الجمعة، 3 يوليو 2015

هنا مسألة مهمة أحب أن تفيدوني فيها شكر الله لكم ، وهي : هل يسمع أو يعلم الأموات بزيارة من يعرفونه من الأحياء ؟

والجواب: بارك الله فيك
قبل الحديث عن هذه المسألة يجب أن يعرف أنه باتفاق علماء أهل السنة أنه لا يجوز دعاء الميت، ولا سؤاله، ولا مخاطبته
كما قال تعالى: ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له الى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون
وأما الاجابة على السؤال؛ فقد اختلف أهل السنة في هذه المسألة إلى قولين:
القول الأول: الموتى لا يسمعون, وذهب إليه قتادة, وأكثر الحنفية, والمازري من المالكية, وغيرهم.
قال قتادة في حديث قليب بدر: (( أحياهم الله له حتى أسمعهم توبيخا وتصغيرا ))
واجتجوا: أن هذا أمر غيبي, فلا يُتعدى فيه الكتاب والسنة.
واحتجوا أيضا: بقوله تعالى: {وما أنت بمسمع من في القبور} (فاطر: 22)
 وقوله: {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين
وقال بن التين: (( لا معارضة بين حديث ابن عمر والآية؛ لأن الموتى لا يسمعون بلا شك, لكن إذا أراد الله إسماع ما ليس من شأنه السماع لم يمتنع ))

القول الثاني: الموتى يسمعون, وهو قول ابن قتيبة, واختاره ابن تيمية وابن القيم والشنقيطي.
وهو سماع في الجملة, لا في كل حال.
واحتجوا:
حديث: قليب بدر.
وحديث: إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم.
فهذا الحديث دل من وجهين:
الأول: أثبت النبي صلى الله عليه وسلم السماع لهم, ولم يذكر - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك خاص بإنسان ولا بوقت.
الثاني: ليس هناك ما يعارضه.
وما ثبت من معارضة عائشة فهو مبني على فهمها للآية, وهو فهم معارض بغيره.
واحتجوا أيضا: بالأحاديث التي فيها أن الزائر للقبور يقول: السلام عليكم ...
فهذا خطاب للموتى, ولا يخاطب إلا من يسمع, ولو كانوا لا يسمعون سلامه وكلامه لكان خطابه لهم من جنس خطاب المعدوم، وهذا لا يصح.
واعترض عليه: أنه يصح خطاب الغائب الحاضر في القلب, فبحضوره في القلب ينزل منزلة الحاضر في الشاهد, ومنه ما جاء في التشهد: "السلام عليك أيها النبي"
واحتجوا أيضا: حديث  " ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه " .
واعترض عليه: بأنه ضعيف, قال عنه ابن رجب في الأهوال: (( ضعيف, بل منكر ))
وأما معنى قوله تعالى: [ إنك لا تسمع الموتى ] وما في معناه, قالوا المراد به: سماع الانتفاع, لا مطلق السماع, كما نُفي السماع عن الكافر وهو يسمع الصوت.
وهناك تفسير آخر للآية, وهو: أن المراد بالموتى هنا: الكفار, فهو موت الكفار, لا انقطاع الحياة.
والراجح: نفي السماع عن الموتى إلا ما ورد به النص؛ وذلك لأمور:
الأول: الأصل عدم سماع الموتى, ويشهد لهذا الأصل أمران:
1-سؤال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم, ومن ذلك قول عمر في صحيح مسلم: كيف يسمعوا وأنى يجيبوا وقد جيفوا؟
فدل ذلك على أن المتقرر عند الصحابة أن الموتى لا يسمعون, ولهذا استشكل عمر سماع أهل القليب.
2-قول النبي في حديث القليب في صحيح البخاري: (( إنهم الآن يسمعون )) فقيد السماع بـ"الآن", مما يدل على أن الأصل عدم سماع الموتى.
ومفهوم المخالفة أنهم في غير هذا الوقت لا يسمعون.
الثاني: أن الإنسان بمفارقة الروح البدن تنقطع حياته الدنيوية, وينتقل إلى حياة جديدة لا تشبه حياة الدنيا, وأحكام هذه الحياة تختلف عن أحكام الدنيا, فلا نقيس الحياة البرزخية بحياة الدنيا.
الثالث: سماع الموتى أمر غيبي؛ فلا يتجاوز فيه الكتاب والسنة.
وعليه: فما أثبته النص من السماع نثبته, وما لم يرد فيه نص فنرجع فيه إلى الأصل.
الرابع: الأحاديث التي فيها إثبات السماع وردت مقيدة إما بوقت, أو مع قوم مخصوصين, وما ورد مقيدا يبقى على تقييده, فكما أن المطلق لا يقيد إلا بدليل, كذلك المقيد لا يطلق إلا بدليل.
الخامس: أن إثبات سماع الموتى في غير ما ورد به النص وسيلة للشرك الأكبر, فيمنع سدا للذريعة.
وليس هناك دليل صحيح يدل على ان الميت يعرف من يزوره مطلقا؛ لما تقدم, فقد اختلفت الحياتان, ولكل حياة خصائصها .
وأما ما جاء صحيح مسلم أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (( ...
 فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها؛ حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي ))
فهو تقييد منه حال السؤال, وليس فيه إثبات الاستئناس مطلقا, والمقيد لا يطلق إلا بدليل.
وقوله هذا دائر بين أن يكون اجتهادا منه, وبين أن يكون له حكم الرفع, وعلى كل حال فقد ورد مقيدا لا مطلقا.
هذا جواب مختصر على هذا السؤال, وتحتمل المسألة بسطا أكثر من هذا.
وأختم بفتوى للجنة الدائمة برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله.
السؤال الثالث من الفتوى رقم : 9216
س3: قرأت في كتاب الحاوي للفتاوي للإمام السيوطي أن الميت يسمع كلام الناس، وثنائهم عليه، وقولهم فيه، وكذلك يعرف من يزوره من الأحياء، وإن الموتى يتزاورون، فهل هذا حسن؟ فقد اعتمد على بعض الأحاديث وبعض الآثار، وذلك في ج 2 \ 169، 170، 171
ج3: الأصل عدم سماع الأموات كلام الأحياء، إلا ما ورد فيه النص؛ لقول الله سبحانه يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم: { فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى }  الآية، وقوله سبحانه: { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ }
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
كتبه
أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق