الخميس، 2 يوليو 2015

إزالة التلبيس الشنيع عن كلامي في إقامة الحجة في التبديع الرد على عبد الله الخليفي





إزالة التلبيس الشنيع عن كلامي
 في إقامة الحجة في التبديع




بقلم
أحمد بن محمد بن الصادق النجار



مقدمة الطبعة الأولى
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن من منة الله على أهل السنة والجماعة أن جعلهم متفقين مؤتلفين, متحابين متناصحين, يكمل كل واحد منهم الآخر, فكان الاسم الذي أطلق عليهم مقرونا بالجماعة, بخلاف غيرهم من أهل الأهواء والبدع, فتجدهم مختلفين متنافرين, يلعن بعضهم بعضا, فكان الاسم الذي أطلق عليهم مقرونا بالفرقة.
 فهم أهل افتراق لا اجتماع, وأهل اختلاف لا اتفاق؛ لتباين أصولهم, وما يستمدون به عقائدهم وسلوكهم.
والاختلاف المذموم هو سنن أهل الكتاب كما قال: ﭸ  ﭹ  ﭺ   ﭻ  ﭼ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ    ﮄ   ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ   ﮉ  ﮊ آل عمران: ١٩
وقد نهانا الله أن نسلك سبيلهم فقال: ﮦ   ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ   ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  آل عمران: ١٠٥
وسبب وقوعهم في الاختلاف والافتراق من بعد ما جاءهم العلم هو: البغي.
والبغي عاقبته وخيمة, فإن الله قد عجل العقوبة لصاحبه في الدنيا قبل الآخرة.
والواجب على أهل السنة الحذر منه, والابتعاد عنه.
    ومن البغي: تقويل القائل ما لم يقله, والافتراء عليه, وتشويه صورته بين الناس من غير بينة سليمة, ولا حجة صحيحة.
وقد قرأت - على شبكة المعلومات - ردا بعنوان: "الرد على أحمد النجار في ضوابط التبديع" ([1])
وإن القارئ لهذا الرد يظهر له جليا منزلته, وينكشف له ما فيه من ظلم وتعدي, وتطاول وبغي, نسال الله العافية والسلامة.
ومن عجيب هذا الرد أن صاحبه: كأنه يريد حمل الناس على قول واحد في المسائل الاجتهادية, التي اختلف فيها الجهابذة من أهل العلم, مع عدم تحريره لمواضع النـزاع والخلاف.
قال ابن تيمية رحمه الله: (( وكان عمر بن عبد العزيز يقول: ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا؛ لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالا, وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة.
وكذلك قال غير مالك من الأئمة: ليس للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه.
ولهذا قال العلماء المصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي وغيره: إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد, وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها؛ ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية, فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه, ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه )) [مجموع الفتاوى (30/ 80)]
وقال الشيخ العثيمين في فتاوى نور على الدرب: (( ولا يجوز للإنسان أن يلزم الناس بما يرى, وأن ينقلهم عما يرون, فما دامت المسألة مسألة اجتهاد وليس فيها نصٌ قاطعٌ فاصل فإن لكلٍ من الناس اجتهاده, فيترك الناس واجتهادهم, وحسابهم على الله عز وجل ))
ومعرفة الخلاف في المسائل الاجتهادية من أهم المهمات للعالم وطالب العلم.
قال قتادة رحمه الله: «من لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفه الفقه» [جامع بيان العلم وفضله (2/ 815)]
وقال هشام بن عبيد الله الرازي رحمه الله «من لم يعرف اختلاف القراء فليس بقارئ، ومن لم يعرف اختلاف الفقهاء فليس بفقيه» [جامع بيان العلم وفضله (2/ 815)]
وقال عطاء رحمه الله «لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس، حتى يكون عالما باختلاف الناس؛ فإن لم يكن كذلك رد من العلم ما هو أوثق من الذي في يده» [جامع بيان العلم وفضله (2/ 816)]
ومرادهم معرفة الخلاف الذي يسوغ, وهو الذي لا يخالف نصا صريحا, ولا إجماعا.
فإن قيل: هل مسائل الاجتهاد محل إنكار؟
قيل له: مسائل الاجتهاد - التي تخالف لا نصا صحيحا صريحا من غير معارض أو إجماعا - لا إنكار فيها, وإنما يُبين ضعف القول بالحجة الشرعية فحسب.
قال النووي رحمه الله: (( قالوا ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصا, أو إجماعا, أو قياسا جليا, والله أعلم )) [شرح النووي على مسلم (2/ 24)]
وقال ابن تيمية رحمه الله: (( وقولهم مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح؛ فإن الإنكار، إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل.
 أما الأول: فإذا كان القول يخالف سنة، أو إجماعا قديما وجب إنكاره وفاقا، وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد, وهم عامة السلف والفقهاء... )) [الفتاوى الكبرى (6/ 96)]
وقال الشيخ العثيمين: (( فإن من أصول أهل السنة والجماعة في المسائل الخلافية: أن ما كان الخلاف فيه صادرًا عن اجتهاد, وكان مما يسوغ فيه الاجتهاد, فإن بعضهم يعذر بعضًا بالخلاف, ولا يحمل بعضهم على بعض حقدًا، ولا عداوة، ولا بغضاء, بل يعتقدون أنهم إخوة حتى وإن حصل بينهم هذا الخلاف، حتى أن الواحد منهم ليصلي خلف من يرى أنه ليس على وضوء ويرى الإمام أنه على وضوء، مثل أن يصلي خلف شخص أكل لحم إبل وهذا الإمام يرى أنه لا ينقض الوضوء، والمأموم يرى أنه ينقض الوضوء فيرى أن الصلاة خلف ذلك الإمام صحيحة وإن كان هو لو صلاها بنفسه لرأى أن صلاته غير صحيحة، كل هذا لأنهم يرون أن الخلاف الناشئ عن اجتهاد فيما يسوغ فيه الاجتهاد ليس في الحقيقة بخلاف، لأن كل واحد من المختلفين قد تبع ما يجب عليه اتباعه من الدليل الذي لا يجوز له العدول عنه )) [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (7/ 122)]
وإذا تعدى الرجل في مسائل الاجتهاد إلى الفرقة والفتنة صار بغيا.
قال ابن تيمية رحمه الله: (( ولكن الاجتهاد السائغ لا يبلغ مبلغ الفتنة والفرقة إلا مع البغي, لا لمجرد الاجتهاد, كما قال تعالى ﭸ  ﭹ  ﭺ   ﭻ  ﭼ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ    ﮄ   ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ   ﮉ  ﮊ  آل عمران: ١٩  وقال ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ     ﮀ  ﮁ  ﮂ  الأنعام: ١٥٩  وقال ﮦ   ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ   آل عمران: ١٠٥ فلا يكون فتنة وفرقة مع وجود الاجتهاد السائغ بل مع نوع بغي )) [الاستقامة (1/ 31)]
والذي ينبغي لهذا الراد وأمثاله أن يُحجموا عن التكلم في المسائل الكبار؛ حتى يتأصلوا, ويعرفوا مواطن الإجماع والخلاف.
قال الشيخ ابن باز: (( المبتدئ يجتهد في الاستمرار في طلب العلم، ويحرص على أن يكون أهلا للترجيح في المسائل الخلافية )) [مجموع فتاوى ابن باز (23/ 369)]
وأما أن يتكلم من ليس أهلا فهذا يوقع في البغي والظلم, كما حصل مع هذا المدعو, فقد رماني بأشياء تدل على ظلمه وبغيه, ومن ذلك قوله: "وهذا تأصيل محدث لا دليل عليه" وقوله:"وهذا إرجاء"
ولكي يتضح جهله بالمسائل المنتقدة , وأنه لا يعرف إلا حشد الأقوال من غير تمحيص, ولا ينقل منها إلا ما يوافق رأيه على طريقة أهل البدع, أستعرض رده فقرة فقرة, وأرد عليها على سبيل الاختصار, والله الموفق:



قوله: "فقد استمعت لمقطع للمدعو أحمد النجار يتكلم في مسألة التكفير والتبديع بعنوان ( رد أحمد النجار على من قال عنه إنه لا يبدع أحد ) وقد خبط فيه خبط عشواء على قصره "
قد اعتمد في نقده على مقطع صوتي هو جوابٌ لسؤالٍ وُجِّه إليَّ في أحد الدروس, وليس شيئا مكتوبا محررا, وليس المنطوق كالمكتوب.
 ثم إنه لم يُجِب فيه على كل ما ذكرتُه من أدلةٍ على المسائل التي انتقدها, وإنما بدأ يتصيد بعض العبارات؛ حتى يُخرج ردا يوضع في ملفات ردوده, والله حسيبه في ذلك.
وملأه بالعبارات التي يجيدها كل أحد, كقوله" خبط فيه خبط عشواء" و" المسكين" ونحوها.



قوله: "فزعم المسكين أن التبديع من موانعه الجهل مطلقاً وما فرق بين بدعة مكفرة وأخرى مفسقة 
والحق أن الجهل ليس مانعاً من موانع في شأن البدع المكفرة والأصول الواضحة "
وهذا يدل على سوء أدبه أولا, وعلى عدم علمه بمسائل الإجماع والخلاف ثانيا.
فقضية الجهل -بقيده - هل هو مانع أو لا, اختلف العلماء فيها.
فمنهم من قال: هو مانعٌ, لا فرق بين بدعة مكفرة وأخرى مفسقة, كما أنه لا فرق بين جلي وخفي.
ويريدون بالجهل الذي لا إعراض معه.
قال ابن عبد البر رحمه الله: (( ومن أمكنه التعلم ولم يتعلم أثم والله أعلم )) [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (4/ 145)]
وقال ابن القيم رحمه الله: (( لابد في هذا المقام من تفصيل به يزول الإشكال, وهو الفرق بين مقلد تمكن من العلم ومعرفة الحق فأعرض عنه, ومقلد لم يتمكن من ذلك بوجه, والقسمان واقعان في الوجود, فالمتمكن المعرض مفرط تارك للواجب عليه لا عذر له عند الله )) [طريق الهجرتين (ص412)]
    وعلى هذا فمن موانع التكفير: الجهل المعتبر.
    قال ابن عبد البر عند ذكره لحديث الرجل الذي جحد قدرة الله: (( وأما جهل هذا الرجل المذكور في هذا الحديث بصفة من صفات الله في علمه وقدره فليس ذلك بمخرجه من الإيمان )) [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (18/ 46)]

وممن يرى العذر بالجهل مطلقا على القيد المذكور آنفا شيخ الإسلام ابن تيمية؛ حيث قال في بيان اشتراط بلوغ الحجة في الحكم على المعين بالبدعة:(( إذا رأيت المقالة المخطئة قد صدرت من إمام قديم فاغتفرت؛ لعدم بلوغ الحجة له؛ فلا يغتفر لمن بلغته الحجة ما اغتفر للأول, فلهذا يبدع من بلغته أحاديث عذاب القبر ونحوها إذا أنكر ذلك, ولا تُبدَّع عائشة t ونحوها ممن لم يعرف بأن الموتى يسمعون في قبورهم, فهذا أصل عظيم فتدبره فإنه نافع )) [مجموع الفتاوى (6/61)]
وقال في بيان من هو المبتدع : (( ومثل هؤلاء إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولا يفارقون به جماعة المسلمين؛ يوالون عليه ويعادون؛ كان من نوع الخطأ, والله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك .
ولهذا وقع في مثل هذا كثير من سلف الأمة وأئمتها: لهم مقالات قالوها باجتهاد, وهي تخالف ما ثبت في الكتاب والسنة؛ بخلاف من والى موافقه وعادى مخالفه وفرق بين جماعة المسلمين, وكفر وفسق مخالفه دون موافقه في مسائل الآراء والاجتهادات؛ واستحل قتال مخالفه دون موافقه, فهؤلاء من أهل التفرق والاختلافات )) [مجموع الفتاوى (3/349)]
وقال في البدعة المكفرة الواضحة: (( القول قد يكون كفرا كمقالات الجهمية الذين قالوا: إن الله لا يتكلم, ولا يرى في الآخرة, ولكن قد يخفى على بعض الناس أنه كفر, فيطلق القول بتكفير القائل, كما قال السلف من قال: القرآن مخلوق فهو كافر, ومن قال: إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر, ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة )) [مجموع الفتاوى (23/346)]
فشيخ الإسلام رحمه الله لم يكفر من قال بقول الجهمية, وإنما اشترط قيام الحجة.
 وأقوال الجهمية واضحة جلية, بل قال شيخ الإسلام: (( وقد كان سلف الأمة وسادات الأئمة؛ يرون كفر الجهمية أعظم من كفر اليهود )) [مجموع الفتاوى (2/ 477)]
وقال: (( مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية, ولا كل من قال إنه جهمي كفره )) [مجموع الفتاوى (7/ 507)]
وقال الشيخ العثيمين: (( وأما الخطأ في العقيدة: فإن كان خطأ مخالفاً لطريق السلف، فهو ضلال بلا شك, ولكن لا يحكم على صاحبه بالضلال حتى تقوم عليه الحجة، فإذا قامت عليه الحجة، وأصر على خطئه وضلاله، كان مبتدعاً فيما خالف فيه الحق )) [كتاب العلم (ص 135)]
فاشترط الشيخ رحمه الله إقامة الحجة في التبديع. ([2])
ومن العلماء من فرق بين الجلي والخفي سواء كان في التكفير أو التبديع.
فليس العلماء في هذه المسألة على قول واحد.
وليس المقام مقام تحرير هذه المسألة, وذكر أدلتها, وبيان الراجح, وإنما أردت أن أبين أنها مسألة اجتهادية بالضوابط المعروفة عند العلماء.
فليت هذا الرجل يعرف قدر نفسه.
وهل الذين قالوا بالعذر بالجهل مساكين؟!
فهؤلاء وغيرهم هم سلفي في اعتبار الجهل - بقيده – مانعا, سواء كانت البدعة مكفرة أو مفسقة.
وليتنبه الإنسان للأقوال العارية عن العلم والعدل, فإن الجهل والبغي واضح لكل ذي لب.
قال ابن تيمية رحمه الله: (( فإذا منَّ الله على الإنسان بالعلم والعدل أنقذه من هذا الضلال )) [مجموع الفتاوى (3/ 378)]
وقال: (( والمناظرة والمحاجة لا تنفع إلا مع العدل والإنصاف, وإلا فالظالم يجحد الحق الذي يعلمه: وهو المسفسط والمقرمط, أو يمتنع عن الاستماع والنظر في طريق العلم: وهو المعرض عن النظر والاستدلال )) [مجموع الفتاوى (4/ 109)]



وقوله: " والحق أن الجهل ليس مانعاً..."
معناه أن الباطل بخلافه, فيلزم من ذلك أن من قال بكون الجهل مانعا من أئمة السلف أنهم على باطل, وقالوا الباطل.
فنبدعهم على أصلك؛ لأنهم خالفوا أمرا واضحا جليا, ومما يدل على وضوحه قولك" والحق"
فتأمل لوازم قولك حتى تعرف مقدار نفسك.
ومما ينبغي الإشارة إليه: أنه لا فرق بين باب التكفير وبين باب التبديع في اعتبار توفر الشروط وانتفاء الموانع في المعين.
مع مراعاة أن اعتبار الشروط وانتفاء الموانع هو فيمن ثبت له الإسلام بيقين هذا بالنسبة للتكفير.
وأما التبديع فهو فيمن ثبتت له السنة بيقين.
قال ابن تيمية عن السلف: (( ولهذا يقولون: إن البدع مشتقة من الكفر وآيلة إليه ))
وقد تكلمت عن مسألة عدم الفرق بين باب التكفير والتبديع في رسالتي: "تبصير الخلف.."



ثم ذكر صاحب الرد كلام الرازيين ثم قال:" فتأمل كيف نصوا على تبديع الواقفي الجاهل ، والذي يحتاج أصلاً إلى تعليم وهذا معناه أنه لم تقم عليه الحجة
وهذا من أمثلة نقله ما يزعم أنه موافق لمذهبه وإعراضه عن غيره.
وقد نقلت في رسالتي "تبصير الخلف" شيئا من أقوال السلف.
ومنها:   
سئل الإمام أحمد: ما تقول فيمن لم يثبت خلافة علي؟ قال: (( بئس القول هذا
زاد أحمد بن الحسن, عن بكر, عن أبيه قلت: يكون من أهل السنة؟ قال الإمام أحمد: ما أجترئ أن أخرجه من السنة, تأوَّل فأخطأ )) أخرجه الخلال في السنة (1/428)
   وقال أحمد بن منيع البغوي: (( من زعم أنه – أي القرآن - مخلوق فهو جهمي, ومن وقف فيه فإن كان ممن لا يعقل مثل البقالين والنساء والصبيان سُكت عنه, وعُلِّم )) ذكره أبو القاسم التيمي في كتابه الحجة في بيان المحجة (2/424)
وغير ذلك.
وأما كلام الرازيين: "ومن وقف في القرآن جاهلا علم وبدع ولم يكفر"
فقد أرادا بـ "وقف في القرآن جاهلا علم وبدع" إخراج من وقف شكا, فإن من وقف شكا بعد إقامة الحجة يكون كافرا, وأما من وقف عن غير شك فإنه يكون مبتدعا بعد إقامة الحجة.
ثم تأمل في قولهما "علم وبدع" فاشترطا التعليم, فالواو وإن لم تفد الترتيب فإنها لا تنافيه.
فالتعليم شرط في التبديع لا التكفير فيمن وقف جاهلا لا عن شك.
بخلاف من وقف شكا فإنه بعد التعليم يكون كافرا إذا أصر على قوله.
وإلا فما الفائدة من التعليم.
وهذه نصوص أئمة السلف في تأييد ما ذكرتُه:
قال أبو طالب: وجاء رجل إلى أبي عبد الله – يعني الإمام أحمد - وأنا عنده، فقال: إن لي قرابة يقول بالشك، قال: فقال وهو شديد الغضب: (( شك فهو كافر )) الإبانة لابن بطة.
وعن عبد الله قال سمعت أبي يسأل عمن وقف؟ قال أبي: (( من كان يخاصم ويعرف بالكلام فهو جهمي, ومن لم يعرف بالكلام يجانب حتى يرجع, ومن لم يكن له علم يسأل ويتعلم )) السنة للخلال 5/130
وعن محمد بن مسلم أن أبا عبد الله قيل له: فالواقفة؟ قال: (( أما من كان لا يعقل فإنه يبصر, وإن كان يعقل ويبصر الكلام فهو مثلهم )) السنة للخلال 5/131
  و قال أحمد بن منيع البغوي: (( من زعم أنه – أي القرآن - مخلوق فهو جهمي, ومن وقف فيه فإن كان ممن لا يعقل مثل البقالين والنساء والصبيان سُكت عنه, وعُلِّم )) ذكره أبو القاسم التيمي في كتابه الحجة في بيان المحجة (2/424)
وقال هارون بن موسى الفروي: (( من وقف في القرآن بالشك فهو كافر, ومن وقف بغير شك فهو مبتدع )) أخرجه اللالكائي 2/359
وهذا من هارون الفروي حكم مطلق, وقد فرق بين من وقف شكا, ومن وقف جهلا.
وقد وقع في القول بالوقف مشيخة من رواة الحديث عن جهل, ولم يبدعوا.
قال الدارمي في سياق ذكر حجج بعض الواقفة: (( قالوا: إن ناسا من مشيخة رواة الحديث الذين عرفناهم عن قلة البصر بمذاهب الجهمية سئلوا عن القرآن، فقالوا: لا نقول فيه بأحد القولين، وأمسكوا عنه إذ لم يتوجهوا لمراد القوم؛ لأنها كانت أغلوطة وقعت في مسامعهم لم يعرفوا تأويلها، ولم يبتلوا بها قبل ذلك، فكفوا عن الجواب فيه وأمسكوا. فحين وقعت في مسامع غيرهم من أهل البصر بهم وبكلامهم ومرادهم ممن جالسوهم وناظروهم وسمعوا قبح كلامهم، مثل من سمينا، مثل جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، وابن المبارك، وعيسى بن يونس، والقاسم الجزري، وبقية بن الوليد، والمعافى بن عمران، ونظرائهم من أهل البصر بكلام الجهمية، لم يشكوا أنها كلمة كفر، وأن القرآن نفس كلام الله كما قال الله تبارك وتعالى، وأنه غير مخلوق إذ رد الله على الوحيد قوله: إنه قول البشر وأصلاه عليه سقر، فصرحوا به على علم ومعرفة أنه غير مخلوق، والحجة بالعارف بالشيء، لا بالغافل عنه القليل البصر به، فتعلق هؤلاء فيه بإمساك أهل البصر ولم يلتفتوا إلى قول من استنبطه وعرف أصله ، فقلنا لهم: إن يك جبن هؤلاء الذين احتججتم بهم من قلة بصر، فقد اجترأ هؤلاء، وصرحوا ببصر، وكانوا من أعلام الناس وأهل البصر بأصول الدين وفروعه حتى أكفروا من قال: مخلوق، غير شاكين في كفرهم ولا مرتابين فيهم )) الرد على الجهمية للدارمي (ص: 196)
ثم قد يقال أيضا في كلام الرازيين: إن هذا حكم مطلق, ولا يلزم منه الحكم على المعين إلا بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع.
كما هي القاعدة عند أهل السنة والجماعة.



قوله: " وهذا يدلك على أن المبتدع قد يكون جاهلاً, وليس كل مبتدع قد قامت عليه الحجة ، "
قد تقدم الرد على هذا القول, ومما أزيده هنا: أن لازم الحق لا يكون إلا حقا, وإذا فسد اللازم دل ذلك على فساد الملزوم.
ومن لازم قولك: أن الأئمة الذين خالفوا المسائل الواضحة المجمع عليها أن يكونوا مبتدعة.
مثلا:
- ابن خزيمة خالف في مسألة الصورة المجمع عليها, وكذلك الألباني فهل يكونوا مبتدعة عندك؟
قال ابن خزيمة: (( وتوهموا أن إضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر من إضافة صفات الذات, فغلطوا في هذا غلطا بينا )) كتاب التوحيد (1/99)
وقال: (( فإن ابن آدم خلق على الصورة التي خلقها الرحمن حين صوَّر آدم )) (1/101)
ومما يدل على أن مسألة الصورة أصل مجمع عليه ما يأتي:
قال الإمام أحمد: (( من قال: إن الله خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي )) طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (2/236)
       وعن إسحاق بن منصور قال قلت لأحمد: لا تقبحوا الوجوه فإن الله خلق آدم على صورته أليس تقول بهذه الأحاديث؟ قال أحمد: (( صحيح )) الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية (3/266)
     وقال الإمام إسحاق بن راهويه عن حديث إن الله خلق آدم على صورته: (( صحيح, ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي )) الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية (3/266)
وقال ابن تيمية: (( قال المحافظ أبو موسى المدينيُّ في (مناقب الإمام إسماعيل بن محمد التيمي قِوامِ السنة): سمعتُه يقول: أخطأ محمد بن إسحاق بن خزيمة في حديث الصورة، ولا نطعن عليه بذلك، بل لا يُؤخذُ عنه هذا فحسبُ )). جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية (ص: 168)
     فهذا وغيره يدل على أن مسألة الصورة أصل, ومع ذلك لم يبدع أئمة السلف من خالف من أهل السنة, كابن خزيمة.
-ابن عبد البر أول بعض الصفات الفعلية كالضحك, هل هو مبتدع عندك؟
قال ابن عبد البر: (( وأما قوله: (يضحك الله )فمعناه: يرحم الله عبده عند ذاك, ويتلقاه بالروح والراحة والرحمة والرأفة )) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (18/ 345)
-الإمام أبو حنيفة في مسألة الإيمان هل تبدعه؟
-ابن حجر – الذي عنده تمشعر, ولا أقول أشعريا -هل هو مبتدع عندك؟
قال ابن حجر: (( قوله "استوى على العرش" هو من المتشابه الذي يفوض علمه إلي الله تعالى )) فتح الباري (1/ 136)
وقال: (( قوله:" ينزل ربنا إلى السماء الدنيا" استدل به من أثبت الجهة, وقال: هي جهة العلو, وأنكر ذلك الجمهور؛ لأن القول بذلك يفضي إلى التحيز تعالى الله عن ذلك )) فتح الباري (3/ 30)
فقد أنكر أصولا عظيمة.
-والنووي أيضا هل هو مبتدع عندك؟
قال الشيخ العثيمين: (( فالنووي: لا نشك أن الرجل ناصح، وأن له قدم صدق في الإسلام، ويدل لذلك قبول مؤلفاته حتى إنك لا تجد مسجداً من مساجد المسلمين إلا ويقرأ فيه كتاب (رياض الصالحين)
وهذا يدل على القبول، ولا شك أنه ناصح، ولكنه - رحمه الله - أخطأ في تأويل آيات الصفات حيث سلك فيها مسلك المؤولة، فهل نقول: إن الرجل مبتدع؟
نقول: قوله بدعة لكن هو غير مبتدع، لأنه في الحقيقة متأول، والمتأول إذا أخطأ مع اجتهاده فله أجر، فكيف نصفه بأنه مبتدع وننفر الناس منه، والقول غير القائل، فقد يقول الإنسان كلمة الكفر ولا يكفر )). شرح الأربعين النووية (ص: 288)
فإن كنت جريئا تسير على أصول ثابتة فليكن قولك مطردا, وبدِّع هؤلاء, وإذا فعلت عرفنا من أنت.



قوله: " فمن أهل البدع من لو قامت عليه الحجة لكان كافراً "
لو أردت بالبدع البدع المفسقة فلا يلزم من إقامة الحجة على المبتدع في البدع المفسقة أن يكون كافرا, فلو أن إنسانا يرى الخروج على الحاكم فأقيمت عليه الحجة ولم يأخذ بها ظلما أو من أجل الدنيا لا تكبرا وتكذيبا ونحو ذلك أيكون كافرا؟
الجواب: لا.
فهذا الحسن بن صالح بن حي لم يأت عن أحد من السلف أنه كفره.
وإن كان الأئمة أنكروا رأيه, وذموه, وحذروا منه تحذيرا شديدا, فإنه قد خالف أصلا من أصول أهل السنة وهو أنه يرى الخروج على الحاكم المسلم الفاسق.
قال يحيى القطان: (( كان سفيان الثوري سيئ الرأي في الحسن بن حي )) سير أعلام النبلاء (7/ 362)
وعن خلاد بن يزيد، قال:جاءني سفيان، فقال: (( الحسن بن صالح مع ما سمع من العلم وفقه يترك الجمعة ))، ثم قام، فذهب . سير أعلام النبلاء (7/ 363)
وعن أبي نعيم، قال: ذكر الحسن بن صالح عند الثوري، فقال: (( ذاك رجل يرى السيف على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- )).سير أعلام النبلاء (7/ 363)
وقال أبو نعيم: (( دخل الثوري يوم الجمعة, فإذا الحسن بن صالح يصلي, فقال: نعوذ بالله من خشوع النفاق, وأخذ نعليه فتحول )) تهذيب التهذيب (1/398)
وكان زائدة يجلس في المسجد يحذر الناس من ابن حي وأصحابه سير أعلام النبلاء (7/ 363 - 364)
وقال أحمد بن يونس: (( جالسته عشرين سنة, ما رأيته رفع رأسه إلى السماء, ولا ذكر الدنيا, ولو لم يولد كان خيرا له, يترك الجمعة, ويرى السيف )) تهذيب التهذيب (1/398)
وعن المروذي قال: وسمعت أبا عبد اللَّه وذكر الحسن بْن حي فقال: (( لا نرضى مذهبه, وسفيان أحب إلينا, وقد كان ابن حي قعد عن الجمعة, وكان يرى السيف, وقال:  قد فتن الناس بسكوته وورعه ))        طبقات الحنابلة (1/ 58)
وقال الذهبي: (( هو من أئمة الإسلام، لولا تلبسه ببدعة )). سير أعلام النبلاء (7/ 361)
وهذا فيه رد على من زعم أنه ليس هناك بعد إقامة الحجة إلا الكفر, فإذا أقيمت عليه الحجة كان كافرا لا مبتدعا, وهذا ليس بسديد كما تقدم.



قوله: وحتى بدع السلف يعقوب بن شيبة بالوقف ولو كان عالماً لكفروه" 
قال عبد الرحمن: فسألته - يعني الإمام أحمد - عن يعقوب بن شيبة.
فقال: (( متبدع، صاحب هوى )) سير أعلام النبلاء (12/ 478)
فيحمل كلام الإمام أحمد على أنه خرج خطابا لمعين يعلم حاله, وأنه قد قامت عليه الحجة.
ومما يدل عليه صنيع الإمام أحمد نفسه, ومن ذلك:
عن مثنى الأنباري حدثهم أنه قال: لأبي عبد الله رجل محدث يكتب عنه الحديث قال: من شهد([3]) أن العشرة في الجنة فهو مبتدع, فاستعظم ذلك, وقال: (( لعله جاهل لا يدري, يقال له )) أخرجه الخلال في السنة (1/369)
فاستعظم الإمام أحمد من بدع من شهد للعشرة بالجنة, ثم عذره لجهله.
والشهادة للعشرة بالجنة قد استقر عليها أمر أهل السنة والجماعة.
وسئل أيضا: ما تقول فيمن لم يثبت خلافة علي؟ قال: بئس القول هذا
زاد أحمد بن الحسن, عن بكر, عن أبيه قلت: يكون من أهل السنة؟ قال الإمام أحمد: ما أجترئ أن أخرجه من السنة, تأوَّل فأخطأ )) أخرجه الخلال في السنة (1/428)
فالإمام أحمد ممن يعذر بالجهل في التبديع.
وقد قال أبو العباس ابن تيمية في سياق كلامه عن عقوبة المبتدع: ((  وكثير من أجوبة الإمام أحمد, وغيره من الأئمة خرج على سؤال سائل قد علم المسئول حاله, أو خرج خطابا لمعين قد علم حاله, فيكون بمنـزلة قضايا الأعيان الصادرة عن الرسول, إنما يثبت حكمها في نظيرها )) مجموع الفتاوى (28/213)




قوله: " وادعى النجار أن الرجل إذا سلمت له مصادر التلقي وخالف أصلاً من أصول أهل السنة أنه لا يبدع حتى تقام الحجة ، وهذا تأصيل محدث لا دليل عليه "
وهذا الكلام منه يصدق عليه قول القائل: "من جهل شيئا عاداه", وكلامه هذا يشعر أنه العالم المحقق الذي سبر أقوال العلماء, وتعمق في فهم نصوص الكتاب والسنة, وأحاط بالأدلة, والله المستعان.
فمن خالف في مصدر التلقي لم يثبت له عقد السنة, فكيف يكون من أهل السنة؟!.
 ولهذا نجد الأئمة يبدعون أمثال الجويني مع أن له اجتهادا في المذهب الشافعي ؛ وذلك أنه لم يلتزم السنة في باب الاعتقاد, بخلاف ابن خزيمة وابن عبد البر ونحوهم, فهؤلاء يعظمون السنة ويلتزمونها, لكن لما خالفوا في مسألة واضحة, أجمع عليها السلف, اعتذر لهم الأئمة, ولم يبدعوهم؛ لسلامة مصدر التلقي عندهم.
فالمعتزلي مبتدع ولا كرامة من غير اشتراط إقامة الحجة, وكذا الأشعري, والصوفي, ونحوهم.
فهلا فهمت هذا التأصيل.
ولا يعني هذا أن الرجل من أهل السنة لا يخرج من السنة مطلقا, بل يخرج من السنة إذا أقيمت عليه الحجة.
كما أن كلامي لا يدل  - ولو من بعيد - أني لا أبدع إلا من خالف في مصدر التلقي فقط.
وأود التنبيه هنا: أنه لا يصح أن يقال ما وقع فيه ابن خزيمة وغيره ليس بأصل؛ لعدم اشتهاره.
فمثلا: الصورة قد وصف الإمام أحمد من خالفها بأنه جهمي
  قال الإمام أحمد: (( من قال إن الله تعالى خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي, وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه؟! )) الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية (3/266) 
     وعن إسحاق بن منصور قال قلت لأحمد: لا تقبحوا الوجوه فإن الله خلق آدم على صورته أليس تقول بهذه الأحاديث؟ قال أحمد: (( صحيح )) الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية (3/266)
     وقال الإمام إسحاق بن راهويه عن حديث إن الله خلق آدم على صورته: (( صحيح, ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي )) الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية (3/266) 
وقال أبو العباس ابن تيمية في حديث الصورة:(( هذا الحديث لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير عائد إلى الله )) بيان تلبيس الجهمية (6/373)
وقال: (( وأما قول من قال الضمير عائد إلى آدم كما ذكر ذلك للإمام أحمد عن بعض محدثي البصرة ويذكر ذلك عن أبي ثور فهو كما قال الإمام أحمد هذا تأويل الجهمية وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه )) بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (6/ 433)
وقال ابن تيمية في تأويل الصورة: (( ولكن ظهر لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة, جعل طائفة الضمير فيه عائدا إلى غير الله تعالى حتى نقل ذلك طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم, كأبي ثور, وابن خزيمة, وأبي الشيخ الأصبهاني, وعيرهم, ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة )) بيان تلبيس الجهمية (6/376)
فقد تضمن كلام شيخ الإسلام أمورا:
الأول: أن تأويل الصورة لم يظهر إلا في المائة الثالثة من جهة الجهمية.
الثاني: حكاية إجماع القرون الثلاثة على عدم التأويل.
الثالث: إنكار أئمة الدين عليهم هذا التأويل.
وهذه الأمور الثلاثة مفردةً تدل على اشتهار المسألة ووضوحها, فكيف بمجموعها؟!.
الرابع: أن ابن خزيمة وأمثاله معروفون بالعلم والسنة في عامة أمورهم.
وقوله في عامة أمورهم يدل على سلامة مصدر التلقي, وكذلك سلامتهم في عامة أمور الدين, وهذا هو السبب في الاعتذار لهم.
وقال أيضا في أبي ثور: (( وأول من بلغنا أنه تأوَّله ممن هو من العلماء المعروفين: أبو ثور، فلما تأوله أنكر ذلك عليه الإمام أحمد وغيره، وقصته في ذلك معروفة، ذكرها المرُّوذي في (كتاب القصص)، وذكرها الخلَّالُ وغيره، وذكرها أبو طالب المكيُّ في كتابه المسمى بـ(قُوْتِ القلوب) وقد ذكرها غير واحدٍ؛ كالقاضي أبي يعلى في كتاب (إبطال التأويلات لأخبار الصفات).
وكذلك تأوله الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خُزيمة، وجعل الضمير عائدًا على المضروب، وعلَّلَ رواية (الرحمن) وتأوَّلها - بتقدير صحَّتها - على أن الإضافة إلى الله إضافة خلق؛ لأنَّ الله خلقه تشريفًا وتكريمًا. وقد قيل: إن أبا الشيخ الأصفهاني أيضًا ممَّنْ تأوَّله.
فهؤلاء الثلاثة من المشهورين بالسُّنة، لكن جماهيرهم أنكروا ذلك )). جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية (ص: 168)
فذكر أنهم من المشهورين بالسنة, وأنهم من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم, مع إنكار بعض أئمة السلف على أبي ثور.
والإنكار والتحذير لا يلزم منه التبديع.
ومما يجدر ذكره هنا: أن الضابط في الجزئي الذي لا يُبدَّع به والجزئي الذي يبدع به هو: الإجماع, فإذا أجمع أئمة السلف على جزئي صار أصلا يُبدع من أجله, كما في مسألة حديث الصورة المتقدم, ومسألة الخروج على الحاكم المسلم, وغير ذلك.
وقد تكلمت عن هذه المسألة في رسالتي" تبصير الخلف.."
وأزيد هنا شيئا مهما وهو: ما ذكره ابن أبي زمنين في كتابه الذي سماه بأصول السنة, حيث قال: (( وأهل السنة يؤمنون بأن هذه الأمة تفتن في قبورها ... ))ص/150
وقال: (( وأهل السنة يؤمنون بعذاب القبر ... )) ص/154
وقال: (( وأهل السنة يؤمنون بالميزان يوم القيامة...))ص/162
وهذه كلها مسائل جزئية داخلة تحت اليوم الآخر, ومع ذلك عدها من الأصول؛ لوقوع الإجماع؛ وذلك أنه صدر كل مسألة بقوله: "وأهل السنة يؤمنون" ونسبته إلى أهل السنة إشارة إلى إجماعهم.
وقد فعل هذا غيره من الأئمة.
فإن قال قائل: لا يكفي الإجماع وحده في عد المسـألة أصلا, بل لابد من إضافة قيد آخر وهو أن تكون هذه المسألة مما خالف فيها أهل البدع.
قيل له: هذا القيد يلزم عليه لوازم باطلة, ومن تلك اللوازم: أن تكون المسألة المجمع عليها قبل أن يخالف فيها أهل البدع ليست أصلا, وإنما كانت أصلا بعد مخالفة أهل البدع, وهذا قول باطل.
فهي إنما كانت أصلا لاشتهار موافقتها للكتاب والسنة, لا لكون هناك من خالف من أهل البدع.
فإن قال قائل آخر: ليس التبديع محصورا في الأصول, بل حتى لو خالف فرعا أو أحدث بدعة ووالى وعادى عليها.
قيل له: مجرد الإحداث في فرع من الفروع لا يبدع لأجله الإنسان, ولا يعرف عن أحد من السلف بدع لأجل ذلك, بل لو ساغ التبديع في الإحداث في الفروع لما سلم أحد من الأئمة المجتهدين كالشافعي, وغيره من الأئمة.
أما كونه يوالي ويعادي لأجله فلا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يوالي ويعادي لما يظن أنه السنة, فهذا لا يجترئ أحد على تبديعه.
الحال الثانية: أن يوالي ويعادي لما علم أنه بدعة؛ فهذا يرجع إلى هدم أصل عنده, وهو أصل الولاء والبراء.
فينبغي عدم الخلط بين المسائل.




قوله: " وادعى النجار أن الرجل إذا سلمت له مصادر التلقي وخالف أصلاً من أصول أهل السنة أنه لا يبدع حتى تقام الحجة ، وهذا تأصيل محدث لا دليل عليه "
مع ما تقدم أقول: ما نقلتَه أنت قبل هذه العبارة عن شيخ الإسلام يثبت هذا التأصيل الذي زعمت أنه محدث, لكن أُتيت من سوء فهم, ومن اعتقاد قبل البحث, فحملت نصوص العلماء على ما اعتقدته.
وأوضح لك نقلا واحدا, وقس عليه ما عداه .
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (13/ 361: "وفي الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتَّابِعِينَ وَتَفسيرهم إلى ما يخالِفُ ذلك كان مُخْطِئًا في ذلك بل مبتدعا وإن كان مجتهدا مغفورا له خطؤه"
فمراده بالمبتدع هنا من لم ينتسب للسنة أصلا, إذ إنه لا يعدل عن مذهب الصحابة إلا أهل البدع, كما قال شيخ الإسلام: ((  فعلم أن شعار أهل البدع : هو ترك انتحال اتباع السلف )) مجموع الفتاوى (4/155)
وهذا يقرر أن خلافهم كان في مصدر التلقي .
فهم عدلوا؛ لأجل مذهب اعتقدوه مخالف لمذهب الصحابة.
يوضحه أيضا سياق هذا الكلام فقد قال((فإن الصحابة والتابعين والأئمة إذا كان لهم في تفسير الآية قول وجاء قوم فسروا الآية بقول آخر لأجل مذهب اعتقدوه وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان صاروا مشاركين للمعتزلة وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا. ))
كما يوضحه أيضا كلام شيخ الإسلام الآخر المتناثر في كتبه, وقد نقلت شيئا منه في رسالة تبصير الخلف, فلترجع إليه.






قوله: " وادعى النجار أن الرجل إذا سلمت له مصادر التلقي وخالف أصلاً من أصول أهل السنة أنه لا يبدع حتى تقام الحجة ، وهذا تأصيل محدث لا دليل عليه "
لو كانت المسألة بالرجال, فهذا التأصيل الذي ذكرتَ أنه محدث قد أقمتُ عليه الأدلة, وقد سُبقتُ إليه, وأقرني عليه عالمان جليلان, وشيخان فاضلان وهما فضيلة الشيخ صالح بن سعد السحيمي أستاذ العقيدة في الجامعة الإسلامية وهو معروف عند العلماء بعلمه ومنهجه, والشيخ سليمان الرحيلي الفقيه الأصولي, وهو معروف أيضا بدقته وتحقيقه.
فأين أنت منهم؟ ومن أقرك على هذه المجازفة العارية عن الصحة؟ ثم أين الأدلة على هذه الدعوى؟
وقد ذكرتُ لك فيما سبق سوء فهمك لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية.
فلست أهلا للحكم فتنبه.



قوله: "وقد ادعى أن عبد الملك الكرجي نفى إحساس الميت بعذاب القبر ولم يبدعه أهل السنة ، مع أنه خالف أصلاً من أصول أهل السنة 
وهذا خلط منه بين محمد بن عبد الملك الكرجي الفقيه الشافعي والكرجي القصاب صاحب التفسير محمد بن علي بن محمد، أبو أحمد القصاب
والذي قاله القصاب أن الميت لا يشعر بطول مكثه في القبر لا أنه لا يحس بعذاب القبر فهذا لا يدل عليه كلامه من قريب ولا بعيد "
لو رجع لرسالتي" تبصير الخلف" لوجد أني فرقتُ بين محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر الكرجي أبو الحسن وبين محمد بن علي بن محمد الكرجي أبوأحمد, لكن سبق لساني في التسجيل الصوتي فقلت عبد الملك الكرجي, فكأنه طار فرحا بهذا, مع أنه لا يسلم منه إنسان – عالم أو جاهل – إلا من كان معصوما.
وسأنقل للقارئ الكريم نقل كلام شيخ الإسلام لأبي الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي الذي يدل على سوء فهم هذا المدعو, قال:(( في تأويل الشيخ أبي أحمد محمد بن علي الفقيه الكرجي الإمام المعروف بالقصاب للآيات والأخبار الواردة في إحساس الميت بالعذاب, وإطنابه في كتابه المعروف بـ (نكت القرآن), وذهابه إلى أن الميت بعد السؤال لا يحس طول لبثه في البرزخ, ولا بالعذاب.
فنقول: هذا تأويل تفرَّد به, ولم يتابعه الأئمة, والقول ما ذهب إليه الجمهور, وتفرده بالمسائل لا يؤثر ولا يقدح في درجاتهم ))([4])
وقد أقره شيخ الإسلام على هذا التقرير.
قوله: "بل صرح بوجود عذاب القبر والإحساس به جلياً في النكت (4/53) :" وطائفة من عذاب القبر تطول عليه بكرة واحدة وعشية واحدة ،
ثم يخمد فلا يشعر إلى الحشر بشيء ، كما دللنا عليه"
على الإنسان أن يكون أمينا في النقل, حتى وإن خالف ما رآه, فلو نقلت كلامه كله لفهمت المراد, ولعلمت أنك أخطأت في فهمك, وفي نقدك لي.
قال الكرجي : (( وفيما دل عليه عرضُ آل فرعون على النَّار غدوًّا وعشيّا ما يعارض ما ذكرناه في غير موضع من هذا الكتاب من أن الميت لا يشعر  بعد المساءلة  بعد طول المكث في البرزخ، حتى يبعثه الله، ودللنا عليه في التلاوة - نصَّا - في الكافر والمسلم، ورُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم – بنقل الثقات ما يؤيده من عرض مقاعد أهل القبور عليهم – إيَّاها بكرة وعشية، فقد يحتمل أن يكون هذا العرض بقية من المساءلة تمتد عليه، وطائفة من عذاب القبر تطول عليه بكرة واحدة وعشية واحدة ثم يخمد فلا يشعر إلى الحشر بشيء، كما دللنا عليه
فإن قيل: وكيف يكون ذلك وفي الموتى من يموت عشية يوم قد مضت بكرته، أو يموت ليلاً قد مضت البكرة والعشية معًا؟.
قيل: نفس هذا دليل على أنه لا يؤخذ في العرض عليه من فور دفنه، فإذا عرض عليه غدوة يوم، وعشية الثاني فقد ارتفعت غدوة وعشية، واستغرق الاحتمال، وزال التعارض. فإن قيل: أفليس قد رُوي: " أنه تُعرض عليهم مقاعدهم غدوة وعشية، ما دامت الدنيا
قيل: لم يأت بهذه اللفظة إلا قَبيصة عن سفيان، ومالك أثبت، رَوى عن نافع، عن ابن عمر فلم يذكرها، وقبيصة وإن كان من الأثبات، فقد أغفل الحفظ في غير شيء ))
وقال: (( قوله:ﭲ  ﭳ     ﭴ  ﭵ  ﭷ    ﭸ  ﭹ   ﭺ  ﭻ  طه: ١٠٢
دليل على ما قلنا: إن الميت لا يشعر بطول مكثه في البَرزخ، لولا  ذلك لما أحالوا على لُبث عشرِ ويوم ))
فالكرجي رحمه الله يرى أن الميت – كافرا كان أو مسلما - لا يشعر بطول مكثه في البرزخ ولا بالعذاب, ولهذا أول عذاب الكفار الدائم إلى قيام الساعة كما في آل فرعون.
ولو كان يثبت العذاب بعد المسألة إلى قيام الساعة لما استشكل الآية ﮞ   ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ    ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  غافر: ٤٦
ولو كان أيضا يثبت العذاب بعد المسألة إلى قيام الساعة لما أتى بالاحتمالات والتخريجات.
وتأمل في قوله: " الميت لا يشعر  بعد المساءلة  بعد طول المكث في البرزخ"
وهو يتحدث عن آل فرعون, وهذا فيه نفي للشعور- الإحساس - بعد المسألة, وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة الصريحة ومنها ما ذكرها ابن القيم في الروح (ص89) حيث قال: (( وفي حديث ابن عباس في قصة الجريدتين لعله يخفف عنهما ما لم تيبسا فجعل التخفيف مقيدا برطوبتهما فقط
 و في حديث الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت لا يفتر عنهم من ذلك شيء و قد تقدم وفي الصحيح في قصة الذي لبس بردين وجعل يمشي يتبختر فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة
 وفي حديث البراء بن عازب في قصة الكافر ثم يفتح له باب إلى النار فينظر إلى مقعده فيها حتى تقوم الساعة رواه الإمام أحمد وفي بعض طرقه ثم يخرق له خرقا إلى النار فيأتيه من غمها و دخانها إلى القيامة ))
قوله ولو فرضنا جدلاً أن القصاب خالف أصلاً من أصول فمن أين لك أن علماء أهل السنة في عصره لم يبدعوه ، أو قالوا من بدعه فهو مبتدع أو مخطيء 
بل لم يذكر في ترجمته أن أحداً أنكر عليه هذه المسألة مما يدل على أنهم إما لم يقفوا عليها ، أو وقفوا ورأوها محل اجتهاد 
لا يزال يتكلم بلغة العالم المستقرئ, وهو لا يعرف قدر نفسه, والله المستعان, فهذا كلام الكرجي الشافعي نقله ابن تيمية, فهل سترجع؟
ومحمد بن عبد الملك الكرجي حكى قول القصاب قائلا: "لا يحس طول لبثه في البرزخ, ولا بالعذاب."
فلا أدري ما الفرق بين ما ذكرتُه في التسجيل وما نقله شيخ الإسلام؟!
وهل بعد هذا كله لم يخالف أصلا؟ أو تراها من المسائل الاجتهادية؟
وإليك هذه الفائدة في بيان أقوال المعتزلة: فقد قال القرطبي في التذكرة (380): (( وقال بعض المعتزلة: إن الله يعذب الموتى في قبورهم، ويحدث فيهم الآلآم وهم لا يشعرون، فإذا حشروا وجدوا تلك الآلام.
وزعموا أن سبيل المعذبين من الموتى، كسبيل السكران أو المغشى عليه، لو ضربوا لم يجدوا الآلام، فإذا عاد إليهم العقل وجدوا تلك الآلام، وأما الباقون من المعتزلة.
مثل ضرار بن عمرو وبشر المريسي ويحيى بن كامل وغيرهم، فإنهم أنكروا عذاب القبر أصلاً، وقالوا: إن من مات فهو ميت في قبره إلى يوم البعث وهذه أقوال كلها فاسدة تردها الأخبار الثابتة وفي التنزيل: ﮞ   ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ غافر: ٤٦)).
قوله: "ومن تخبط النجار قوله بأن الكفر لا يكون إلا فيما واطأ فيه القلب اللسان ، وهذا إرجاء فإننا مع قولنا أن الكفر الظاهر لا يقع إلا مع وجود كفر باطن"
فقد أبان في هذه العبارة تحامله علي؛ إذ إنه ما تورع عن وصف كلامي بالإرجاء , ثم لما رأى بُعد كلامي عن هذا الوصف استدرك على نفسه قائلا: " فإننا مع قولنا أن الكفر الظاهر لا يقع إلا مع وجود كفر باطن"
ثم إن عبارتي قد ذُكرت في سياقٍ, فقطع الكلام عن سياقه.
فلم يكن كلامي متعلقا بالكفر الذي يناقض الإيمان من كل وجه كسب الله, والاستهزاء ونحو ذلك.
فهذه لا شك أن من وقع فيه من غير إكراه ولا إغلاق فهو كافر ظاهرا وباطنا.
قال إسحاق بن راهويه: (( قد أجمع المسلمون أن من سب الله أو سب رسوله عليه الصلاة والسلام أو دفع شيئا مما أنزل الله أو قتل نبيا من أنبياء الله أنه كافر بذلك وإن كان مقرا بما أنزل الله )). انظر: الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 512)
وقال محمد بن سحنون: (( أجمع العلماء أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المنتقص له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله وحكمه عند الأمة القتل ومن شك في كفره وعذابه كفر )). انظر الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 513)
وقال ابن تيمية: (( فإنا نعلم أن من سب الله ورسوله طوعا بغير كره ؛ بل من تكلم بكلمات الكفر طائعا غير مكره ومن استهزأ بالله وآياته ورسوله فهو كافر باطنا وظاهرا وأن من قال : إن مثل هذا قد يكون في الباطن مؤمنا بالله وإنما هو كافر في الظاهر فإنه قال قولا معلوم الفساد بالضرورة من الدين )) الإيمان الأوسط (ص: 102)
ولا أقول: إنه يشترط فيه الاستحلال القلبي فهذا لا يستقيم إلا على أصول الجهمية ومن وافقهم الذين يجعلون الإيمان هو المعرفة أو التصديق, وأن القول والعمل لا يؤثر في الإيمان.
ووجه كونه كفرا ظاهرا وباطنا: أن هذا الكفر مستلزم لكفر الباطن.
قال شيخ الإسلام (( وما كان كفرا من الأعمال الظاهرة كالسجود للأوثان, وسب الرسول ونحو ذلك فإنما ذلك لكونه مستلزما لكفر الباطن )) مجموع الفتاوى 14/120
وقال: (( أن : لا نسلم أن المقصود إذا صح يكفر المعبر بعبارة يقال إنها سيئة, وهذا قول لم يقله أحد من أئمة المسلمين, بل هم مجموعون على نقيضه, وأن المسلم إذا عنى معنى صحيحا في حق الله تعالى أو الرسول ولم يكن خبيرا بدلالة الألفاظ فأطلق لفظا يظنه دالا على ذلك المعنى و كان دالا على غيره أنه لا يكفر, ومن كفر مثل هذا كان أحق بالكفر, فإنه مخالف للكتاب و السنة وإجماع المسلمين, وقد قال تعالى ﯖ  ﯗ  ﯘ   البقرة: ١٠٤ وهذه العبارة كانت مما يقصد به اليهود إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم, و المسلمون لم يقصدوا ذلك, فنهاهم الله تعالى عنها ولم يكفرهم بها, والمطلق لمثل هذا على الله لا يكفر, فكيف على الرسول صلى الله عليه وسلم؟ )) الرد على البكري (2/ 659)
وإنما كان كلامي متعلقا بمن صرف ذبح لغير الله, أو استغاث بغير الله وقد اختلف العلماء فيه من جهة تكفير المعين.
ولا شك أن صرف العبادة لغير الله كفر, لكن هل كل من وقع فيه يكون كافرا؟
أما عبارتك التي ذكرت " فإننا مع قولنا أن الكفر الظاهر لا يقع إلا مع وجود كفر باطن"  فإنه يلزم عليها لوازم باطلة:
أولا:  أن المكره الذي نطق بالكفر يكون كافرا في الباطن, لأنك أطلقت العبارة " الظاهر لا يقع إلا مع وجود كفر باطن".
فيلزم من قولك أن تكفر الصحابي الجليل عمار بن ياسر؟!
والنبي صلى الله عليه وسلم قال له: (( إن عادوا فعد )), فهل أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفر؟!
والعياذ بالله.
ولازم القول عندي ليس بقول.
فهلا ذهبت وتعلمت قبل أن ترد؟!
ثانيا: أن عبارتك لا تفرق بين قول أهل السنة والجهمية.
فقولك الكفر الظاهر لا يقع إلا مع وجود كفر باطن.
يَرِد عليه سؤال: هل كفر الظاهر لا يقع إلا مع وجود كفر الباطن من باب اللزوم أو من باب الدليل والأمارة؟
فالأول: قول أهل السنة والجماعة على القيد الذي ذكرتُه آنفا.
والثاني: قول الجهمية ومن وافقهم.
قال ابن تيمية عن الجهم ومن وافقه: (( قالوا: وإنما ثبت له في الدنيا أحكام الكفار؛ لأن هذه الأقوال أمارة على الكفر, ليحكم بالظاهر كما يحكم بالإقرار والشهود, وإن كان الباطن قد يكون بخلاف ما أقر به وبخلاف ما شهد به الشهود )) مجموع الفتاوى (7/ 189) وما قبلها



قوله: فلا نشترط هذه الموطأة التي معناها إذا كذب بلسانه فلا بد أن يكذب بقلبه ! بل قد يكذب بلسانه ويكون دافع التكذيب العناد أو الحسد أو غيرها"
هذا تحريف لكلامي, فكلامي واضح في الدلالة على المواطأة في الكفر –الذي دل عليه سياق كلامي- لا في التكذيب, والفرق بين الأمرين ظاهر.
 ومن يقرأ عبارتك هذه يظن أنك من المرجئة الذين حصروا الكفر في التكذيب.
قال ابن تيمية عن المرجئة من الجهمية ومن وافقهم كالاشاعرة: (( فالكفر عندهم شيء واحد, وهو: الجهل, والإيمان شيء واحد وهو: العلم أو تكذيب القلب وتصديقه, فإنهم متنازعون هل تصديق القلب شيء غير العلم أو هو هو؟ .
وهذا القول مع أنه أفسد قول قيل في " الإيمان " فقد ذهب إليه كثير من " أهل الكلام المرجئة ".
وقد كفر السلف - كوكيع بن الجراح وأحمد بن حنبل وأبي عبيد وغيرهم - من يقول بهذا القول. وقالوا: إبليس كافر بنص القرآن وإنما كفره باستكباره وامتناعه عن السجود لآدم لا لكونه كذب خبرا. وكذلك فرعون وقومه قال الله تعالى فيهم: ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  النمل: ١٤)) مجموع الفتاوى (7/189)



قوله: وقد تخبط في نقل قصة سجود معاذ للنبي صلى الله عليه وسلم فزعم أن معاذاً رحل لليمن ، والحديث فيه أن معاذاً رحل للشام وهذا من أوجه نكارته إذ أن معاذاً ما رحل للشام إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم 
وهذا أيضا من جهله وعدم اطلاعه, فقد أخرج أحمد في المسند (36/ 312)
عن معاذ بن جبل: أنه لما رجع من اليمن، قال: يا رسول الله، رأيت رجالا باليمن يسجد بعضهم لبعض، أفلا نسجد لك؟ قال: " لو كنت آمرا بشرا يسجد لبشر، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها "
وجاء أيضا في المسند (32/ 145) بالشك, فعن عبد الله بن أبي أوفى قال: ((اليمن، أو قال: الشام، فرأى النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها...))
والحديث يحتاج إلى مزيد بحث, ليس هذا موضعه.
وفي الختام:
هذا ما أردت بيانه على عجالة - لضيق الوقت -؛ حتى يفهم الكلام على وجهه.














([1])   وهو للمدعو: "عبد الله الخليفي" وليس غرضي ابتداء هو الرد عليه, وبيان ضعف ما استمسك به, وإنما الغرض بيان هذه المسائل التي تعد من أهم المهمات في هذا العصر؛ وذلك أنها أشكلت على جمع من طلبة العلم, فضلا عن العوام.
      والله المستعان. 
([2])   ومن أراد المزيد في التبديع فليرجع  إلى رسالتي: " تبصير الخلف بضابط الأصول التي من خالفها خرج عن منهج السلف"

([3])  من الأئمة من ترك لفظ الشهادة وعبر بالقول كابن المديني وغيره, وقد أنكر ذلك الإمام أحمد, وأمر أهل السنة والجماعة قد استقر على الشهادة, فلا يجوز العدول عن ذلك.
        قال ابن تيمية: (( وكان طائفة من السلف يقولون: لا نشهد  بالجنة إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - خاصة. وهذا قول محمد ابن الحنفية والأوزاعي, وطائفة أخرى من أهل الحديث، كعلي بن المديني وغيره  ، يقولون: هم في الجنة، ولا يقولون  : نشهد لهم بالجنة.
      والصواب أنا نشهد لهم بالجنة, كما استقر على ذلك مذهب أهل السنة )).  منهاج السنة النبوية (6/ 203)
     وفي السنة لأبي بكر بن الخلال (2/ 358) عن أبي بكر المروذي، في هذه المسألة قال: قلت لأبي عبد الله: إن ابن الهيثم المقرئ قد حكي عنه أنه قال: لا أشهد للعشرة أنهم في الجنة، قال: لم يذاكرني بشيء، قلت له: فلا يجانب صاحب هذه المقالة؟ قال: قد جفاه قوم , وقد لقي أذى. وقال محمد بن يحيى الكحال في هذه المسألة: سألت أبا عبد الله عمن لا يشهد لأبي بكر وعمر وعثمان بالجنة , فقال: هذا قول سوء، وقد كان عندي منذ أيام من هو ذا يخبر عنه بهذا , ولو علمت لجفوته، قلت له: ابن الهيثم؟ قال: نعم ))
       السنة لأبي بكر بن الخلال (2/ 359)
       وعن أبي بكر الأثرم كما في السنة (2/359)، قال: سمعت أبا عبد الله ونحن على باب عفان، فذكروا الشهادة للذين جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم في الجنة، فقال أبو عبد الله: نعم نشهد، وغلظ القول على من لم يشهد، واحتج بأشياء كثيرة، واحتج عليه بأشياء فغضب حتى قال: صبيان نحن ليس نعرف هذه الأحاديث، واحتج عليه بقول عبد الرحمن بن مهدي، فقال , عبد الرحمن بن مهدي من هو؟ أي مع هذه الأحاديث "
       وفي السنة أيضا لأبي بكر بن الخلال (2/ 362) عن محمد بن علي أبو بكر، أن يعقوب بن بختان حدثهم في هذه المسألة، قال أبو عبد الله: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أشهد على عشرة من قريش أنهم في الجنة» ، فقيل له: إن رجلا يقول: هم في الجنة ولا أشهد، فقال: «هذا رجل جاهل، أيش الشهادة إلا القول»
([4]) – بيان تلبيس الجهمية (6/398-406)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق