الأربعاء، 5 أكتوبر 2022

 من الفتاوى غير المنضبطة ما سمعته من أحد المشايخ في برنامج مع #دار_الإفتاء

أرسله لي أحد طلبة العلم 


يُجَوّز فيه تخصيص أكلٍ في يوم معين مقصود، ويمنع من تخصيص احتفال في يوم معين مقصود، وهو #الاحتفال_بالمولد 


مع أن التعليل الذي يعلل به الراسخون في العلم واحد، فتعليل المنع من الاحتفال بالمولد هو تعظيم اليوم وقصده بالاحتفال، وهذا التعليل يقتضي المنع من تحصيص أكل؛ لأن تخصيص أكل إنما كان لأجل تعظيم اليوم وقصده. 


قال الونشريسي المالكي تحت فصل : ( بدعة اتخاذ طعام معلوم في بعض المواسم ) من كتابه : {المعيار المعرب و الجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية و الأندلس و المغرب} : (( و منها – أي من البدع - اتخاذ طعام معلوم في ميلاد النبي صلى الله عليه و سلم و في بعض المواسم )) (2/489) 


فإن قلت: الأكل عادة.

قلنا: والاحتفال يراه طائفة بأنه عادة.

فإن قلت: الاحتفال باليوم تعظيما للزمن يخرجه من كونه عادة.

قلنا: وكذلك الأكلة المعينة التي جعلت تعظيما لليوم تخرجها عن كونها عادة.

فإن قلت: علة المنع من الاحتفال ترك الصحابة مع وجود مقتضيه ولا مانع.

قلنا: وكذا من علل منع تخصيص أكلة تعظيما لليوم ترك الصحابة مع وجود مقتضيه ولا مانع. 


فهناك فرق بين أن يكون اليوم مقصودا بالتعظيم ولأجله وقع الفعل

وبين أن يكون اليوم غير مقصود كمن خصص يوما للدرس لأجل أنه يناسبه، ومن خصص أكلة في يوم لأجل أنه يحبها... 


لكن الذي لفت انتباهي في المقطع أنه هون من الخلاف في حكم الاحتفال حتى صور أن المسألة من باب الأولى والأسلم حيث قال:( فمنهم من رأى أن السلامة الابتعاد عن هذه الأمور؛ لأنه لم يعهد عن العلماء السابقين من سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم ...فالاولى الابتعاد عنها هكذا رأى بعض العلماء...)

مع أن المسالة صنفها المانعون على أنها من البدع، وليس هو مجرد منع، فضلا عن أن يكون أولى..

فلا أدري أمثال هؤلاء كيف يصدرون للفتوى وهم لا يدركون مآخذ الأقوال وما الذي ينتج عنها؟!! 


ولا يلزم من تصنيف المسألة بكونها داخلة في باب البدع: التضليل والحكم على المعين بالابتداع كما هو معلوم عند المحققين... 


ثم نسب صاحب هذا المقطع لابن تيمية ما لم يقله فقال:( إن شيخ الاسلام ابن تيمة الذي رأى أن الاحتفال بالمولد النبوي لا يجوز على رأيه الفقهي قال إن بعض الناس قد يصنع الأطعمة فرحا بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ويطعمها الناس ويكون له فيه أجر نظرا لتعظيمه رسول الله صلى الله عليه وسلم) 


وهذا لم يقله شيخ الإسلام وإنما مفاد كلامه أن الجاهل بحكم المولد إذا احتفل بالمولد تعظيما ومحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قد يؤجر على نية التعظيم لا على فعل الاحتفال، ولم يتكلم عن الأطعمة قال ابن تيمية في الاقتضاء (٢/١٢٣): (وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع)

وقال في (٢/١٢٤): ( وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حرصاء على أمثال هذه البدع مع ما لهم من حسن القصد والاجتهاد اللذين يرجى لهم بهما المثوبة)

وقال في (٢/١٢٦): (فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم؛ لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم) 


والأعجب أنه منع من الاحتفال بالمولد ثم جعل من الغلو تحريم كل ما يسمى احتفالا ولو كان عادة كأكل العصيدة

وهذا تناقض بين؛ إذ إن منع الاحتفال لأجل اليوم يقتضي منع كل مظهر من مظاهر الاحتفال لأجل اليوم

فالاحتفال ليس مجرد فرح، وإنما كل ما فعل لأجل اليوم يسمى احتفالا ولو كان في الأصل من باب العادة.  


ثم ذكر صورة تحرم فيها أكل العصيدة وهو إذا صاحبها اعتقاد أنه لو لم يصنعها ستصيبه مصيبة ...

وهذا التقييد منه بالاعتقاد -لو كان يدرك-يقتضي المنع من أكل العصيدة في يوم المولد؛ لأن الذي يصنع العصيدة في هذا اليوم إنما يصنعها لاعتقاد فضل في هذا اليوم، وهذا لا يكاد يخلو منه أحد، ولا يقبل أحد ممن يصنعها في هذا اليوم صنعها في يوم آخر!!

فلما قام غي القلب اعتقاد فضل انبعث القلب للتخصيص؛ فإن الترجيح من غير مرجح ممتنع

ولما كان هذا الاعتقاد لا ينفك عن آكل العصيدة اقتضى المنع مطلقا. 


وفي الختام من الخلل أن يسلط الضوء على حكم الاحتفال فيهون منه بذكر أنه مسألة خلافية من غير نظر إلى واقع الاحتفال

فواقع من يحتفل أنه جمع مع احتفاله أنواعا من الشرك والبدع

فتراه يستغيث بغير الله

ومع ذلك لا نجد من هؤلاء من يحرم بصريح العبارة تلك الاستغاثات الشركية!! 


ومقام الفتوى مقام عظيم يحتاج فيه المفتي إلى قوة في الحق وشجاعة وحكمة.. 


كتبه 

د. أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق