الأحد، 21 مايو 2023

هل الإمام مالك يرى جواز تقيد أهل البلد بمذهب معين؟

 هل الإمام مالك يرى جواز تقيد أهل البلد بمذهب معين؟ 


يحتج بعض من يدعو إلى الإلزام بالمذهبية وعدم مخالفة المشهور؛ بناء على توهم أن المشهور هو ما اعتاد عليه الناس في وقتنا!!

بقصة الإمام مالك مع أبي جعفر المنصور لما أراد أن يلزم الناس بالموطأ فقال له الإمام:( لا تفعل، فإن الناس قد سيقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سيق إليهم، وعملوا به، ودانوا به، من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغيرهم، وإن ردهم عما اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه، وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم. ) 


فجعلوا هذه القصة دليلا على جواز أن يتقيد أهل البلد بمذهب معين ولا يحق لغيرهم مخالفته ولا الإفتاء بغيره!! 


ونحن نسلم بصحة القصة ولا نسلم بصحة ما فهموه، فالدليل لا ينتج المدلول الذي فهموه، وليست القصة في محل النزاع!!


فمدار القصة على تدخل السلطان في الإلزام بالمذاهب، وعدم مراعاة تغير الحكم بتغير العرف..

وليس مدارها على جواز تقيد أهل البلد بمذهب معين وعدم جواز مخالفته بالإفتاء بغيره...

ويكفي أن الخطاب في القصة للحاكم وليس للمفتين...

وأضف إليه أن الإمام علل بما يدل على سعة الخلاف واحتمالية الأدلة ودرء مفسدة حصر الحق في اجتهاد واحد... 


وتوضيح ذلك أن القصة دلالتها واضحة على إقرار الإمام مالك: الخلاف السائغ، 

والمنع من الإلزام وحمل الناس بقوة السلطان على مذهب واحد، 

فالإمام لفقهه وورعه رفض أن يستعمل الحاكم القوة لرفع الخلاف فيما يسوغ فيه الخلاف، وقتل روح الاجتهاد.

فمدلول القصة: المنع من استعمال القوة في إخراج الناس عما اعتادوه واختاروه بحسب ما ورد إليهم من أحاديث وفقه الصحابة، وفرض رأيه واجتهاده عليهم، وهو بشر يعلم ويجهل ويصيب ويخطئ...

وليس فيها المنع من مخالفة ما اعتاده أهل البلد بالحجة وإقامة الدليل مع الرفق وحسن الطرح وعدم الإلزام. 


وهناك جهة أخرى غفل عنها هؤلاء وهي أن في الشريعة أحكاما عُلقت بالعرف وبالمصالح، وهذه تختلف فيها الأحكام باختلاف أعراف الناس وعاداتهم،  

وقد لاحظ الإمام مالك هذا الأمر، ورأى أن إلزام الناس بالموطأ ينافي تغير الحكم بتغير عرفه ومناطه؛ إذ إن عادات الناس تختلف من بلد إلى بلد، وطبيعة بلدهم تختلف

فراعى الإمام مالك تنزيل الأدلة على الواقع وما يحتاجه من فقه ومراعاة لأصول حال التنزيل.

وهذا متعلق بنوعٍ من الأحكام...


وما ذكرته من مدلول القصة هو ما أشار إليه عمر بن عبد العزيز , فقد أخرج الدارمي في سننه عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن حميد، قال: قلت لعمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: لو جمعت الناس على شيء؟ فقال: «ما يسرني أنهم لم يختلفوا» قال: ثم كتب إلى الآفاق وإلى الأمصار: ليقض كل قوم، بما اجتمع عليه فقهاؤهم " 


وقال القرافي في الفروق (1/ 176): (فمهما تجدد في العرف اعتبره ومهما سقط أسقطه ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك لا تجره على عرف بلدك واسأله عن عرف بلده واجره عليه وأفته به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك فهذا هو الحق الواضح) 


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار 

أستاذ مساعد بكلية علوم الشريعة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق