السبت، 4 يوليو 2015

مجموع ردود أحمد النجار حول ضوابط التبديع



إزالة التلبيس الشنيع عن كلامي في إقامة الحجة في التبديع الرد على عبد الله الخليفي





إزالة التلبيس الشنيع عن كلامي
 في إقامة الحجة في التبديع




بقلم
أحمد بن محمد بن الصادق النجار



مقدمة الطبعة الأولى
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن من منة الله على أهل السنة والجماعة أن جعلهم متفقين مؤتلفين, متحابين متناصحين, يكمل كل واحد منهم الآخر, فكان الاسم الذي أطلق عليهم مقرونا بالجماعة, بخلاف غيرهم من أهل الأهواء والبدع, فتجدهم مختلفين متنافرين, يلعن بعضهم بعضا, فكان الاسم الذي أطلق عليهم مقرونا بالفرقة.
 فهم أهل افتراق لا اجتماع, وأهل اختلاف لا اتفاق؛ لتباين أصولهم, وما يستمدون به عقائدهم وسلوكهم.
والاختلاف المذموم هو سنن أهل الكتاب كما قال: ﭸ  ﭹ  ﭺ   ﭻ  ﭼ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ    ﮄ   ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ   ﮉ  ﮊ آل عمران: ١٩
وقد نهانا الله أن نسلك سبيلهم فقال:ﮦ   ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ   ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  آل عمران: ١٠٥
وسبب وقوعهم في الاختلاف والافتراق من بعد ما جاءهم العلم هو: البغي.
والبغي عاقبته وخيمة, فإن الله قد عجل العقوبة لصاحبه في الدنيا قبل الآخرة.
والواجب على أهل السنة الحذر منه, والابتعاد عنه.
    ومن البغي: تقويل القائل ما لم يقله, والافتراء عليه, وتشويه صورته بين الناس من غير بينة سليمة, ولا حجة صحيحة.
وقد قرأت - على شبكة المعلومات - ردا بعنوان: "الرد على أحمد النجار في ضوابط التبديع"([1])
وإن القارئ لهذا الرد يظهر له جليا منزلته, وينكشف له ما فيه من ظلم وتعدي, وتطاول وبغي, نسال الله العافية والسلامة.
ومن عجيب هذا الرد أن صاحبه: كأنه يريد حمل الناس على قول واحد في المسائل الاجتهادية, التي اختلف فيها الجهابذة من أهل العلم, مع عدم تحريره لمواضع النـزاع والخلاف.
قال ابن تيمية رحمه الله: (( وكان عمر بن عبد العزيز يقول: ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا؛ لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالا, وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة.
وكذلك قال غير مالك من الأئمة: ليس للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه.
ولهذا قال العلماء المصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي وغيره: إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد, وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها؛ ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية, فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه, ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه )) [مجموع الفتاوى (30/ 80)]
وقال الشيخ العثيمين في فتاوى نور على الدرب: (( ولا يجوز للإنسان أن يلزم الناس بما يرى, وأن ينقلهم عما يرون, فما دامت المسألة مسألة اجتهاد وليس فيها نصٌ قاطعٌ فاصل فإن لكلٍ من الناس اجتهاده, فيترك الناس واجتهادهم, وحسابهم على الله عز وجل ))
ومعرفة الخلاف في المسائل الاجتهادية من أهم المهمات للعالم وطالب العلم.
قال قتادة رحمه الله: «من لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفه الفقه» [جامع بيان العلم وفضله (2/ 815)]
وقال هشام بن عبيد الله الرازي رحمه الله «من لم يعرف اختلاف القراء فليس بقارئ، ومن لم يعرف اختلاف الفقهاء فليس بفقيه» [جامع بيان العلم وفضله (2/ 815)]
وقال عطاء رحمه الله «لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس، حتى يكون عالما باختلاف الناس؛ فإن لم يكن كذلك رد من العلم ما هو أوثق من الذي في يده» [جامع بيان العلم وفضله (2/ 816)]
ومرادهم معرفة الخلاف الذي يسوغ, وهو الذي لا يخالف نصا صريحا, ولا إجماعا.
فإن قيل: هل مسائل الاجتهاد محل إنكار؟
قيل له: مسائل الاجتهاد - التي تخالف لا نصا صحيحا صريحا من غير معارض أو إجماعا - لا إنكار فيها, وإنما يُبين ضعف القول بالحجة الشرعية فحسب.
قال النووي رحمه الله: (( قالوا ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصا, أو إجماعا, أو قياسا جليا, والله أعلم )) [شرح النووي على مسلم (2/ 24)]
وقال ابن تيمية رحمه الله: (( وقولهم مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح؛ فإن الإنكار، إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل.
 أما الأول: فإذا كان القول يخالف سنة، أو إجماعا قديما وجب إنكاره وفاقا، وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد, وهم عامة السلف والفقهاء... )) [الفتاوى الكبرى (6/ 96)]
وقال الشيخ العثيمين: (( فإن من أصول أهل السنة والجماعة في المسائل الخلافية: أن ما كان الخلاف فيه صادرًا عن اجتهاد, وكان مما يسوغ فيه الاجتهاد, فإن بعضهم يعذر بعضًا بالخلاف, ولا يحمل بعضهم على بعض حقدًا، ولا عداوة، ولا بغضاء, بل يعتقدون أنهم إخوة حتى وإن حصل بينهم هذا الخلاف، حتى أن الواحد منهم ليصلي خلف من يرى أنه ليس على وضوء ويرى الإمام أنه على وضوء، مثل أن يصلي خلف شخص أكل لحم إبل وهذا الإمام يرى أنه لا ينقض الوضوء، والمأموم يرى أنه ينقض الوضوء فيرى أن الصلاة خلف ذلك الإمام صحيحة وإن كان هو لو صلاها بنفسه لرأى أن صلاته غير صحيحة، كل هذا لأنهم يرون أن الخلاف الناشئ عن اجتهاد فيما يسوغ فيه الاجتهاد ليس في الحقيقة بخلاف، لأن كل واحد من المختلفين قد تبع ما يجب عليه اتباعه من الدليل الذي لا يجوز له العدول عنه )) [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (7/ 122)]
وإذا تعدى الرجل في مسائل الاجتهاد إلى الفرقة والفتنة صار بغيا.
قال ابن تيمية رحمه الله: (( ولكن الاجتهاد السائغ لا يبلغ مبلغ الفتنة والفرقة إلا مع البغي, لا لمجرد الاجتهاد, كما قال تعالى ﭸ  ﭹ  ﭺ   ﭻ  ﭼ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ    ﮄ   ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ   ﮉ  ﮊ  آل عمران: ١٩  وقال ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ     ﮀ  ﮁ  ﮂ  الأنعام: ١٥٩  وقال ﮦ   ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ   آل عمران: ١٠٥ فلا يكون فتنة وفرقة مع وجود الاجتهاد السائغ بل مع نوع بغي )) [الاستقامة (1/ 31)]
والذي ينبغي لهذا الراد وأمثاله أن يُحجموا عن التكلم في المسائل الكبار؛ حتى يتأصلوا, ويعرفوا مواطن الإجماع والخلاف.
قال الشيخ ابن باز: (( المبتدئ يجتهد في الاستمرار في طلب العلم، ويحرص على أن يكون أهلا للترجيح في المسائل الخلافية )) [مجموع فتاوى ابن باز (23/ 369)]
وأما أن يتكلم من ليس أهلا فهذا يوقع في البغي والظلم, كما حصل مع هذا المدعو, فقد رماني بأشياء تدل على ظلمه وبغيه, ومن ذلك قوله: "وهذا تأصيل محدث لا دليل عليه" وقوله:"وهذا إرجاء"
ولكي يتضح جهله بالمسائل المنتقدة , وأنه لا يعرف إلا حشد الأقوال من غير تمحيص, ولا ينقل منها إلا ما يوافق رأيه على طريقة أهل البدع, أستعرض رده فقرة فقرة, وأرد عليها على سبيل الاختصار, والله الموفق:



قوله: "فقد استمعت لمقطع للمدعو أحمد النجار يتكلم في مسألة التكفير والتبديع بعنوان ( رد أحمد النجار على من قال عنه إنه لا يبدع أحد ) وقد خبط فيه خبط عشواء على قصره "
قد اعتمد في نقده على مقطع صوتي هو جوابٌ لسؤالٍ وُجِّه إليَّ في أحد الدروس, وليس شيئا مكتوبا محررا, وليس المنطوق كالمكتوب.
 ثم إنه لم يُجِب فيه على كل ما ذكرتُه من أدلةٍ على المسائل التي انتقدها, وإنما بدأ يتصيد بعض العبارات؛ حتى يُخرج ردا يوضع في ملفات ردوده, والله حسيبه في ذلك.
وملأه بالعبارات التي يجيدها كل أحد, كقوله" خبط فيه خبط عشواء" و" المسكين" ونحوها.



قوله: "فزعم المسكين أن التبديع من موانعه الجهل مطلقاً وما فرق بين بدعة مكفرة وأخرى مفسقة 
والحق أن الجهل ليس مانعاً من موانع في شأن البدع المكفرة والأصول الواضحة "
وهذا يدل على سوء أدبه أولا, وعلى عدم علمه بمسائل الإجماع والخلاف ثانيا.
فقضية الجهل -بقيده - هل هو مانع أو لا, اختلف العلماء فيها.
فمنهم من قال: هو مانعٌ, لا فرق بين بدعة مكفرة وأخرى مفسقة, كما أنه لا فرق بين جلي وخفي.
ويريدون بالجهل الذي لا إعراض معه.
قال ابن عبد البر رحمه الله: (( ومن أمكنه التعلم ولم يتعلم أثم والله أعلم )) [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (4/ 145)]
وقال ابن القيم رحمه الله: (( لابد في هذا المقام من تفصيل به يزول الإشكال, وهو الفرق بين مقلد تمكن من العلم ومعرفة الحق فأعرض عنه, ومقلد لم يتمكن من ذلك بوجه, والقسمان واقعان في الوجود, فالمتمكن المعرض مفرط تارك للواجب عليه لا عذر له عند الله )) [طريق الهجرتين (ص412)]
    وعلى هذا فمن موانع التكفير: الجهل المعتبر.
    قال ابن عبد البر عند ذكره لحديث الرجل الذي جحد قدرة الله: (( وأما جهل هذا الرجل المذكور في هذا الحديث بصفة من صفات الله في علمه وقدره فليس ذلك بمخرجه من الإيمان ))[التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (18/ 46)]

وممن يرى العذر بالجهل مطلقا على القيد المذكور آنفا شيخ الإسلام ابن تيمية؛ حيث قال في بيان اشتراط بلوغ الحجة في الحكم على المعين بالبدعة:(( إذا رأيت المقالة المخطئة قد صدرت من إمام قديم فاغتفرت؛ لعدم بلوغ الحجة له؛ فلا يغتفر لمن بلغته الحجة ما اغتفر للأول, فلهذا يبدع من بلغته أحاديث عذاب القبر ونحوها إذا أنكر ذلك, ولا تُبدَّع عائشة t ونحوها ممن لم يعرف بأن الموتى يسمعون في قبورهم, فهذا أصل عظيم فتدبره فإنه نافع )) [مجموع الفتاوى (6/61)]
وقال في بيان من هو المبتدع : (( ومثل هؤلاء إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولا يفارقون به جماعة المسلمين؛ يوالون عليه ويعادون؛ كان من نوع الخطأ, والله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك .
ولهذا وقع في مثل هذا كثير من سلف الأمة وأئمتها: لهم مقالات قالوها باجتهاد, وهي تخالف ما ثبت في الكتاب والسنة؛ بخلاف من والى موافقه وعادى مخالفه وفرق بين جماعة المسلمين, وكفر وفسق مخالفه دون موافقه في مسائل الآراء والاجتهادات؛ واستحل قتال مخالفه دون موافقه, فهؤلاء من أهل التفرق والاختلافات )) [مجموع الفتاوى (3/349)]
وقال في البدعة المكفرة الواضحة: (( القول قد يكون كفرا كمقالات الجهمية الذين قالوا: إن الله لا يتكلم, ولا يرى في الآخرة, ولكن قد يخفى على بعض الناس أنه كفر, فيطلق القول بتكفير القائل, كما قال السلف من قال: القرآن مخلوق فهو كافر, ومن قال: إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر, ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة )) [مجموع الفتاوى (23/346)]
فشيخ الإسلام رحمه الله لم يكفر من قال بقول الجهمية, وإنما اشترط قيام الحجة.
 وأقوال الجهمية واضحة جلية, بل قال شيخ الإسلام: (( وقد كان سلف الأمة وسادات الأئمة؛ يرون كفر الجهمية أعظم من كفر اليهود )) [مجموع الفتاوى (2/ 477)]
وقال: (( مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية, ولا كل من قال إنه جهمي كفره )) [مجموع الفتاوى (7/ 507)]
وقال الشيخ العثيمين: (( وأما الخطأ في العقيدة: فإن كان خطأ مخالفاً لطريق السلف، فهو ضلال بلا شك, ولكن لا يحكم على صاحبه بالضلال حتى تقوم عليه الحجة، فإذا قامت عليه الحجة، وأصر على خطئه وضلاله، كان مبتدعاً فيما خالف فيه الحق )) [كتاب العلم (ص 135)]
فاشترط الشيخ رحمه الله إقامة الحجة في التبديع. ([2])
ومن العلماء من فرق بين الجلي والخفي سواء كان في التكفير أو التبديع.
فليس العلماء في هذه المسألة على قول واحد.
وليس المقام مقام تحرير هذه المسألة, وذكر أدلتها, وبيان الراجح, وإنما أردت أن أبين أنها مسألة اجتهادية بالضوابط المعروفة عند العلماء.
فليت هذا الرجل يعرف قدر نفسه.
وهل الذين قالوا بالعذر بالجهل مساكين؟!
فهؤلاء وغيرهم هم سلفي في اعتبار الجهل - بقيده – مانعا, سواء كانت البدعة مكفرة أو مفسقة.
وليتنبه الإنسان للأقوال العارية عن العلم والعدل, فإن الجهل والبغي واضح لكل ذي لب.
قال ابن تيمية رحمه الله: (( فإذا منَّ الله على الإنسان بالعلم والعدل أنقذه من هذا الضلال )) [مجموع الفتاوى (3/ 378)]
وقال: (( والمناظرة والمحاجة لا تنفع إلا مع العدل والإنصاف, وإلا فالظالم يجحد الحق الذي يعلمه: وهو المسفسط والمقرمط, أو يمتنع عن الاستماع والنظر في طريق العلم: وهو المعرض عن النظر والاستدلال )) [مجموع الفتاوى (4/ 109)]



وقوله: " والحق أن الجهل ليس مانعاً..."
معناه أن الباطل بخلافه, فيلزم من ذلك أن من قال بكون الجهل مانعا من أئمة السلف أنهم على باطل, وقالوا الباطل.
فنبدعهم على أصلك؛ لأنهم خالفوا أمرا واضحا جليا, ومما يدل على وضوحه قولك" والحق"
فتأمل لوازم قولك حتى تعرف مقدار نفسك.
ومما ينبغي الإشارة إليه: أنه لا فرق بين باب التكفير وبين باب التبديع في اعتبار توفر الشروط وانتفاء الموانع في المعين.
مع مراعاة أن اعتبار الشروط وانتفاء الموانع هو فيمن ثبت له الإسلام بيقين هذا بالنسبة للتكفير.
وأما التبديع فهو فيمن ثبتت له السنة بيقين.
قال ابن تيمية عن السلف: (( ولهذا يقولون: إن البدع مشتقة من الكفر وآيلة إليه ))
وقد تكلمت عن مسألة عدم الفرق بين باب التكفير والتبديع في رسالتي: "تبصير الخلف.."



ثم ذكر صاحب الرد كلام الرازيين ثم قال:" فتأمل كيف نصوا على تبديع الواقفي الجاهل ، والذي يحتاج أصلاً إلى تعليم وهذا معناه أنه لم تقم عليه الحجة
وهذا من أمثلة نقله ما يزعم أنه موافق لمذهبه وإعراضه عن غيره.
وقد نقلت في رسالتي "تبصير الخلف" شيئا من أقوال السلف.
ومنها:   
سئل الإمام أحمد: ما تقول فيمن لم يثبت خلافة علي؟ قال: (( بئس القول هذا
زاد أحمد بن الحسن, عن بكر, عن أبيه قلت: يكون من أهل السنة؟ قال الإمام أحمد: ما أجترئ أن أخرجه من السنة, تأوَّل فأخطأ )) أخرجه الخلال في السنة (1/428)
   وقال أحمد بن منيع البغوي: (( من زعم أنه – أي القرآن - مخلوق فهو جهمي, ومن وقف فيه فإن كان ممن لا يعقل مثل البقالين والنساء والصبيان سُكت عنه, وعُلِّم )) ذكره أبو القاسم التيمي في كتابه الحجة في بيان المحجة (2/424)
وغير ذلك.
وأما كلام الرازيين: "ومن وقف في القرآن جاهلا علم وبدع ولم يكفر"
فقد أرادا بـ "وقف في القرآن جاهلا علم وبدع" إخراج من وقف شكا, فإن من وقف شكا بعد إقامة الحجة يكون كافرا, وأما من وقف عن غير شك فإنه يكون مبتدعا بعد إقامة الحجة.
ثم تأمل في قولهما "علم وبدع" فاشترطا التعليم, فالواو وإن لم تفد الترتيب فإنها لا تنافيه.
فالتعليم شرط في التبديع لا التكفير فيمن وقف جاهلا لا عن شك.
بخلاف من وقف شكا فإنه بعد التعليم يكون كافرا إذا أصر على قوله.
وإلا فما الفائدة من التعليم.
وهذه نصوص أئمة السلف في تأييد ما ذكرتُه:
قال أبو طالب: وجاء رجل إلى أبي عبد الله – يعني الإمام أحمد - وأنا عنده، فقال: إن لي قرابة يقول بالشك، قال: فقال وهو شديد الغضب: (( شك فهو كافر )) الإبانة لابن بطة.
وعن عبد الله قال سمعت أبي يسأل عمن وقف؟ قال أبي: (( من كان يخاصم ويعرف بالكلام فهو جهمي, ومن لم يعرف بالكلام يجانب حتى يرجع, ومن لم يكن له علم يسأل ويتعلم )) السنة للخلال 5/130
وعن محمد بن مسلم أن أبا عبد الله قيل له: فالواقفة؟ قال: (( أما من كان لا يعقل فإنه يبصر, وإن كان يعقل ويبصر الكلام فهو مثلهم )) السنة للخلال 5/131
  و قال أحمد بن منيع البغوي: (( من زعم أنه – أي القرآن - مخلوق فهو جهمي, ومن وقف فيه فإن كان ممن لا يعقل مثل البقالين والنساء والصبيان سُكت عنه, وعُلِّم )) ذكره أبو القاسم التيمي في كتابه الحجة في بيان المحجة (2/424)
وقال هارون بن موسى الفروي: (( من وقف في القرآن بالشك فهو كافر, ومن وقف بغير شك فهو مبتدع )) أخرجه اللالكائي 2/359
وهذا من هارون الفروي حكم مطلق, وقد فرق بين من وقف شكا, ومن وقف جهلا.
وقد وقع في القول بالوقف مشيخة من رواة الحديث عن جهل, ولم يبدعوا.
قال الدارمي في سياق ذكر حجج بعض الواقفة: (( قالوا: إن ناسا من مشيخة رواة الحديث الذين عرفناهم عن قلة البصر بمذاهب الجهمية سئلوا عن القرآن، فقالوا: لا نقول فيه بأحد القولين، وأمسكوا عنه إذ لم يتوجهوا لمراد القوم؛ لأنها كانت أغلوطة وقعت في مسامعهم لم يعرفوا تأويلها، ولم يبتلوا بها قبل ذلك، فكفوا عن الجواب فيه وأمسكوا. فحين وقعت في مسامع غيرهم من أهل البصر بهم وبكلامهم ومرادهم ممن جالسوهم وناظروهم وسمعوا قبح كلامهم، مثل من سمينا، مثل جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، وابن المبارك، وعيسى بن يونس، والقاسم الجزري، وبقية بن الوليد، والمعافى بن عمران، ونظرائهم من أهل البصر بكلام الجهمية، لم يشكوا أنها كلمة كفر، وأن القرآن نفس كلام الله كما قال الله تبارك وتعالى، وأنه غير مخلوق إذ رد الله على الوحيد قوله: إنه قول البشر وأصلاه عليه سقر، فصرحوا به على علم ومعرفة أنه غير مخلوق، والحجة بالعارف بالشيء، لا بالغافل عنه القليل البصر به، فتعلق هؤلاء فيه بإمساك أهل البصر ولم يلتفتوا إلى قول من استنبطه وعرف أصله ، فقلنا لهم: إن يك جبن هؤلاء الذين احتججتم بهم من قلة بصر، فقد اجترأ هؤلاء، وصرحوا ببصر، وكانوا من أعلام الناس وأهل البصر بأصول الدين وفروعه حتى أكفروا من قال: مخلوق، غير شاكين في كفرهم ولا مرتابين فيهم )) الرد على الجهمية للدارمي (ص: 196)
ثم قد يقال أيضا في كلام الرازيين: إن هذا حكم مطلق, ولا يلزم منه الحكم على المعين إلا بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع.
كما هي القاعدة عند أهل السنة والجماعة.



قوله: " وهذا يدلك على أن المبتدع قد يكون جاهلاً, وليس كل مبتدع قد قامت عليه الحجة ، "
قد تقدم الرد على هذا القول, ومما أزيده هنا: أن لازم الحق لا يكون إلا حقا, وإذا فسد اللازم دل ذلك على فساد الملزوم.
ومن لازم قولك: أن الأئمة الذين خالفوا المسائل الواضحة المجمع عليها أن يكونوا مبتدعة.
مثلا:
- ابن خزيمة خالف في مسألة الصورة المجمع عليها, وكذلك الألباني فهل يكونوا مبتدعة عندك؟
قال ابن خزيمة: (( وتوهموا أن إضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر من إضافة صفات الذات, فغلطوا في هذا غلطا بينا )) كتاب التوحيد (1/99)
وقال: (( فإن ابن آدم خلق على الصورة التي خلقها الرحمن حين صوَّر آدم )) (1/101)
ومما يدل على أن مسألة الصورة أصل مجمع عليه ما يأتي:
قال الإمام أحمد: (( من قال: إن الله خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي )) طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (2/236)
       وعن إسحاق بن منصور قال قلت لأحمد: لا تقبحوا الوجوه فإن الله خلق آدم على صورته أليس تقول بهذه الأحاديث؟ قال أحمد: (( صحيح )) الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية (3/266)
     وقال الإمام إسحاق بن راهويه عن حديث إن الله خلق آدم على صورته: (( صحيح, ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي )) الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية (3/266)
وقال ابن تيمية: (( قال المحافظ أبو موسى المدينيُّ في (مناقب الإمام إسماعيل بن محمد التيمي قِوامِ السنة): سمعتُه يقول: أخطأ محمد بن إسحاق بن خزيمة في حديث الصورة، ولا نطعن عليه بذلك، بل لا يُؤخذُ عنه هذا فحسبُ )). جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية (ص: 168)
     فهذا وغيره يدل على أن مسألة الصورة أصل, ومع ذلك لم يبدع أئمة السلف من خالف من أهل السنة, كابن خزيمة.
-ابن عبد البر أول بعض الصفات الفعلية كالضحك, هل هو مبتدع عندك؟
قال ابن عبد البر: (( وأما قوله: (يضحك الله )فمعناه: يرحم الله عبده عند ذاك, ويتلقاه بالروح والراحة والرحمة والرأفة )) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (18/ 345)
-الإمام أبو حنيفة في مسألة الإيمان هل تبدعه؟
-ابن حجر – الذي عنده تمشعر, ولا أقول أشعريا -هل هو مبتدع عندك؟
قال ابن حجر: (( قوله "استوى على العرش" هو من المتشابه الذي يفوض علمه إلي الله تعالى )) فتح الباري (1/ 136)
وقال: (( قوله:" ينزل ربنا إلى السماء الدنيا" استدل به من أثبت الجهة, وقال: هي جهة العلو, وأنكر ذلك الجمهور؛ لأن القول بذلك يفضي إلى التحيز تعالى الله عن ذلك )) فتح الباري (3/ 30)
فقد أنكر أصولا عظيمة.
-والنووي أيضا هل هو مبتدع عندك؟
قال الشيخ العثيمين: (( فالنووي: لا نشك أن الرجل ناصح، وأن له قدم صدق في الإسلام، ويدل لذلك قبول مؤلفاته حتى إنك لا تجد مسجداً من مساجد المسلمين إلا ويقرأ فيه كتاب (رياض الصالحين)
وهذا يدل على القبول، ولا شك أنه ناصح، ولكنه - رحمه الله - أخطأ في تأويل آيات الصفات حيث سلك فيها مسلك المؤولة، فهل نقول: إن الرجل مبتدع؟
نقول: قوله بدعة لكن هو غير مبتدع، لأنه في الحقيقة متأول، والمتأول إذا أخطأ مع اجتهاده فله أجر، فكيف نصفه بأنه مبتدع وننفر الناس منه، والقول غير القائل، فقد يقول الإنسان كلمة الكفر ولا يكفر )). شرح الأربعين النووية (ص: 288)
فإن كنت جريئا تسير على أصول ثابتة فليكن قولك مطردا, وبدِّع هؤلاء, وإذا فعلت عرفنا من أنت.



قوله: " فمن أهل البدع من لو قامت عليه الحجة لكان كافراً "
لو أردت بالبدع البدع المفسقة فلا يلزم من إقامة الحجة على المبتدع في البدع المفسقة أن يكون كافرا, فلو أن إنسانا يرى الخروج على الحاكم فأقيمت عليه الحجة ولم يأخذ بها ظلما أو من أجل الدنيا لا تكبرا وتكذيبا ونحو ذلك أيكون كافرا؟
الجواب: لا.
فهذا الحسن بن صالح بن حي لم يأت عن أحد من السلف أنه كفره.
وإن كان الأئمة أنكروا رأيه, وذموه, وحذروا منه تحذيرا شديدا, فإنه قد خالف أصلا من أصول أهل السنة وهو أنه يرى الخروج على الحاكم المسلم الفاسق.
قال يحيى القطان: (( كان سفيان الثوري سيئ الرأي في الحسن بن حي )) سير أعلام النبلاء (7/ 362)
وعن خلاد بن يزيد، قال:جاءني سفيان، فقال: (( الحسن بن صالح مع ما سمع من العلم وفقه يترك الجمعة ))، ثم قام، فذهب . سير أعلام النبلاء (7/ 363)
وعن أبي نعيم، قال: ذكر الحسن بن صالح عند الثوري، فقال: (( ذاك رجل يرى السيف على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- )).سير أعلام النبلاء (7/ 363)
وقال أبو نعيم: (( دخل الثوري يوم الجمعة, فإذا الحسن بن صالح يصلي, فقال: نعوذ بالله من خشوع النفاق, وأخذ نعليه فتحول )) تهذيب التهذيب (1/398)
وكان زائدة يجلس في المسجد يحذر الناس من ابن حي وأصحابه سير أعلام النبلاء (7/ 363 - 364)
وقال أحمد بن يونس: (( جالسته عشرين سنة, ما رأيته رفع رأسه إلى السماء, ولا ذكر الدنيا, ولو لم يولد كان خيرا له, يترك الجمعة, ويرى السيف )) تهذيب التهذيب (1/398)
وعن المروذي قال: وسمعت أبا عبد اللَّه وذكر الحسن بْن حي فقال: (( لا نرضى مذهبه, وسفيان أحب إلينا, وقد كان ابن حي قعد عن الجمعة, وكان يرى السيف, وقال:  قد فتن الناس بسكوته وورعه ))        طبقات الحنابلة (1/ 58)
وقال الذهبي: (( هو من أئمة الإسلام، لولا تلبسه ببدعة )). سير أعلام النبلاء (7/ 361)
وهذا فيه رد على من زعم أنه ليس هناك بعد إقامة الحجة إلا الكفر, فإذا أقيمت عليه الحجة كان كافرا لا مبتدعا, وهذا ليس بسديد كما تقدم.



قوله:
 وحتى بدع السلف يعقوب بن شيبة بالوقف ولو كان عالماً لكفروه" 
قال عبد الرحمن: فسألته - يعني الإمام أحمد - عن يعقوب بن شيبة.
فقال: (( متبدع، صاحب هوى )) سير أعلام النبلاء (12/ 478)
فيحمل كلام الإمام أحمد على أنه خرج خطابا لمعين يعلم حاله, وأنه قد قامت عليه الحجة.
ومما يدل عليه صنيع الإمام أحمد نفسه, ومن ذلك:
عن مثنى الأنباري حدثهم أنه قال: لأبي عبد الله رجل محدث يكتب عنه الحديث قال: من شهد([3]) أن العشرة في الجنة فهو مبتدع, فاستعظم ذلك, وقال: (( لعله جاهل لا يدري, يقال له )) أخرجه الخلال في السنة (1/369)
فاستعظم الإمام أحمد من بدع من شهد للعشرة بالجنة, ثم عذره لجهله.
والشهادة للعشرة بالجنة قد استقر عليها أمر أهل السنة والجماعة.
وسئل أيضا: ما تقول فيمن لم يثبت خلافة علي؟ قال: بئس القول هذا
زاد أحمد بن الحسن, عن بكر, عن أبيه قلت: يكون من أهل السنة؟ قال الإمام أحمد: ما أجترئ أن أخرجه من السنة, تأوَّل فأخطأ )) أخرجه الخلال في السنة (1/428)
فالإمام أحمد ممن يعذر بالجهل في التبديع.
وقد قال أبو العباس ابن تيمية في سياق كلامه عن عقوبة المبتدع: ((  وكثير من أجوبة الإمام أحمد, وغيره من الأئمة خرج على سؤال سائل قد علم المسئول حاله, أو خرج خطابا لمعين قد علم حاله, فيكون بمنـزلة قضايا الأعيان الصادرة عن الرسول, إنما يثبت حكمها في نظيرها ))مجموع الفتاوى (28/213)




قوله: " وادعى النجار أن الرجل إذا سلمت له مصادر التلقي وخالف أصلاً من أصول أهل السنة أنه لا يبدع حتى تقام الحجة ، وهذا تأصيل محدث لا دليل عليه "
وهذا الكلام منه يصدق عليه قول القائل: "من جهل شيئا عاداه", وكلامه هذا يشعر أنه العالم المحقق الذي سبر أقوال العلماء, وتعمق في فهم نصوص الكتاب والسنة, وأحاط بالأدلة, والله المستعان.
فمن خالف في مصدر التلقي لم يثبت له عقد السنة, فكيف يكون من أهل السنة؟!.
 ولهذا نجد الأئمة يبدعون أمثال الجويني مع أن له اجتهادا في المذهب الشافعي ؛ وذلك أنه لم يلتزم السنة في باب الاعتقاد, بخلاف ابن خزيمة وابن عبد البر ونحوهم, فهؤلاء يعظمون السنة ويلتزمونها, لكن لما خالفوا في مسألة واضحة, أجمع عليها السلف, اعتذر لهم الأئمة, ولم يبدعوهم؛ لسلامة مصدر التلقي عندهم.
فالمعتزلي مبتدع ولا كرامة من غير اشتراط إقامة الحجة, وكذا الأشعري, والصوفي, ونحوهم.
فهلا فهمت هذا التأصيل.
ولا يعني هذا أن الرجل من أهل السنة لا يخرج من السنة مطلقا, بل يخرج من السنة إذا أقيمت عليه الحجة.
كما أن كلامي لا يدل  - ولو من بعيد - أني لا أبدع إلا من خالف في مصدر التلقي فقط.
وأود التنبيه هنا: أنه لا يصح أن يقال ما وقع فيه ابن خزيمة وغيره ليس بأصل؛ لعدم اشتهاره.
فمثلا: الصورة قد وصف الإمام أحمد من خالفها بأنه جهمي
  قال الإمام أحمد: (( من قال إن الله تعالى خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي, وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه؟! )) الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية (3/266) 
     وعن إسحاق بن منصور قال قلت لأحمد: لا تقبحوا الوجوه فإن الله خلق آدم على صورته أليس تقول بهذه الأحاديث؟ قال أحمد: (( صحيح )) الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية (3/266)
     وقال الإمام إسحاق بن راهويه عن حديث إن الله خلق آدم على صورته: (( صحيح, ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي )) الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية (3/266) 
وقال أبو العباس ابن تيمية في حديث الصورة:(( هذا الحديث لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير عائد إلى الله )) بيان تلبيس الجهمية (6/373)
وقال: (( وأما قول من قال الضمير عائد إلى آدم كما ذكر ذلك للإمام أحمد عن بعض محدثي البصرة ويذكر ذلك عن أبي ثور فهو كما قال الإمام أحمد هذا تأويل الجهمية وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه )) بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (6/ 433)
وقال ابن تيمية في تأويل الصورة: (( ولكن ظهر لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة, جعل طائفة الضمير فيه عائدا إلى غير الله تعالى حتى نقل ذلك طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم, كأبي ثور, وابن خزيمة, وأبي الشيخ الأصبهاني, وعيرهم, ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة )) بيان تلبيس الجهمية (6/376)
فقد تضمن كلام شيخ الإسلام أمورا:
الأول: أن تأويل الصورة لم يظهر إلا في المائة الثالثة من جهة الجهمية.
الثاني: حكاية إجماع القرون الثلاثة على عدم التأويل.
الثالث: إنكار أئمة الدين عليهم هذا التأويل.
وهذه الأمور الثلاثة مفردةً تدل على اشتهار المسألة ووضوحها, فكيف بمجموعها؟!.
الرابع: أن ابن خزيمة وأمثاله معروفون بالعلم والسنة في عامة أمورهم.
وقوله في عامة أمورهم يدل على سلامة مصدر التلقي, وكذلك سلامتهم في عامة أمور الدين, وهذا هو السبب في الاعتذار لهم.
وقال أيضا في أبي ثور: (( وأول من بلغنا أنه تأوَّله ممن هو من العلماء المعروفين: أبو ثور، فلما تأوله أنكر ذلك عليه الإمام أحمد وغيره، وقصته في ذلك معروفة، ذكرها المرُّوذي في (كتاب القصص)، وذكرها الخلَّالُ وغيره، وذكرها أبو طالب المكيُّ في كتابه المسمى بـ(قُوْتِ القلوب) وقد ذكرها غير واحدٍ؛ كالقاضي أبي يعلى في كتاب (إبطال التأويلات لأخبار الصفات).
وكذلك تأوله الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خُزيمة، وجعل الضمير عائدًا على المضروب، وعلَّلَ رواية (الرحمن) وتأوَّلها - بتقدير صحَّتها - على أن الإضافة إلى الله إضافة خلق؛ لأنَّ الله خلقه تشريفًا وتكريمًا. وقد قيل: إن أبا الشيخ الأصفهاني أيضًا ممَّنْ تأوَّله.
فهؤلاء الثلاثة من المشهورين بالسُّنة، لكن جماهيرهم أنكروا ذلك )). جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية (ص: 168)
فذكر أنهم من المشهورين بالسنة, وأنهم من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم, مع إنكار بعض أئمة السلف على أبي ثور.
والإنكار والتحذير لا يلزم منه التبديع.
ومما يجدر ذكره هنا: أن الضابط في الجزئي الذي لا يُبدَّع به والجزئي الذي يبدع به هو: الإجماع, فإذا أجمع أئمة السلف على جزئي صار أصلا يُبدع من أجله, كما في مسألة حديث الصورة المتقدم, ومسألة الخروج على الحاكم المسلم, وغير ذلك.
وقد تكلمت عن هذه المسألة في رسالتي" تبصير الخلف.."
وأزيد هنا شيئا مهما وهو: ما ذكره ابن أبي زمنين في كتابه الذي سماه بأصول السنة, حيث قال: (( وأهل السنة يؤمنون بأن هذه الأمة تفتن في قبورها ... ))ص/150
وقال: (( وأهل السنة يؤمنون بعذاب القبر ... )) ص/154
وقال: (( وأهل السنة يؤمنون بالميزان يوم القيامة...))ص/162
وهذه كلها مسائل جزئية داخلة تحت اليوم الآخر, ومع ذلك عدها من الأصول؛ لوقوع الإجماع؛ وذلك أنه صدر كل مسألة بقوله: "وأهل السنة يؤمنون" ونسبته إلى أهل السنة إشارة إلى إجماعهم.
وقد فعل هذا غيره من الأئمة.
فإن قال قائل: لا يكفي الإجماع وحده في عد المسـألة أصلا, بل لابد من إضافة قيد آخر وهو أن تكون هذه المسألة مما خالف فيها أهل البدع.
قيل له: هذا القيد يلزم عليه لوازم باطلة, ومن تلك اللوازم: أن تكون المسألة المجمع عليها قبل أن يخالف فيها أهل البدع ليست أصلا, وإنما كانت أصلا بعد مخالفة أهل البدع, وهذا قول باطل.
فهي إنما كانت أصلا لاشتهار موافقتها للكتاب والسنة, لا لكون هناك من خالف من أهل البدع.
فإن قال قائل آخر: ليس التبديع محصورا في الأصول, بل حتى لو خالف فرعا أو أحدث بدعة ووالى وعادى عليها.
قيل له: مجرد الإحداث في فرع من الفروع لا يبدع لأجله الإنسان, ولا يعرف عن أحد من السلف بدع لأجل ذلك, بل لو ساغ التبديع في الإحداث في الفروع لما سلم أحد من الأئمة المجتهدين كالشافعي, وغيره من الأئمة.
أما كونه يوالي ويعادي لأجله فلا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يوالي ويعادي لما يظن أنه السنة, فهذا لا يجترئ أحد على تبديعه.
الحال الثانية: أن يوالي ويعادي لما علم أنه بدعة؛ فهذا يرجع إلى هدم أصل عنده, وهو أصل الولاء والبراء.
فينبغي عدم الخلط بين المسائل.




قوله: " وادعى النجار أن الرجل إذا سلمت له مصادر التلقي وخالف أصلاً من أصول أهل السنة أنه لا يبدع حتى تقام الحجة ، وهذا تأصيل محدث لا دليل عليه "
مع ما تقدم أقول: ما نقلتَه أنت قبل هذه العبارة عن شيخ الإسلام يثبت هذا التأصيل الذي زعمت أنه محدث, لكن أُتيت من سوء فهم, ومن اعتقاد قبل البحث, فحملت نصوص العلماء على ما اعتقدته.
وأوضح لك نقلا واحدا, وقس عليه ما عداه .
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (13/ 361: "وفي الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتَّابِعِينَ وَتَفسيرهم إلى ما يخالِفُ ذلك كان مُخْطِئًا في ذلك بل مبتدعا وإن كان مجتهدا مغفورا له خطؤه"
فمراده بالمبتدع هنا من لم ينتسب للسنة أصلا, إذ إنه لا يعدل عن مذهب الصحابة إلا أهل البدع, كما قال شيخ الإسلام: ((  فعلم أن شعار أهل البدع : هو ترك انتحال اتباع السلف ))مجموع الفتاوى (4/155)
وهذا يقرر أن خلافهم كان في مصدر التلقي .
فهم عدلوا؛ لأجل مذهب اعتقدوه مخالف لمذهب الصحابة.
يوضحه أيضا سياق هذا الكلام فقد قال((فإن الصحابة والتابعين والأئمة إذا كان لهم في تفسير الآية قول وجاء قوم فسروا الآية بقول آخر لأجل مذهب اعتقدوه وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان صاروا مشاركين للمعتزلة وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا. ))
كما يوضحه أيضا كلام شيخ الإسلام الآخر المتناثر في كتبه, وقد نقلت شيئا منه في رسالة تبصير الخلف, فلترجع إليه.


قوله: " وادعى النجار أن الرجل إذا سلمت له مصادر التلقي وخالف أصلاً من أصول أهل السنة أنه لا يبدع حتى تقام الحجة ، وهذا تأصيل محدث لا دليل عليه "
لو كانت المسألة بالرجال, فهذا التأصيل الذي ذكرتَ أنه محدث قد أقمتُ عليه الأدلة, وقد سُبقتُ إليه, وأقرني عليه عالمان جليلان, وشيخان فاضلان وهما فضيلة الشيخ صالح بن سعد السحيمي أستاذ العقيدة في الجامعة الإسلامية وهو معروف عند العلماء بعلمه ومنهجه, والشيخ سليمان الرحيلي الفقيه الأصولي, وهو معروف أيضا بدقته وتحقيقه.
فأين أنت منهم؟ ومن أقرك على هذه المجازفة العارية عن الصحة؟ ثم أين الأدلة على هذه الدعوى؟
وقد ذكرتُ لك فيما سبق سوء فهمك لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية.
فلست أهلا للحكم فتنبه.



قوله: "وقد ادعى أن عبد الملك الكرجي نفى إحساس الميت بعذاب القبر ولم يبدعه أهل السنة ، مع أنه خالف أصلاً من أصول أهل السنة 
وهذا خلط منه بين محمد بن عبد الملك الكرجي الفقيه الشافعي والكرجي القصاب صاحب التفسير محمد بن علي بن محمد، أبو أحمد القصاب
والذي قاله القصاب أن الميت لا يشعر بطول مكثه في القبر لا أنه لا يحس بعذاب القبر فهذا لا يدل عليه كلامه من قريب ولا بعيد "
لو رجع لرسالتي" تبصير الخلف" لوجد أني فرقتُ بين محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر الكرجي أبو الحسن وبين محمد بن علي بن محمد الكرجي أبوأحمد, لكن سبق لساني في التسجيل الصوتي فقلت عبد الملك الكرجي, فكأنه طار فرحا بهذا, مع أنه لا يسلم منه إنسان – عالم أو جاهل – إلا من كان معصوما.
وسأنقل للقارئ الكريم نقل كلام شيخ الإسلام لأبي الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي الذي يدل على سوء فهم هذا المدعو, قال:(( في تأويل الشيخ أبي أحمد محمد بن علي الفقيه الكرجي الإمام المعروف بالقصاب للآيات والأخبار الواردة في إحساس الميت بالعذاب, وإطنابه في كتابه المعروف بـ (نكت القرآن), وذهابه إلى أن الميت بعد السؤال لا يحس طول لبثه في البرزخ, ولا بالعذاب.
فنقول: هذا تأويل تفرَّد به, ولم يتابعه الأئمة, والقول ما ذهب إليه الجمهور, وتفرده بالمسائل لا يؤثر ولا يقدح في درجاتهم ))([4])
وقد أقره شيخ الإسلام على هذا التقرير.
قوله: "بل صرح بوجود عذاب القبر والإحساس به جلياً في النكت (4/53) :" وطائفة من عذاب القبر تطول عليه بكرة واحدة وعشية واحدة ،
ثم يخمد فلا يشعر إلى الحشر بشيء ، كما دللنا عليه"
على الإنسان أن يكون أمينا في النقل, حتى وإن خالف ما رآه, فلو نقلت كلامه كله لفهمت المراد, ولعلمت أنك أخطأت في فهمك, وفي نقدك لي.
قال الكرجي : (( وفيما دل عليه عرضُ آل فرعون على النَّار غدوًّا وعشيّا ما يعارض ما ذكرناه في غير موضع من هذا الكتاب من أن الميت لا يشعر  بعد المساءلة  بعد طول المكث في البرزخ، حتى يبعثه الله، ودللنا عليه في التلاوة - نصَّا - في الكافر والمسلم، ورُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم – بنقل الثقات ما يؤيده من عرض مقاعد أهل القبور عليهم – إيَّاها بكرة وعشية، فقد يحتمل أن يكون هذا العرض بقية من المساءلة تمتد عليه، وطائفة من عذاب القبر تطول عليه بكرة واحدة وعشية واحدة ثم يخمد فلا يشعر إلى الحشر بشيء، كما دللنا عليه
فإن قيل: وكيف يكون ذلك وفي الموتى من يموت عشية يوم قد مضت بكرته، أو يموت ليلاً قد مضت البكرة والعشية معًا؟.قيل: نفس هذا دليل على أنه لا يؤخذ في العرض عليه من فور دفنه، فإذا عرض عليه غدوة يوم، وعشية الثاني فقد ارتفعت غدوة وعشية، واستغرق الاحتمال، وزال التعارض. فإن قيل: أفليس قد رُوي: " أنه تُعرض عليهم مقاعدهم غدوة وعشية، ما دامت الدنيا
قيل: لم يأت بهذه اللفظة إلا قَبيصة عن سفيان، ومالك أثبت، رَوى عن نافع، عن ابن عمر فلم يذكرها، وقبيصة وإن كان من الأثبات، فقد أغفل الحفظ في غير شيء ))
وقال: (( قوله: ﭲ  ﭳ     ﭴ  ﭵ  ﭷ    ﭸ  ﭹ   ﭺ  ﭻ  طه: ١٠٢
دليل على ما قلنا: إن الميت لا يشعر بطول مكثه في البَرزخ، لولا  ذلك لما أحالوا على لُبث عشرِ ويوم ))
فالكرجي رحمه الله يرى أن الميت – كافرا كان أو مسلما - لا يشعر بطول مكثه في البرزخ ولا بالعذاب, ولهذا أول عذاب الكفار الدائم إلى قيام الساعة كما في آل فرعون.
ولو كان يثبت العذاب بعد المسألة إلى قيام الساعة لما استشكل الآيةﮞ   ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ    ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  غافر:  ٤٦
ولو كان أيضا يثبت العذاب بعد المسألة إلى قيام الساعة لما أتى بالاحتمالات والتخريجات.
وتأمل في قوله: " الميت لا يشعر  بعد المساءلة  بعد طول المكث في البرزخ"
وهو يتحدث عن آل فرعون, وهذا فيه نفي للشعور- الإحساس - بعد المسألة, وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة الصريحة ومنها ما ذكرها ابن القيم في الروح (ص89) حيث قال: (( وفي حديث ابن عباس في قصة الجريدتين لعله يخفف عنهما ما لم تيبسا فجعل التخفيف مقيدا برطوبتهما فقط
 و في حديث الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت لا يفتر عنهم من ذلك شيء و قد تقدم وفي الصحيح في قصة الذي لبس بردين وجعل يمشي يتبختر فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة
 وفي حديث البراء بن عازب في قصة الكافر ثم يفتح له باب إلى النار فينظر إلى مقعده فيها حتى تقوم الساعة رواه الإمام أحمد وفي بعض طرقه ثم يخرق له خرقا إلى النار فيأتيه من غمها و دخانها إلى القيامة ))
قوله ولو فرضنا جدلاً أن القصاب خالف أصلاً من أصول فمن أين لك أن علماء أهل السنة في عصره لم يبدعوه ، أو قالوا من بدعه فهو مبتدع أو مخطيء 
بل لم يذكر في ترجمته أن أحداً أنكر عليه هذه المسألة مما يدل على أنهم إما لم يقفوا عليها ، أو وقفوا ورأوها محل اجتهاد 
لا يزال يتكلم بلغة العالم المستقرئ, وهو لا يعرف قدر نفسه, والله المستعان, فهذا كلام الكرجي الشافعي نقله ابن تيمية, فهل سترجع؟
ومحمد بن عبد الملك الكرجي حكى قول القصاب قائلا: "لا يحس طول لبثه في البرزخ, ولا بالعذاب."
فلا أدري ما الفرق بين ما ذكرتُه في التسجيل وما نقله شيخ الإسلام؟!
وهل بعد هذا كله لم يخالف أصلا؟ أو تراها من المسائل الاجتهادية؟
وإليك هذه الفائدة في بيان أقوال المعتزلة: فقد قال القرطبي في التذكرة (380): (( وقال بعض المعتزلة: إن الله يعذب الموتى في قبورهم، ويحدث فيهم الآلآم وهم لا يشعرون، فإذا حشروا وجدوا تلك الآلام.
وزعموا أن سبيل المعذبين من الموتى، كسبيل السكران أو المغشى عليه، لو ضربوا لم يجدوا الآلام، فإذا عاد إليهم العقل وجدوا تلك الآلام، وأما الباقون من المعتزلة.
مثل ضرار بن عمرو وبشر المريسي ويحيى بن كامل وغيرهم، فإنهم أنكروا عذاب القبر أصلاً، وقالوا: إن من مات فهو ميت في قبره إلى يوم البعث وهذه أقوال كلها فاسدة تردها الأخبار الثابتة وفي التنزيل: ﮞ   ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ   غافر: ٤٦)).
قوله: "ومن تخبط النجار قوله بأن الكفر لا يكون إلا فيما واطأ فيه القلب اللسان ، وهذا إرجاء فإننا مع قولنا أن الكفر الظاهر لا يقع إلا مع وجود كفر باطن"
فقد أبان في هذه العبارة تحامله علي؛ إذ إنه ما تورع عن وصف كلامي بالإرجاء , ثم لما رأى بُعد كلامي عن هذا الوصف استدرك على نفسه قائلا: " فإننا مع قولنا أن الكفر الظاهر لا يقع إلا مع وجود كفر باطن"
ثم إن عبارتي قد ذُكرت في سياقٍ, فقطع الكلام عن سياقه.
فلم يكن كلامي متعلقا بالكفر الذي يناقض الإيمان من كل وجه كسب الله, والاستهزاء ونحو ذلك.
فهذه لا شك أن من وقع فيه من غير إكراه ولا إغلاق فهو كافر ظاهرا وباطنا.
قال إسحاق بن راهويه: (( قد أجمع المسلمون أن من سب الله أو سب رسوله عليه الصلاة والسلام أو دفع شيئا مما أنزل الله أو قتل نبيا من أنبياء الله أنه كافر بذلك وإن كان مقرا بما أنزل الله )). انظر: الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 512)
وقال محمد بن سحنون: (( أجمع العلماء أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المنتقص له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله وحكمه عند الأمة القتل ومن شك في كفره وعذابه كفر )). انظر الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 513)
وقال ابن تيمية: (( فإنا نعلم أن من سب الله ورسوله طوعا بغير كره ؛ بل من تكلم بكلمات الكفر طائعا غير مكره ومن استهزأ بالله وآياته ورسوله فهو كافر باطنا وظاهرا وأن من قال : إن مثل هذا قد يكون في الباطن مؤمنا بالله وإنما هو كافر في الظاهر فإنه قال قولا معلوم الفساد بالضرورة من الدين )) الإيمان الأوسط (ص: 102)
ولا أقول: إنه يشترط فيه الاستحلال القلبي فهذا لا يستقيم إلا على أصول الجهمية ومن وافقهم الذين يجعلون الإيمان هو المعرفة أو التصديق, وأن القول والعمل لا يؤثر في الإيمان.
ووجه كونه كفرا ظاهرا وباطنا: أن هذا الكفر مستلزم لكفر الباطن.
قال شيخ الإسلام (( وما كان كفرا من الأعمال الظاهرة كالسجود للأوثان, وسب الرسول ونحو ذلك فإنما ذلك لكونه مستلزما لكفر الباطن )) مجموع الفتاوى 14/120
وقال: (( أن : لا نسلم أن المقصود إذا صح يكفر المعبر بعبارة يقال إنها سيئة, وهذا قول لم يقله أحد من أئمة المسلمين, بل هم مجموعون على نقيضه, وأن المسلم إذا عنى معنى صحيحا في حق الله تعالى أو الرسول ولم يكن خبيرا بدلالة الألفاظ فأطلق لفظا يظنه دالا على ذلك المعنى و كان دالا على غيره أنه لا يكفر, ومن كفر مثل هذا كان أحق بالكفر, فإنه مخالف للكتاب و السنة وإجماع المسلمين, وقد قال تعالى ﯖ  ﯗ  ﯘ    البقرة: ١٠٤ وهذه العبارة كانت مما يقصد به اليهود إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم, و المسلمون لم يقصدوا ذلك, فنهاهم الله تعالى عنها ولم يكفرهم بها, والمطلق لمثل هذا على الله لا يكفر, فكيف على الرسول صلى الله عليه وسلم؟ )) الرد على البكري (2/ 659)
وإنما كان كلامي متعلقا بمن صرف ذبح لغير الله, أو استغاث بغير الله وقد اختلف العلماء فيه من جهة تكفير المعين.
ولا شك أن صرف العبادة لغير الله كفر, لكن هل كل من وقع فيه يكون كافرا؟
أما عبارتك التي ذكرت " فإننا مع قولنا أن الكفر الظاهر لا يقع إلا مع وجود كفر باطن"  فإنه يلزم عليها لوازم باطلة:
أولا:  أن المكره الذي نطق بالكفر يكون كافرا في الباطن, لأنك أطلقت العبارة " الظاهر لا يقع إلا مع وجود كفر باطن".
فيلزم من قولك أن تكفر الصحابي الجليل عمار بن ياسر؟!
والنبي صلى الله عليه وسلم قال له: (( إن عادوا فعد )), فهل أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفر؟!
والعياذ بالله.
ولازم القول عندي ليس بقول.
فهلا ذهبت وتعلمت قبل أن ترد؟!
ثانيا: أن عبارتك لا تفرق بين قول أهل السنة والجهمية.
فقولك الكفر الظاهر لا يقع إلا مع وجود كفر باطن.
يَرِد عليه سؤال: هل كفر الظاهر لا يقع إلا مع وجود كفر الباطن من باب اللزوم أو من باب الدليل والأمارة؟
فالأول: قول أهل السنة والجماعة على القيد الذي ذكرتُه آنفا.
والثاني: قول الجهمية ومن وافقهم.
قال ابن تيمية عن الجهم ومن وافقه: (( قالوا: وإنما ثبت له في الدنيا أحكام الكفار؛ لأن هذه الأقوال أمارة على الكفر, ليحكم بالظاهر كما يحكم بالإقرار والشهود, وإن كان الباطن قد يكون بخلاف ما أقر به وبخلاف ما شهد به الشهود )) مجموع الفتاوى (7/ 189) وما قبلها



قوله: فلا
 نشترط هذه الموطأة التي معناها إذا كذب بلسانه فلا بد أن يكذب بقلبه ! بل قد يكذب بلسانه ويكون دافع التكذيب العناد أو الحسد أو غيرها"
هذا تحريف لكلامي, فكلامي واضح في الدلالة على المواطأة في الكفر –الذي دل عليه سياق كلامي- لا في التكذيب, والفرق بين الأمرين ظاهر.
 ومن يقرأ عبارتك هذه يظن أنك من المرجئة الذين حصروا الكفر في التكذيب.
قال ابن تيمية عن المرجئة من الجهمية ومن وافقهم كالاشاعرة: (( فالكفر عندهم شيء واحد, وهو: الجهل, والإيمان شيء واحد وهو: العلم أو تكذيب القلب وتصديقه, فإنهم متنازعون هل تصديق القلب شيء غير العلم أو هو هو؟ .
وهذا القول مع أنه أفسد قول قيل في " الإيمان " فقد ذهب إليه كثير من " أهل الكلام المرجئة ".
وقد كفر السلف - كوكيع بن الجراح وأحمد بن حنبل وأبي عبيد وغيرهم - من يقول بهذا القول. وقالوا: إبليس كافر بنص القرآن وإنما كفره باستكباره وامتناعه عن السجود لآدم لا لكونه كذب خبرا. وكذلك فرعون وقومه قال الله تعالى فيهم: ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ   النمل: ١٤)) مجموع الفتاوى (7/189)



قوله: وقد تخبط في نقل قصة سجود معاذ للنبي صلى الله عليه وسلم فزعم أن معاذاً رحل لليمن ، والحديث فيه أن معاذاً رحل للشام وهذا من أوجه نكارته إذ أن معاذاً ما رحل للشام إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم 
وهذا أيضا من جهله وعدم اطلاعه, فقد أخرج أحمد في المسند (36/ 312)
عن معاذ بن جبل: أنه لما رجع من اليمن، قال: يا رسول الله، رأيت رجالا باليمن يسجد بعضهم لبعض، أفلا نسجد لك؟ قال: " لو كنت آمرا بشرا يسجد لبشر، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها "
وجاء أيضا في المسند (32/ 145) بالشك, فعن عبد الله بن أبي أوفى قال: ((اليمن، أو قال: الشام، فرأى النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها...))
والحديث يحتاج إلى مزيد بحث, ليس هذا موضعه.
وفي الختام:
هذا ما أردت بيانه على عجالة - لضيق الوقت -؛ حتى يفهم الكلام على وجهه.















([1])   وهو للمدعو: "عبد الله الخليفي" وليس غرضي ابتداء هو الرد عليه, وبيان ضعف ما استمسك به, وإنما الغرض بيان هذه المسائل التي تعد من أهم المهمات في هذا العصر؛ وذلك أنها أشكلت على جمع من طلبة العلم, فضلا عن العوام.
      والله المستعان. 
([2])   ومن أراد المزيد في التبديع فليرجع  إلى رسالتي: " تبصير الخلف بضابط الأصول التي من خالفها خرج عن منهج السلف"

([3])  من الأئمة من ترك لفظ الشهادة وعبر بالقول كابن المديني وغيره, وقد أنكر ذلك الإمام أحمد, وأمر أهل السنة والجماعة قد استقر على الشهادة, فلا يجوز العدول عن ذلك.
        قال ابن تيمية: (( وكان طائفة من السلف يقولون: لا نشهد  بالجنة إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - خاصة. وهذا قول محمد ابن الحنفية والأوزاعي, وطائفة أخرى من أهل الحديث، كعلي بن المديني وغيره  ، يقولون: هم في الجنة، ولا يقولون  : نشهد لهم بالجنة.
      والصواب أنا نشهد لهم بالجنة, كما استقر على ذلك مذهب أهل السنة )).  منهاج السنة النبوية (6/ 203)
     وفي السنة لأبي بكر بن الخلال (2/ 358) عن أبي بكر المروذي، في هذه المسألة قال: قلت لأبي عبد الله: إن ابن الهيثم المقرئ قد حكي عنه أنه قال: لا أشهد للعشرة أنهم في الجنة، قال: لم يذاكرني بشيء، قلت له: فلا يجانب صاحب هذه المقالة؟ قال: قد جفاه قوم , وقد لقي أذى. وقال محمد بن يحيى الكحال في هذه المسألة: سألت أبا عبد الله عمن لا يشهد لأبي بكر وعمر وعثمان بالجنة , فقال: هذا قول سوء، وقد كان عندي منذ أيام من هو ذا يخبر عنه بهذا , ولو علمت لجفوته، قلت له: ابن الهيثم؟ قال: نعم ))
       السنة لأبي بكر بن الخلال (2/ 359)
       وعن أبي بكر الأثرم كما في السنة (2/359)، قال: سمعت أبا عبد الله ونحن على باب عفان، فذكروا الشهادة للذين جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم في الجنة، فقال أبو عبد الله: نعم نشهد، وغلظ القول على من لم يشهد، واحتج بأشياء كثيرة، واحتج عليه بأشياء فغضب حتى قال: صبيان نحن ليس نعرف هذه الأحاديث، واحتج عليه بقول عبد الرحمن بن مهدي، فقال , عبد الرحمن بن مهدي من هو؟ أي مع هذه الأحاديث "
       وفي السنة أيضا لأبي بكر بن الخلال (2/ 362) عن محمد بن علي أبو بكر، أن يعقوب بن بختان حدثهم في هذه المسألة، قال أبو عبد الله: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أشهد على عشرة من قريش أنهم في الجنة» ، فقيل له: إن رجلا يقول: هم في الجنة ولا أشهد، فقال: «هذا رجل جاهل، أيش الشهادة إلا القول»
([4]) – بيان تلبيس الجهمية (6/398-406)






الرد على المكنى بـ"أبو عبد الرحمن المكي"


الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, أما بعد:
فقد رأيت مقالا لهذا المكنى - وأظنه من ليبيا- عنونه بـ "متى يعد الرجل من أهل الأهواء؟" وتعرض لي فيه بالسب والطعن, -كما هي عادته - من غير حجة صحيحة, ولا بينة سديدة.
وقد صدر هذا المقال بذكر كلام أهل العلم من غير فهم له على الوجه الصحيح, ووظفه بفهمه السقيم على أنه رد علي.
ولنستعرض ما كتبه على وجه الاختصار:
قال المكنى بأبي عبد الرحمن:
قال شيخ الاسلام رحمه الله - في (الفتاوى) (194/35) [سؤال] (1911)
" والبدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة كبدعة الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة .... " اﻫـ .
" .... وقال في 42/1 فإن البدعة مالم يشرعه الله من الدين ، فكل من دان بشئ لم يشرعه الله فذاك بدعة وإن كان متأولا فيه .... " اﻫـ .
وقال في الإستقامة( (254/1 ولهذا كان السلف يعدون كل من خرج عن الشريعة في شئ من الدين من أهل الأهواء ويجعلون أهل البدع هم أهل الأهواء ويذمونهم بذلك ويأمرون بألا يغتر بهم ولو أظهروا ما أظهروه من العلم والكلام والحجاج أو العبادة
والأحوال .... " اﻫـ .
وقال الإمام الحافظ ابن كثير" أهل السنة والجماعة يقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة : هو بدعة ﻷنه لو كان خيرا لسبقونا إليه ، فإنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها " ﻫـ . (التفسير له) (278/7)
• وقال العلامة الفقيه الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في رسالته ( فتح رب البرية بتلخيص الحموية) (ص - 210 ) : " .... ومن خرج عن السنة بتأويل لم تدل عليه السنة فهو ليس من أهل السنة " اﻫـ .
هذا ما نقله المكي.
وكلام الأئمة الآنف الذكر لا يدور على محل واحد, وهذا ما لم يفهمه المكي, لانه قد جعل كلامهم المتباين يدل على أمر واحد.
والأمور التي يدور عليها كلامهم, هي:
1-بيان البدعة التي تخرج من السلفية, وليس كل بدعة تخرج من السلفية, وهذا ما تضمنه كلام شيخ الإسلام الأول لما قال: ( والبدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء...)
فهو يتكلم عن بدعة مخصوصة، ولا يلزم من اثبات الاخص اثبات الاعم.
2-البدعة عموما تعريفها وبيان حقيقتها, وهذا ما تضمنه كلام شيخ الإسلام الأول لما قال: (فإن البدعة مالم يشرعه الله من الدين ، فكل من دان بشئ لم يشرعه الله فذاك بدعة وإن كان متأولا فيه .... "
فيحكم على فعله بأنه بدعة, ولو كان متأولا.
وأيضا في قول ابن كثير لما قال: (أهل السنة والجماعة يقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة : هو بدعة ﻷنه لو كان خيرا لسبقونا إليه ، فإنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها "
فهنا الكلام عن البدعة باعتبار اعم، واثبات الاعم يلزم منه اثبات الاخص.
3-الحكم المطلق فيمن وقع في بدعة بتأويل.
قال ابن تيمية: (ولهذا كان السلف يعدون كل من خرج عن الشريعة في شئ من الدين من أهل الأهواء ويجعلون أهل البدع هم أهل الأهواء ويذمونهم بذلك ويأمرون بألا يغتر بهم ولو أظهروا ما أظهروه من العلم والكلام والحجاج أو العبادة
والأحوال .... " اﻫـ
ولا شك أن من خرج عن الشريعة بشيء يعد من أهل الأهواء وإن أظهر التدين, لكن أين يستفاد الحكم على المعين من هذا الكلام؟
وقال الشيخ العثيمين: (ومن خرج عن السنة بتأويل لم تدل عليه السنة فهو ليس من أهل السنة )
والقاعدة التي عند أهل السنة" لا يلزم من الحكم المطلق الحكم على المعين"
فبان للقارئ الكريم أن كلامهم لا يدور على أمر واحد.
ولنأت الآن ننظر إلى تقرير المكي الفهامة! لكلام الأئمة:
• قال المكي: (( وهذا الكلام من هؤلاء الأئمة الأفذاذ رد على المدعو أحمد النجار الليبي الذي يقرر في بعض رسائله أن السني هو من يستدل بالكتاب والسنة والإجماع ولا يخرج من السنة إلا من خالف هذه الأصول !!
...إلى آخر كلامه,أو نحو هذا الكلام الأرعن )) .
فزعم أن كلامهم ردٌّ علي, ولم ينتبه إلى أنه موافق لكلامي حذو القذة بالقذة.
فشيخ الإسلام لما تكلم عن البدعة التي يعد بها الرجل من الأهواء, أي: يكون بها مبتدعا: أرجعها إلى ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة
فلم يكتف شيخ الإسلام بمجرد المخالفة التي نسبها إلي المكي, بل زاد على ذلك الاشتهار.
لكن هذا الرجل ينقل بلا إدراك وتصور, وليته يكتفي بجهله, بل يزيد على ذلك الحكم على الناس بناء على تصوره الفاسد.
ومن عجيب أمره أن كل ما نقله يرجع إلى مخالفة الكتاب والسنة والإجماع.
فهل الخروج عن الشريعة إلا مخالفة للكتاب والسنة والإجماع؟!
ومن دان بشيء لم يشرعه الله ألا يكون مخالفا للكتاب والسنة والإجماع؟!
ومن خرج عن السنة بتأويل لم تدل عليه السنة أليس مخالفا للكتاب والسنة والإجماع؟!
أو هناك شيء آخر عندك !.
وما يدندن حوله المكي وكذلك أحمد بازمول من أني لا أخرج من السنة إلا من خالف هذه الأصول, هو: نفس قول الأئمة.
لكن غفل هذان عن قضية لم يستوعباها وهي:
فرق بين من خالف هذه الأصول مطلقا, فأعرض عنها في التلقي والاستدلال, كالخوارج والمعتزلة, والأشاعرة, فهؤلاء مبتدعة من غير إقامة حجة, فالخارجي مبتدع من غير إقامة حجة, وكذا المرجئ, والأشعري, وغيرهم.
وبين من خالف هذه الأصول في مسألة أو مسألتين مع التزامه بها في التلقي والاستدلال, فهذا لا يبدع إلا بعد إقامة الحجة, فإن أصر بدع.
فالثاني يبدع بعد اقامة الحجة
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: (( وأما الخطأ في العقيدة: فإن كان خطأ مخالفاً لطريق السلف، فهو ضلال بلا شك, ولكن لا يحكم على صاحبه بالضلال حتى تقوم عليه الحجة، فإذا قامت عليه الحجة، وأصر على خطئه وضلاله، كان مبتدعاً فيما خالف فيه الحق ))
فما أجرأك يا مكي؟! كيف تصفني بالمنهج الأفيح, وتلزمني بقاعدة حسن البنا مؤسس فرقة الإخوان, وتلزمني بـ ابن لادن والظاهري وعبد الرحمن عبد الخالق, وغيرهم؟!.
كبرت كلمة خرجت منك, إن تقول إلا كذبا.
وأخيرا: الذي ينبغي لهذا الراد وأمثاله أن يُحجموا عن التكلم في المسائل الكبار؛ حتى يتأصلوا, ويعرفوا مواطن الإجماع والخلاف، والفرق بين الحكم على النوع والعين.
قال الشيخ ابن باز: (( المبتدئ يجتهد في الاستمرار في طلب العلم، ويحرص على أن يكون أهلا للترجيح في المسائل الخلافية ))
وأما أن يتكلم من ليس أهلا فهذا يوقع في البغي والظلم, كما حصل مع هذا المدعو.
وأكتفي بهذا القدر فقد ملأ رده جهلا وظلما.
وعند الله تجتمع الخصوم.
كتبه
أحمد النجار


وقفات مع تعقبات الاخ صبري المحمودي

   

الحمد لله رب العلمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد؛ فقد وقفت على بعض التعقبات لأخينا صبري المحمودي على جوابي حول ما كتبه بعنوان: متى يخرج الرجل من السنة إلى البدعة؟
فرأيتها قد خرجت عن حدِّ العلم المؤصَّل, والتحقيق المدقق, بل خرجت جملة من تعقباته عن كونها علما يستحق أن ينظر فيه, أو يُعلَّق عليه, وقد ساءني جدا تماديه, وتغييره للحقائق
ولله در القائل:( من خاض في غير فنه أتى بالعجائب)
وقد أحجمت على الرد برهة من الزمن؛ للمودة التي بيني وبينه, وقد كنت أتمنى ألا يجرني إلى هذا الرد, لكن لما رأيت نشره لكلامه، وانخداع بعض الناس به: استوجب مني أن أبين ما وقع فيه من الزلل والشطط؛ حتى أُرجع الحق إلى نصابه.
ولا أطيل في المقدمة, وسأدخل في المناقشة مباشرة, على أن هذا الرد سيكون آخر ردٍّ لي عليه إلا إذا اقتضت المصلحة.
وأنبه: أني لن أذكر كل ما تضمنه تعقبه من أخطاء؛ لأن الوقت أنفس من أضيعه في بيان أخطائه فيه, وإنما سأذكر بعضها:
قوله: ((قلت: وقد تقدم هذا في مقالي الأول تقريره فقلت: (أن باب التكفير والتبديع والتفسيق واحد) ثم قلت: (ولو نظرنا لكتب السنة نجد أن السلف رحمهم الله سلكوا مسلكاً في التبديع لم يسلكوه في التكفير والتفسيق)، فبابها واحد من جهة أنها أحكام وليست واحدا من جهة تنزيل الحكم، وإن كان الراد يزعم التحقيق والتقعيد فلا يجعل كلام شيخ الإسلام وتلميذه حكماً على منهج السلف فكما لا يخفاه أن فعل السلف حجة بنفسه وصورة من صور الإجماع ))
جوابي: لم أر تناقضا لسني مثل هذا, ويظهر التناقض من وجوه:
الأول: الذي قاله في مقاله السابق الذي أجبت عنه: (( لو نظرنا لكتب السنة نجد أن السلف رحمهم الله سلكوا مسلكا في التبديع بم يسلكوه في التكفير والتفسيق, ولهذا قلت الباب ليس واحدا )) فصرح أن الباب ليس واحدا.
ثم هنا نفي أنه قال ذلك, وأترك للقارئ الحكم.
الثاني: عرف الأخ صبري حفظه الله أنه إذا قرر أن الباب واحد انهدم عليه بناؤه, وبطل كلامه وتقعيده: فاحتاج أن يفسر معنى كونها على باب واحد
فلما أراد أن يفسر كلامه جاء بما لم يُسبَق إليه, فزعم أن معنى أنها من باب واحد أنها أحكام وليس من جهة تنزيل الحكم؛وهذا تفسير من خاض في غير فنه.
وهو يدل على الاضطراب وعدم الثبات.
فكون البدعة لها أحكام كما أن للكفر أحكاما يجعل الباب واحدا في التنزيل مع مراعاة توفر الشروط وانتفاء الموانع, فكلاهما يجمعه باب واحد وهو باب الأسماء والأحكام, وهذا الباب قاعدته واحدة.
قال أبو العباس ابن تيمية مقرراً عدم التفريق بين باب التكفير والتفسيق والتبديع: (( وإنما المقصود هنا أن ما ثبت قبحه من البدع وغير البدع من المنهي عنه في الكتاب والسنة, أو المخالف للكتاب والسنة إذا صدر عن شخص من الأشخاص فقد يكون على وجه يعذر فيه, إما لاجتهاد أو تقليد يعذر فيه, وإما لعدم قدرته, كما قد قررته في غير هذا الموضع, وقررته أيضا في أصل التكفير والتفسيق المبني على أصل الوعيد. فإن نصوص الوعيد التي في الكتاب والسنة, ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المعين, إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع, لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع, هذا في عذاب الآخرة؛ فإن المستحق للوعيد من عذاب الله, ولعنته, وغضبه في الدار الآخرة خالد في النار, أو غير خالد, وأسماء هذا الضرب من الكفر والفسق, يدخل في هذه القاعدة سواء كان بسبب بدعة اعتقادية أو عبادية, أو بسبب فجور في الدنيا وهو الفسق بالأعمال. فأما أحكام الدنيا فكذلك أيضا؛ فإن جهاد الكفار يجب أن يكون مسبوقا بدعوتهم؛ إذ لا عذاب إلا على من بلغته الرسالة, وكذلك عقوبة الفساق لا تثبت إلا بعد قيام الحجة.)
الثالث: لما شعر أن كلامه يناقض ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية أتى بشبهة ظاهرها الحق وباطنها الباطل وهي: (وإن كان الراد يزعم التحقيق والتقعيد فلا يجعل كلام شيخ الإسلام وتلميذه حكماً على منهج السلف فكما لا يخفاه أن فعل السلف حجة بنفسه وصورة من صور الإجماع )
وهذه بضاعة من عجز عن بيان الحق.
وليعلم أني لم أجعل يوما كلام شيخ الإسلام حكما على منهج السلف, وإنما أستأنس على فهم منهج السلف بكلام شيخ الإسلام.
وفي رسالتي "تبصير الخلف بضابط الاصول التي من خالفها خرج عن منهج السلف" لم أقتصر على كلام شيخ الاسلام، وانما ذكرتُ أقوال جملة من السلف.
وهذه الدندنة صرنا نسمعها من بعض المنحرفين عن الحق إذا رأوا أن ما هم عليه مخالف لما يقرره شيخ الإسلام اتجهوا للطعن في شيخ الإسلام ولو باللمز.
وهذه الكلمة من الأخ صبري تكفي في نقض ما يقرره.
-قوله: (( فكما لا يخفاه أن فعل السلف حجة بنفسه وصورة من صور الإجماع،إذ كيف يُجعل كلام العالم حكماً على الدليل؟!!))
وهذا من تناقضه وعدم ضبطه؛ لأنه يقر أن السلف اختلفت مواقفهم في التبديع, فكيف يدعي إجماعهم بعد ذلك؟!
ثم زعم قائلا: (( وأيضا قد نص شيخ الإسلام على إطلاق لفظ المبتدع على الجاهل المتأول، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فأما مسائل الدين التي يتنازع فيها كثير من الناس في هذه البلاد، مثل مسألة الحَرْف والصوت ونحوها، فقد يكون كُلٌّ من المتنازِعَيْن مبتدِعًا، وكلاهما جاهلٌ مُتأوِّل). "مجموع الفتاوى" (23/ 356).
فتأمل كيف أنه لم يجعل الجهل والتأويل مانعًا من إطلاق اسم البدعة عليهما، مع أن الجهل والتأويل عذران مانعان من إنفاذ الوعيد في حقهما.
وقال أيضاً: (ولا ريب أن مَن قال: إن أصوات العباد قديمة فهو مُفتَرٍ مبتدع، له حُكم أمثاله، كما أن مَن قال إن هذا القرآن ليس هو كلامَ الله فهو مُفتَرٍ مبتدع له حُكم أمثاله.
ومَن قال: إن القرآن العربي ليس هو كلام الله، بل بعضُه كلام الله وبعضه ليس كلام الله مُفتَرٍ مبتدع له حُكم أمثاله. 
ومَن قال: إن معنى آية الكرسي وآية الدَّين و﴿قل هو الله أحد﴾ و﴿تبت يدا أبى لهب﴾ معنى واحد فهو مفتر مبتدع، له حكم أمثاله.
وأما (التكفير) فالصواب أنه مَن اجتهد مِن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقَصَد الحق فأخطأ لم يُكفَّر؛ بل يُغفر له خطؤه، ومَن تبيَّن له ما جاء به الرسول، فشاقَّ الرسولَ من بعد ما تبيَّن له الهدى، واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر، ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب ثم قد يكون فاسقاً وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته. 
فالتكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص، فليس كلُّ مخطئ ولا مبتدع ولا جاهلٍ ولا ضال يكون كافرًا، بل ولا فاسقًا بل ولا عاصيًا، لا سيما في مثل مسألة القرآن، وقد غلط فيها خَلْق من أئمة الطوائف المعروفين عند الناس بالعلم والدين، وغالبُهم يقصد وجهًا من الحق، فيتبعه، ويَعزب عنه وجه آخر لا يُحققه، فيبقى عارفًا ببعض الحق، جاهلًا بعضه، بل مُنكرًا له). "مجموع الفتاوى" (12/179-180).
وفي كلام شيخ الإسلام رحمه الله أمران:
الأمر الأول: أنه أطلق ابتداء اسم المبتدِع على مَن قال: إن أصوات العباد قديمة، وعلى مَن قال: إن هذا القرآن ليس هو كلامَ الله، ولم يجعل الجهل مانعًا من إطلاق التبديع.
الأمر الثاني: أنه لما جاء للكلام على التكفير فصَّل بين مَن تبيَّن له الحق الذي جاء به الرسول، ثم جَحَده مِن بعد ذلك، وبين غيره، فالأول كافر حقيقةً، وهذا هو الذي يلزم لإطلاقه قيام الحجة على تفصيلٍ كذلك.
وقوله: (ليس كُل مُخطئ، ولا مبتدع، ولا جاهل، ولا ضال، يكون كافرًا، بل ولا فاسقًا، بل ولا عاصيًا)، فمراده: أي: أن العقوبة المترتبة على التفسيق أو التبديع قد تُدفع عنه، لكنها لا تَدفع إطلاق الاسم عليه.))
أقول:
الأخ صبري لا يفرق بين الحكم المطلق والحكم على المعين, ولا يزال يتخبط؛ لأن بحثه في السني إذا أخطأ لا في المبتدع الأصلي
فكفاك تخبطا وجهلا عفا الله عنك
ولكي يتضح ما ادعيته أقول:
هل مذهب السلف أن الأصوات قديمة؟
وهل مذهب السلف أن القرآن ليس هو كلامَ الله؟
وهل مذهب السلف أن معنى آية الكرسي وآية الدَّين و﴿قل هو الله أحد﴾ و﴿تبت يدا أبى لهب﴾ معنى واحد؟
فإطلاقه اسم المبتدع ابتداء وقع في محله؛ لأنه يتكلم عن المبتدع الأصلي الذي خالف في مصدر التلقي.
وأما قول شيخ الإسلام: ((... مسألة الحَرْف والصوت ونحوها، فقد يكون كُلٌّ من المتنازِعَيْن مبتدِعًا، وكلاهما جاهلٌ مُتأوِّل ))
فحق؛ "فقد", و"قد" هنا للتقليل, فلا يكون الجهل مانعا لمن كان مبتدعا أصليا, وقد تقدم تقرير ذلك.
وإذا أردت أن تفهم كلام شيخ الإسلام فاجمعه لا أن تجتزئه فتأخذ منه ما يوافق هواك.
فالتكفير فيمن ثبت له الإسلام بيقين لا يكون إلا بعد توفر الشروط, وكذلك التبديع فيمن ثبتت له السنة بيقين لا يكون إلا بعد توفر الشروط.
فالباب واحد لكن لا تريد أن تقرَّ بخطئك, والله المستعان.

-قوله: ((وأما التفريق بين المبتدع الأصلي والمبتدع الغير الأصلي فقد سألت ونظرت فلم أجد من قال به من السلف وإلا المخالفة في القواعد الكلية هو ما وقع فيه أصحاب الفرق كالخوارج والقدرية وغيرهم
وكل الفرق تدعي الأخذ من الكتاب والسنة قديماً وحديثاً والخلل هو في كيفية الأخذ !! ))
أقول: يكفي في ردي على هذا الكلام مجرد ذكره .
فالقارئ البصير يعرف أن هذا كلام من لم يتصور مسألة التبديع وأقوال الفرق, ولا أدري كيف يتجرأ على الرد وهو لا يعرف بدايات ما يتعلق بالفرق والتبديع؟!
ولهذا لن أسترسل معه في الرد, ولن أعلق على كل ما يذكره، ونصيحتي له أن يذهب ويتعلم هذا الباب.
1-زعم في التفريق بين المبتدع الأصلي وغير الأصلي أنه سأل ونظر.
وجوابي: متى مكان سؤالك ونظرك حجة علي؟ أهذا جواب طالب علم؟! أهذه هي حجتك؟!
ثم أخبرني مَن سألتَ؟ وما هي الكتب التي استقرأتها ليتحقق نظرك؟!
2- ألا تتقي الله! تُقوِّلني ما لم أقل, متى قلت: إن هناك مبتدعا غير أصلي؟
الذي أقوله: الرجل الذي وقع في الخطأ, ومصدر التلقي عنده مستقيم هو سني إذا لم تقم عليه الحجة.
وأما من خالف في مصدر التلقي فهو مبتدع ولا نقيم عليه الحجة.
٣- تضمن كلامك تناقضا عجيبا! هنا تقرر ان المخالفة في القواعد الكلية هو ما وقع فيه أصحاب الفرق كالخوارج
وفي المقال الأول تقرر أنه يبدع من خالف في جزئي اشتهر, ألا تثبت على قول واحد؟!
ثم جئت بالطامة التي أبنت بها عن جهلك بهذا الباب, وهي: ((كل الفرق تدعي الأخذ من الكتاب والسنة قديماً وحديثاً والخلل هو في كيفية الأخذ ))
ويكفيني في رد كلامك أن أورد عليك أسئلة:
س/1 هل الخوارج تحتج بالسنة المخالفة لظاهر القرآن؟
س/2هل المعتزلة تحتج بالكتاب والسنة في العقائد؟
س/3 هل متأخروا الأشاعرة يحتجون بالكتاب والسنة في العقائد؟
الجواب عن الأسئلة المتقدمة: لا, وأنت تدعي أنهم يأخذون بالكتاب والسنة, فيا لله العجب.
قال أبو المعالي الجويني: (( والظواهر التي هي عرضة التأويلات لا يسوغ الاستدلال بها في القطعيات ))
وقال الرازي: (( فهذا تقرير البحث عن قولنا: التمسك بالدلائل اللفظية في المطالب اليقينية لا يجوز ))
-قوله: ((هذا هو التقرير الذي درج عليها علمائنا فلا يجعلون أحكام التكفير كأحكام التبديع إذ الكفر أشد وأحكام التكفير والتفسيق تترتب عليه أحكام تخص الشخص المكفر أو المفسق بخلاف الوصف بالبدعة فهو وصف تحذيري والأحكام المترتبة على التبديع المراد بها التأديب والزجر حماية للآخرين من المبتدع ))
أقول لك: حتى الإجماع لا تعرف حكايته, هل شيخ الإسلام ليس من أهل الإجماع عندك؟, أو أستصحب نقدك السابق.
هل الشيخ العثيمين ليس من أهل الإجماع عندك؟
وقد نقلتُ في رسالتي "تبصير الخلف" عن أئمةٍ في أن تبديع السني لابد فيه من إقامة الحجة, فلازم قولك أنهم ليسو بعلماء.
ثم هل هناك أحد ادعى أن أحكام الكفر مثل أحكام البدعة؟
ومن اين لك ان الوصف بالبدعة وصف تحذيري فقط
ألم تقرأ احاديث النبي صلى الله عليه وسلم في البدعة؟
وحديثه عن الخوارج؟
ثم أليست الاحكام في الفاسق بارتكابه كبيرة هي احكام الفاسق بوقوعه في بدعة في الجملة؟
او ترى ان الاحكام مختلفة؟!
تحتاج الى أن تتفقه قبل أن تتكلم وتنتقد.
وأما شيخ الإسلام فهو يفرق بين ما كان جليلا من المسائل وما كان دقيقا, وهذا حق, لكن ما ضابط الجليل والدقيق.
هذا الذي لم تدركه وتتصوره, وقد بينته في رسالتي "تبصير الخلف", فلا أريد أن أعيد.
ثم انتقل الأخ صبري إلى بيان أن حديث الصورة ليس مشتهرا؛ لأنه ينقض عليه تأصيله، ويبطل تقعيده، ويُظهر للناس ان ما يقرره خلاف الحق والعدل، وخلاف مقصود الشارع.
فقال: ((وانظر لما نقله الراد عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله واستنبط منه أمورا تجعل الواحد من هذه الأمور تدل على اشتهار المسألة وجعلها من أصول أهل السنة:
1-ففي النقل الأول نص شيخ الإسلام على أن المسألة لم يقع فيها نزاع بين أهل القرون المفضلة أي أن المسألة متفق عليها ولم يحصل فيها خلاف، فإذا علم هذا فكيف يقال إنها اشتهر الخلاف فيها وهي محل اتفاق بل لم يظهر المخالف فيها بعد؟!!
2-في النقل الثاني عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن تأويل الصورة لم يظهر إلا في المائة الثالثة من جهة الجهمية وهنا بيان منه رحمه الله إلى بداية ظهور المخالفة وعدم اشتهارها ولا أدري من أين استنبط الراد الاشتهار فيها؟
ومما يدل على خفاء المسألة وعدم وضوحها أن بعض أهل السنة قال بقول الجهمية كأبي ثور وابن خزيمة وغيرهم إذ لو كان الخلاف قد وقع فيها واشتهر لما قال بها أحد من أهل السنة لكن لما قالوا بها بدأ يظهر إنكار أهل السنة على هذه المقالة وينتشر
ومما يقال للراد أيضا هل مجرد وقوع الإجماع في مسألة خالف فيها أهل السنة أهل البدع تجعلها أصلاً مشتهراً؟
ولا نذهب بعيداً فمسألة الصورة انعقد إجماع القرون المفضلة على أن الضمير يعود إلى الله ومع ذلك خفيت على ابن خزيمة إمام السنة في زمانه وعلى غيره من أهل السنة
فهذا يدلك على أنه قد يخفى الإجماع على بعض أهل العلم ولو كان عقدياً ولا أظن أن مثل هذا يخفى على طالب علم ))
جوابي:
أولا: بقراءتي لكلامه تعجبتُ هل أنا أرد على طالب علم أو جاهل بهذا الباب؟!, ولو كان كل إنسان لا يخوض إلا فيما يحسنه لقلَّ الخلاف نوعا ما, لكن الله المستعان.
ثانيا: قوله: ((أن المسألة لم يقع فيها نزاع بين أهل القرون المفضلة أي أن المسألة متفق عليها ولم يحصل فيها خلاف، فإذا علم هذا فكيف يقال إنها اشتهر الخلاف فيها وهي محل اتفاق بل لم يظهر المخالف فيها بعد؟))
لا زال الأخ صبري مضطربا في معرفة ضابط الاشتهار, وقد طالبته سابقا ببيان الضابط لكنه لم يفعل, فشيخ الإسلام بين أن حديث الصورة متفق عليه بين السلف في إرجاع الضمير إلى الله, وهذا الاتفاق من السلف يجعل المسألة مما لا يسوغ لأحد أن يخالف فيها، وأنه قد اشتهرت موافقتها للسنة، ثم لما ظهرت الجهمية خالفوا هذا الاتفاق والاشتهار وأرجعوا الضمير إلى آدم,
فهذه المسألة:
اشتهرت موافقتها للسنة عند السلف – وهذا ما لم يدركه الأخ صبري -,
واشتهر فيها الخلاف بين السلف والجهمية بعد ظهور الجهمية, حتى قال الإمام أحمد: (( من قال إن الله خلق آدم على صوته فهو جهمي ))
وقد بدع الإمام إسحاق من ترك الأخذ بظاهر الحديث, وأرجع الضمير إلى غير الله.
لكن الأخ صبري لم يذكر هذه الآثار التي ذكرتها في جوابي عليه؛ لأنها نص في الباب, والله المستعان.
ثم اقول له: أبعد هذا التجهيم والتبديع من الأئمة لا تكون مشتهرة عندك؟ وهل بعد اتفاقهم عليها لا تكون قد اشتهرت موافقتها للسنة؟
فلا أدري أي ضابط تسير عليه في الاشتهار؟! ان كان لك ضابط
وعليك أن تعلم ان اشتهار مخالفتها للسنة مبني على اشتهار موافقتها للسنة، فليتك تتفقه
ثم اعلم ثانية: ان إنكار اهل السنة انما ظهر بعد اشتهار موافقتها للسنة.
والإشكال عند صبري وغيره أنه لا يفرق بين النوع والعين, فيظن أننا إذا قلنا إن حديث الصورة أصل يبدَّع من خالفه أنه يلزم منه تبديع الأعيان كابن خزيمة.
وهذا ليس بلازم, فليته يفهم هذا.
ومن عجيب كلام الاخ صبري أنه يستدل على خفاء المسألة بقول بعض الأئمة بها, وهذا تقرير باطل, وإلا فلنجعل مسألة الإيمان من المسائل الخفية, ومسألة تأويل بعض الصفات مسألة خفية, وهكذا
وحتى مسألة الخروج على الحاكم المسلم يلزم على قوله أن تكون مسألة خفية.
ومن مقاصد الشريعة: النظر الى مآلات الاقوال.
فليتك تنظر الى مآلات أقوالك قبل ان تتكلم
وأنت في كثير من أقوالك وآرائك مقلد لغيرك وان لم تصرح!
ثم أبنت عن أمر غريب وهو قولك: (( فهذا يدلك على أنه قد يخفى الإجماع على بعض أهل العلم ولو كان عقديا))
وهل يشك في هذا طالب علم؟!, فآحاد أهل السنة ليسو معصومين, ولا محيطين بكل العلم, فقد يخفى عليهم الإجماع, وخفاؤه عليهم لا يقدح في اشتهار المسألة ووضوحها, فلا تخلط بين المسائل.
ثم قال:(( قال أحمد النجار عفا الله عنه في رسالته "تبصير الخلف" بعدما تكلم على حديث الصورة وجعلها أصلا اشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة: (ومما يؤكد ما سبق ما نقله الإمام ابن تيمية عن أبي الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي في كتابه الذي سماه "الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزاما لذوي البدع والفصول": [في تأويل الشيخ أبي أحمد محمد بن علي الفقيه الكرجي الإمام المعروف بالقصاب للآيات والأخبار الواردة في إحساس الميت بالعذاب، وإطنابه في كتابه المعروف "نكت القرآن"، وذهابه إلى أن الميت بعد السؤال لا يحس طول لبثه في البرزخ ولا بالعذاب.

فنقول: هذا تأويل تفرد به ولم يتابعه الأئمة، والقول ما ذهب إليه الجمهور، وتفرده بالمسائل لا يؤثر ولا يقدح في درجاتهم]).
قلت: زعم أحمد النجار أن الكرجي وقع في مخالفة تعد أصلا اشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة ولكن لا أدري من سبقه لهذا؟! وهل هو فهم حقيقة قول الكرجي؟! ))
لا أدري ماذا أقول! ياله من كلام متناقض متهافت تقول: لا أدري من سبقه لهذا؟ وقبل هذا نقلت قولي: ومما يؤكذ ما سبق ما نقله الإمام ابن تيمية ...
فهو نقل عن ابن تيمية يا رجل ألا تفهم؟! ألا تعي ما تنقل؟!
فابن تيمية هو الذي نسب إليه ما نسب, وأنا استفدتُ من موقفه من الكرجي, وتعامله معه.
وما نقلته عن الكرجي لا ينافي ما نسبه شيخ الإسلام إليه.
وكونه تفرد بهذه المسألة يدل على إجماع السلف على خلافه.
وأما كلامه عن كلام الرازيين فقد نقضته في ردي على عبد الله الخليفي, فلا داعي للإعادة
ومن تناقضه قوله: (( بل ينبغي طرح المسائل العلمية لأجل المباحثة العلمية والوصول من خلالها للحق)) مع قوله: ((بل نتج من بحثه التميع مع أهل البدع)).
قوله: ((وقد أوضحت شيئاً من هذا)) أي من التميع, فأقول: قد تبين للقارئ الكريم أن ما ذكره لا يرقى لكونه بيانا وحجة, وإنما هي مجرد شبه وأوهام علقت في ذهنه, يتذبذب فيها تذتببا عجيبا, ويتناقض فيها تناقضا بعيدا.
وليته لما اعترف بأنه: ((وأنا عن نفسي أعترف بأني جاهل ولازلت في إطار التعلم والتلقي على الأشياخ والعلماء)) أن يمسك عن الكلام في هذه المسألة؛ حتى يتقنها
ولا يجتزئ مواقف السلف, فمنهج السلف يؤخذ من مجمل مواقفهم لا من آحادها.
ولا يعتمد على متشابه كلامهم دون محكمه؛ فيضل.
وأكتفي بهذا القدر, وإنما أردت أن أبين مقدار علمه في هذه المسائل.
والشدة في موضعها حق, فأسأل الله أن يهدي الجميع.
كتبه أحمد محمد الصادق النجار
19-7-1436هـ

ملحوظة:
بعد ردي على الأخ صبري المحمودي بدل أن يتراجع عما أخطأ فيه بدأ يصحح بعض سقطاته ويعدل, وهذا مخالف للأمانة العلمية.
كما زاد أوجها لم يذكرها من قبل مما يدل على عدم تمكنه في الباب
وهذا مما جعلني أزيد أوجها ردا على بعض ما زاد
وما زاده فضلا عما كتبه قبل ذلك ينبئ عن عدم فقهٍ لهذا الباب
والله المستعان.
ومن ذلك:
قبل أن أرد قال: ((لو نظرنا لكتب السنة نجد أن السلف رحمهم الله سلكوا مسلكا في التبديع لم يسلكوه في التكفير والتفسيق ولهذا قلت الباب ليس واحداً. ))
وبعد أن رددت عليه قال: ((ولو نظرنا لكتب السنة نجد أن السلف رحمهم الله سلكوا مسلكاً في التبديع لم يسلكوه في التكفير والتفسيق)) 


ما رأيك في هذا الكلام؟

"لو نظرنا لكتب السنة نجد أن السلف رحمهم الله سلكوا مسلكا في التبديع لم يسلكوه في التكفير والتفسيق ولهذا قلت الباب ليس واحداً.
فنحن بين أن نعمل منهجهم أو نتركه ونقول هم رجال ونحن رجال!!
ولكن الناظر اليوم يرى أن الناس في ذلك على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: هو الغلو في إعمال أقوالهم وأعمالهم وذلك بأخذها دون النظر إلى المسائل التي وقعت عليها تلك الأفعال وهل هي مما يبدع به أو لا؟ وهم الحدادية فتجدهم يرون كل من أخطأ بالبدعة ولو كان هذا الخطأ ليس مما يبدع به وهكذا لا يسلم عندهم أحد.
القسم الثاني: وهو مسلك المميعة وهم من قال هذه أفعال أفراد وأشخاص ولا تلزمنا وكلام كثير ظهر لنا اليوم ولابد من إقامة الحجة على المخالف في كل مسألة أخطأ فيها ولو كانت المسألة عقدية وخفي عليهم أن من المسائل ما لو أقيمت الحجة على صاحبها لكفر لهذا لما سئل الرازي فيما أظن الآن _ الوهم مني _ على من يقول بخلق القرآن قال: إن كان جاهلاً بدع وإن كان عالماً كفر ولما سأل الثوري عن الرُّبيع فأُثني عليه، قال: من يجالس؟ قيل له: القدرية، قال: هو قدري. ولم ينتظر حتى تقام عليه الحجة وذلك أن مجالسة أهل البدع علامة على اتفاق المشرب والمأخذ.
القسم الثالث: وهو المسلك الوسط فيما أظن والله أعلم وهو إعمال منهج السلف وذلك بالنظر إلى أفعالهم وإلى المسائل التي أوقعوا عليها تلك الأفعال وذلك أن أهل العلم لم يكتبوا ويرووها لنا ما جرى منهم إلا ليبينوا لنا منهجاً هو محل إجماع لديهم في زمن ظهور البدع وكيف تعاملوا مع هذه البدع.
فخلاصة ذلك أنهم نظروا للمسائل فوجدوا أنها على قسمين:
1_ مسائل يسوغ الخلاف فيها فوسعهم الخلاف وعذروا واجتهدوا.
2_ مسائل لا يسوغ الخلاف فيها وهي أيضا على قسمين:
1_ كلية يبدع بها من خالف.
2_ جزئية وهي على قسمين أيضاً:
1_ جزئية اشتهر الخلاف فيها بين أهل السنة وأهل البدعة فهذه يبدع بها المخالف ولا يشترط إقامة الحجة لاشتهارها كمسالة الخروج على السلطان وسب صحابي واحد.
2_ جزئية لم يشتهر الخلاف فيها فهذه لا يبدع بها إلا بعد قيام الحجة على المخالف.
مع التنبه إلى ما سبق أن الضابط الجزئي هو ما لا يندرج تحته جزئيات أخرى.
وكذلك التنبه إلى أن الجزئي إذا اشتهر الخلاف فيه صار أصلاً من أصول أهل السنة.
وأيضاً التنبه إلى أن خطأ العالم لا يستدل به ومما جاء عن السلف أن ثلاثة يهدمن الدين وذكروا منها زلة العالم.
فقول بعض العلماء قديماً بجواز المظاهرات ليس سبباً لجوازها ويقال أيضاً أنها في زمانهم لم يشتهر الخلاف فيها وذلك لأنها كانت غير معروفة لدى المسلمين بخلاف اليوم فإنها مما اشتهر الخلاف فيها بين أهل السنة وأهل البدعة.
كتبه: صبري المحمودي
8 . 7. 1436 هجري"
جوابي عنه" مجمل ومفصل.
ومحل الجواب: في السني الذي وقع في بدعة, لا في المبتدع الأصلي.
أما الجواب المجمل فمن وجوه:
الأول: حصل في هذا الكلام خلط بين البدعة كوصف وبين تنزيلها على المعين.
وهذا بعيد عن التأصيل؛ لأن البدع مقتضية للحكم لا موجبة، فليس مجرد الوقوع في البدعة يكون صاحبها مبتدعا, بل لابد من توفر الشروط وانتفاء الموانع.
الثاني: متناقض غير منضبط.
الثالث: بعض الكلام ليس مرتبا, ولا متسقا بما قبله وما بعده, مثل " وذلك أن أهل العلم لم يكتبوا ويرووها لنا ما جرى منهم".
أما الجواب المفصل فمن وجوه:
الأول: قوله:" لو نظرنا لكتب السنة نجد أن السلف رحمهم الله سلكوا مسلكا في التبديع لم يسلكوه في التكفير والتفسيق ولهذا قلت الباب ليس واحداً"
فجوابه: أنه نظر قاصر؛ لأمرين:
1-عدم المعرفة الدقيقة بمعاني هذه الأسماء؛ لأن البدعة عند الأئمة نوع من أنواع الفسق, قال ابن القيم في المدارج: (( وهو قسمان فسق من جهة العمل وفسق من جهة الاعتقاد ... وفسق الاعتقاد كفسق أهل البدع )) فإذا كان التفسيق موافقا للتكفير في قيام الحجة, فكذلك التبديع؛ لأنه نوع من أنواع التفسيق.
وهذا وحده كافٍ في إبطال الكلام من أصله.
2-أن السلف في باب التبديع لم ينزلوه على المعين مباشرة, ولهذا الأئمة في مواقف متعددة لم يبدعوا من وقع في البدعة مباشرة.
وقد ذكرتُ بعضها في رسالتي" تبصير الخلف بضابط الأصول التي من خالفها خرج عن منهج السلف"
ومن الأمثلة: الطحاوي الذي يقول بقول مرجئة الفقهاء.
وابن خزيمة في حديث الصورة.
ومما يدل على أن مسألة الصورة أصل مجمع عليه ما يأتي:
قال الإمام أحمد: (( من قال: إن الله خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي )) طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (2/236)
وعن إسحاق بن منصور قال قلت لأحمد: لا تقبحوا الوجوه فإن الله خلق آدم على صورته أليس تقول بهذه الأحاديث؟ قال أحمد: (( صحيح )) الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية (3/266)
وقال الإمام إسحاق بن راهويه عن حديث إن الله خلق آدم على صورته: (( صحيح, ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي )) الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية (3/266)
وقال ابن تيمية: (( قال المحافظ أبو موسى المدينيُّ في (مناقب الإمام إسماعيل بن محمد التيمي قِوامِ السنة): سمعتُه يقول: أخطأ محمد بن إسحاق بن خزيمة في حديث الصورة، ولا نطعن عليه بذلك، بل لا يُؤخذُ عنه هذا فحسبُ )). جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية (ص: 168)
فهذا وغيره يدل على أن مسألة الصورة أصل مشتهر, ومع ذلك لم يبدع أئمة السلف من خالف من أهل السنة, كابن خزيمة.
الثاني: ذكر من مسالك التمييع دعوى "قيام الحجة على المبتدع في كل مسألة أخطأ فيها ولو كانت المسألة عقدية وخفي عليهم أن من المسائل ما لو أقيمت الحجة على صاحبها لكفر"
وجوابه: لا أدري من ادعى هذه الدعوى, ولا شك أنها باطلة من جهة أنه يدخل في قوله:"كل مسألة أخطأ فيها" المسائل التي وقع فيها الخلاف بين السلف, فهذه المسائل لا يسوغ تبديع المخالف فيها.
لكن الكاتب ليس هذا مراده- فقد خانه التعبير -, وإنما مراده كل مسألة من الأصول, وهذا حق فكل مسألة أخطأ فيها السني فلابد من إقامة الحجة عليه قبل تبديعه, ولا يحكم عليه مباشرة, ثم بعد قيام الحجة قد يُكفَّر؛ لأن المسألة التي خالف فيها كفرية, وقد يُبدَّع؛ لأن المسألة التي خالف فيها لا تقتضي التكفير.
وما انتقده الكاتب هنا يرد عليه في المسائل الجزئية غير المشتهرة
ثم إن البدع المفسقة لا يلزم من إقامة الحجة على المبتدع فيها أن يكون كافرا, فلو أن إنسانا يرى الخروج على الحاكم فأقيمت عليه الحجة ولم يأخذ بها ظلما لا تكبرا وتكذيبا ونحو ذلك أيكون كافرا؟!
ثم لا أدري كيف يتجرأ ويصفهم بالمميعة، وقد قال بذلك الأئمة
قال الشيخ العثيمين: (( وأما الخطأ في العقيدة: فإن كان خطأ مخالفاً لطريق السلف، فهو ضلال بلا شك, ولكن لا يحكم على صاحبه بالضلال حتى تقوم عليه الحجة، فإذا قامت عليه الحجة، وأصر على خطئه وضلاله، كان مبتدعاً فيما خالف فيه الحق )) [كتاب العلم (ص 135)]
وأما كلام الرازيين: "ومن وقف في القرآن جاهلا علم وبدع ولم يكفر"
فقد أرادا بـ "وقف في القرآن جاهلا علم وبدع" إخراج من وقف شكا, فإن من وقف شكا بعد إقامة الحجة يكون كافرا, وأما من وقف عن غير شك فإنه يكون مبتدعا بعد إقامة الحجة.
ثم تأمل في قولهما "علم وبدع" فاشترطا التعليم, فالواو وإن لم تفد الترتيب فإنها لا تنافيه.
فالتعليم شرط في التبديع لا التكفير فيمن وقف جاهلا لا عن شك.
بخلاف من وقف شكا فإنه بعد التعليم يكون كافرا إذا أصر على قوله.
وإلا فما الفائدة من التعليم.
وهذه نصوص أئمة السلف في تأييد ما ذكرتُه:
قال أبو طالب: وجاء رجل إلى أبي عبد الله – يعني الإمام أحمد - وأنا عنده، فقال: إن لي قرابة يقول بالشك، قال: فقال وهو شديد الغضب: (( شك فهو كافر )) الإبانة لابن بطة.
وعن عبد الله قال سمعت أبي يسأل عمن وقف؟ قال أبي: (( من كان يخاصم ويعرف بالكلام فهو جهمي, ومن لم يعرف بالكلام يجانب حتى يرجع, ومن لم يكن له علم يسأل ويتعلم )) السنة للخلال 5/130
وعن محمد بن مسلم أن أبا عبد الله قيل له: فالواقفة؟ قال: (( أما من كان لا يعقل فإنه يبصر, وإن كان يعقل ويبصر الكلام فهو مثلهم )) السنة للخلال 5/131
ثم قد يقال أيضا في كلام الرازيين:إن هذا حكم مطلق, ولا يلزم منه الحكم على المعين إلا بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع.
وقد تكلمتُ عن هذا في"إزالة التلبيس الشنيع عن إقامة الحجة في التبديع" ردا على عبد الله الخليفي.
الثالث: قوله:" وذلك بالنظر إلى أفعالهم وإلى المسائل التي أوقعوا عليها تلك الأفعال" فلا أدري هل التبديع فعل؟!
ثم كيف يستقيم أن ينزل الحكم على المسألة ذاتها, فالأحكام تنزل على الأوصاف لا على المسائل.
الرابع: كيف يجتمع أن تكون المسألة لا يسوغ الخلاف فيها, ومع ذلك قد تكون جزئية يعذَر المخالف فيها؟!
من تدبر هذا الوجه ظهر له التناقض, وبطلان الكلام.
الخامس: جعل الفرق بين الجزئي والجزئي الاشتهار, ولم يذكر ضابطه, ومن المعلوم أن الاشتهار أمر نسبي, فقد يكون الأمر مشتهرا في وقت دون وقت, ومكان دون مكان, وما كان هذا حاله لا يمكن أن تعلَّق عليه الأحكام.
ثم ما يزعمه الكاتب أنه مشتهر قد يأتي غيره وينفي الاشتهار, فتضيع الأحكام.
وأما كلام شيخ الإسلام في الاشتهار فهو منضبط إذا ضممنا كلامه بعضه إلى بعض, وقد بينتُ هذا في رسالتي تبصير الخلف ..."
وأخيرا: الضابط في الجزئي الذي لا يُبدَّع به والجزئي الذي يبدع به هو: الإجماع, فإذا أجمع أئمة السلف على جزئي صار أصلا يُبدع من أجله, كما في مسألة حديث الصورة المتقدم, ومسألة الخروج على الحاكم المسلم, وغير ذلك.
وفي الختام: ما ذكرته في هذا الجواب هو مناقشة للمكتوب, ولا يلزم منه الطعن في الكاتب.
أسأل الله أن ينفع بما ذكرتُ, ويجعله خالصا لوجهه الكريم
كتبه
أحمد محمد الصادق النجار


شبهتان والجواب عنها

الشبهة الأولى: قول ابن القيم عن الفسق: (( وهو قسمان: فسق من جهة العمل, وفسق من جهة الاعتقاد )) 
والتفسيق لابد في تنزيله على المعين من توفر الشروط, فهل يلزم منه أن من خالف من المبتدعة في مصدر التلقي أنه لا يبدع إلا بعد قيام الحجة؛ لأن التبديع نوع من التفسيق؟
والجواب: لا يلزم منه ذلك, ولا يفهم هذا من تقرير ابن القيم؛ لأن الفاسق الذي خالف في مصدر التلقي لم ينتسب للسنة أصلا, فكيف يشترط في تبديعه قيام الحجة؟!
وكلام ابن القيم إنما يؤخذ منه أن باب التكفير والتفسيق واحد, والتكفير يشترط فيه قيام الحجة لمن ثبت إسلامه, مع أنه يدخل في الكفر: الكفر الأصلي, ولا يشترط في وصفه بالكفر قيام الحجة بالاتفاق.
وكذلك التفسيق يشترط فيه قيام الحجة لمن ثبتت سنيته, مع أنه يدخل في الفسق من كان مبتدعا أصليا.
فيجب فهم باب الأسماء والأحكام على وجهه.
فالفسق الذي يشترط فيه قيام الحجة هو لمن ثبت ابتداء أنه من أهل السنة ثم خالف أصلا, كما أن الكفر يدخل فيه الكفر الأصلي وكفر الردة واشتراط قيام الحجة لا يكون في الكفر الأصلي وإنما في كفر الردة.
قال ابن تيمية في عدم التفريق بين التكفير والتفسيق (( ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المعين, إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع, لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع, هذا في عذاب الآخرة؛ فإن المستحق للوعيد من عذاب الله, ولعنته, وغضبه في الدار الآخرة خالد في النار, أو غير خالد, وأسماء هذا الضرب من الكفر والفسق, يدخل في هذه القاعدة سواء كان بسبب بدعة اعتقادية أو عبادية, أو بسبب فجور في الدنيا وهو الفسق بالأعمال. 
فأما أحكام الدنيا فكذلك أيضا ...))
الشبهة الثانية: أن السلف أنزلوا الحكم على المعين دون قيام الحجة, فحكموا بالمجالسة لأهل البدع, فمن جالس القدرية قالوا عنه قدري, وهكذا
والجواب: أنه يفرق بين من كان سنيا ثم أخطأ, وبين من جهل حاله, وخفيت بدعته.
فمن ثبتت له السنة بيقين فإنها لا تزال عنه إلا بيقين, ومجرد المجالسة والمخالطة لا يلزم منها أن يحكم عليه بالبدعة.
وقد قال أبو داود السجستاني – رحمه الله -: " قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهـل البيت مع رجل من أهل البدع، أترك كلامه؟ قال: لا، أو تُعْلِمه أن الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه وإلا فألحقه به، قال ابن مسعود: المرء بخدنه " [
فقد فسر الإمام أحمد مقولة ابن مسعود رضي الله عنه, واشترط إعلامه بأن الذي يخالطه صاحب بدعة, وهذا يبين أن مجرد المجالسة والمصاحبة لا يلزم منه التبديع, وإنما لابد أن يعلم أنه مبتدع ويخالطه من غير مصلحة شرعية.
ثم إن عمل السلف لا يؤخذ من أثر واحد, أو من أثر مطلق, وإنما يؤخذ عملهم بجمع بعضه إلى بعض
فكم من أناس يقيمون دولة على أثر أو بعض الآثار, ويغفلون- أو يتغافلون- عن غيرها.
ولله در ابن تيمية القائل: في سياق كلامه عن عقوبة المبتدع: (( وكثير من أجوبة الإمام أحمد, وغيره من الأئمة خرج على سؤال سائل قد علم المسئول حاله, أو خرج خطابا لمعين قد علم حاله, فيكون بمنـزلة قضايا الأعيان الصادرة عن الرسول, إنما يثبت حكمها في نظيرها ))
وخلاصة الرد على هاتين الشبهتين أنها متعلقتان بالمبتدع الأصلي, لا بالسني الذي أخطأ.
وأختم بذكر الضابط التي تجتمع عليه أقوال السلف: من خالف في مصدر التلقي فإنه يبدع مباشرة, وأما من كان من أهل السنة ثم خالف أصلا فإنه لا يبدع إلا بعد إقامة الحجة.
وقد بينتُ ضابط الأصل في رسالتي تبصير الخلف...
وأما غير هذا الضابط فلا يخلو من تكلف , وترد عليه إشكالات, وينتقض بجزئيات لا معارض لها.
كتبه
أحمد محمد الصادق النجار


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق