الأحد، 5 يوليو 2015

شبهتان والجواب عنها



الشبهة الأولى: قول ابن القيم عن الفسق: (( وهو قسمان: فسق من جهة العمل, وفسق من جهة الاعتقاد )) 
والتفسيق لابد في تنزيله على المعين من توفر الشروط, فهل يلزم منه أن من خالف من المبتدعة في مصدر التلقي أنه لا يبدع إلا بعد قيام الحجة؛ لأن التبديع نوع من التفسيق؟
والجواب: لا يلزم منه ذلك, ولا يفهم هذا من تقرير ابن القيم؛ لأن الفاسق الذي خالف في مصدر التلقي لم ينتسب للسنة أصلا, فكيف يشترط في تبديعه قيام الحجة؟!
وكلام ابن القيم إنما يؤخذ منه أن باب التكفير والتفسيق واحد, والتكفير يشترط فيه قيام الحجة لمن ثبت إسلامه, مع أنه يدخل في الكفر: الكفر الأصلي, ولا يشترط في وصفه بالكفر قيام الحجة بالاتفاق.
وكذلك التفسيق يشترط فيه قيام الحجة لمن ثبتت سنيته, مع أنه يدخل في الفسق من كان مبتدعا أصليا.
فيجب فهم باب الأسماء والأحكام على وجهه.
فالفسق الذي يشترط فيه قيام الحجة هو لمن ثبت ابتداء أنه من أهل السنة ثم خالف أصلا, كما أن الكفر يدخل فيه الكفر الأصلي وكفر الردة واشتراط قيام الحجة لا يكون في الكفر الأصلي وإنما في كفر الردة.
قال ابن تيمية في عدم التفريق بين التكفير والتفسيق (( ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المعين, إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع, لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع, هذا في عذاب الآخرة؛ فإن المستحق للوعيد من عذاب الله, ولعنته, وغضبه في الدار الآخرة خالد في النار, أو غير خالد, وأسماء هذا الضرب من الكفر والفسق, يدخل في هذه القاعدة سواء كان بسبب بدعة اعتقادية أو عبادية, أو بسبب فجور في الدنيا وهو الفسق بالأعمال. 
فأما أحكام الدنيا فكذلك أيضا ...))
الشبهة الثانية: أن السلف أنزلوا الحكم على المعين دون قيام الحجة, فحكموا بالمجالسة لأهل البدع, فمن جالس القدرية قالوا عنه قدري, وهكذا
والجواب: أنه يفرق بين من كان سنيا ثم أخطأ, وبين من جهل حاله, وخفيت بدعته.
فمن ثبتت له السنة بيقين فإنها لا تزال عنه إلا بيقين, ومجرد المجالسة والمخالطة لا يلزم منها أن يحكم عليه بالبدعة.
وقد قال أبو داود السجستاني – رحمه الله -: " قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهـل البيت مع رجل من أهل البدع، أترك كلامه؟ قال: لا، أو تُعْلِمه أن الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه وإلا فألحقه به، قال ابن مسعود: المرء بخدنه " [
فقد فسر الإمام أحمد مقولة ابن مسعود رضي الله عنه, واشترط إعلامه بأن الذي يخالطه صاحب بدعة, وهذا يبين أن مجرد المجالسة والمصاحبة لا يلزم منه التبديع, وإنما لابد أن يعلم أنه مبتدع ويخالطه من غير مصلحة شرعية.
ثم إن عمل السلف لا يؤخذ من أثر واحد, أو من أثر مطلق, وإنما يؤخذ عملهم بجمع بعضه إلى بعض
فكم من أناس يقيمون دولة على أثر أو بعض الآثار, ويغفلون- أو يتغافلون- عن غيرها.
ولله در ابن تيمية القائل: في سياق كلامه عن عقوبة المبتدع: (( وكثير من أجوبة الإمام أحمد, وغيره من الأئمة خرج على سؤال سائل قد علم المسئول حاله, أو خرج خطابا لمعين قد علم حاله, فيكون بمنـزلة قضايا الأعيان الصادرة عن الرسول, إنما يثبت حكمها في نظيرها ))
وخلاصة الرد على هاتين الشبهتين أنها متعلقتان بالمبتدع الأصلي, لا بالسني الذي أخطأ.
وأختم بذكر الضابط التي تجتمع عليه أقوال السلف: من خالف في مصدر التلقي فإنه يبدع مباشرة, وأما من كان من أهل السنة ثم خالف أصلا فإنه لا يبدع إلا بعد إقامة الحجة.
وقد بينتُ ضابط الأصل في رسالتي تبصير الخلف...
وأما غير هذا الضابط فلا يخلو من تكلف , وترد عليه إشكالات, وينتقض بجزئيات لا معارض لها.
كتبه
أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق