الثلاثاء، 14 يوليو 2015

شبهة في التفريق بين باب التكفير والتبديع والجواب عنها



من الشبه التي ذكرها بعضهم أن شيخ الإسلام يفرق بين باب التكفير والتبديع في تنزيل الحكم, وأنه في التبديع لا يراعي توفر الشروط؛ استنادا على قوله رحمه الله: (فأما مسائل الدين التي يتنازع فيها كثير من الناس في هذه البلاد، مثل مسألة الحَرْف والصوت ونحوها، فقد يكون كُلٌّ من المتنازِعَيْن مبتدِعًا، وكلاهما جاهلٌ مُتأوِّل). "مجموع الفتاوى" 23/ 356.

وقوله أيضاً: (ولا ريب أن مَن قال: إن أصوات العباد قديمة فهو مُفتَرٍ مبتدع، له حُكم أمثاله، كما أن مَن قال إن هذا القرآن ليس هو كلامَ الله فهو مُفتَرٍ مبتدع له حُكم أمثاله.

ومَن قال: إن القرآن العربي ليس هو كلام الله، بل بعضُه كلام الله وبعضه ليس كلام الله مُفتَرٍ مبتدع له حُكم أمثاله. 
ومَن قال: إن معنى آية الكرسي وآية الدَّين و﴿قل هو الله أحد﴾ و﴿تبت يدا أبى لهب﴾ معنى واحد فهو مفتر مبتدع، له حكم أمثاله.
وأما (التكفير) فالصواب أنه مَن اجتهد مِن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقَصَد الحق فأخطأ لم يُكفَّر؛ بل يُغفر له خطؤه، ومَن تبيَّن له ما جاء به الرسول، فشاقَّ الرسولَ من بعد ما تبيَّن له الهدى، واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر، ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب ثم قد يكون فاسقاً وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته. 
فالتكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص، فليس كلُّ مخطئ ولا مبتدع ولا جاهلٍ ولا ضال يكون كافرًا، بل ولا فاسقًا بل ولا عاصيًا، لا سيما في مثل مسألة القرآن، وقد غلط فيها خَلْق من أئمة الطوائف المعروفين عند الناس بالعلم والدين، وغالبُهم يقصد وجهًا من الحق، فيتبعه، ويَعزب عنه وجه آخر لا يُحققه، فيبقى عارفًا ببعض الحق، جاهلًا بعضه، بل مُنكرًا له). "مجموع الفتاوى" 12/179-180.


والجواب:
لفهم كلام شيخ الإسلام يجب أن يُعلَم محله, فإطلاق الكلام من غير معرفة محلِّه خطأ في التصور, ويترتب عليه خطأ في الحكم.
والواجب على طالب العلم أن يكون ذا تصور تصحيح؛ ليكون حكمه حقا وعدلا.
ومحل كلام شيخ الإسلام في المبتدع الأصلي المخالف في مصدر التلقي, لا في السني الذي أخطأ.
ويتضح هذا بإيراد أسئلة وهي:
1-هل مذهب السلف أن الأصوات قديمة؟
2-هل مذهب السلف أن القرآن ليس هو كلامَ الله؟
3-هل مذهب السلف أن معنى آية الكرسي وآية الدَّين و﴿قل هو الله أحد﴾ و﴿تبت يدا أبى لهب﴾ معنى واحد؟
...
فإطلاقه اسم المبتدع ابتداء وقع في محله؛ لأنه يتكلم عن المبتدع الأصلي الذي خالف في مصدر التلقي.
وأما قول شيخ الإسلام: ((... مسألة الحَرْف والصوت ونحوها، فقد يكون كُلٌّ من المتنازِعَيْن مبتدِعًا، وكلاهما جاهلٌ مُتأوِّل ))
فحق؛ "فقد", و"قد" هنا للتقليل, فلا يكون الجهل مانعا لمن كان مبتدعا أصليا, كما بينته في رسالتي:"تبصير الخلف بضابط الأصول التي من خالفها خرج عن منهج السلف"
وقد يكون مراده أن كليها قال بقول مبتدع وهو جاهل؛ لأن شيخ الإسلام يرى – كما في مجموع الفتاوى (3/ 171) - أن إطلاق القول أن القرآن هو الحرف والصوت أو ليس بحرف ولا صوت : كلاهما بدعة حدثت بعد المائة الثالثة,  وإنما القرآن كله كلام الله حروفه ومعانيه, ليس القرآن اسما لمجرد الحروف ولا لمجرد المعاني.
لكن لما أنكر الجهمية أن يكون كلام الله بحرف وصوت؛ قال الأئمة: كلام الله بحرف وصوت.
وقد دلت عليه الأدلة كما ذكرته في كتابي:"القواعد والضوابط السلفية في أسماء وصفات رب البرية"
ثم إن كلام شيخ الإسلام على قضية عين؛ بدليل قوله:(( فأما مسائل الدين التي يتنازع فيها كثير من الناس في هذه البلاد ))
وقضايا الأعيان لا يؤخذ منها حكم كلي.
كما أن كلامه في معرض حكم  الصلاة خلف المبتدع.
وبيت القصيد: أن التكفير فيمن ثبت له الإسلام بيقين لا يكون إلا بعد توفر الشروط, وكذلك التبديع فيمن ثبتت له السنة بيقين لا يكون إلا بعد توفر الشروط.
فالباب واحد.
أما من لم يثبت له الإسلام, أو لم تثبت له السنة فهذا ينزل عليه الحكم مباشرة.
وقد بينت ذلك في رسالة:"تبصير الخلف"

كتبه
أحمد محمد الصادق النجار
 27-9-1436هـ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق