السبت، 25 يوليو 2015

الأخوة الإيمانية

بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن أعظم رابطة تربط أهل الإيمان رابطة الدين, فهي تَفضُل وتَعظُم على رابطة النسب والقبيلة, وقد امتن الله على الصحابة بها؛ إذ ألف قلوبهم على هذه الرابطة العظيمة, وأخبر سبحانه أنها من نعم الله الجليلة التي ينبغي أن يُذَكَّروا بها؛ وذلك في قوله تعالى: ﭽ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ  آل عمران: ١٠٣
قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري: ((واذكروا ما أنعم الله به عليكم من الألفة والاجتماع على الإسلام )).
وفي الآخرة تنقطع العلائق كلها وما تبق إلا الرابطة الإيمانية كما قال تعالى: ﭽ ﮜ  ﮝ   ﮞ  ﮟ    ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ   الزخرف: ٦٧
هذه الرابطة الجليلة العظيمة لا تتحقق إلا على عقيدة صحيحة, مستقاة من كتاب ربنا, وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.
وبهذه العقيدة ألف الله بين قلوب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقد كانوا قبل ذلك أعداء يقتتلون, الحروب بينهم دامية طويلة, يأكل قويهم ضعيفهم, ويجهز شريفهم على حقيرهم, حتى جاء الله بالإسلام فألف به بين القلوب, وربط به بين العرب والعجم, فجعله أقوى رابطة, حتى إن الرجل منهم ليقتل أباه وأخاه من أجل عقيدة التوحيد, فلا ولاء ولا براء إلا للإسلام, لا لعصبية ولا قبيلة.
والمحبة والبغض والمنع والعطاء إنما يرجع لعقد الأخوة الإيمانية, لا لأخوة النسب والقبيلة.
هذا هو حقيقة دين الإسلام يا أهل الإسلام.
وقد جاء الإسلام بصيانة هذه الرابطة - رابطة الدين - أعظم صيانة, فحرم كل ما يقدح فيها أو ينقصها, فحرم المشي بالنميمة؛ لما فيه من إيقاع العداوة والبغضاء بين أهل الإيمان, وحرم الظلم والاعتداء, كما حرم احتقار المسلم لأخيه المسلم.
وفي هذا المعنى يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا»[صحيح البخاري 8/ 19]
فتأملوا - أحبتي في الله - في هذا الحديث, فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن عدة أمور تقدح في الأخوة الإيمانية, ثم علل وبيَّن وجه تحريم تلك الأمور فقال: "وكونوا عباد الله إخوانا"
وهذا فيه إشارة إلى أنهم إذا تركوا التحاسد, والتباغض, والتدابر, كانوا إخوانا.
بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم أهل الإيمان كالجسد الواحد, وفي هذا إشارة إلى أن كل فرد من أفراد المسلمين يحن على أخيه المسلم ويتودد إليه, ويرحمه, كما يحن كل عضو من أعضاء الجسد على العضو الآخر, بل وأعظم.
قال صلى الله عليه وسلم: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى»[صحيح البخاري 8/ 10]
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم من جملة خصال الإيمان أن تحب لأخيك المؤمن ما تحب لنفسك, فمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه فقد انتفى عنه كمال الإيمان الواجب, وفي ذلك خسارة أيما خسارة؛ يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»[صحيح البخاري 1/ 12]
فالحفاظ على رابطة الأخوة الإيمانية من مقاصد الشريعة, والنصوص الشرعية في الدلالة عليها كثيرة.
ومن مقتضيات هذه الأخوة:
 التراحم, فيرحم القوي الضعيف, والكبير الصغير, والتواصل, والتناصر, والذب عن أخيه.
ولما كان هذا المقصد قد استقر في قلوب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربوا أروع الأمثلة في تحقيقه.
فهذا أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لما قاتل أهل الجمل لم يسْبِ لهم ذرية، ولم يغنم لهم مالا، ولا أجهز على جريح، ولا اتبع مدبرا، ولا قتل أسيرا، وصلى على قتلى الطائفتين بالجمل وصفين، وقال: "إخواننا بغوا علينا" ، وأخبر أنهم ليسوا بكفار ولا منافقين، واتبع فيهم ما قاله الله في كتابه والنبي- صلى الله عليه وسلم - في سنته، فإن الله سماهم إخوة، وجعلهم مؤمنين في الاقتتال والبغي، كما ذكر في قوله: ﭽ ﮙ  ﮚ   ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮡ  ﮢ  ﮣ      ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ   ﮨ     ﮩ  ﮪ  ﮫ     ﮬ  ﮭ  ﮯ  ﮰ   ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯗ  ﯘ  ﯙ  ﯚ   ﯛ   الحجرات: ٩ 
ومن الصور المشرقة أيضا لأئمة السلف: أن رجلا قال لعمر بن عبد العزيز: (( اجعل كبير المسلمين عندك أبا، وصغيرهم ابنا، وأوسطهم أخا، فأي أولئك تحب أن تسيء إليه؟ ))
ومن كلام يحيى بن معاذ الرازي: (( ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه )).


وبعد هذا أسأل الله أن يؤلف بين قلوب المسلمين, وأن يجمع شملهم على الكتاب والسنة, وأن يعيذهم من شرور أنفسهم, ومن سيئات أعمالهم, وأن ينصرهم نصرا مؤزا على أعدائهم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
                                                     
                        كتبه
                     أحمد محمد الصادق النجار
                                                          
                         ليلة الأربعاء
                    28/جمادى الآخر/1432هـ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق