الخميس، 6 أكتوبر 2022

التأصيل لفقه المناسبات

 التأصيل لفقه المناسبات 


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد، فالمقصود بفقه المناسبات هو أن يبين للناس ما يتعلق بالمناسبة التي حدثت في زمن أو مكان من أحكام شرعية وما ورد حولها من فضل خاص

فالفقه هنا أعم من الفقه الاصطلاحي.

فإذا أقبل شهر رمضان فمن الفقه أن يبين للناس ما ورد فيه من فضل خاص وأن يُذَكروا بأحكام خصها الله بهذا الشهر، وإذا دخل شهر ذي الحجة ذُكِّر الناس بأحكام الحج، وإذا دخل شهر محرم بُيِّن للناس فضل صيام عاشوراء، وإذا زار مريضا ذكره بأحكام المرضى، فهو بيان لما شرعه الله في الأزمنة الخاصة والأحوال الخاصة..

وكذا إذا أقبل على الناس مناسبة غير شرعية فمن الفقه أن يبين للناس حكمها..

إلا أن هذا الفقه المضاف إلى المناسبة المتعلقة بالزمن أو المكان أو الحال قد يكون مشروعا وقد يكون غير مشروع؛ مما تطلب بيان الضابط في المشروع وغير المشروع.

ففقه المناسبات يكون مشروعا في حالين:

الحال الأولى: أن تكون المناسبة قد ورد فيها فضل خاص أو أحكام  شرعية خاصة

فهنا من الفقه تخصيص الكلام عنها إذا جاء وقتها، كتخصيص الكلام في شهر رمضان عن شهر رمضان. وتخصيص الكلام عن أحكام الحج إذا دخل شهر ذي الحجة

فلما كان الباعث على التخصيص شرعيا كان الفقه المضاف إلى المناسبة الشرعية شرعيا بقيد ألا يتجاوز التذكير ما ورد في النصوص الشرعية

فيوم الجمعة لما كان يوما فاضلا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تخصيصه بما لم يرد به الشرع، كتخصيص يومه بصيام أو ليله بقيام؛ ذلك أنه لما كان فضل هذا اليوم مظنة لاعتقاد أن صومه أفضل من صوم غيره جاء النهي عن تخصيصه بصوم، وهذا فيه عدم تجاوز المشروع. 


الحال الثانية: إذا كانت المناسبة غير شرعية بمعنى لم يرد في زمنها ولا مكانها فضل خاص ولا تعلق بها أحكام شرعية فهنا لاىيتعلق بها فقه ولا تذكير؛ لأنه تنشأ مفسدة من تخصيص ما لا خصيصة له؛ إذ تخصيص هذه المناسبات بالدروس فضلا عن الاحتفال؛ مظنة لاعتقاد أن فيها فضلا خاصا، فلما كان التخصيص مظنة لاعتقاد فضل، ولا فضل فيه كان التخصيص داخلا في الابتداع؛ إذ ما من تخصيص إلا ولابد أن يكون له باعث.

واعتقاد الفضل فيما لا فضل فيه مستلزم إما عدم علم النبي صلى الله عليه وسلم به أو كتمانه، وكلاهما منتف..

ولو كان التخصيص خيرا لما أهملته الشريعة.

وأمثل هنا بمن يخص ليلة الإسراء والمعراج بتذكير الناس بها

ومن يخص يوم الثاني عشر من ربيع الأول أو شهر ربيع بذكر سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشمائله

فهذا ليس من فقه المناسبة المشروع؛ لأن التخصيص مظنة اعتقاد أن ذكر سيرته صلى الله عليه وسلم في هذا الزمن أفضل من غيره

ومولد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر لا يدل على فضل الشهر نفسه

وحتى لو سلمنا جدلا أنه يدل على فضل الشهر فهو لا يدل على فضل العمل فيه.

فإن قال قائل: أنا لا أعتقد الفضل، وإنما هو زمن كغيره من الأزمنة، ولا اعتقد أن الفرح فيه والعمل أفضل من العمل في غيره.

قيل: إن سلمتَ من اعتقاد الفضل -وهو بعيد- فلن تسلم من موافقة من يعتقد الفضل أو خوف اللوم منهم أو اتباع عادتهم، فرجع الأمر إلى التشبه أو التدين لغير الله.

فإن قال: الباعث هو التذكير.

قيل: التخصيص يمنع من أن يكون هذا هو الباعث؛ لأن التذكير يكون في كل وقت، ولا يحتاج إلى تخصيص، فلو خلت النفس من اعتقاد الفضل امتنع أن تعظمه وإذا امتنع التعظيم امتنع التخصيص.

فإن قال: لما كانت المناسبة حاضرة ناسب التذكير بها.

قيل: التذكير بها في الوقت المخصوص هو فرع اعتقاد فضله أو موافقة عادة من اعتقد فضله فرجع الأمر إلى أن الباعث غير ديني.

والمناسبة ليسب سببا باعثا للتخصيص؛ لأن التخصيص المتكرر ينشأ من اعتقاد فضل.

وما من مصلحة تقدرها إلا والمفسدة راجحة عليها

فمصلحة التذكير بالسيرة، وإذكاء المحبة, يقابلها مفسدة، الابتداع في الدين، واعتقاد ما ليس فيه فضل بأن له فضلا

ولازم الابتداع اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بخيانة الأمانة، وفيه فتح الباب لأهل الغلو أن يغلوا في النبي صلى الله عليه وسلم ويرفعوه فوق منزلته, وهذه المفسدة أرجح من المصلحة المتوهمة, ودفع المفسدة الراجحة مقدم على جلب المصلحة المرجوحة، فكيف بالمتوهمة؟!!


كتب

د.أحمد محمد الصادق النجار 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق