه الكبرى (الألوهية، الأسماء والصفات، القدر، الإيمان) ولا لزوم السنة على وجهها والتخذير من البدعة، فهذه عندهم قضايا ثانوية تجاوزها الزمن، وإنما معيارهم الأوحد هو إقامة "الدولة الإسلامية". 


ولا شك أن قيام الدولة المسلمة مطلب شرعي عظيم، لكن لا بد أن يفهم في سياقه الصحيح، فلا يُجعل معيار الكمال الديني ولا محور الدين كله. 


فالإخوان والقطبيون يرى كثير منهم أن غياب "وثيقة دستورية مكتوبة تفصيلية" يشكل نكبة على الأمة وإشكالًا كان ينبغي سدّه بتأصيل معاصر، انبهارًا منهم بالنموذج الغربي في آليته. بينما السلف رأوا أن النصوص القطعية العامة (البيعة، الشورى، طاعة ولي الأمر، إقامة الدين) مقرونةً بالإجماع العملي للصحابة = تشريع كامل كافٍ يغني عن كل دستور وضعي تفصيلي. 


وبهذا يتبين أن الإشكالية الحقيقية في كلام #الددو، والتي حاول المدافعون عنه إخفاءها، أنه جعل غياب "الدستور التفصيلي" إشكالا، ورتب عليه أن وفاة النبي ﷺ كانت نكبة للأمة. وهذا يوحي – بلسان الحال – أن الشريعة تركت شيئا لم تكنله مما سبب نكبة، وهو ما يناقض قوله تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾. 


نعم، لم يقل أحد من #النقاد المعتبرين إن الددو يصرّح بأن الشريعة ناقصة، إذ لو صرّح لكُفر، ولكن موضع البحث هو في لازم كلامه، واللازم ليس قولًا حتى يلتزمه صاحبه. غير أن المشكلة أن هذا اللازم ينبع من المنهج الفكري الذي يتبناه.... 


✍️ بقلم: د. أحمد محمد الصادق النجار

الثلاثاء، 23 سبتمبر 2025

نقد محمد الددو في وصف وفاة النبي ﷺ بأنها "نكبة"

 


ما صدر عن #محمد_الددو الشنقيطي من وصف وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأنها #نكبة من نكبات الأمة، بحجة أنه لم يترك دستورًا مكتوبًا ولا بيّن طريقة تنصيب الحاكم ومحاسبته وعزله، وأن جمهور المسلمين ارتدّ بسبب ذلك، قول خطير يكشف قصورًا في فهم الشريعة..
ولو أن #الددو جعل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قد ترتب عليها كونا حصول اختلاف وافتراق واقتتال لاحتُمٍل ذلك منه
أما أن يجعلها نكبة على الأمة بزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الأمة بلا بيان في باب اختيار الحاكم وطرق تنصيبه...، فهذا لا يُحتمل، بل فيه ما لا يليق بالنبي ولا بشريعته، ويلزم منه الطعن في كمال الشريعة ومقام النبي الكريم ﷺ.
ولازم القول ليس بقول...

أولاً:
الشريعة الإسلامية كاملة وشاملة، قال تعالى:
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: 3].
فلا يوجد أمر ديني أو دنيوي إلا وفي نصوص الشرع وقواعده ما يكفي لفهم حكمه واستخراج الموقف الصحيح منه
وكون أحكام الشريعة وقواعدها تستوعب كل فعل للإنسان لا يمنع من ترك مساحة للاجتهاد وتحقيق المناط...

ثانياً:
من مقاصد السياسة الشرعية:
• إقامة العدل.
• دفع الفساد.
• تقديم درء المفاسد على جلب المصالح.

ولهذا، تركت للناس اختيار الوسائل ما دامت منسجمة مع هذه المقاصد وتحقق كليات الشريعة، فالوسائل لا تقصد لذاتها وإنما ينظر إلى غاياتها مادام أنها لا تخالف الشريعة

فمن الطبيعي أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض التفصيلات لاجتهاد الأمة، كما ترك ضبط بعض الألفاظ والوسائل للأعراف المتجددة
فكم من ألفاظ في الشريعة لم يحددها النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ترك تحديدها للناس بحسب أعرافهم!
وكم من وسائل لم تحدّد من الشارع ولم تعين، فتركت تقديرها للمكلف!!

ثالثا
اختيار الحاكم وتعيينه لم تتركه الشريعة من غير بيان وإنما وضعت للاختيار شروطا وراعت مقاصد، وأمرت بما في الوسع والمستطاع وبما لا يترتب عليه فتنة عامة....

ولما نصب النبي صلى الله عليه وسلم الأمراء في الغزو وخلف من ينوب عنه في المدينة
بين للأمة طريقة التعامل معهم، وليس من شرط البيان أن يضع دستورا ...
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر  الأمة أن تعمل بسنة الخلقاء الراشدين بعده، والتي من سنتهم ما يتعلق بطرق تولية الحاكم وطريقة التعامل معه...

فأين النكبة التي يُزعم أنها بسبب "ترك البيان"؟! بل الوصف نفسه يلزم منه ما لا يليق بالشريعة ولا بمقام النبي صلى الله عليه وسلم...
وكأن الددو يميل إلى أن الأكمل هي الوصية والتنصيص التفصيلي على أحكام الولاية
أأنتم أعلم أم الله؟

رابعا:
خلافة أبي بكر
وقد اختلف العلماء في خلافة أبي بكر هل ثبتت باختيار المسلمين له ؟ أو بالنص الخفي عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
فذهب جمهور العلماء والفقهاء وأهل الحديث إلى أنها بالاختيار .
وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنها بالنص الخفي...
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(والتحقيق في " خلافة أبي بكر " وهو الذي يدل عليه كلام أحمد : أنها انعقدت باختيار الصحابة ومبايعتهم له وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بوقوعها على سبيل الحمد لها والرضى بها ; وأنه أمر بطاعته وتفويض الأمر إليه وأنه دل الأمة وأرشدهم إلى بيعته . فهذه الأوجه الثلاثة : الخبر والأمر والإرشاد)

خامسا:
ما وقع فيه الددو ليس زلة عابرة، بل انعكاس لفكر حزبي متأثر بالمدرسة الإخوانية، التي جعلت السياسة رأس الأولويات، وزعمت أن إسلام المسلم لا يتم إلا إذا كان سياسيًا. ولما لم يجدوا في النصوص الشرعية وفقه السلف ما يحقق تلونهم في التعامل مع النظام الدولي جاءت فكرة عدم البيان...
قال حسن البنَّا:”أستطيع أن أجهر في صراحة بأنَّ المسلم لن يتمَّ إسلامه إلاَّ إذا كان سياسيًّا، يعيد النظر في شؤون أمته، مهتمًّا بها غيورًا عليها … وأنَّ على كلِّ جمعيَّة إسلاميَّة أن تضع في رأس برنامجها الاهتمام بشؤون أمَّتها السياسية وإلاَّ كانت تحتاج هي نفسها إلى أن تفهم معنى الإسلام” (مجموعة الرسائل)ص159.

سادسا: لو صدر هذا الكلام من غير الددو لاسيما إذا كان حاكما لانبرت أقلامٌ في تكفيره وتسفيهه لكنه لما صدر ممن يوافق أهواءهم لم تر إلا الدفاع ومحاولة تخريج الكلام وحمله على محمل حسن..

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

السبت، 20 سبتمبر 2025

حال بعض حكام السلف ممن أُمر الناس بالصبر عليهم

 


كثيرًا ما يزعم بعض الناس أنّ النصوص والآثار الواردة في وجوب الصبر على جور الحكام إنما كانت خاصة بحكّام السلف، وأن حكام زماننا يختلفون عنهم، فلا تنطبق عليهم تلك الأحاديث. 

وهذا خطأ بيّن وضلال ظاهر؛ إذ إن مناط تلك النصوص ليس شخص الحاكم بعينه ولا درجة صلاحه أو فساده، ما دام مسلمًا قد استقر له الأمر، وإنما مناطها درء الفتنة العامة وحفظ جماعة المسلمين، والنظر إلى مآلات الأفعال وما يترتب على عدم الصبر من الفتن وسفك الدماء وضياع الجماعة، ولذلك استوى في ذلك كل حاكم مسلم،

وقد تقرر في نصوص الوحي أن المصلحة الكبرى هي حفظ الدين والجماعة وبقاء شعائر الإسلام ظاهرة في البلد، لا مجرد الخلاص من ظلم حاكم... 


ولنأخذ مثال الحجاج بن يوسف الثقفي: 


أولا: جاء عَنْ ‏‏الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ ‏‏قَالَ : أَتَيْنَا ‏‏أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ‏فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ ‏‏الْحَجَّاجِ ‏فَقَالَ ‏‏: اصْبِرُوا ؛ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .  رواهُ البخاري (7068) 


ثانيا: ما حال الحجاج؟

قال القاسم بن مخيمرة: "كان الحجاج ينقض عُرى الإسلام عروة عروة".

وعَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ ، عَنْ أَبِيْه ِ، قَالَ : عَجِبْتُ لإِخْوَتِنَا مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ ، يُسَمُّوْنَ الحَجَّاجَ مُؤْمِناً .

وقال عاصم بن أبي النجود: "ما بقيت لله تعالى حرمه إلا وقد انتهكها الحجاج".

وقَالَ الصَّلْتُ بنُ دِينَارٍ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ يَقُولُ: "ابْنُ مَسْعُودٍ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ، لَوْ أَدْرَكْتُهُ لأَسْقَيْتُ الأَرْضَ مِنْ دَمِهِ".

وقال ابنُ كثيرٍ في " البداية والنهاية " : فإن الحجاجَ كان عثمانياً أموياً ، يميلُ إليهم ميلاً عظيماً ، ويرى أن خلافَهم كفرٌ ، يستحلُ بذلك الدماءَ ، ولا تأخذه في ذلك لومةُ لائمٍ .ا.هـ.

وقال ابن كثير في البداية والنهاية: (وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر..)

وقال الذهبي في السير:( وَكَانَ ظَلُوْماً ، جَبَّاراً ، نَاصِبِيّاً ، خَبِيْثاً ، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ ، ...)

....وكفره بعض التابعين..وفي تكفيره نظر.. 


ومع هذا كله، لم ير من أدركه من الصحابة وكثير من السلف الخروج عليه، بل أمروا بالصبر اتقاءً للفتنة؛ لدرء الفتنة العامة، ولم ينظروا إلى حال الخاكم مادام مسلما قد استقر اه الأمر.. 


وحتى من خرج عليه من السلف ندم، وتمتى أنه لم يخرج... 


فإذا كان هذا الحكم جارياً في حق الحجاج مع ما كان عليه ومع وجود من كفره عينا، فغيره من الحكام في كل زمان أيضا يدخلون في النصوص، ما داموا مسلمين قد استقرت لهم الولاية، وأقيمت بهم شعائر الإسلام الظاهرة. 


واخيرا: الصواب في الحجاج أننا لا نلعنه بعينه ولا نكفره

روى الخلالُ في " السنة " (851) بإسنادهِ فقال : وأخبرني محمدُ بنُ علي قال : ثنا صالح أنه قال لأبيه : الرجلُ يُذكرُ عنده الحجاجُ أو غيرهُ فيلعنهُ ؟ قال : لا يعجبني لو عبر فقال : ألا لعنةُ اللهِ على الظالمين .ما حال حكام السبف الذين أُمر التاس بالصبر عليهم؟ 


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

الخميس، 18 سبتمبر 2025

بين النصيحة والإنكار: منهج السلف في معاملة الحكام

 


قرأت مقالا أرسله لي أحد الإخوة -هداني الله وإياه- حاول فيه الكاتب أن يفرق بين النصيحة والإنكار، ورتب على هذه التفريق أنه في مقام النصيحة ينصح الحاكم سرا، وأما في مقام الإنكار فينكر عليه علنا وباسمه سواء كان حاضرا أو غائبا...


وهنا أقول:


لا فرق بين نصيحة السلطان والإنكار عليه من جهة سد ذريعة الفتنة العامة

وقد أجمع السلف على أصل كلي وهو: منع كل وسيلة تفضي إلى الخروج أو إثارة الناس على السلطان، وكانوا ينهون عن سبّ الأمراء؛ لما فيه من إيغار الصدور وإثارة الفتنة 


ومما يدل على أن النصيحة والإنكار يشتركان في هذا الباب:

حديث عياض بن غنم -رضي الله عنه الذي جاء بلفظ النصيحة-:«مَن أرادَ أن ينصحَ لذي سلطان في أمرٍ فلا يُبدِهِ علانية ولَكِن ليأخذْ بيدِهِ فيَخلوَ بهِ فإن قبِلَ منهُ فذاكَ وإلَّا كانَ قد أدَّى الَّذي علَيهِ لَهُ» 

كان سبب وروده منكرا وقع من الحاكم، فقد أنكر هشام بن حكيم -رضي الله عنه- على عياض بن غنم -رضي الله عنه- -وكان أميرا- جَلْدَهُ لصاحب الدارٍ....

فمع أن المقام مقام إنكار سماه نصيحة وجعل الأصل فيه الإسرار. 


وبهذا تعلم أن النصيحة وإن كانت أوسع دائرة من الإنكار إلا أن الإنكار إذا تعلق بالحاكم ساوى النصيحة في الإسرار؛ لعلة مظنة الإفضاء إلى الفتنة العامة، ولا ينفك عنه إلا في الصور التي تنتفي فيها مظنة الإفضاء.......

وهذا أصل كلي يُسدّ به باب الفتنة والتهييج، وهو مقدّم على الوقائع الجزئية،والأصوليون يقررون: أن المعنى الكلي إذا عارضه جزئي نادر، قدّم الكلي، ويحمل الجزئي على أحوال خاصة. 


قد يُقال: الإنكار العلني وقع من الصحابة والتابعين.

فنقول: نعم، لكنه لم يكن منهجًا مطّردًا ولا أصلاً عامًا، بل كان وقائع عارضة لها سياقات خاصة. والسؤال الأهم: هل الإنكار الذي منعه الأئمة هو نفس ما فعله الصحابة؟ أو أن ما وقع منهم كان استثناءً مقيدًا بظروف؟ 


للإنكار العلني صور:

الأولى: إنكار الفعل من غير تسمية الفاعل، وهذه الصورة فعلها الأئمة 


الثانية: إنكار المنكر أمام الحاكم وبين يديه، وهذه فعلها السلف. 


الثالثة: أن يتكلم الحاكم بمسألة شرعية فيُبَين له خطؤه، وهذا الصورة فعلها السلف 


الرابعة: ذكر منكر الحاكم وتسميته في مجلس خاص لا يترتب على هذا الذكر فتنة ولا تهييج العامة، وهذه الصورة فعلها بعض السلف 


الخامسة: ترك طاعة الأمير في معصية والنهي عن طاعته في ذلك ، وهذه الصورة فعلها ابن عمر رضي الله عنه 


السادسة: الإنكار على الحاكم وهو غائب والتشهير به أمام الناس وتسفيهه والطعن فيه، وهذه الصورة لم يفعلها إلا الخوارج وأذنابهم

ويتفق كل من انتسب للسلفية على منعها، وتجويزها لا يصدر إلا ممن تأثر بالفكر المنحرف، وهي علامة ظاهرة على انحراف الرجل وتبدل أصوله... 


السابعة: الإنكار على الحاكم وهو غائب بذكر المنكر وتسميته لكن من غير طعن وسب ولا نزع أصل الولاية، مع الأمن من الفتنة، وهذه الصورة هي التي تبناها بعض من ينتسب للسلفية، حيث زعموا أنه لا تلازم بين هذا النوع من الإنكار والخروج ونزع أصل الولاية، واستدلوا ببعض الآثار لكن استدلالهم مردود؛ إذ إن الآثار التي احتجوا بها إنما تعود للصور الجائزة لا لهذه الصورة. 


ولو فرضنا أن بعضها يصح الاستدلال به على هذه الصورة 

لكن غاب عن هؤلاء المجوزين أن هذه الآثار أفعال اقتضاها واقع خاص وليست هي منهجا مطردا عند السلف ولا أصلا عاما

فكيف يأتي من يجعل العارض أصلا مطردا، ويساوي بين الاستثناء والقاعدة؟!!

وكيف غاب عنهم أن السلف كانوا يحذّرون من الوسائل المفضية إلى الخروج؟!.

ثم إننا في زمن أصبح الإنكار العلني حال الغيبة شعارا على خوارج العصر

فحتى لو قلنا بأن أصلها الجواز إلا أنه لما أصبحت شعارا على الخوارج وعلامة عليهم لم يصح لمنتسب للسلفية أن يقول بجوازها في وقتتا هذا.

فالخوارج في أصلهم فكر قبل أن يكونوا سيفًا مسلطا على الأمة؛ شعارهم التشهير والطعن في الولاة وإيغار الصدور، ثم آل أمرهم إلى السيف. ولهذا عد الأئمة التشهير من سمات الخوارج. 


نعم

قال الشيخ الألباني" فإذا الحاكم خالف الشريعةَ علنًا فالإنكار عليه علنًا لا مخالفةَ للشرع في ذلك"،

لكن ما مقصوده بالإنكار؟ وعلى أي صورة يتكلم؟ وهل كان من منهج الشيخ وطريقته التشهير بالحكام وسبهم؟

الجواب، لا، فكلام الشيخ محمول على الصور الجائزة.... 


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

الأربعاء، 17 سبتمبر 2025

إشكالية الفكر الثوري الداعشي

إشكالية الفكر الثوري الداعشي

🔹من أبرز إشكاليات الفكر الثوري الداعشي أنه يُعيد صياغة الوعي الديني للأجيال على قاعدة مغلوطة، مؤداها أن الجهاد هو المعيار المطلق والحل الأوحد لصلاح الأمة، دون اعتبار لواقعها وإمكاناتها. وهنا تكمن الخطورة، إذ يُغفل هذا الفكر الحكمة الشرعية التي قررها القرآن والسنة في التعامل مع مراحل الضعف والابتلاء، فيقفز مباشرة إلى مواجهة غير محسوبة، لا تملك الأمة مقوماتها، فتكون النتيجة: فشلٌ، إحباط، ودماء مهدورة وديار مخربة، وفاتورة باهظة تدفعها الأمة من أمنها وطاقاتها.
وما حال غ ززة عنا ببعيد.

🔹والواقع أن الأمة أصابها الوهن الذي أخبر به النبي ﷺ: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها... قالوا: أومن قلّة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل...» (رواه أبو داود).

🔹فالأمة في أوقات الاستضعاف لا تحتاج إلى مغامرات عبثية، بل إلى تربية ترسّخ العقيدة، وتغرس معاني الصبر والثبات على الحق، وتبني الوعي الشرعي الراشد. وبهذا تُنشأ أجيال قادرة على حمل الأمانة يوم يقدّر الله لها التمكين.
فالنصر في سنن الله لا يُنال بالاندفاع العاطفي الأجوف، وإنما بالإعداد الإيماني والعلمي والعملي، كما قال تعالى﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج:40].

🔹وقد نبّه العلماء المعتبرون إلى هذا الخلل في الفكر الثوري، ومنهم الإمام المحدّث الشيخ محمد ناصر الدين #الألباني رحمه الله، الذي قرّر بوضوح ما قرره سلف الأمة وأئمتها وفقهاؤها عبر قرون
أن الجهاد مرتبط بالقدرة والاستطاعة - لا فرق في ذلك بين جهاد طلب ولا جهاد دفع إذا كان للناس فيه اختيار-، وأن الأمة في حال الاستضعاف إنما واجبها: الصبر، وإصلاح النفوس، والدعوة بالحكمة، والإعداد للجهاد، لا المغامرة غير المحسوبة بالدماء والطاقات. وهذا عين فقه المرحلة الذي أهمله دعاة الفكر الثوري القطبي والصحوي.

🔹وإذا عُلِّم الشباب أن القتال هو الحل في كل زمان ومكان، وأن ما يؤخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة مهما كان حال الأمة؛ فإن ذلك لا ينتج إلا أحد مسارين خطيرين:

• الغلو وتكفير المسلمين ووصفهم بالنفاق، والعنف عند محاولة تطبيقه في غير موضعه.

• اليأس والإحباط عند العجز عن إنزاله على الواقع.

🔹فالدواعش لم تكن إشكاليتهم في مجرد سفك الدماء المعصومة فقط، وإنما الإشكالية ابتداء في التربية على الفكر الثوري...
• وأخطر ما في هذا الفكر أنه يدعو لمواجهة مفتوحة دون نظر في النتائج، مع أن الشريعة راعت المآلات: فإذا كان القتال سيجلب مفسدة أعظم، كإبادة الشعوب أو احتلال شامل، فإنه يُمنع.

🔹وأخيرا
ليس هذا الطرح من التخذيل أو الإرجاء في شيء كما يروّج أصحاب هذا الفكر:

• فـ التخذيل المذموم هو تثبيط المسلمين عن واجب شرعي متعيّن مع القدرة عليه، أما الدعوة إلى الصبر والثبات والتصفية والتربية في حال الاستضعاف فهي من صميم فقه السنن الشرعية.

• وأما الإرجاء فهو اختزال الدين في مجرد التصديق بلا عمل، بينما التربية على الصبر والتمسك بالشريعة زمن الابتلاء وإعداد الأمة بالتصفية والتربية: عمل شرعي معتبر، اقتضاه العارض الذي اعتبره الشرع نفسه، وأمرت به النصوص الشرعية، وهو الذي يُبقي جذوة الإيمان حيّة حتى يحين أوان الجهاد المشروع.

🔹وبهذا يتضح أن الفكر الثوري الداعشي ليس إلا انحرافًا عن منهج الوحي، وجهلًا بفقه المراحل، وغفلةً عن سنن الله في التغيير، وقد انتشر في ليبيا وغيره وتبنته مؤسسات في بعض الدول المسلمة، وكثرت الدندنة حوله في مواقع التواصل الاجتماعي
والله غالب على أمره

🔹فالحل ليس في شتم #الحكام ولا في بث الكراهية كما يفعله الخطاب السروري،
وإنما الحل في إصلاح الداخل بتربية الأجيال على الإيمان والعلم، والدعوة إلى وحدة الصف على منهج السلف، والنهوض بالاقتصاد، وإعداد القوة الحقيقية؛ حتى تستعيد الأمة عافيتها، وعندها سيتغير حال حكامها أو يُستبدلون بغيرهم، لكن قبل ذلك فلن يغيّر الصراخ  ولا التحريض والتثوير شيئًا، وإنما سيزيد من وهن الأمة.

✍️ د. أحمد محمد الصادق النجار

http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/09/blog-post_17.html


الأحد، 14 سبتمبر 2025

شرعية الولاية الاضطرارية بين المنهج السلفي والطرح السروري

شرعية الولاية الاضطرارية بين المنهج السلفي والطرح السروري

من أبرز القضايا الخلافية المعاصرة والتي ظهرت جليا بعد أحداث الخليج: مسألة مناط إسقاط شرعية الولاية الاضطرارية: أهو كفر الحاكم عينا أم فساد النظام والمنظومة التي يدير بها الدولة؟

1-ثبوت الولاية الشرعية الاضطرارية عند أهل السنة مرتبط أولاً وأساسًا بإسلام الحاكم، لا بمجرد عدله أو النظر إلى نظام حكمه وفساد منظومته، ما لم يصل ظلمه أو نظامه إلى الكفر البواح الموجب للكفر (العيني) الذي يخرج من الملة. ولهذا جاء في الأحاديث: «إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان».
فالعبرة بتحقق الكفر العيني في الحاكم، لا بمجرد فساد النظام أو انحراف المنظومة، وأما جَوْر الحاكم وظلمه وفساد نظامه يُعَدّ منكرًا، لكنه يُعالج عند أهل السنة بالوسائل الشرعية:، لا بإسقاط الشرعية بالكلية ما دام الحاكم مسلمًا.
ومعنى قوله : « مَا أَقَامُوا الصَّلاَةَ فِيكُم » : أي ما داموا على حكم أهل القبلة والصلاة، ولم يرتدوا ويبدلوا الدين، وهو معنى حديث : « إلاَّ أن تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً ».

2-جَعْل معيار الشرعية قائما على النظر إلى عدالة النظام أو صورة الحكم مع التغاضي عن إسلام الحاكم نفسه = منهج تبناه التيارات ذات النزعة #القطبية و #السرورية، التي ركزت على النظام وبنيته ورفض الظلم المتعدي وجعلته كمعيار
وأسقطت به شرعية الحاكم حتى لو بقي في دائرة الإسلام

3-إذا نظرنا في النصوص الشرعية:  وجدنا أنها علقت نزع أصل الولاية الشرعية على تحقق الكفر البواح العيني في الحاكم الذي توفرت فيه شروط المكلف من حبث هو مكلف، لا على مجرد فساد النظام ومنظومته التي يدير بها الدولة ما لم يصل الأمر إلى الكفر العيني........وهذا ما فهمه الأئمة
ففي عهد الواثق والمعتصم فُرض القول بخلق القرآن، واعتُبر من خالفه مجرمًا يُقتل أو يُسجن. وسُفك الدم الحرام بسبب ذلك، وحوربَ المصلحونَ ...
ومع ذلك لم يرَ الأئمة إسقاط شرعية هؤلاء الخلفاء، لأن مناط الشرعية عندهم هو إسلام الحاكم، لا فساد النظام واشتماله على الكفر الأكبر
بغض النظر عن كون هؤلاء الخلفاء كانوا يعتقدون أن هذا هو الدين أو لا، فالعبرة بحقيقة الأمر لا بظنهم...
أرأيتم لو أن حاكما ظن أن فصل الدين عن السياسة هو ما دل عليه الشرع، فهل سيبرأ نظامه من الفساد لظنه؟!!

4-تعليق شرعية الولاية على إسلام الحاكم نفسه ليس هو من الظاهرية والجمود على ظاهر النص كما توهمه المتوهمون، بل هو عين فقه المقاصد الذي يوازن بين النصوص والمآلات.وبين حفظ الدين واستقرار الأمة....

فإبقاء ولاية الحاكم المسلم ولو فسد نظامه يضمن بقاء أصل الإسلام في الأمة ويحافظ على بقاء الشرائع ظاهرة في المجتمع، كما أن الحاكم المسلم يبقى قائمًا بالشهادة وأحكام الإسلام، فلا يزول حكمه إلا إذا وقع في كفر بواح ظاهر..
أضف إلى ذلك أن الشريعة جاءت باجتماع الكلمة وهو مقصد كلي، ولو تحت إمام جائر ونظامه فاسد، على أن يُعالج الظلم بالوسائل الشرعية، لا بتمزيق الصف.
وحتى مع ظلم الحاكم وفساد نظامه، تبقى هناك مصالح عامة لا تتحقق إلا بالولاية: الأمن، القضاء، إقامة الشعائر.
وفي المقاصد ينظر إلى مجموع المصلحة لا إلى جانب واحد فقط.

5-الطرح القطبي/السروري الذي ينظر إلى بنية النظام دون مراعاة إسلام الحاكم هو في الحقيقة يمثل نظرة ظاهرية، إذ تعلّق الأحكام على مظاهر النظام دون مراعاة لمآلات إسقاط الشرعية.

6- الغريب أنك ترى تناقضا بين التنظير والتنزيل على الواقع، فإذا ما سألتهم عن حاكم تركيا أو حكم الإخوان قالوا ولايتهم شرعية....
فإن قلت لهم: على أصولكم لا تكون الولاية شرعية؛ لأن نظام الحكم إما علماني وإما دستور فيه من الكفريات ما فيه
وها هي سوريا اليوم تدخل تحت النظام الدولي وووو
قالوا: هم حكام مسلمون يريدون الإصلاح
قلنا لهم: إذن نظرتكم اختلفتم فأصبحتم تنظرون إلى إسلام الحاكم وصلاحه في إثبات الولاية بغضّ النظر عن طبيعة النظام الذي يحكم به !!!وهذا من تناقضكم

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

https://abuasmaa12.blogspot.com/2025/09/blog-post_14.html


الخميس، 11 سبتمبر 2025

نواب الحاكم هل يأخذون حكم الحاكم في الإنكار؟

 لم نقل يوما إن نواب الحاكم المسلم يأخذون حكم الحاكم المسلم في مسألة عدم الإنكار عليهم علانية بإطلاق، فذلك ليس من منهج السلف، وإنما هو افتراء من بعض الخصوم لما أعيتهم الحجج ولم يجدوا إلا رجل القش...كعادتهم


فمجرد إنابة الحاكم للمفتي في الفتوى لا يقتضي أن تُنزَّل عليه أحكام ولاة الأمر من كل وجه، ولا أن تكون له مكانته بحيث تترتب نفس المفاسد المترتبة في حال الإنكار على الحاكم نفسه. 

ومن المعلوم أن النهي عن الإنكار العلني على الحاكم حال غيبته إنما هو معلَّل بعلة معقولة، وليس تعبديًا محضًا. 

وهذه العلة – أعني خشية الفتنة العامة – غير متحققة في حال دور الإفتاء والوزارات، بل هي منتفية أو مرجوحة.


ثم إن إنابة الحاكم لهم لا تعني إطلاق العنان لهم في الكلام في دين الله بلا ضابط ولا منهجية مطردة، وإنما هي مشروطة بالتزامهم أصول الشريعة وقواعدها، وعدم مخالفتهم منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال والمسائل. فإذا خالف أحدهم أصلًا من أصول السنة، أو أخطأ قواعد الاستدلال 

فإن هذه الإنابة لا تُسوِّغ مخالفته، ولا تمنع من الإنكار عليه علانية؛ صيانةً للشريعة وحفظًا لها من التحريف. 

ولهذا أنكر أئمة أهل الحديث – كالإمام أحمد وغيره – على القضاة الذين ولّاهم المأمون والواثق، وذكروا أسماءهم صراحة.


فإن قيل: لِمَ لا يُقال مثل هذا في الحاكم؟

فالجواب: إن المنع من الإنكار العلني على الحاكم حال الغيبة إنما هو بالنظر إلى قوة التلازم بين الإنكار عليه وبين الفوضى والفتنة العامة المؤدية إلى الخروج، وهذا هو الذي راعاه السلف. 


أما في شأن دور الإفتاء والوزارات، فلا يتحقق هذا الإفضاء إلى الفتنة العامة؛ إذ بوسع الحاكم عزلهم من مناصبهم متى شاء، بخلاف ما لو كان الإنكار متوجهًا إليه هو.


✍️ بقلم: د. أحمد محمد الصادق النجار


---

الاثنين، 8 سبتمبر 2025

من الجهل المركّب أن يُبنى وجوب المقاطعة العيني الفردي على افتراض محاسبي لا يرقى إلى مرتبة غلبة الظن، فضلاً عن اليقين.

 🌟

من الجهل المركّب أن يُبنى وجوب المقاطعة العيني الفردي على افتراض محاسبي لا يرقى إلى مرتبة غلبة الظن، فضلاً عن اليقين.

فقد زعم بعض أدعياء العلم أن كل فلس يدفعه المستهلك في شراء "البيبسي" يصل يقينًا إلى آلة القتل الصهيوونية، مستندًا إلى فرضية محاسبية تقول: إن كل فلسٍ يدفعه المستهلك يتحول جزء منه يقينًا إلى نسبة رقمية تدخل في تشكيل الأرباح النهائية التي يُقتطع منها الدعم المقدم للكيان.!!! 


🌟والمقدمة الكلية صحيحة وهي أن كل إعانة للعدو على المسلمين فهي محرمة 

إلا أن الإشكال في المقدمة الصغرى،وهي جعل هذا الافتراض المحاسبي من صور الإعانة المحرمة الموجبة للإثم! 

🌟

وهنا نسأل كم بقي من الدينار الذي يدفعه المستهلك الفرد ليتحوّل إلى جزء من أرباح الشركة بعد الخصومات؟

ثم ما مدى تأثير هذا المتبقي في تمكين الشركة من فعل المحرم؟...!!!

🌟

عندما نتحدث عن الإيجاب الفردي وتأثيم كل شخص، فنحن نقصد أثر مال الشخص الواحد بعينه الذي لا يذهب مباشرة لتمويل محرم:

وهذا المال نسبته ضئيلة جدًا لا يظهر أثرها في ميزانية الشركة ....فهو غير مباشر وغير مؤثر.. فكيف يؤثم المشتري للبيبسي؟!!!

والفقهاء ينظرون إلى الأثر وغالبية الإفضاء، ويظهر ذلك جلياً في اختلافهم في بيع ما يصنع به السلاح كالحديد للحربي، وفي كلاهم في باب سد الذرائع....

🌟

ولتدرك مدى خطورة هذا التصوّر الفرضي الحسابي، سألفت نظرك إلى ما يترتب عليه من تحريم معاملات هي في الحقيقة جائزة باتفاق الفقهاء

ففي ثبت الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما بنسيئة ورهنه درعه)

مع أن جزءا من ثمن الطعام سيدخل ضمن أرباح عامة لذلك اليهودي ويُصرَف في معاملات ربوية وشراء أمور محرمة كالخمر ، فأين ذهبت تلك الفرضية؟!!!

وكذلك الصحابة كانوا يتعاملون معهم..مما يدل على أن مجرد دخول المال في جزء من أرباحهم ليس هو مناط تحريم الإعانة على الإثم. 


قال الشافعي:(لا يحرم في بلاد الحرب بيع رقيق وطعام ولا شيء غيره) الأم (٧/٣٥٢)

فلو صحّت تلك الفرضية المحاسبية، للزم القول بتحريم هذه المعاملة، لأن جزءا من أموال المسلمين ستشكل أرباحا للحربي مما تزيد اقتصاد العدو الحربي وتعينه على قتال المسلمين، فكيف غاب ذلك عن الشافعي حتى قال بالجواز؟!!!! وكيف غاب عنه وأدركه الدعي؟!!! 


وقال ابن العربي في أحكام القرآن: (والصحيح جواز معاملتهم مع رباهم واقتحامهم ما حرم الله سبحانه عليهم، فقد قام الدليل القاطع على ذلك قرآناً وسنة. ا.هـ 


بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية نفسه أجاز البيع للتتار إذا كان في مأكول أو ملبوس، ولم يجعل ذلك من الإعانة، ولا خطر على باله تلك الفلسلفة المحاسبية، قال ابن تيمية:(يجوز أن يبيع من الطعام والثياب ونحو ذلك ما يبيعه لأمثالهم) 

🌟

ولو طُبّقت هذه الفرضية الحسابية وجُعلت مناطا شرعيا للزم: تحريم الشراء من محلات المواد الغذائية التي تبيع الدخان؛ لأن جزءا من مال الشراء سيدخل في الأرباح ويذهب لشراء الدخان... 


بل يلزم منها تحريم أغلب المعاملات المعاصرة؛ لأن كثيرا من الشركات تساهم بطريقة أو بأخرى في محرم ما. 


وهذا لا يقول به من هو مجاور للفقهاء فضلا عن أن يقول به فقيه، بل لا يقول به عاقل يعي ما يقول!

🌟

ولا يراد بعين المال: الورقة النقدية نفسها التي تخرج من جيب المشتري 

فتصوير  (عين المال) كأنه يوضع في صرّة يُكتب عليها اسم المشتري، وأن التحريم متعلّق بتيقّن وصول هذه الصرّة بعينها للعدو الصهيوني

ما هو إلا فهم ساذج لا يليق بمن يتكلم في العلم، ولا يستحق الرد...

🌟

ولا أدري بماذا سيصف هؤلاء الشيخ العثيمين الذي أعاد الحكم إلى الأصل وهو الإباحة

فقد سئل: فضيلة الشيخ يوجد مشروب يسمى الكولا تنتجه شركة يهودية فما حكم شراب هذا المشروب؟ و ما حكم بيعه؟ وهل هو من التعاون على الإثم والعدوان؟.

فكان جوابه : ألم يبلغك أن النبي  اشترى من يهودي طعاماً لأهله؟ ومات ودرعه مرهونة عند هذا اليهودي ، ألم يبلغك أن الرسول  قبل الهدية من اليهود؟ .... شريط لقاء الباب المفتوح رقم 61-70 

🌟

وأخيرا لا أتكلم هنا عن المقاطعة من باب السياسة الشرعية والضغط الاقتصادي، وإنما أتكلم عنها من باب الإثم الشرعي الفردي.

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 5 سبتمبر 2025

#مقاطعة_شركة_البيبسي ونظائرها

 قال الصادق الغرياني:( كل من يستخدم سلعة داعمة للكيان يمكن الاستغناء عنها فعو شريك لما يحدث في غزة)


1-من أبرز الإشكالات في فتاوى الشيخ #الغرياني ـ هداني الله وإياه ـ تعجّله في القطع بالأحكام دون تفصيل. فقد جزم سابقاً بأن كل لحم مستورد من البرازيل غير مذكى، وعدّ آكله كمن يأكل الميتة! مع أن الكلام فيما هو مجهول ومشكوك فيه وليس فيما علم أنه ذبح بغير ذكاة شرعية

ثم عاد في مسألة المقاطعة ليحكم بأن كل من لم يقاطع شريك للعدو في قتل المسلمين. فأي فقه هذا؟ 


2-إن دار الإفتاء بهذه الإطلاقات المتعسفة صارت كأنها "دولة داخل دولة"، مع أن القضايا الكبرى كالمقاطعة تدخل في باب السياسة الشرعية، وتحتاج لتقدير مشترك بين العلماء وأهل الاقتصاد والسياسة، إذ قد تكون المصلحة في المقاطعة، وقد تكون في عدمها.


3-ملاحظات على إطلاقات الشيخ 

قوله بوجوب المقاطعة على كل مسلم، وتأثيم كل من لم يقاطع، والحكم عليه بأنه شريك لليهود في قتل المسلمين – بإطلاق – لا يستقيم شرعاً؛ لأن المناط الشرعي للتأثيم: علم المسلم -سواء كان بيقين أو بغلبة ظن- أن المال الذي يدفعه بعينه سيذهب إلى قتل المسلمين أو دعم عدوهم مباشرة...وليس مجرد الشك..


• وقد نصَّ الإمام أحمد رحمه الله حين سُئل عن استئجار ضيعة أوقفها النصارى للكنيسة فقال: "لا يأخذها بشيء لا يُعينهم على ما هم فيه". 


• وجاء في بلغة السالك: "يُمنع بيع كل شيء عُلِم أن المشتري قصد به أمراً محرماً". 


فمن تحقق عنده هذا العلم أو غلب على ظنه وجبت عليه المقاطعة، وإلا فلا يجب ولا إثم عليه، وإن كانت المقاطعة مشروعة من باب الاحتياط.


4-فالشيخ لا يميز في الحكم بالتأثيم بين من شك ومن علم، ويعطي الشاك حكم العالم، وهذا من غر يب ما يذكر!!!!! 


5-وأما الكلام عن أصل المقاطعة فهذا مبني على باب السياسة الشرعية 

ولا تقوم به #دار_الإفتاء وحدها بل لابد من مشاركة خبراء الاقتصاد والتجارة وأهل السياسة، فليس كل ما صلح لأهل بلد يصلح للبلد الآخر، فخسارة الشركة الأم بالمقاطعة قد يقابلها خسارة أكبر لبلد مسلم، وخذا يحتاج إلى فقه الموازنات...


6-ما يروّجه بعض المتحمسين من أن جدوى المقاطعة وحدها تكفي لإثبات وجوبها العيني، جهلٌ بمناط الحكم؛ لأن جدوى المقاطعة من حيث تأثيرها الاقتصادي أمر معتبر، لكنه لا يجعلها بالضرورة واجبة على كل فرد بعينه؛ لأن مناط الوجوب العيني ليس الجدوى الاقتصادية

وكذلك الحكم العام ليس مناطه تأثيرها الاقتصادي على العدو فقط، وإنما يراعى في ذلك أيضا تأثيرها على البلد المقاطع، ومن المعلوم أن تقدير المصلحة العامة لا يختص به الأفراد أو أهل العلم وحدهم، بل هو شأن تشاوري بين الفقهاء وأهل السياسة والاقتصاد. 


والخلاصة

لا نوجب المقاطعة على كل مسلم وإنما نوجبها على من علم أن ماله يذهب لدعم الكيان 

وهذا لا ينفي أصل مشروعية المقاطعة .. 


🌟

من الجهل المركّب أن يُبنى وجوب المقاطعة العيني الفردي على افتراض محاسبي لا يرقى إلى مرتبة غلبة الظن، فضلاً عن اليقين.

فقد زعم بعض أدعياء العلم أن كل فلس يدفعه المستهلك في شراء "البيبسي" يصل يقينًا إلى آلة القتل الصهيوونية، مستندًا إلى فرضية محاسبية تقول: إن كل فلسٍ يدفعه المستهلك يتحول جزء منه يقينًا إلى نسبة رقمية تدخل في تشكيل الأرباح النهائية التي يُقتطع منها الدعم المقدم للكيان.!!! 


🌟والمقدمة الكلية صحيحة وهي أن كل إعانة للعدو على المسلمين فهي محرمة 

إلا أن الإشكال في المقدمة الصغرى،وهي جعل هذا الافتراض المحاسبي من صور الإعانة المحرمة الموجبة للإثم! 

🌟

وهنا نسأل كم بقي من الدينار الذي يدفعه المستهلك الفرد ليتحوّل إلى جزء من أرباح الشركة بعد الخصومات؟

ثم ما مدى تأثير هذا المتبقي في تمكين الشركة من فعل المحرم؟...!!!

🌟

عندما نتحدث عن الإيجاب الفردي وتأثيم كل شخص، فنحن نقصد أثر مال الشخص الواحد بعينه الذي لا يذهب مباشرة لتمويل محرم:

وهذا المال نسبته ضئيلة جدًا لا يظهر أثرها في ميزانية الشركة ....فهو غير مباشر وغير مؤثر.. فكيف يؤثم المشتري للبيبسي؟!!!

والفقهاء ينظرون إلى الأثر وغالبية الإفضاء، ويظهر ذلك جلياً في اختلافهم في بيع ما يصنع به السلاح كالحديد للحربي، وفي كلاهم في باب سد الذرائع....

🌟

ولتدرك مدى خطورة هذا التصوّر الفرضي الحسابي، سألفت نظرك إلى ما يترتب عليه من تحريم معاملات هي في الحقيقة جائزة باتفاق الفقهاء

ففي ثبت الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما بنسيئة ورهنه درعه)

مع أن جزءا من ثمن الطعام سيدخل ضمن أرباح عامة لذلك اليهودي ويُصرَف في معاملات ربوية وشراء أمور محرمة كالخمر ، فأين ذهبت تلك الفرضية؟!!!

وكذلك الصحابة كانوا يتعاملون معهم..مما يدل على أن مجرد دخول المال في جزء من أرباحهم ليس هو مناط تحريم الإعانة على الإثم. 


قال الشافعي:(لا يحرم في بلاد الحرب بيع رقيق وطعام ولا شيء غيره) الأم (٧/٣٥٢)

فلو صحّت تلك الفرضية المحاسبية، للزم القول بتحريم هذه المعاملة، لأن جزءا من أموال المسلمين ستشكل أرباحا للحربي مما تزيد اقتصاد العدو الحربي وتعينه على قتال المسلمين، فكيف غاب ذلك عن الشافعي حتى قال بالجواز؟!!!! وكيف غاب عنه وأدركه الدعي؟!!! 


وقال ابن العربي في أحكام القرآن: (والصحيح جواز معاملتهم مع رباهم واقتحامهم ما حرم الله سبحانه عليهم، فقد قام الدليل القاطع على ذلك قرآناً وسنة. ا.هـ 


بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية نفسه أجاز البيع للتتار إذا كان في مأكول أو ملبوس، ولم يجعل ذلك من الإعانة، ولا خطر على باله تلك الفلسلفة المحاسبية، قال ابن تيمية:(يجوز أن يبيع من الطعام والثياب ونحو ذلك ما يبيعه لأمثالهم) 

🌟

ولو طُبّقت هذه الفرضية الحسابية وجُعلت مناطا شرعيا للزم: تحريم الشراء من محلات المواد الغذائية التي تبيع الدخان؛ لأن جزءا من مال الشراء سيدخل في الأرباح ويذهب لشراء الدخان... 


بل يلزم منها تحريم أغلب المعاملات المعاصرة؛ لأن كثيرا من الشركات تساهم بطريقة أو بأخرى في محرم ما. 


وهذا لا يقول به من هو مجاور للفقهاء فضلا عن أن يقول به فقيه، بل لا يقول به عاقل يعي ما يقول!

🌟

ولا يراد بعين المال: الورقة النقدية نفسها التي تخرج من جيب المشتري 

فتصوير (عين المال) كأنه يوضع في صرّة يُكتب عليها اسم المشتري، وأن التحريم متعلّق بتيقّن وصول هذه الصرّة بعينها للعدو الصهيوني

ما هو إلا فهم ساذج لا يليق بمن يتكلم في العلم، ولا يستحق الرد...

🌟

ولا أدري بماذا سيصف هؤلاء الشيخ العثيمين الذي أعاد الحكم إلى الأصل وهو الإباحة

فقد سئل: فضيلة الشيخ يوجد مشروب يسمى الكولا تنتجه شركة يهودية فما حكم شراب هذا المشروب؟ و ما حكم بيعه؟ وهل هو من التعاون على الإثم والعدوان؟.

فكان جوابه : ألم يبلغك أن النبي  اشترى من يهودي طعاماً لأهله؟ ومات ودرعه مرهونة عند هذا اليهودي ، ألم يبلغك أن الرسول  قبل الهدية من اليهود؟ .... شريط لقاء الباب المفتوح رقم 61-70 

🌟

وأخيرا لا أتكلم هنا عن المقاطعة من باب السياسة الشرعية والضغط الاقتصادي، وإنما أتكلم عنها من باب الإثم الشرعي الفردي.

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

✍️ بقلم: د. أحمد محمد الصادق النجار

الأربعاء، 3 سبتمبر 2025

يحتج بعضهم فيقول: لو كان ترك النبي ﷺ للفعل دليلًا على المنع، لكان ركوب السيارة واستعمال التقنية حرامًا

 🌟يحتج بعضهم فيقول: لو كان ترك النبي ﷺ للفعل دليلًا على المنع، لكان ركوب السيارة واستعمال التقنية حرامًا، ولكانت صلاة التراويح بدعة

ويظن أنه قد أقام الحجة وأسكت الخصم! 

وما يدري المسكين أن المسألة أعمق من ذلك، وأن الترك ليس على مرتبة واحدة، فليس كل ترك يدل على المنع، وإنما هو ترك مخصوص..


🔹 أولًا:

القاعدة لا تجري في الأمور الدنيوية ولا العادات المحضة ولا وسائلهما، وقد قال النبي ﷺ قال: «أنتم أعلم بأمور دنياكم».

فركوب السيارة أو استعمال التقنية أمر دنيوي محض، لا علاقة له بمبحث البدعة وليس هل محل الترك ابذي يدل على المنع

فلا تتفلسف....

القاعدة متعلقة بالتشريع وبالأمور الدينية، وليست بالأمور الدنيوية 


🔹 ثانيا: 

الأصل أن النبي ﷺ لم يترك خيرًا يقرب إلى الله إلا وأرشد إليه، فإذا وُجد السبب في عهده ولم يوجد مانع، ومع ذلك ترك الفعل ولم يشرع لأمته، دل ذلك على أن هذا الترك مقصود تشريعًا. 


🔹 ثالثا: 

انتبه حتى في الأمور الدينية ليس كل ترك يدل على المنع

وإنما الترك الذي وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا مانع يمنعه من الفعل

فخرجت بذلك صلاة التروايح لأن ترك النبي صلى الله عليه وسلم لها هو خشية أن تفرض على الأمة 


وحتى في الذي وجد داعيه ولا مانع ليس كل ترك يدل على المنع

وإنما الترك الذي لا يوجد فيه آثار عن الصحابة والتابعين في تجويز الفعل 

ولم يجر عمل المسلمين أو جمهور السلف على تجويز الفعل.... 


🌟أحد المتفيقهين يسأل إذا كان الاحتفال بالمولد بدعة لترك النبي صلى الله عليه وسلم فلماذا لا يكون دعاء ختم القرآن في التراويح بدعة؛ لترك النبي صلى الله عليه وسلم؟ 


🌟وجوابه كما تقدم، يشترط في الترك حتى يصح إعماله في المنع ألا يجري عليه عمل جمهور السلف

ولما سئل الإمام أحمد عن مستنده في القول بجواز دعاء الختم قال:(رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم في مكة

قال العباس بن عبد العظيم: وكذلك أدركنا الناس بالبصرة ومكة...اه 


🌟ولهذا كان الحكم واضحًا: 


• دعاء الختم لم يُعد بدعة لثبوته عن جماعة من السلف.

• والاحتفال بالمولد حُكم ببدعيته لكونه محدثًا بعد القرون المفضلة، دون مستند من هدي النبي ﷺ ولا عمل السلف ولا جماعة منهم. 


ولمزيد تفصيل راجع هذه الرسالة

https://t.me/dr_alnjar/3586


د. أحمد محمد الصادق النجار

الأحد، 31 أغسطس 2025

مناقشة دعوى الشريف حاتم العوني في اعتبار الاحتفال بالمولد من المصالح المرسلة

 

انتشر كلام الشريف حاتم العوني في تقريره أن الاحتفال بالمولد النبوي يمكن اعتباره من باب المصالح المرسلة إذا كان لمجرد التذكير بالسيرة النبوية، وإذكاء محبة النبي ﷺ في القلوب، دون اعتقاد فضيلة خاصة ليوم المولد.
وقد وجد هذا الرأي قبولًا عند بعض من كان يعتقد بدعية الاحتفال، بسبب ضعف تأصيلهم الأصولي.

قال العوني:"صورة يكون فيها المولد من المصالح المرسلة، وذلك إذا كان بقصد استثمار تاريخ هذا الحدث الجليل، للتذكير بسيرته صلى الله عليه وسلم، أو لإذكاء جذوة محبته صلى الله عليه وسلم في القلوب، من غير اعتقاد فضيلة خاصة لليوم، تجيز تخصيصه بعبادة أو باعتقاد لا دليل عليه".

والرد على هذه الدعوى من أوجه:

أولًا: هناك تشابه بين المصلحة المرسلة و البدعة الإضافية من بعض الوجوه، وهو ما قد يوقع في الخلط ويستغله بعض الناس لتمرير البدع والتلبيس على العامة.
ولذا لابد من ييان الفرق بين المصلحة المرسلة والبدعة:

• المصلحة المرسلة: هي المنفعة التي لم يشهد الشرع باعتبار عينها ولا بإلغائها، لكن جنسها ملائم لتصرفات الشريعة، وقد اعتبره الشارع في الجملة، ولم يرد دليل خاص يصادمه في عين المسألة.
• فمثلا جمع القرآن، المنفعة منه وهي حفظ القرآن   وصيانته اعتبرها الله في الأحكام الشرعية، إلا أنه لم يرد دليل خاص على اغتبارها في جمع القرآن، واعتبارها في ذات الجمع ليس هناك دليل يصادمه  ويمنع من اعتبارها فكان جمع القرآن من المصالح المرسلة  وكذاك تأليف الكتب وبناء المدارس والمسابقات الشرعية ووو

• وأما البدعة: فهي ما أُحدث في الدين مما لم يأت به النبي ﷺ، سواء قصد به التعبد مباشرة، أو جُعل طريقًا يضاهي الطريقة الشرعية.
• وليست البدعة خاصة بما يقصد به التقرب والتعبد كما يتصور بعضهم!!!

أوجه التشابه بين المصلحة النرسلة والبدعة:

• كلاهما أمر محدث.
• أن جنس الوصف فيهما قد اعتبره الشارع.

أوجه الافتراق:

• المصلحة المرسلة لا تعارض دليلا شرعيًا خاصًا، بخلاف البدعة فإنها تصادم الشرع وتعارض دليلاً خاصًا. قال ابن تيمية في "المجموع":"المصالح المرسلة: أن يرى المجتهد أن هذا الفعل يجلب منفعة راجحة، وليس في الشرع ما ينفيه".

• في البدع: عدم الفعل مقصود شرعًا، أما في المصالح المرسلة فالأمر على العكس.

• المصالح المرسلة وسيلة لحفظ مقصد من مقاصد الشارع، وضروري من الضرورات الخمس، بخلاف البدع فهي إحداث في الدين وهي تؤدي إلى هدم الدين.

تطبيق هذا على الاحتفال بالمولد:

• لا شك أن جنس المنفعة معتبر: محبة النبي ﷺ والتذكير بسيرته والاقتداء به.

• لكن اعتبار هذه المنفعة في عين الاحتفال بالمولد يصادمه دليل خاص، وهو:
• ترك النبي ﷺ للاحتفال مع قيام المقتضي وزوال المانع.
• ترك الصحابة لذلك، مما يعد إجماعًا منهم.
وهذا يدل على أن الاحتفال معارض للدليل الخاص، فيخرج من كونه مصلحة مرسلة إلى كونه بدعة محدثة.

وهناك أوجه مصادمة أخرى للشرع:

• أن المشروع في يوم الاثنين هو الصيام، لا اتخاذه يوم احتفال. فترك المشروع والانشغال بغيره مخالفة للشرع.

• جعل المولد احتفالًا متكررًا على جهة التعظيم يجعله في معنى العيد، والعيد شريعة توقيفية تحتاج إلى دليل خاص.

• التزام الناس بالاحتفال لما اعتقدوا فيه من "المصلحة" هو في حقيقته التزام بما لم يشرعه الله، فيفتح باب البدع.

والخلاصة:
• الاحتفال بالمولد ليس وسيلة شرعية صحيحة لمقصد شرعي معتبر، بل هو إحداث في الدين.

• ولو سلّمنا جدلًا أن فيه مصلحة (كتذكير السيرة والمحبة)، فإن فيه مفسدة راجحة، وهي:

• الابتداع في الدين، ولازمه اتهام النبي ﷺ بأنه لم يبلّغ هذه "المصلحة".

• فتح باب الغلو فيه ﷺ بما يرفعه فوق منزلته.

ودفع المفاسد الراجحة مقدم على جلب المصالح، فكيف إذا كانت هذه المصلحة موهومة أصلاً؟

وأخيرا:
يتضح مما سبق أن تنزيل العوني للمصلحة المرسلة على الاحتفال بالمولد غير صحيح؛ لأنه لم يراع القيود والضوابط الأصولية. والخلل في التصور أنتج خللاً في الحكم، فكان قوله خطأً ظاهرًا.

وقد سبق أن ناقشت شبهات أخرى لأصحاب القول بجواز الاحتفال بالمولد في مقال مستقل منشور على الشبكة، ولم نعرض هنا إلا واحدة من جهات الخطأ في تقرير العوني، مع أن وجوه بدعية الاحتفال بالمولد كثيرة.

✍️ كتبه: أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 29 أغسطس 2025

مناقشة كلام د #سعيد_الكملي في تجويز #الاحتفال_بالمولد عبر تدريس السيرة والتذكير بها

مناقشة كلام د  #سعيد_الكملي في تجويز #الاحتفال_بالمولد عبر تدريس السيرة والتذكير بها


قال د. سعيد الكملي: (نقول: ما موضوع الاحتفال؟ وبأي شيء يُحتفل؟

فإذا كان الاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم بأن تُدرس سيرته، ويُذكَّر بأيامه، ويُنشر دينه، ويُدعى غير المسلمين إلى الإسلام وفق دعوته وما يرضاه هو صلى الله عليه وسلم لو كان حيًّا، فهذا احتفال حسن.

وأما إذا كان الاحتفال مشتملًا على ما يسخطه صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن أن يُحتفل بالنبي صلى الله عليه وسلم بما يبغضه).


#المناقشة:


#أولًا: انطلق الشيخ من مقدمة غير مسلَّمة، وهي أن *الاحتفال بالمولد في أصله مشروع أو مباح*، ثم بنى حكمه على مضمون الاحتفال: هل هو على وفق الشرع أو لا؟

بينما البحث الصحيح يجب أن يبدأ من *أصل مشروعية الفعل نفسه*: هل الاحتفال بالمولد –من حيث هو– ثابت في الشرع أو أنه من جنس البدع المحدثة؟

فإذا لم يثبت أصل المشروعية، سقط التفريع على الكيفية أو الموضوع.


# ثانيًا: مناط البدعة في المولد

الاحتفال بالمولد قائم على *تخصيص زمن معين للتعظيم والعبادة*، وهذا التخصيص من خصائص التشريع التي لا تكون إلا لله تعالى.

ولا فرق في هذا بين أن يكون موضوع الاحتفال *ذكر السيرة النبوية* أو غيرها من الموضوعات، لأن حقيقة البدعة تكمن في تخصيص زمن للتعبد أو التذكير دون دليل شرعي.


* نكتة المسألة: أن تخصيص هذا اليوم مظنة اعتقاد أنه أفضل من غيره، وأن ذكر السيرة فيه أفضل من ذكرها في سائر الأيام.

* والمعلوم أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم لا يدل على فضل الشهر أو اليوم بذاته. ولو سلمنا جدلًا بفضل الزمن، فهذا لا يستلزم فضل العمل فيه.


إذن: التخصيص بذاته هو عين المحظور، مهما كان موضوع الاحتفال.


#ثالثًا: شبهة التذكير بالسيرة


لو قيل: الباعث هو **التذكير والمحبة**.

قيل: التذكير بالسيرة مشروع في كل وقت، ولا يحتاج إلى تخصيص يوم بعينه. بل التخصيص يناقض هذا المقصد، لأنه يربط الذكرى بزمن مخصوص، فيُفهم منه التعظيم أو الموافقة لأهل الاعتقاد الفاسد.


وإذا قيل: المناسبة تدعو للتذكير.

فالجواب: المناسبات ليست سببًا شرعيًا للتخصيص، لأن التخصيص المتكرر ينشأ منه اعتقاد الفضل، وهو مفسدة عظيمة.


#رابعًا: الموازنة بين المصلحة والمفسدة


قد يُقال: فيه مصلحة التذكير بالسيرة وإذكاء المحبة.

فنقول: هذه المصلحة –إن وُجدت– تقابلها مفسدة عظيمة، وهي:


* الابتداع في الدين.

* اعتقاد الفضل في غير ما فضل الله.

* فتح باب الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم.

* اتهام النبي صلى الله عليه وسلم –بلازم القول– بأنه كتم شيئًا من الدين ولم يبلّغه.


وهذه المفسدة أرجح من المصلحة المتوهمة، ودفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، فكيف إذا كانت المصلحة موهومة أصلًا؟


#الخلاصة


الاحتفال بالمولد –مهما كان مضمونه– هو في حقيقته **بدعة محدثة**، والتقرب إلى الله بها مما **يسخط الرب ويغضب النبي صلى الله عليه وسلم**، لأنه لم يشرعها لأمته ولم يرضها لهم.


---


✍️ د. أحمد محمد الصادق النجار 


---

http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/08/blog-post_29.html

الأربعاء، 27 أغسطس 2025

للتاريخ وفضح التآمر على الدعوة السلفية إمارة كُنَر الإسلامية (1990–1991)

للتاريخ وفضح التآمر على الدعوة السلفية
[إمارة كُنَر الإسلامية (1990–1991) ]

🔹شهدت الساحة الأفغانية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات حالة من الانقسام الحاد بين الفصائل، خصوصاً بعد انسحاب القوات السوفيتية. فقد كانت الصراعات قائمة بين قادة مثل حكمتيار (الحزب الإسلامي)، وبرهان الدين رباني، وأحمد شاه مسعود، وغيرهم. في خضم هذا التناحر برزت تجربة مختلفة في ولاية كُنَر بقيادة الشيخ جميل الرحمن رحمه الله، حيث أسس إمارةً إسلامية اتسمت بقدر من الاستقرار والنزاهة مقارنة ببقية المناطق.

🔹لم يكن الخلاف مع الشيخ جميل الرحمن مجرد "نزاع على السلطة"، بل كان صراعاً عقدياً ومنهجياً بين السلفية التي تبنّاها الشيخ، وبين تحالف الفصائل ذات المرجعيات المختلفة كالإخوانية وغيرها.
وقد قال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله في كتابه "مقتل الشيخ جميل الرحمن "  : " فقد أخبرني بعض إخواني في الله أنه كان في بعض المعسكرات وسمع بعض الأفغان يقول : إذا انتهينا من الشيوعيين سنبدأ بالوهابية."

وهذا يكشف أن الصراع كان بالأساس ضد المنهج السلفي الذي جسّدته إمارة كُنَر.

🔹أعلن الشيخ جميل الرحمن إمارة كُنَر الإسلامية عام 1990م، مستنداً إلى منهج السلف الصالح في تطبيق الشريعة، ورافضاً إدخال الفكر الحزبي إلى المشروع الإسلامي.
وقد جاء إعلان الإمارة نتيجة فراغ سياسي وأمني، إذ لم تكن "الحكومة المؤقتة" التي شكّلتها بعض الفصائل تملك أي سلطة فعلية على الأرض.

🔹وعندما ضغطت الأحزاب على الشيخ لإجراء انتخابات، وافق أخيراً وأقيمت الانتخابات، ففاز بها الشيخ وأُعلن أميراً لإمارة كُنَر. لكن النتيجة لم ترضِ الأحزاب، فبدأت المؤامرات والتحريض ضده بسبب منهجه السلفي.

يذكر الشيخ مقبل الوادعي: "...(...الأحزاب السبعة تمالأت والحمد لله عندنا وثائق قدر مجلد صغير وصلت هذه الوثائق في اليوم الثامن من ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وأربعمائة وألف (8 ربيع أول 1412?). وبعد ذلك اتضحت الحقيقة، وعرف الناس أنه أمر متواطأ عليه بين الأحزاب كلها، وبين الإخوان المفلسين وإلا فما معنى المقابلة التي نشرتْها جريدة (الصحوة) لا بارك الله فيها مع (حكمتيار) وتسأله عن ولاية (كنر)؟ فيقول: (إن بها عملاء لأعداء الإسلام). ..."

وقد ظهر ذلك جلياً في مقابلة نشرتها جريدة الصحوة مع حكمتيار، حيث وصف ولاية كُنَر بأنها تضم "عملاء لأعداء الإسلام".

🔹وقد كان للدكتور عبد الله عزام دور في عدم إيصال المساعدات إلى الشيخ جميل الرحمن، والتشويش عليه، وقد عقّب الشيخ الألباني رحمه الله على ذلك قائلاً:

"عبد الله عزام مع الأسف يعني مع أنه عنده اتجاه سلفي ، لكنه مغلوب بالإخوانية أي نعم ، يعني الحزبية هذه من الصعب أن الإنسان يتخلى عنها ."

🔹وفي أجواء التحريض الإعلامي ضد الإمارة، عاش شاب مصري يُدعى عبد الله الرومي في صفوف الحزب الإسلامي (حكمتيار)، وكان يعمل صحفياً في مجلة الجهاد الصادرة عن مكتب الخدمات في بيشاور.
أُقنع الرومي بأن الشيخ جميل الرحمن هو العقبة الوحيدة أمام إقامة "دولة إسلامية" بقيادة الحزب الإسلامي، وأنه يفتت الصف الأفغاني.
فتمكّن القاتل صباح يوم الجمعة من دخول بيت الشيخ بحجّة السلام عليه، فجلس ينتظر حتى يفرغ الشيخ من اجتماعه. وبعد أن انتهى الشيخ من مجلسه جلس في ساحة البيت مترقبًا وقت الصلاة، فإذا بالقاتل يدنو منه ويطلق عليه الرصاص الغادر.

لقد توهّم هؤلاء أن بقتل الشيخ ستنطفئ جذوة الدعوة السلفية، تلك الدعوة المباركة التي ما زالت تُحارَب إلى يومنا هذا على أيدي الماتريدية الصوفية المتعصبة للمذهب الحنفي.

كان الخلاف بين الشيخ جميل والفصائل الأخرى خلافًا عميقًا في العقيدة والمنهج، لا مجرد خصومة سياسية. فقد أبى الشيخ المزايدات الحزبية والانتماءات الضيقة، وتمسك بالكتاب والسنة بفهم السلف الصالح. وكونه قد انتسب في بداياته إلى صفوف حكمتيار لا ينفي أن الخلاف العقدي قد ظهر لاحقًا، حين تكشّفت الممارسات المخالفة للشريعة.

وقد شهد المشايخ الثلاثة: الألباني وابن باز وابن عثيمين رحمهم الله، بصفاء دعوته ونبل مسعاه، فما كانوا يومًا ضد الشيخ أو ضد منهجه السلفي، بل أثنوا على جهوده ودعوا إلى الصلح وحقن الدماء..

إن إعلان الإمارة لم يكن مؤامرة خارجية ولا إملاءً سياسيًا، بل كان قرارًا ذاتيًا اتخذه الشيخ بعد أن مكّنه الله من أرض كنر، ليقيم شرع الله ويُظهر السنة. وكل من عايشه يشهد بزهده واستقلاله ووضوح دعوته، بعيدًا عن دهاليز المخابرات ومكائد السياسة.

د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/08/19901991.html


الثلاثاء، 26 أغسطس 2025

أصول النظر في اللحوم المستوردة


 


🔹 عندنا أصلان معتبران: 


• الأصل في اللحوم التحريم حتى يثبت ما يبيحها. 


• الأصل في ذبيحة المسلم والكتابي الحل، ففعل المسلم والكتابي محمول على الصحة والسلامة، ما لم يُعلم أنه وقع على وجه غير مشروع.


     

🔹وعند النظر في اللحوم الواردة من الدول المنسوبة إلى أهل الكتاب، فإن الانطلاق يكون من الأصل الثاني لا من الأول. 


🔹 وبناءً على ذلك، فإن أحوال اللحوم المستوردة تكون على ثلاثة: 


• ما عُلم بعينه أنه ذُبح على الطريقة الشرعية ومن كتابي → فهذا جائز باتفاق. 


• ما عُلم بعينه  أنه لم يُذبح على الطريقة الشرعية، أو ذبحه غير كتابي → فهذا محرم باتفاق. 


• ما جُهل حاله → وهو محل الخلاف، وينقسم إلى حالين: 


• إذا جُهل حال المذكي، ولم يغلب على البلد أهل الكتاب، حُرِّم اللحم؛ لقوة الشك في السبب المبيح.

      

• إذا جُهلت طريقة الذبح مع كون الذابح كتابيًا، فهنا يتجاذب المسألة الأصل والظاهر: 


• فالأصل: الحل، لأن الذبيحة صدرت من أهلها، والأصل في فعلهم الصحة  ولم يعلم أن هذا اللحم بعينه ذبح بطريقة غير شرعية 


• والظاهر: ما ثبت من وقائع كثيرة أن الذبح في تلك البلاد يجري بغير الطريقة الشرعية.


🔹الترجيح 

غير أن الذي أميل إليه أن كثرة الوقائع والمشاهدات ولّدت ظاهرًا راجحًا يُغلب على الظن أن القوم لا يلتزمون بالتذكية الشرعية. وهذا الظاهر مستنده الحس والمشاهدة، وهو معتبر شرعًا. ومن ثمّ، فإن الشك في السبب المبيح قائم، وإذا وجد الشك في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل الأول: الأصل في اللحوم التحريم.


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 22 أغسطس 2025

#اللحوم_المستوردة

#اللحوم_المستوردة 


✍️ بقلم د. أحمد محمد الصادق النجار 


أثير في ليبيا جدل واسع حول اللحوم المستوردة، خاصة القادمة من البرازيل، وكان من أسباب ذلك أن الجهة التي تبنّت التحقيق في المسألة لم تكن محل ثقة عند كثير من الليبيين؛ لصدور فتاوى سابقة عنها اتسمت بالتعميم وعدم الانضباط.

فلما أصدرت حكمًا عامًا بالتحريم على جميع اللحوم المستوردة، وجعلت كل من يأكلها كمن يأكل جيفة، جاء الاعتراض والإنكار. إذ إن مثل هذه القضايا لا يُعالج بالتعميم، وإنما بالتحقيق العلمي الدقيق، مع التفريق بين الشركات والبلدان، ومخاطبة المسؤولين مباشرة لإيضاح الحقائق. 


الأصل الشرعي في الذبائح واللحوم 


مذهب أكثر العلماء أن الأصل في الذبائح واللحوم: التحريم حتى يثبت تذكيَتُها على الوجه الشرعي. فإذا حصل شكّ: هل ذُبحت بطريقة صحيحة أم لا؟ فالأصل الحرمة. 


فالشك معتبر في المنع من الأكل، لما في صحيح مسلم:(وإن وجدت مع كلبك كلباً غيره وقد قتل فلا تأكل،فإنك لا تدري أيهما قتله).

قال النووي عند شرح الحديث:[فيه بيان قاعدةٍ مهمةٍ وهي أنه إذا حصل الشكُّ في الذكاة المبيحة للحيوان لم يحل؛ لأن الأصل تحريمه،وهذا لا خلاف فيه]شرح النووي على صحيح مسلم13/116

وقال ابن العربي المالكي:[...فإذا ورد الشكُّ في الصائد والذابح بقي على أصل التحريم]أحكام القرآن2/35.

وقال ابن دقيق العيد: «إن الأصل التحريم في الميتة، فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل، وكذلك إذا شككنا أن الصيد مات بالرمي أو لوجود سبب آخر يجوز أن يحال عليه الموت لم يحل» [إحكام الأحكام (2/288)]. 


فإذا وردت شبهة قوية على اللحوم المستوردة من البرازيل وغيرها 

فإننا نمنع من أكلها إلا لمن علم أنها ذبحت بطريقة يجوزها الشرع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:[ولا تحل الفروج والذبائح بالشبهات]مجموع الفتاوى32/190.


الاعتراض بقاعدة "الأصل في ذبائح أهل الكتاب الحل" 


قد يقال: إن الله أباح ذبائح أهل الكتاب، فالأصل الحل.

والجواب: نعم، هذا أصل معتبر، لكن الأصول قد تعارضها القرائن والوقائع والظواهر القوية التي مستندها الحس. 

والواقع اليوم في جملة من المذابح الأوروبية والبرازيلية قائم على: 


• التدويخ بالكهرباء أو الصعق بالمسدس قبل الذبح.

• ضعف أو غياب الرقابة الشرعية الفعلية، والاكتفاء بتواقيع شكلية من بعض المراكز الإسلامية.

• أن الذابح قد يكون مسلمًا، أو كتابيًا، أو وثنيًا، أو حتى ملحدًا، ولا يُتحقق من حاله.

• 

ولما راسلت الرئاسة العامة لإدراة البحوث الغلمية والإفتاء بالسعودية الدعاة والروابط والهيئات في دول الكفر جاءت الأحوبة في مجملها صادمة في طريقة الذبح وفي كون الذابح لا يدرى عنه هل هو مسلم أو كتابي أو وثني أو ملحد؟ وبعض ابذابحيين يكون وثنيا...مما يبقى الشك ويقويه في موافقة ذبحها للطريقة الإسلامية..

وبناءً على ذلك: إذا وُجدت شبهة قوية في اللحوم المستوردة، فإنها لا تُباح إلا بعد التحقق من أنها ذُبحت بطريقة شرعية. 

ومع ذلك لا يمكن أن نقطع بالحكم ولا أن نجعل من يأكلها في حكم من أكل الجيفة إلا عند ما تيقن أو غلب على ظنه أنها لم تذبح بالطريقة الشرعية


تغليب جانب التحريم عند الشك

من القواعد المقررة أنه إذا اجتمع فيما أصله التحريم سببان أحدها مبيح والآخر محرم يغلب جانب التحريم؛ لموافقته الأصل... 


ولا يتعارض ذلك مع ما رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: إِنَّ قَوْمًا حَدِيثُو عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ يَأْتُونَ بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا، أَفَنَأْكُلُ مِنْهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَمُّوا اللَّهَ وَكُلُوا». فالمسألة هناك متعلقة بذبيحة مسلم قد يترك التسمية جهلًا أو نسيانًا، 

والمسألة مبحوثة في مذابح عصرية في دول كفرية قويت فيها الشبهة في أصل السبب المبيح: هل وقع الذبح الشرعي أصلًا أم لا؟

وغلب على هذه الدول الإلحاد واللا دينية...

ومسألة التسمية إذا تركت جهلا أو نسايا من مسلم فيها خلاف معروف في حكم أكل ذبيحته...


الخلاصة

الصحيح أن الأصل في ذبائح النصارى الإباحة، لكن مع الشكوك القوية القائمة في كثير من اللحوم المستوردة اليوم، وخاصة من بعض الدول كالبرازيل، فالواجب التوقف حتى يثبت أنها ذُبحت وفق الطريقة الشرعية، ولا نعمم فنجعل كل من أكلها فهو آكل للجيفة، فمن ثبت عنده أن شركة معينة تذبح بالطريقة الشرعية فله أن يأكل ولا شيء عليه.ط، وإلا فلا.

http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/08/blog-post_22.html

الخميس، 21 أغسطس 2025

التناقض بين الخطاب والواقع عند بعض الجماعات ذات النزعة #القطبية أو المتأثرة بها كالصحوية

 

التناقض بين الخطاب والواقع عند بعض الجماعات ذات النزعة #القطبية أو المتأثرة بها كالصحوية
✍️ بقلم د. أحمد محمد الصادق النجار

( الكلام هنا على الجماعات لا على الحكومة السورية، فهي حكومة لها ولاية شرعية)

زعم بعض المنتسبين لهذه الجماعات أن من حرر سوريا إنما كان على خلفية قطبية…!
وقالوا: إن المنهج الذي "يدك حصون الصهاينة ويربي الأبطال" هو منهج #سيد_قطب…!
فهل سيثبتون على ما زعموه، أو أن خطابهم سيُصيبُه ما أصابهم من التناقض والتأتأة؟

إن المتأمل في خطاب هؤلاء يدرك حجم التناقض الصارخ بينهم وبين ما يظهرونه من دعوى الثبات على المنهج والمبدأ، فقد رأيناهم في بلادنا على صورتين متضادتين:

– في التنظير:
• يصفون #الحكومات بالردة بحجة الاستبدال، أو بإسقاط حكم الطائفة الممتنعة عليها.
• ويهاجمون كل من يخالفهم في "منهج سيد قطب" أو غيره من الشعارات التي يتبنونها.

– في الممارسة العملية:
• إذا فُتحت لهم أبواب التمويل من الحكومة، أو مُكِّنوا في أرضها من بعض المناصب، أو وُعدوا بالمكاسب، انقلب خطابهم فجأة من العداء والتكفير إلى المدح والتزكية.
• وكأن معيار “الثبات على الحق” عندهم ليس صدق المعتقد، وإنما حجم ما يُغدَق عليهم من منافع، أو رفع شعار الأسلمة...

والخلاصة:
أنهم يتخذون من الشعارات الكبرى – كالحاكمية، ومحاربة المشروع الصهيووني، وحكم الطائفة الممتنعة – أدواتٍ للتهييج والتعبئة، فإذا تبدلت الظروف وصرفت لهم الميزانيات ، تغيّر الخطاب فجأة من حدّة العداء إلى نعومة الدفاع والتسويغ.

الموقف الشرعي من #التطبيع

• التطبيع محرّم شرعًا، لأنه نوع إقرار بالاحتلال وتنازل عن حق ثابت للأمة، فضلًا عن مخالفته لقطعيات الشريعة.

• لا يجوز تسويغه بحجج "المصلحة"، أو "وقف العمليات العسكرية"، أو "الاعتراف بالقيادة الجديدة"، أو "التفاوض حول الجولان".

البديل المشروع

إذا اقتضت الضرورة، فالمشروع هو الهدنة المشروطة المؤقتة – كما فعل النبي ﷺ في صلح الحديبية – دون اعتراف بشرعية الاحتلال، ودون إقامة علاقات طبيعية معه.

✍️فالتطبيع لا يصبح حلالا مهما كانت الضغوطات لكن إذا أُجبر الناس قهرًا وفق ما يقتضيه فقه الضرورة، فيدخل في باب الإكراه، وحكمه يختلف:
• الدولة تعذر بقدر الضرورة بعد التحقق من دخولها تحت فقه الضرورات..
• ولا يسقط ذلك عن الأمة واجب رفض الاحتلال والسعي لتحرير الأرض بالضوابط الشرعية.

الأربعاء، 13 أغسطس 2025

مناقشة موقف الشيخ فيصل قزاز من النقد زمن الحرب


مناقشة موقف الشيخ فيصل قزاز من النقد زمن الحرب

بقلم: د. أحمد محمد الصادق النجار –

يُثار هذه الأيام سؤال مهم: هل يجوز نقد القيادات المقاومة زمن الحرب، خاصة إذا كان القتال مع الكفار أو أن هذا النقد يُضعف الصف ويُعد خيانة أو نفاقًا؟؟
وقد عبّر الشيخ فيصل قزاز عن موقف مانع من النقد وجعله من باب الخيانة والنفاق، معتبرًا أن هذا النقد لا يُعرف في تاريخ المسلمين إلا من الخونة والمنافقين.

قال:"لا يعرف في تاريخ المسلمين أن حربًا قامت بين المسلمين والكفار ووقف عالم من علماء المسلمين ينتقد المسلمين والحرب قائمة، بل لا يعرف هذا إلا من الخونة والمنافقين...

وإذا أردنا مناقشته:
.أولا: من حيث التأصيل الشرعي

النهي عن نقد المسلمين زمن الحرب ليس حكمًا مطلقًا عند علماء أهل السنة، بل هو مقيّد بحال تحقق الجهاد الشرعي واستكمال شروطه وانتفاء موانعه، مع رجحان المصلحة في السكوت
• أما إذا كان القتال فاقدًا لشروطه الشرعية، أو محققًا لمفسدة أكبر، فإن بيان الحكم الشرعي يصبح واجبًا، ولو في زمن الحرب، بشرط أن يكون بأسلوب منضبط يراعي المصلحة ويدرأ المفسدة.

والواقع أن الشيخ فيصل ومن على شاكلته يتكلمون عن أحكام الجهاد الشرعي الذي وُجد سببه وتحقّق شرطه، بينما يتحدث السلفيون عن قتال وُجد سببه لكن لم يتحقق شرطه الشرعي...

ثانيا: من حيث الاستقراء التاريخي

الاستقراء الذي يذكره الشيخ فيصل غير مكتمل؛ فالتاريخ الإسلامي شهد حالات نقد وتصحيح زمن الحرب إذا كان القتال غير مستوفٍ لشروطه.
ومن ذلك ما جرى زمن اجتياح التتار لدمشق، حيث خرج كثير من الناس يستغيثون بالأموات، فأنكر العلماء ذلك رغم أن العدو على الأبواب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"ولهذا كان أهل المعرفة بالدين والمكاشفة لم يقاتلوا في تلك المرة لعدم القتال الشرعي الذي أمر الله به ورسوله، ولِما يحصل في ذلك من الشر والفساد وانتفاء النصرة المطلوبة من القتال، فلا يكون فيه ثواب الدنيا ولا ثواب الآخرة لمن عرف هذا وهذا..."

فهذا المثال يدل على أن النقد زمن الحرب قد يكون مشروعًا إذا كان الهدف إصلاح المسار وتصحيح الفعل قبل المضي فيه.

ومن هنا، فإن من ذمّ الإقدام على قتال لم تكتمل حقيقته الشرعية، لم يذمه لأنه قاتل الكفار أو شارك في جهاد مستوفٍ لشروطه، بل ذمه؛ لأنه أقدم على فعل ناقص الشروط، ترتّب عليه ضرر عام ومفسدة راجحة لا تقرّها الشريعة...

وأما رميه لمخالفيه بتهم التخذيل والخيانة والنفاق فهو تعد ظاهر ولم يراعِ المعنى الذي اعتبرته الشريعة في النهي عن التثبيط والتخذيل في جهاد وجد سببه وتحقق شرطه، وهو:التأثير السلبي المباشر والراجح على سير الجهاد في ساحة المعركة.[انظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي (12/217)]
فما كان ضرره على الجهاد في ميدان القتال عظيماً، مُنع منه شرعاً.
أما ما كان ضرره مرجوحاً ومصلحته راجحة، أو كان الشروع في القتال خطأً لعدم تحقق شرطه الشرعي – ولو كان جهاد دفع – فإن التصحيح واجب؛ حماية للأرواح والمصالح الشرعية.

والذي يؤسفني -حقيقة- الحال الذي وصل إليه الشيخ فيصل قزاز بسبب خصوماته مع بعض المشايخ، فضيع البوصلة...

http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/08/blog-post_13.html

الاثنين، 11 أغسطس 2025

هل الأنظمة والحكومات في عصرنا فقدت مقومات الولاية الشرعية أصلا وبالتالي لا ينطبق عليهم كلام السلف في حكام زمانهم؟

 هل الأنظمة والحكومات في عصرنا فقدت مقومات الولاية الشرعية أصلا وبالتالي لا ينطبق عليهم كلام السلف في حكام زمانهم؟

بقلم د. أحمد محمد الصادق النجار
الجواب:
ليست الإشكالية – كما يظن بعض الإخوة – في تنزيل النصوص على الواقع مع سلامة التأصيل، بل الإشكالية الحقيقية تبدأ من تأصيل المسألة نفسها. فهناك من يؤصل على طريقة السلف، وهناك من يؤصل على طريقة غيرهم.
وسبب ورود هذا السؤال أن تحكيم الشريعة كمرجعية عليا لم يعد قائمًا في أغلب البلدان...وان الحكام مقيدون بأنظمة دولية واتفاقيات...وأن الكفار شاركوا تنصيبهم  بشكل أو بآخر
• فالخلاف الحقيقي بينهم والتأصيلي هو هل مناط نصوص الولاية هو مجرد إسلام الحاكم ولو طلق الشريعة تطبيقا جزئيا، أو إسلامه مع تحكيم الشريعة؟
وهذا يفتح الباب لسؤال آخر وهو ما هو "القدر الواجب" من تحكيم الشريعة حتى تتحقق به أصل الإمامة الشرعية؟ وهل عدم الاستقلالية في الحكم ومشاركة الكفار في التنصيب يؤثر في أصل الولاية؟

• التقرير الصحوي وأشد منه القطبي عادةً يجعل التطبيق الجزئي للشريعة ليس كافيا لبقاء الشرعية، بل هو إخلال جوهري بشرط أصل الولاية، فيربط بين شرط "تحكيم الشريعة" وشرط "الكفر البواح" بحيث يجعل غياب التحكيم الكامل للشريعة أو التحاكم للقوانين الوضعية من انتفاء شرط إقامة الدين أو من صور الكفر البواح، ويسقط بهما أصل الولاية الشرعية حتى في حال الاضطرار  ...ويعتبر أن دعم الكافر الحاكم للوصول للحكم كافٍ لانتفاء أصل الولاية؛ بناءً على قراءة سياسية تربط بين التنصيب الأجنبي وبين انتفاء شرط التحاكم الكامل للشريعة.

• في المقابل، التقرير السلفي يجعل مجرد كون الحاكم مسلمًا، مع تطبيق جزئي للشريعة مصحوبا بالإقرار بوجوب تطبيقها ومرجعيتها، كافيًا لبقاء الشرعية في حال الاضطرار، فيربط مناط الولاية بوجود الحاكم المسلم الذي استقر له الأمر، ويعتبر الحكم بالقوانين الوضعية في بعض أو أكثر الأمور، مع الإقرار بالشريعة ذنبًا عظيمًا لكنه ليس كفرًا أكبر إلا بجحود أو امتناع؛ مستندا في ذلك على أصلي سد الذرائع ودرء الفتنة أكثر من الاستدلال على تمام شروط الإمامة؛ حفظا لوحدة الجماعة
• فوجود ضغط خارجي أو قيود سياسية في التقرير السلفي لا يغير حكم النصوص الشرعية ما لم يتحقق المناط الشرعي لزوال الولاية،
•  ولا يشترط في الولاية الاضطرارية أن يكون تنصيب الحاكم قد تم بالطريقة الشرعية الكاملة حتى تثبت له الولاية، بل يكفي أن يستقر له الأمر وتنعقد له البيعة ولو قهرًا، ما دام مسلمًا ولم يظهر منه كفر بواح.
• ومجرد أن الكفار ساعدوا أو دعموا في الوصول إلى الحكم لا يسقط ولايته عند السلف، إذا تحققت فيه مناط الإمامة (الإسلام، عدم الكفر البواح، استقرار الحكم).
• والتاريخ الإسلامي نفسه فيه أمثلة لحكام وصلوا إلى السلطة عبر تحالفات أو دعم خارجي من أطراف غير مسلمة، ولم يُسقط السلف ولايتهم بمجرد ذلك، كبعض ولاة الأندلس الذين استعانوا بملوك النصارى في الصراعات الداخلية..


👈أعود فأقول: القول بأن "الأنظمة المعاصرة فقدت مقومات الولاية" قول غير منضبط علميًا، لأن البحث في هذا لا بد أن يبدأ أولًا بـ تخريج مناط أحاديث الصبر على الولاة، لا بالقفز إلى الحكم على القياس بالفساد أو الصحة بلا ضبط مناطه، ولا بتحقيق المناط في ولايات زماننا.

🔹 أولًا: مناط هذه الأحاديث – كما قرره أئمة أهل السنة – ليس كمال صلاح الحاكم ولا التزامه التام بالشريعة، وإنما:
• كونه مسلمًا في الجملة.
• استقرار الحكم
• عدم ظهور كفر بواح عليه ببرهان قاطع من الكتاب أو السنة.
• والحكمة التي رعاها الأئمة: دفع المفسدة الكبرى والفوضى العامة.

🔹 ثانيًا: النصوص الشرعية في السمع والطاعة والصبر على الجور، لا تُستبعد من واقعنا إلا إذا انتفى مناطها انتفاءً بيّنًا، وإلا فهي باقية الحكم.
👈 فـ "طبيعة الجور وتغير حال الحكام في زماننا" ليسا مناطين أصلا في النصوص، لا في زمن السلف ولا في غيره، وهذا وحده يسقط دعوى إسقاط الأحاديث بحجة اختلاف الواقع.
👈 فهذا الإمام أحمد عاش في عصر تغير فيه الحاكم واختلف حاله عن حال من تقدمه، فقد شرعن الكفر وعاقب من خالف، ومع ذلك أبقى النصوص على إطلاقها، ولم يخترع شرط "طبيعة الجور" أو "هوية النظام" لإسقاط الولاية قال الإمام أحمد: "ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة، وسُمّي أمير المؤمنين، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إمامًا، برًّا كان أو فاجرًا"[أصول السنة].

• فالفكر الصحوي في هذه القضية ينطلق من تغيير مناط النصوص الشرعية.
• فالنصوص عند السلف مناطها: الإسلام – عدم الكفر البواح – استقرار الحكم.
• وأما الصحويون فغيّروا هذا المناط إلى: التحاكم للشريعة بصورة كاملة – استقلال القرار السياسي – طريقة الوصول للحكم
• وهذا التغيير يجعل الحكم الشرعي تابعًا لظروف سياسية متغيرة، بدل أن يكون منضبطًا ببرهان شرعي قطعي.

🔹 ثالثًا: دعوى "فقدان مقومات الولاية" من غير برهان شرعي قطعي هي المدخل الذي سلكه القطبيون والسروريون لنسف النصوص، وتحويلها من مسألة توقيفية منضبطة إلى قضية اجتهادية
فوسّعوا معنى الكفر البواح حتى أدخلوا فيه المظالم والسياسات، ثم زعموا أن النصوص الواردة في الصبر على الأئمة لا تنطبق على "الواقع المعاصر" لأن "طبيعة الجور مختلفة"!
وهذا تلبيس وتغيير للمناط الشرعي بنظرية سياسية، ليصبح الحكم الشرعي رهين اجتهادات...
👈وهو يخالف منهج أهل السنة، الذي يضبط المسألة بشروط صارمة، ويمنع التوسع في زوال الشرعية بلا برهان قاطع؛ دفعا للفتننة العامة....

👈وقد تميز منهج أهل السنة عن غيره:
• ضبط المناط بشروطه.
• منع التوسع في زوال الشرعية بلا برهان قاطع.
• ردّ كل تأويل سياسي يُفضي إلى إسقاط النصوص على أهواء الفرق الحركية.

🔹رابعا: أصل الخلاف مع هؤلاء ليس في توصيف فساد الواقع، فنحن نقر بفساد الواقع ومغايرته لواقع السلف، وإنما أصل الخلاف في المنهج في تنزيل النصوص؛ فمن أبقى المناط على ما هو عليه عند السلف، لزمه إبقاء الحكم. ومن بدّله وقع في الانحراف المنهجي الذي قاد إلى الفوضى الفكرية والحركية.

🔹خامسا: وصف القول بأنه فكر قطبي أو سروري أو أنه على سَنن الخوارج والمعتزلة ليس من “التعصب المقيت” إذا كان القول بالفعل يوافق أصولهم ومآلاتهم، لأن الحكم على الأقوال بمآخذها ومآلاتها منهج علمي معتبر عند أئمة السنة.
ومن تبنى أصلاً فاسدًا من أصول الفرق الحركية، ثم شابههم في التنزيل والنتيجة، فإن وصفه بمقتضى ذلك ليس ظلمًا، بل هو توصيف علمي للمسار الفكري الذي يسلكه.


































الأحد، 10 أغسطس 2025

إنزال حكم #الطائفة_الممتنعة على الحكومات اليوم

إنزال حكم #الطائفة_الممتنعة على الحكومات اليوم
بقلم د. أحمد محمد الصادق النجار

يرى بعض المغرضين من أفراد الجماعات الجهادية أن الحكومات المسلمة المعاصرة تأصيلا تُكيَّف شرعًا على أنها طوائف ممتنعة بشوكة عن تطبيق شرع الله، فيوجبون قتالها؛ مستندين إلى حكم الطائفة الممتنعة .....

ولتمرير باطلهم، استدعوا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في قتال التتار، وأخرجوه من سياقه التاريخي والفقهي، وأسقطوه على واقع مختلف تمامًا. فقد كان ابن تيمية يتكلم عن قوم يجمعون بين الكفر الصريح والشرك البواح، ويخلطون جيوشهم من الكفار والمنافقين ومن يظهر الإسلام، حتى قال عنهم: ( وبالجملة فمذهبهم ودين الإسلام لا يجتمعان ولو أظهروا دين الإسلام الحنيفي الذي بعث رسوله به لاهتدوا وأطاعوا) وقال:(فكيف بمن كان فيما يظهره من الإسلام يجعل محمدا كجنكسخان)
بل ذكر أنهم لم يكونوا حتى يؤذنون في معسكراتهم. وهذا يختلف جذريًا عن حال أكثر الحكومات المسلمة اليوم.

ومع هذا التحريف الصارخ لكلام شيخ الإسلام، يأتي من يزعم أن هؤلاء "نبتة تيمية وهابية"؛
والحقيقة أنهم أبعد ما يكونون عن منهج ابن تيمية، وإنما هو استغلال لكلامهم الحق وإسقاطه في غير سياقه، كما أسقط الخوارج الأول  "،إن الحكم إلا لله" في غير سياقه...

🔹 ضابط الطائفة الممتنعة
-أن تكون طائفة ولها شوكة وقوة
-أن تترك شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة
-أن تتطالَب من دولة قوية بفعل ما تركته من الواجبات الظاهرة أو بترك ما فعلته من المحرمات الظاهرة فترفض وتقاتل على ذلك..

🔹 خلاف العلماء في أصل المسألة:
اختلف الفقهاء في حكم الطائفة الممتنعة إذا قاتلت مع إقرارها بوجوب الشرائع:
• هل تكفر وتقاتل قتال كفار؟
• أو لا تكفر وتقاتل قتال بغاة؟
قال ابن تيمية مبينًا مذهب الإمام أحمد:«كما أن مذهبه في مانعي الزكاة إذا قاتلوا الإمام عليها هل يكفرون مع الإقرار بوجوبها، على روايتين».

🔹 محل المسألة
ومحل هذه المسألة عند أهل السنة وجود دولة قوية قائمة عندها القدرة على قتال الطائفة الممتنعة بعد مطالبتها بفعل ما تركت من الشرائع، كما كان الحال في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين قاتل مانعي الزكاة بعد وفاة النبي ﷺ، وكما هو الحال في قتال التتار
وهو قتال منظم تحت راية إمام شرعي ودولة مستقرة، لا مغامرة فوضوية لجماعات متفرقة.

فالسؤال الذي يجب أن يُطرح عليهم: هل الحكومات المعاصرة واجهت حالة شبيهة بحال مانعي الزكاة أو التتار، حيث طالبهم إمامٌ شرعي لدولة قوية بإقامة الشريعة فامتنعوا وقاتلوا؟!!

🔹 تحريف الجماعات الجهادية للمسألة:
الغريب أن هذه الجماعات نقلت المسألة من سياقها الشرعي إلى سياق فوضوي؛ فجعلوا أنفسهم – وهم مجموعات متفرقة – أصحابَ الحق في الحكم على الحكومات المسلمة بأنها "طوائف ممتنعة"، ثم استباح بعضهم بذلك التفجير والاغتيال في بلاد المسلمين، تحت شعار الجهاد....

🔹 خلاف الجماعات الجهادية الداخلي في التنزيل:
حتى داخل هذه الجماعات، اختلفوا في كيفية إسقاط حكم الطائفة الممتنعة على الحكومات ومن تحتها:

• بعضهم قال: كل فرد في الحكومات له حكم الطائفة؛ فإذا كان رأس الطائفة مرتدًا، فكل من تحت سلطانه مرتد.

• أبو محمد المقدسي قال: لا يُكفّر كل فرد، بل يكفر من يقر بباطلهم أو يعينهم على قوانينهم أو ينصرهم.
      وقال أبو بصير الطرطوسي :" تكفير الحكام المبدلين للشريعة والذين لا يحكمون بما أنزل الله .. لا يستلزم كفر وتكفير كل من يعمل في حكوماتهم ـ كما يروج البعض ترهيباً لعامة المسلمين من تكفير طواغيت الحكم! ـ وإنما الذي نقوله: من دخل في نصرة الحاكم الطاغوت وظاهره على المسلمين .. فهو كافر مثله .. ومن بطانته .. وهذا وصف لا يلزم كل من عمل في الحكومة"

• طائفة أخرى جعلت مسألة تكفير أعيان الحكام ومناصريهم مسألة فتوى وقضاء، مبناها على الاجتهاد، فهي من العلم الذي سبيله النظر والاجتهاد والاستدلال، ولم تصل إلى حد العلم الضروري المقطوع به....

🔹 الخلاصة والتحذير

إن تكفير الحكومات المسلمة بالجملة منهج باطل شرعًا، وما تفعله هذه الجماعات اليوم من إسقاط الأحكام في غير موضعها، ما هو إلا إشعال لنار الفتنة وتمزيق لصف الأمة، وتحويل سلاح المسلمين إلى صدور المسلمين.
http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/08/blog-post_10.html